تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : [أدواء الأمة والدواء في قاعدة العمل والجزاء]



أبو يونس العباسي
06-18-2010, 07:12 PM
[أدواء الأمة والدواء في قاعدة العمل والجزاء]

أبو يونس العباسي



http://33er44ty55f.maktoobblog.com/wp-admin/post-new.php?posted=223

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما اعوجاج , وجعله عصمة لمن تمسك به واعتمد عليه في الاحتجاج , وأوجب فيه مقاطعة أهل الشرك بإيضاح الشرعة والمنهاج , والصلاة والسلام على محمد الذي مزق الله ظلام الشرك بما معه من النور والسراج , وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا الكفار ونشروا الدين في كل الأصقاع والفجاج ثم أما بعد ...

[تمهيد]

لعل الحافز على الكتابة في مثل هذا الموضوع سببين اثنين:

الأول منهما:

أننا نعيش في هذه الآونة ذكرى أليمة ألا وهي الذكرى الثانية والأربعون لاحتلال القدس ـ زاده الله تشريفا وتكريما ـ .

والثاني منهما:

أن أبناءنا طلابا وطالبات قد حصلوا على شهاداتهم في هذا الأسبوع وكانوا ما بين متفوق وناجح وراسي وما كانت هذه التقسيمة لتكون إلا لأن الجزاء من جنس العمل.

[مفهوم الجزاء من جنس العمل]

والجزاء من جنس العمل نعني بها:

أن مصير الإنسان يتحدد على حسب عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر وهذا على مستوى المنافع الدنيوية والأخروية.

قال الله تعالى:

{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)}[القصص]

[كفران النعم والجزاء من جنس العمل]

والمقصود بكفران النعم:

"أن يعصي الإنسان ربه وقد أنعم عليه نعما ظاهرة وباطنة."

وأضرب على ذلك مثلين:

المثل الأول:

نعمة الزواج ينعمها الله على المسلم ثم يقابل الإنسان ذلك بالمعاصي والمنكرات والمجاهرة بالمعاصي بالفدعوس وغيره من آلات الطرب.

المثل الثاني:

القوة يهبها الله للإنسان على مستوى الحكومات والعائلات والأفراد ثم هو يستخدم هذه القوى في ظلم الناس وقهرهم والتجبر عليهم.

قال الله تعالى:

{ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}(إبراهيم)

وقال أيضا:

{ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)}(لقمان)

والعمل في قاعدة"الجزاء من جنس العمل" هنا هو عمل الله سبحانه وتعالى وما يسديه للإنسان من نعم , والجزاء في القاعدة هو جحود الإنسان لنعم وآلاء الله ـ سبحانه وتعالى ـ عليه .

وأنا أعجب من الإنسان يبارز الله بالمعصية وقد أكرمه إكراما لا حدود له...

قال الله تعالى:

{ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)}(الرحمن)

أخرج الطبراني في مسنده الشاميين من حديث أبو الدرداء أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:

<< إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري >>

وأذكرك إذا هممت بمعصية ألا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.

[الجنة والنار وقاعدة الجزاء من جنس العمل]

يا ترى هل يدخل الناس الجنة أو نار جهنم بشكل عشوائي غير منضبط أم للأمر ضابط؟

فنقول وبالله التوفيق:

الجزاء من جنس العمل ... فمن عمل بأسباب دخول الجنة دخلها ...

قال الله تعالى:

{ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)}(الزخرف)

ومن عمل بأسباب دخول نار جهنم دخلها ...

قال الله تعالى:

{ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)}(الملك)

وقال أيضا:

{ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}(الأعراف)

[نصرة المسلمين ومساندتهم والجزاء من جنس العمل]

يمر المسلمون في هذه الآونة بظروف لا يحسدون عليها في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان وغيرها ...

ولا بد على المسلمين أن ينصروا إخوانهم ويساندوهم ويقفوا معهم في بلاءاتهم والجزاء من جنس العمل فمن نصر أخاه نصره الله ...

أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

<< مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ. >>

ولنعلم أن من خذل أخاه خذله الله...

أخرج أبو داوود في سننه جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّ يَقُولَانِ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

<< مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ.>>

[ الجريمة والعقوبة والجزاء من جنس العمل]

ويقصد بالجريمة:

ارتكاب محظور شرعي يضر بالفرد أو المجتمع.

والعقوبة هي:

جزاء مقرر على ارتكاب محرمات شرعية أو ترك فرائض دينية.

