تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مقال : التعليم والسعادة



عبد المجيد
05-22-2010, 07:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم




" قول على قول "


إبراهيم العسعس
7 ـ 2 ـ 2010


( سئل وزير التجارة الفنلندي : لماذا شعب فنلندا من أسعد شعوب الأرض ؟
فأجاب : لستة عوامل ؛ عامل من الله ، وعامل من أنفسهم ، وأربعة عوامل من حكومتهم . وأكمل : أما العامل الأول الذي هو من الله فهو الطبيعة الجميلة جداً .
وأما الثاني الذي من أنفسهم فهو استمتاعهم بالإخلاص في العمل .
وأما الأربعة التي من حكومتهم فهي أولاً : الشفافية وانعدام الفساد الإداري .
الثاني : العدالة الإجتماعية ، فالفوارق الطبقية كأدنى ما يكون ..
الثالث : الإستقلال التام للقضاء ..
الرابع : التعليم الجيد مع الضمان الصحي الممتاز .. )
( وسئلت رئيسة فنلندا عن السبب وراء تقدم فنلندا ، فقالت :
هناك ثلاثة أسباب : أولاً التعليم الجيد ، وثانياً التعليم الجيد ، وثالثاً التعليم الجيد ) .


وأقول :


1 ) قد لا تعني لنا ـ معاشر المسلمين ـ كلمة السعادة على هذه الأرض شيئاً ! لا لأننا لم نذقها نحن ولا آباؤنا ولا أجدادنا ، فهذا أمر قد اعتدنا عليه ! ولكن لأننا نحمل موقفاً مفاهيمياً من السعادة ، يقوم على أنَّ السعادة ليست مطلوبة في هذه الدنيا ، لأنها تـنتظرنا في الآخرة ، ولذلك تجد من يُسأل عن مفهوم السعادة فيجيب : بأنَّ السعادة الحقيقية في الآخرة ، وإن تكلم عن الدنيا فإنما يتكلم عن التقوى والعيش في كنف الإيمان ، وأنَّ الحياة الطيبة تتمثل فقط بالإيمان والهداية ... وهل لنا اعتراض على هذا المفهوم ؟! بالطبع لا ، إنما اعتراضنا على حصره بهذه المفاهيم ، وعلى استخدامه دائماً في سياق التصبير على الظلم والقهر ؛ ظلمِ المانعين أموالهم ، وظلم وقهر المتحكمين بنا ! فالموجهون يقنعوننا بأن لا ضير ، فالدنيا لهم ، والآخرة لنا ، وأنَّهم لو عرفوا طعم حلاوة الإيمان التي نذوقها لحاربونا عليها بالسيوف ! وأن هؤلاء الظلمة من أهل ملتنا ، والكفار من غيرنا الذين يربطون السعادة بسعادة الدنيا لهم جهنم وبئس المصير ـ وهذا صحيح ـ فدعوهم وسعادتهم المُتوهَّمَة . دعوهم يأكلوا خضراءكم ، ويجلدوا ظهوركم ، ويدمروا حياتكم ! فنذهب بعدها والفرح يغمرنا ـ لا ليس الفرح فالله لا يحب الفرحين !! ـ بل الرضى ، لننام ملأ جفوننا عن شواردها ، ويسهر الظلمة والكفرة جرَّاها ويختصمون !


2 ) وهل صحيح أن الله سبحانه لا يحب الفرحين هكذا بالمطلق كما فهم بعضهم ذلك مستدلاً بقوله تعالى حكاية عن قـوم قارون الذين قالوا له : " لا تـفـرح إنَّ الله لا يُحـب الفـرحيـن " ( القصص : 76 ) . هل يكره الله سبحانه فرح الناس المطلق أي لأنه فرح ؟!


الأمر ليس كذلك ، تنزه الله عن ذلك ، فالسياق هنا سياق قوم ينبهون رجلاً فرحاً بماله ، متكبراً لغناه ، فيقولون له لا تفرح فرح البطرين الذين لا يشكرون النعمة ، ولا تفرح بهذه الدنيا ، وتفتخر بها وتلهيك عن الآخرة ، فالفرح المذموم هو الفرح بالدنيا ومظاهرها مع كفر النعمة ، والغفلة عن الآخرة .


