تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تفاصيل عن العرب من قصاصي الأثر في الجيش الإسرائيلي :عندما نرى الحاجز العسكري من بعيد نهرب



من هناك
06-24-2010, 08:53 PM
بقلم : د . سمير محمود قديح
باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية

بعد النكبة عام 1948 عملت دولة العسكر على الاستفادة من قصاصي الأثر لملاحقة الفدائيين المتسللين إلى أوطانهم، وأوقعت عدداً كبيراً منهم في فخ خيانة شعبهم، فاستخدمتهم ضمن وحداتها العسكرية.. وتطرق تقرير نشر مؤخرا إلى مصير عدد من قصاصي الأثر، الذي لا يختلف عن مصير أي عميل خان شعبه وعمل في خدمة الإحتلال ثم ألقي به جانباً إلى مصير أسود في انتظار الموت بعد أن لم يعد يرجى منه أية فائدة.

ويتناول التقرير مصير عدد من القصاصين، من مجموعة يصل تعدادها اليوم إلى المئات، ممن هم في عداد النكرات من الناحية الرسمية، فلا مكانة مدنية لهم ولا حقوق ولا وجود لهم ولا بطاقة هوية ولا مواطنة ولا إقامة، رغم الخدمات التي لا تحصى التي قدموها لجيش الإحتلال
في ملاحقة أبناء شعبنا الفلسطيني..

شتيوي السراحين البالغ من العمر 60 عاماً يسكن في خيمة في القرية العربية البدوية غير المعترف بنها وادي النعيم. ليست خيمته، وإنما هي شق الضيافة لقريبه سليم السراحين. وعمل سراحين قصاص أثر في الجيش الإسرائيلي في عدوان 1967 وفي حرب تشرين 1973. أما اليوم فهو معاق، لا يستطيع الوقوف على قدميه، ولا يستطيع المشي، ويجد صعوبة في إسناد قامته. يقضي جل وقته مضطجعاً "مطوياً" على البطانيات في الخيمة. وعندما يريد التحرك في داخل الخيمة يستخدم يديه في حين يكون باقي جسمه مطوياً، بما في ذلك رجلاه، ويزحف في زوايا الخيمة على مؤخرته بالإعتماد على يديه. كان سراحين قد أصيب، قبل 5 أعوام، إصابة شديدة في ظهره، ومنذ ذلك الحين تتدهور حالته الصحية، وتقلص عالمه لينحصر في خيمة الضيافة..

وبالرغم من أنه كان قصاص أثر في الجيش، إلا أن سراحين لا يملك أي مكانة مدنية في إسرائيل، لذلك ليس لديه تأمين صحي. ويتلقى العلاج الطبي في أوقات متباعدة عن طريق أطباء خاصين مكلفين. وقبل سنة نصف رقد في المستشفى. وفي نموذج تلخيص المرض، قيل إن الإتصال معه كان عن طريق مترجم، ومع ذلك كانت هناك صعوبة في فهم ما يقوله. " لا يوجد معلومات عن المريض في الحاسوب أو في أي مصدر آخر، وماضيه الطبي غير معروف، ولا يوجد دواء ثابت يتناوله، لم يرقد في مستشفى بتاتاً، يتلقى علاجاً بالإبر من قبل طبيب خاص أحياناً، ولا يعرف ما هو هذا العلاج..".

يقول دياب أبو عفاش، من سكان وادي النعيم:" يعيش سراحين في هذه الخيمة كأنه ينتظر الموت في كل لحظة. فأنت تعيش لتموت لأنه لا يوجد جديد.. لا شيء. فهو لا يخرج أبداً من الخيمة"..

مثل كثيرين من عشيرة العزازمة، قضى سراحين حياته في عبدات، بالقرب من "متسبيه ريمون". إلا أنه كقصاص أثر فقد خدم في سيناء. وعندما أعيدت سيناء إلى مصر في بداية الثمانينيات، بقي هناك. وفي العام 1999 شارك في محاولة التسلل الكبيرة لأبناء العزازمة من سيناء إلى إسرائيل. وتم إعادة 800 شخص منهم إلى سيناء، وسمح بالبقاء فقط لبضعة عشرات ممن استطاعوا أن يثبتوا أنهم أو أبناء عائلاتهم مرتبطون بالجيش الإسرائيلي، ولكنهم لم يتلقوا أية مكانة مدنية. أي أنه سمح لهم بأن يصبحوا "ماكثين بشكل غير قانوني"، وأما طلب لمّ الشمل الذي تقدم به سراحين فقد تم رفضه..

وسراحين، مثل المئات من عشيرة العزازمة، لا يوجد له مكانة في إسرائيل. حيث أن قسماً من العشيرة لم يحصلوا على مكانة مواطنين مع قيام إسرائيل في أعقاب النكبة، كما لم يتلقوا أية بطاقة شخصية، في أعقاب مقتل الضابط الإسرائيلي يئير بيليد بالقرب من مكان سكن العشيرة في النقب. وفي العام 1959 جرى طرد قسم من العشيرة إلى سيناء. وبعد عدوان 1967 سمح لهم بالعودة، ولكن لم يتم ترتيب مكانتهم المدنية.