والجريمة لا بد لها من عقوبة زجرا للمجرمين عنها وعظة لغيرهم وإن فاعل الجريمة إذا لم يعاقب استهان بالجريمة وسهل عليه فعلها وجرأ غيره على ذلك ففسدت البلاد وضاعت حقوق العباد , فمن أجرم عوقب لآن الجزاء من جنس العمل ...

قال الله تعالى:

{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}(البقرة)

وقال أيضا:

{ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)}(المائدة)

وقال أيضا:

{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)}(المائدة)

وقال أيضا:

{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)}(النور)

وقال أيضا:

{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)}(النور)

ولعلي أُرجع كثرة الجرائم في المجتمعات البشرية لأنهم لا تنزل عليهم هذه العقوبات الشرعية , ولنتنبه أن البشر لا يرتدعون عن الجريمة إلا يوم يعاقبون بهذه العقوبات الشرعية بعينها , لأن الله خالق الإنسان والعارف به سبق في علمه أن الجريمة لا تنقطع في المجتمعات إلا بمثل هذه العقوبات ...

قال الله تعالى:

{ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}(الملك)

[إخراج الزكاة والجزاء من جنس العمل]

ولعلي أفردت الزكاة من بقية فروض الإسلام لأن التقصير في إخراجها ظاهر في المجتمعات الإسلامية ...

والزكاة هي:

إخراج المسلم جزء من ماله إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول

فمن أخرج زكاة ماله بورك له فيه وطهر من الخبث ونال بدعاء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والجزاء من جنس العمل ...

قال الله تعالى:

{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}(التوبة)

ومن منعها محقت بركة ماله وأفسده الخبث الذي فيه فهلك وكوي به يوم القيامة والجزاء من جنس العمل ...

قال الله تعالى:

{ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}(التوبة)

{رد عدوان الباغي والجزاء من جنس العمل}

والعدوان على الإنسان من مسلم أو من كافر يرد بالمثل والجزاء من جنس العمل ...

إلا أن العدو الكافر يجب أن نرد على عدوانهم ولا نعطيهم الدنية في ديننا ...

قال الله تعالى:

{ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}(البقرة)

وأما المسلم فيجوز رد عدوانه بمثل ما فعل وعن طريق الحاكم المسلم ويندب العفو والمسامحة والتجاوز ...

قال الله تعالى:

{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}(المائدة)

[المعاملة في الله والجزاء من جنس العمل]

والمعاملة في الله تكون مع الموحدين المسلمين فحسب ونقصد بها:

أن لا تعامل الناس كما يعاملوك به بل تعاملهم كما يحب الله منك أن تعاملهم به.

فتحسن إلى من أساء إليك وتصل من قطعك وتطيع الله في من عصى الله فيك ...

قال الله تعالى:

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)}(فصلت)

وأخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ:

<< يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ.>>

ولما قال مسطح في عائشة ـ رضي الله عنها ـ ما قال المنافقون ووصل ذلك إلى أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أقسم ألا ينفق عليه , فأرشده الله أن يرجع في النفقة عليه وأن يعفو فإنه أحرى أن يعفى عنه الله في الآخرة فمن عفا عفا الله عنه ومن تجاوز عن الناس تجاوز الله عنه ومن حلم على الناس حلم الله عليه لأن الجزاء من جنس العمل...

قال الله تعالى:

{ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)}(النور)

{أكل أموال الناس بالباطل والجزاء من جنس العمل}

شاع وتفشى عندنا في القطاع أكل أموال الناس بالباطل عبر حيل التجار وألاعيبهم القذرة ولذلك من أكل أموال الناس بالباطل فإن الله يوقد أمعاءه عليه نارا جزاء وفاقا ...

قال الله تعالى:

{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)}(النساء)

وحري بالمسلم اجتناب أكل أموال الناس بالباطل ذلك أن أول ما ينتن في الإنسان بطنه ...

أخرج البخاري عَنْ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهُوَ يُوصِيهِمْ فَقَالُوا هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:

<< إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنْ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ.>>

[سياسة الحكام مع الأنام والجزاء من جنس العمل]

فالحاكم إذا عدل في رعيته وأعطاهم حقوقهم أظله الله بظله ونجاه من شمس يوم القيامة ذلك أن الحاكم أظل الناس بعدله ورحمته فاستحق أن يكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ...

أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

<< سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.>>

وأما الحاكم إذا ظلم فسوف يلقى من العذاب ما لا يخطر على بال , ولقد كان في صدام حاكم العراق المخلوع عبرة وعظة ومثال دنيوي لقاعدة الجزاء من جنس العمل ...