3 ) لقد خلقنا الله عز وجل لغايتين ؛ عبادته ، وعمارة الأرض ، وكلا الغايتين لا يمكن أن تتحققا وفق مراد الله إلا ونحن سعداء في الدنيا ، الأمر الذي لا يتعارض مع طلبنا لها في الآخرة . لقد طلب الله منا أن نُعمِّر الحياة بهمة ، وأن نحياها بسعادة . فالله سبحانه قد امتنَّ علينا بالنعمة ، والإحساس بالنعمة كما ينبغي عين السعادة ، وما أجمل العنوان الذي وضعه الراغب الأصفهاني رحمه الله على كتابه الذي يعبر فيه عن هذه الحقيقة : " تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين " . قال رحمه الله : " ... وأما السعادتان فإحداهما المذكورة في قوله تعالى ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) ، والثانية المذكورة فيه قوله تعالى ( وأما الذين سُعدوا ففي الجنة ) " ( ص 3 من الكتاب المشار إليه ) .


4 ) نعود إلى فنلندا ، الفنلندي سعيد لأنَّ كرامته مضمونة ، ولأنَّه مؤمَّن صحياً ، ويتعلم مجاناً . من قال إنَّ الحياة الطيبة مقترنة بالفقر والقهر والمرض ؟! ألا يمكن أن نجمع بين حياة طيبة بالإيمان ، ويين الصحة والكرامة والكفاية ؟ ألا تتـمَّ سعادتنا إلا بتأجيلها إلى الآخرة ، وترك الدنيا للمتسلطين والقاهرين ؟!!


5 ) في فنلندا ( لا يقولون حكومتنا الرشيدة ، وهم لا يعرفون التلاحم ، ولا يتبعون سياسة الباب المفتوح ، بل أبوابهم مغلقة ! وبالتنظيم والقانون يأخذ كل ذي حقّ حقَّه ) كما يقول الأستاذ جميل محمد علي الفارسي .


سياسة الباب المفتوح مِنَّةٌ يُـقدمها بعض المسؤولين في الدول المتخلفة لأن القانون فيها له طبيعة السلم الموسيقي فهو ليس على طبقة واحدة ، ولا توجد نغمة واحدة للعزف على القانون بل توجد نغمات بحسب العازفين ! فيضطر المواطن إلى اللجوء للمسؤول الكبير ليحلَّ مشكلته على طريقة ( بوس اللحى ) !


المسؤول هناك لا وقت لديه لقراءة عرائض أحوال المظاليم ، ولا يشتغل حلال مشاكل ، لأنه أصلاً لا يمتـلك سلطة تُجيز الممنوع ، وتمنع المباح ، فـلهذه الأمور قضاءٌ مستـقلٌ إستقلالاً تاماً .


ولماذا الإعلان صباح مساء عن التلاحم بين الحكومة وبين الشعب ؟ هم لا يحتاجون لهذا الإعلان فالرئيس هناك لا يأتي وفي ذهنه أنه جاء ليبقى ، فلم التلاحم والترابط الذي يؤدي إلى صعوبة الانفصال ؟!! إنه عندما لا توجد دولة بالمعنى الحقيقي للدولة ، لا بدَّ للمسؤول حينئذ من القيام بدور شيخ القبيلة .


6 ) كيف يمكن أن نحقق النهضة ولا زالت قيم العمل لدينا في دائرة غير المُـفكَّر فيه ؟ وأنا هنا أعمِّمُ ولا أستثني متديناً عن علماني أو ليبرالي ، إذ كلها في نظري دهانات مختلفٌ ألوانُها ، فالمتدين يختلف عن الليبرالي العربي ، عن العلماني العربي ، عن الشـيوعي العربي ، عن... وعن كل المذاهب والأيدولوجيات باللون الخارجي فقط ، فهناك مسلم أخضر ، وشيوعي أحمر ، وعَلماني برتقالي ... لكن داخل كل هؤلاء يقبع إنسان ـ مجازاً ـ متخلف منفصم سطحي ، يحمل في الداخل ضِدَّه في كلامه وفي أحواله ، كلهم عند المنعطفات يفكرون بطريقة واحدة ! أولئك يُمارسون العمل بإخلاص ولذة ، ونحن نفـرُّ منه بإخلاص ولذة ! ونحن نُعقـدُّ الإجراءات بمتعةٍ وشعورٍ بالنصر ...