سراحين هو من ضمن مجموعة من عشرات قصاصي الأثر السابقين من عشيرة العزازمة، الذين خدموا أو عملوا في الجيش في بداية سنوات السبعينيات. ولا يحصلون على مخصصات أو مساعدات من الجيش، وليس لديهم بطاقة هوية شخصية إسرائيلية ( مواطنة)، وغير مشمولين في التأمين الصحي، ولا يتلقون مخصصات من التأمين الوطني..

غالبيتهم أميون، ومعظم أبنائهم لا يتعلمون في المدارس، فهم "جيش لبنان الجنوبي". كانوا إسرائيليين بما فيه الكفاية ليخدموا في الجيش، ولكن إسرائيليتهم لم تكن كافية ليحصلوا، هم وأبناؤهم، على بطاقة هوية شخصية أو مواطنة أو إقامة.

وخلافاً لشتيوي سراحين، فمعظمهم لم يعيشوا بعد ذلك في سيناء، وإنما ظلوا في البلاد، وبالرغم من ذلك لا تعترف إسرائيل بوجودهم. حصل بعضهم على وثائق شخصية غزية، بالرغم من أنهم لم يعيشوا أبداً في قطاع غزة. وهذه الوثائق تمنحهم كافة الحقوق في إسرائيل ما عدا إمكانية تشخيصهم..

أصبح هؤلاء القصاصون كباراً في السن ومتعبون، وهم في جيل 55-60 عاماً. تعبوا من الحروب ومن الدولة. وهؤلاء لم يحاولوا الحصول على أي مكانة منذ سنوات، فهم لا يعرفون اللغة، ولا يستطيعون قراءة النماذج والوثائق الموجودة بحوزتهم، ولا يدركون القواعد المعمول بها..

لكل واحد منهم، ممن يسعون للحصول على مكانة مدنية، كيس يحتفظ فيه بكل الوثائق التي أصبحت من زاوية معينة كل عالمه. ولدى الكثيرين منهم فإن الوثيقة الأهم هي الإيصال الذي تلقوه حال تقديم الطلب للحصول على أجوبة، وهو الطلب الذي رفض. لكون الإيصال يؤكد أنهم موجودون..

أما بالنسبة لقصاصي الأثر فإن الوثيقة الأهم هي رسالة التوصية من ضباطهم في الجيش. وهي رسائل يزيد عمرها عن 30 عاماً، وهي في الغالب ممزقة إلى 8 قطع ويعرضون قطعها. وفي رسالة سالم سراحين، 58 عاماً، يصادق ضابط وحدة قصاصي الأثر (لا يمكن قراءة اسمه من الرسالة) على أن "المذكور عمل كقصاص أثر في كتيبة "كتسيمة" وساهم كثيراً في أمن إسرائيل في ساحة سيناء".

وفي تصريح له يقول إنه من مواليد 1948، في منطقة عبدات. في العام 1959 طرد مع عائلته إلى سيناء. وفي العام 1967 سمح له بالعودة سوية مع زوجته إلى إسرائيل، بدون أي مكانة. وقام الجيش بمنحه بطاقة هوية خضراء غزية. في العام 1982 استبدلت ببطاقة حمراء خاصة بقطاع غزة، بالرغم من أنه لم يسكن قط في القطاع.

يقول قصاص الأثر السابق:" لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان. نعيش هنا مثل القط والفأر، وعندما نرى الحاجز العسكري من بعيد، نهرب مسافة تزيد عن كيلومتر. وفي الغالب نحن لا نخرج من المنطقة. عمل حارساً ذات مرة في إيلات. في العام 1995 تم اعتقاله. لا يتلقى أية مخصصات وليس لديه تأمين وطني. ولد له ثلاث بنات لم يحصلن بدورهن على أية مكانة مدنية. وقدم طلبين للم شمل العائلة في دائرة تسجيل السكان في بئر السبع، إلا أن الطلبات رفضت.

ويحتفظ سليمان سراحين، 56 عاماً، بوثيقة هي "شهادة حارس من قبل شركة للحراسة والنظافة". وفي نهاية الأمر، فإن هذه "الشهادة" تشير إلى أنه كان هناك من رأى فيه إنساناً بدرجة أنسنة تكفي أن يكون حارسا فقط ليس أكثر. عمل قصاص أثر لمدة ثلاث سنوات في سنوات السبعينيات. ويحتفظ برسالة من قائد كتيبة "كتسيما" في سيناء يطلب فيها أن يتم إصدار بطاقة هوية وترتيب مكان عمل له، إلا أنه لم يحصل على أي شيء.

ويقول سراحين أنه ولد بالقرب من "متسبيه ريمون" (شمال إيلات)، إلا أنه طرد مع عائلته في العام 1959. وبعد حرب 1967، عاد إلى البلاد. ولم يحصل أولاده الثلاثة على أية مكانة مدنية.

ومن جهتها تقول الناطقة بلسان دائرة تسجيل السكان، سابين حداد، أنه "بموجب قانون التجنيد للخدمة العسكرية لا يمكن تجنيد شخص بدون أي مكانة في إسرائيل (مقيم أو مواطن). ومع ذلك يتم فحص كل حالة بحد ذاتها في الجيش، ويؤخذ بعين الإعتبار كل إجراء يخدم دولة إسرائيل"..