قال الشيخ أبو بصير الطرطوسي:

وبعد، فلما تأملت حال صدام حسين وما حلَّ به .. فقد وجدته قد أثكل كثيراً من الآباء والأمهات بقتل أبنائهم ظلماً وعدواناً .. فعاقبه الله تعالى من جنس عمله وذنبه؛ بقتل ولديه وحفيده .. في حياته وأمام عينيه .. ليشرب من نفس الكأس، ويشعر بنفس الآلام التي يشعر بها أولئك الآباء الذين فقدوا فلذات أكبادهم على يديه!

وجدته قد يتَّم أطفالاً .. ورمّل نساءً .. فعاقبه الله تعالى من جنس عمله وذنبه؛ فيتَّم الله أبناء بناته وأبناء أبنائه .. ورمّل بناته .. ونساءَه .. وهذا كله تم في حياته وأمام ناظريه!

وجدته قد فرَّق بين الأحبة .. وهجَّر بظلمه آلافاً من الناس بعيداً عن أرحامهم وأوطانهم .. فعاقبه الله تعالى من جنس عمله وذنبه؛ ففرق بينه وبين زوجه وبناته؛ فهو في وطن، وزوجه في وطن، وبناته في وطن .. لا يستطيع أن يتصل بهن؛ كما كان المهجَّرون من شعبه لا يستطيعون أن يتصلوا بذويهم ورحمهم في العراق .. خوفاً من ظلمه وطغيانه!

وجدته يعيش ـ بغير وجه حق ـ الإسراف والتبذير في قصور فارهة منعمة .. فيها ما لذ وطاب من النعيم ووسائل الترف .. فعاقبه الله تعالى من جنس عمله وذنبه؛ فجعله يعيش ـ رغماً عن أنفه ـ كهوفاً ومغارات .. وضنكاً من العيش .. ينسيه نعيم تلك الأيام الخالية كلها .. ونعيم تلك القصور الفارهة!

وجدته قد طارد كثيراً من الأحرار الأبرياء، إلى أن ألزمهم العيش ـ خوفاً على أنفسهم وأرواحهم ـ في غرف ضيقة تحت الأرض .. لا يرون الشمس من خلالها لأشهر عدة .. وربما لسنين عدة، فعاقبه الله تعالى من جنس عمله وذنبه؛ فجعله مطارداً خائفاً على نفسه وروحه .. يترقب ويتوجس الريبة من كل من يراه .. إلى أن سكن في نفس الغرف الضيقة تحت الأرض لأشهر عدة .. التي سكنها ضحاياه وضحايا ظلمه من قبله!

وجدته قد اعتقل كثيراً من أبناء شعبه بغير وجه حق .. فزجهم في غياهب السجون .. فعاقبه الله تعالى من جنس عمله وذنبه، فسلط الله عليه من يعتقله ويسجنه!

وجدته قد غدر برحمه وأقاربه .. فقتَّل منهم من قتل، وهجَّر من هجَّر .. وأبقى من أبقى .. فعاقبه الله تعالى من جنس عمله وذنبه؛ فغدَر به رحمه .. وتخلوا عنه في وقت الشدة .. وكان اعتقاله بوشاية أحد نَسائبه وأقاربه!

وجدته قد تكبَّر .. وأذلَّ خلقاً كثيراً من شعبه بغير وجه حق .. فعاقبه الله تعالى من جنس عمله وذنبه، فسلط عليه من يُذله، ويعبث برأسه وشعره ـ أمام الخلق كلهم ـ وكأنه مصاب بالجرب أو القُمل!

وجدته قد اعتدى ـ بغير وجه حق ـ على مُلك الآخرين من دول الجوار .. فعاقبه الله تعالى من جنس عمله وذنبه، فأذال عنه ملكه وحكمه .. وجعله يتيه في الأرض إلى أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت!

وجدته قد كمَّم الأفواه .. وألغى كل صوت غير صوته، على طريقة الطاغية الأول فرعون إذ ) قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (، فعاقبه الله تعالى من جنس عمله وذنبه، فكُمم فاه .. وفقد وسائل الإعلام .. وأُلغي صوته .. إلا كلمات ينتقيها ويأذن بها أعداؤه!

وجدته قد قتل بنفسه ـ بغير وجه حق ـ خلقاً كثيراً .. وحكم عليهم ظلماً وعدواناً بالإعدام .. فهل يُسلط الله تعالى عليه من يحكم عليه بالإعدام فيقتله .. هذا الذي تبقى ولم نره .. وربما يكون قريباً، والله تعالى أعلم.

فالموقف بالنسبة لي موقف عظة وتأمل واعتبار .. لا شماتة فيه ولا فرح!(أ.هـ)

فهلا اتعظ الحكام من ذلك ....

