تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تسليط الأنوار على ثمرات ومكاسب الحصار



أبو يونس العباسي
06-09-2010, 07:29 AM
تسليط الأنوار على ثمرات ومكاسب الحصار

أبو يونس العباسي

http://33er44ty55f.maktoobblog.com/

الحمد لله الذي جعل نصرة المسلم لأخيه المسلم فرض وواجب , ورتب عليه في الجنة أعلى المنازل والمراتب , وحث عليها الناس من أمي وكاتب , وأشهد أن لا إله إلا الله , وحده لاشريك له , رب المشارق والمغارب , والصلاة والسلام على سيدنا محمد , الذي أمر بالمكرمات ونهى عن المعائب , ورضي الله عن الآل والصحب , ذوو الخوارق والعجائب ... ثم أما بعد :

[المكسب الأول: نيل الأجر والثواب من الله جل وعلا]

يعلم كل مسلم أن الحصار المفروض علينا في غزة العزة إنما كان محاربة على الإسلام وتضييقا على أهله وإرغاما لهم حتى يتنازلوا عن مبادئهم وثوابتهم العادلة...

وعليه:

فكل ما نقاسيه في غزة من الحصار محتسبين لأجره ننال ثوابه من الله...

قال الله تعالى:

{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(التوبة)

أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

<< مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.>>

وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

<< عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.>>

أخرج الترمذي في سننه عَنْ جَابِرٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

<< يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ.>>

[المكسب الثاني:ارتباط المسلمين المعاصرين بأسلافهم من الصدر الأول]

إن الحصار الواقع على غزة ربطنا فكريا وشعوريا بأسلافنا من الصدر الأول الذي حوصروا في شعب بني طالب وحوصروا في غزوة الخندق وغيرها ...

وهذا الارتباط مهم جدا فمن المعلوم أن المسلمين المعاصرين لن ينجحوا في إحراز أي نصر أو تقدم أو تحضر إلا يوم يسيرون على نهج سلفهم الصالح ...

قال الله تعالى:

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}(التوبة)

بل لقد جعل الله الإيمان الصحيح هو ما اقتدى فيه صاحبه بإيمان الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ ...

قال الله تعالى:

{فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)}(البقرة)

وقال ابن مسعود t:

من كان مسـتناً فليسـتن بمن قد مات، فإن الحـي لا تؤمـن عـليه الفتن، أولئك أصحاب رسُول اللـه e أبَرُّ الناس قلوباً، وأغزرُهم علماً، وأقلُّهم تكلفاً.

من الأدلة الدالة على وجوب الاقتداء بفهم السلف الصالح، قوله e:

"أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.. عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة".

وقوله e:

"اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر".

وقولهe :

"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

قال الإمام مالك ـ رجمه الله ـ:

"لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها."

[المكسب الثالث:كشف الحصار عن حقيقة اليهود للعالم كله]

لقد استطاع اليهود وعبر الأزمنة السابقة أن يظهروا بصورة المظلوم المذبوح الذي سلبت حقوقه , ولكن الحصار وما سببه من أحداث جسام كشف عن صورتهم الحقيقية لا للمسلمين وحسب بل وللعالم بأسره ...

فهم الذين لا يلتزمون بالعهود ولا المواثيق وهم الذين ينكرون الحق وقد خبروه وتيقنوا منه ...

قال الله تعالى:

{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}(البقرة)

واليهود أيضا لا يقيمون حرمة لمسلم صغر أو كبر , كان عربيا أو أعجميا ...

قال الله تعالى:

{ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}(التوبة)

واليهود قوم قد أشربت قلوبهم حب الحروب والإفساد في الأرض بكل ما تحمله كلمة [الإفساد] من معنى...

قال الله تعالى:

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)}(المائدة)

[المكسب الرابع:كشف الحصار عن حقيقة دول العالم الكافر وحكوماته]

إن من الأمور التي أيدتها النصوص أن الكفر ملة واحدة , وأنهم يتوحدون ضد المسلمين , فها هم النصارى والمشركون والذين يزعمون دفاعهم عن حقوق الإنسان بل والحيوان ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها دفاعا عن هذه الحقوق , نراهم يغضون الطرف عن حقوق الإنسان المسلم وفي أي مكان كان , فهم لا يتحدون إلا ضد الإسلام وأهله ...