قال الله تعالى:

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)}(ق)

[صلة الأرحام والجزاء من جنس العمل]

ومن الأمثلة على قاعدة الجزاء من جنس العمل مسألة صلة الرحم , فمن وصل رحمه مد الله في عمره ووسع في رزقه ووصله الله والضد صحيح وبضدها تتميز الأشياء ...

أخرج البخاري ومسلم من حديث أن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

<< مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.>>

وأخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

<< خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ مَهْ قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَاكِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ...

{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }.>>

[داء الأمة والدواء في قاعدة العمل والجزاء]

لو طلبت من أحدهم أن يصف لي واقع المسلمين لقال:

ـ ينتشر في المجتمع أمراض وآفات لم يعرفها من سبقنا .

ـ قل المطر في الحين الذي كان وفيرا في زمن من سبقونا من الآباء والأجداد.

ـ كثرت البطالة وصعب على الناس تحصيل لقمة العيش وظلمهم ملوكهم.

ـ تسلط الأعداء علينا وسلبونا خيراتنا وثرواتنا.

ـ أصبح بأس المسلمين بينهم شديد وكثرت منازعاتهم ومشاكلهم.

وهذا الحال المؤلم إنما هو عقوبة على أعمالنا وتصرفاتنا فالجزاء من جنس العمل ...

أخرج ابن ماجه في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

<< يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ.>>

ولن يتغير هذا الحال إلا يوم نغير ما بأنفسنا ...

قال الله تعالى:

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}(الرعد)

[عقوبات الآخرة والجزاء من جنس العمل]

وأكتفي في شرح هذا العنوان بسوق هذا الحديث الجميل ...

أخرج البخاري حدثنا سمرة بن جندب رضي الله عنه قال:

<< كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني - مما يكثر أن يقول لأصحابه: ( هل رأى أحد منكم من رؤيا ) .

قال فيقص عليه من شاء الله أن يقص وإنه قال ذات غداة:

( إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به مرة الأولى قال قلت لهما سبحان الله ما هذان ؟

قال: قالا لي:

انطلق انطلق قال: فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه - قال وربما قال أبو رجاء فيشق - قال ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى قال: قلت: سبحان الله ما هذان ؟

قال :قالا لي:

انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور - قال وأحسب أنه كان يقول - فإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت لهما ما هؤلاء ؟

قال: قالا لي:

انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول - أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال قلت لهما ما هذان ؟

قال: قالا لي:

انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة فإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها قال قلت لهما ما هذا ؟

قال: قالا لي:

انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت لهما ما هذا ما هؤلاء ؟

قال: قالا لي:

انطلق انطلق قال فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن قال قالا لي ارق فيها قال فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء قال قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر قال وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة.

قال: قالا لي:

هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قالا لي هذاك منزلك قال قلت لهما بارك الله فيكما ذراني فأدخله قالا أما الآن فلا وأنت داخله.

قال: قلت لهما:

فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت ؟

قال: قالا لي:

أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة.

وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.

وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزوان.

وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا.

وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم.

وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة ) .

قال فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( وأولاد المشركين )

وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم.>>

وهذا شرح لبعض المفردات الغريبة:

( فيتدهده ) ينحط من علو إلى سفل وفي رواية ( فيتدأدأ ) أي يتدحرج .

( فيشرشر ) يقطع . ( فيشق ) أي بدل ( فيشرشر ) . ( ضوضوا ) رفعوا أصواتهم مختلطة .

( المرآة ) المنظر . ( معتمة ) وفي نسخة ( معتمة ) أي غطاها الخصب أي كثيرة النبت . ( لون الربيع ) وفي نسخة ( نور الربيع ) أي زهر الشجر في الربيع . ( ارق ) اصعد . ( المحض ) اللبن الخالص من الماء

( فسما بصري ) نظر إلى فوق . ( صعدا ) صاعدا في ارتفاع كثير .

( الربابة ) السحابة وقيل السحابة التي ركب بعضها بعضا . ( ذراني ) اتركاني

( فإنهم الزناة ) قال في الفتح مناسبة العري لهم لاستحقاقهم أن يفضحوا لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة فعوقبوا بالهتك .

والحكمة في إتيان العذاب لهم من تحتهم كون جنايتهم من أعضائهم السفلى .

( الفطرة ) أصل الخلقة التي خلقه الله تعالى عليها قبل أن تغيره المجتمعات الآثمة والنفوس الشريرة وهذه الفطرة هي الإيمان بالله تعالى وتوحيده.

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات

أبو يونس العباسي

الجمعة

6 رجب 1431هـ

الموافق لـ 18 | 6 2010م