قال الله تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)}(المائدة)

وقال أيضا:

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)}(الأنفال)

أخرج أحمد في مسنده عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ:

<< وَسَلَّمَ يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.>>

قال الشاعر:

تفرق شملهم إلا علينا *** فصرنا كالفريسة للكلاب

[المكسب الخامس:كشف عن حقيقة الحكام وانتمائهم]

إن غزة وإن كانت قد حوصرت بيد يهودية إلا أنها محاصرة بيد عربية وتواطؤ عربي في أحيان أخرى , فها هي حكومة مصر تحاصرنا كاليهود وتقتل أبناءنا بالغازات السامة كما يقتلهم اليهود , وتحقق مع المجاهدين عن مصادر الأسلحة كاليهود , بل وتعتقل المجاهدين كاليهود , وكل هذا ما كان ليظهر لولا الحصار ...

قال الله تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)}(الأنفال)

وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

<< لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ.>>

وإن التوصيف المناسب الذي لا بد أن يوصف به هؤلاء الحكام أنهم مناديب التحالف الصهيوصليبي وخدام أجندته وأهدافه وغاياته في منطقتنا الإسلامية.

[المكسب السادس:ساهم الحصار في تأميم القضية الفلسطينية مجددا]

لقد اجتهد اليهود والنصارى ومن والاهم على تقزيم القضية الفلسطينية من قضية إسلامية تهم كل مسلم إلى قضية عربية ثم إلى قضية فلسطينية ثم إلى قضية المهجرين فقط ثم يقوم العرب وبضغوط صهيوصليبية بإعطاء الفلسطينيين المهجرين جنسيات في البلدان التي يسكنوا فيها وبذلك تتلاشى وتندثر القضية الفلسطينية ...

ولكن الحصار قلب عليهم رأس المجن فصارت وبفضل الله ثم بالحصار قضية فلسطين قضية الأمة المسلمة بل قضية كل حر في هذا العالم الفسيح ...

قال الله تعالى:

{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)}(الأنبياء)

إن تفاعل المسلم ونصرته لقضايا أمته واجب شرعي ديني ...

قال الله تعالى:

{ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)}[الأنفال]

وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

<< مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.>>

قال الشاعر:

وكل يوم نرى للدين نازلة *** يا أمة الحق لا سمع ولا بصر

[المكسب السابع:أحيا الحصار في قلوب الأمة روح الجهاد في سبيل الله تعالى]

إن العدو الكافر ما تجرأ علينا إلا يوم فرطنا بالجهاد ثقافة وممارسة , فالعالم وخاصة اليهود لا يحترمون إلا القوي , وحق بدون قوة حق ضائع , ولذلك أمرنا الله بامتلاك القوة والسعي في تحصيلها سواء أكانت قوة وعدة إيمانية أو عسكرية ...

ودليل وجوب إعداد العدة الإيمانية قوله تعالى:

{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}[النور]

أما دليل وجوب إعداد العدة العسكرية فقوله تعالى:

{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)}[الأنفال]

ولقد جعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أهم أسباب الذل والهزيمة الركون إلى الدنيا وترك الجهاد في سبيل الله تعالى ...

أخرج أبو داوود في سننه عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

<< إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ.>>

قال الشاعر:

أخي جاوز الظالمون المدى *** فحق الجهاد وحق الفدا

وليسوا بغير صليل السيوف *** يجيبون لنا صوتا أو صدى

فجرد حسامك من غمده *** فليس له بعد أن يغمدا

أخي أيها العربي الأبي *** أرى اليوم موعدنا لا الغدى

[المكسب الثامن:أسقط الحصار في قلوب المسلمين خيار السلام]

لقد عقدت حكومات الأنظمة العربية المرتدة اتفاقيات تطبيع مع الاحتلال اليهودي , كاتفاقية كامب ديفيد , ووادي عربة , وأوسلو , ومبادرة السلام العربية , التي أقرتها الجامعة العبرية وغيرها , فما هو الموقف الشرعي من هذه الاتفاقيات ؟ فنقول وبالله التوفيق :

هذه اتفاقيات باطلة محرمة , لأن مرجعيتها بشرية وضعية , فهي صورة من صور التحاكم إلى الطاغوت ...

قال الله تعالى:

" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) "(النساء)

هي اتفاقيات باطلة ... لأن بندودها وشروطها مخالفة لشروط الكتاب والسنة ...

أخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة أن الرسول قال :

" ما بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ "

هي اتفاقيات باطلة ... لأنها اتفاقيات جرت الذل والهوان على المسلمين ...

والله يقول :

" فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) " (محمد)

هي اتفاقيات باطلة ... لأنها تقر ملكية اليهود لأرض فلسطين , وأرض فلسطين كلها أرض إسلامية من النهر إلى البحر , والتنازل عن ذرة تراب منها يصب في سلة الخيانة والتفريط والعمالة , ففلسطين أمانة من الأمانات التي يجب المحافظة عليها :

" إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)"(الأحزاب).

ولقد ترسخ هذا الموقف المتقدم ذكره من السلام بعد أن وقع الحصار على غزة العزة.

[المكسب التاسع: أحيا الحصار في قلوب الأمة روح الوحدة والتجمع]

لقد أحيا الحصار في قلوب الأمة روح الوحدة والتجمع لمواجهة الأخطار التي تواجه الأمة والمسلمين في جميع بقاع الأرض...

ولنعلم جميعا إن التفرق ضعف والتوحد قوة ...

قال الله تعالى:

{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}[الأنفال]

وإن التوحد على التوحيد واجب يثاب فاعله ويأثم ويذم تاركه ...

قال الله تعالى:

{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}[آل عمران]

وقال أيضا:

{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}[الصف]

وقال أيضا:

{ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)}[التوبة]

وقال أيضا:

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73)}[الأنفال]

قال الشاعر:

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا *** وإذا افترقن تكسرت آحادا

وليعلم الجميع أن العرب والمسلمين لن ينجحوا في التوحد أبدا إلا يوم يجتمعوا ويتوحدوا على التوحيد ومنهج الله الكريم المجيد ...

قال الله تعالى:

{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}[الأنفال]

[المكسب العاشر:وطد الحصار علاقة المسلمين بالله جل جلاله]

إن الإنسان كلما ألمت به الكربات ومشاق الحياة كلما هيأ ذلك له نفسية للإقبال على الله وطاعته والعمل بما يرضيه ,فإنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة لله ـ سبحانه وتعالى ـ

فها هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في الغار يحاصره المشركون يتوجه إلى ربه ـ جل وعلا ـ ...

قال الله تعالى:

{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)}(التوبة)

وها هو نبي الله موسى لما حاصره البحر من أمامه وفرعون من خلفه فإنه ما توجه إلا لربه ـ جل وعلا ـ ...

قال الله تعالى:

{ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)}(الشعراء)

وها هم قوم يونس لما ضاقت عليهم الأمور ماذا فعلوا؟

إنهم لجأوا واعتصموا بالله تعالى فنجاهم وأكرمهم ...

قال الله جل جلاله:

{ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)}(يونس)

[المكسب الحادي عشر: ميز الحصار بين الناس]

والناس يوم يحاصر إخوانهم على أقسام ثلاثة:

1ـ ناصر لإخوانه مؤيد لهم ومعين ومطبق للنصوص الشرعية الواردة في هذا الشأن ...

قال الله تعالى:

{ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)}[الأنفال]

وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

<< مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.>>

قال الشاعر

2ـ محايد لا يعنيه أحد في الدنيا إلا نفسه ولا يهتم إلا بمصالحه الشخصية , وهو في هذا متصف بصفة المنافقين ...

قال الله تعالى:

{ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)}[آل عمران]

ولنعلم أن أوقات الضيق فقط هي التي تكشف عن معادن الرجال ...

قال الله تعالى:

{ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)}(آل عمران)

3ـ داخل في حلف أعداء الدين ومعين لهم على حصار المسلمين كالحكام الذين يحكموننا وقد تقدم الحديث عليهم.

[المكسب الثاني عشر:حفز الحصار المسلمين للبحث عن أسباب النصر والهزيمة]

ولعل من أبرز مكاسب الحصار أنه حفز المسلمين للبحث عن أسباب النصر وموجباته ومعرفة أسباب الهزيمة وموجباتها ويوم تنتبه الأمة على الداء فإنها ستنجح في مداواته ومن ثم سيحصل التشافي بإذن الله تعالى.

قال الله تعالى:

{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}[النور]

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات

أبو يونس العباسي

الثلاثاء

24جمادى الآخرة 1431هـ

الموافق لـ 8|6|2010م

غزة المحاصرة