7 ) القوم استثمروا بالتعليم ، لأنهم أدركوا بأنه المستقبل الحقيقي ، وهو لذلك ـ كما قالت رئيستهم ـ السبب الحقيقي لتقدمهم ولا شيء آخر . وبالتعليم الجيد وصلت فنلندا إلى ما وصلت إليه ، فهي تمتلك أفضل نظام تعليمي وفق البرنامج الدولي لتـقييم الطلاب ( بيسا ) في الرياضيات والقراءة والعلوم . فكيف وصلوا إلى هذا :


إقرأ وتدبر وقارن :


ـ الإرادة السياسية الثابتة في التطوير العام .


ـ الاستثمار في إعداد المعلمين ، وتفعيل مهنة التعليم بانتقاء معلمي المستقبل من بين خريجي الجامعات ، وإخضاعهم لبرنامج إعداد يستمر ثلاث سنوات ، ثم التدرب لمدة سنة على التعليم في المدارس بإشراف الجامعات .


ـ والخطوة المهمة في هذا المجال : أنهم وضعوا كادراً خاصاً للمعلمين ، جعلهم الفئة الأعلى دخلاً في البلاد . وبهذا ضمنوا أن يتقدم أصحاب الكفاءات العالية للعمل في مهنة التعليم ، فقد صارت هذه المهنة تحظى بشعبية واسعة لدى الفنلنديين ، ولهذا هناك انتقاء صارم للمتقدمين للمهنة . والعكس تماماً يحصل لدينا ، فمهنة التعليم عندنا في آخر قائمة السلم الاجتماعي ، وفي آخر جدول الرواتب ، ولذلك فإن الشباب يعزفون عنها ، وتكاد أن تكون مسبَّةً في مجتمعاتنا ، فلا عجب أن لا يتوجه لها إلا مضطر ! وأخبرني بربك كيف تريد من المعلم في العالم العربي أن يبدع ويعطي وهو يبحث عن عمل آخر بعد الانتهاء من مدرسته ليحسِّن وضعه ؟ كيف تبحث عن عملية نهضة بمدرس يركض وراء لقمة الخبز ، فلا يلتقطها إلا بمشقة ؟


ـ التركيز في عملية التعليم على تطوير ملكة التفكير النقدي .


أما عندنا فالتعليم عبارة عن محو أمية ، يعتمد على التلقين ، وويلٌ لمن يحاول أن ينقد أو أن يفكر .
بهذا وبغيره استطاعت فنلندا أن تبلغ أعلى القمة تاركةً وراءها كثيراً من الدول التي تمتلك الإمكانات والثروات .


وقد يظنُّ ظانٌّ أن هذا البلد غنيٌّ بالثروات الطبيعية ، وليس الأمر كذلك ، فهذا البلد صغير، عدد سكانه خمسة ملايين ، يعدُّ من البلاد الباردة جداً ، فقير بالموارد الطبيعية . عنده شيء واحد هو الغابات ، كانوا قبل سنوات يصدرون الأخشاب ، ثم قالوا لم نصدر الأخشاب الخام ؟ لم لا نصنع منها شيئاً ؟


وبالفعل صنعوا منها الورق ، والآن تعتبر فنلندا من أهم دول العالم في صناعة الورق . وأما نحن فلا زلنا نصدر النفط الخام لنستورده بعد ذلك بأضعاف ما بعناه به !


وعندهم شيء آخر من صنعهم وليس مصدراً طبيعياً ، وهو جهاز ( النوكيا ) ، ويبلغ دخل فنلندا من هذا الجهاز فقط 25 مليار دولار سنوياً تقريباً .


من الجليد والخشب قدموا للعالم جهازاً يستخدمه كل العالم ! لأنهم اهتـموا بالإنسان وتعليمه ! فماذا قدمنا نحن للعالم عندما أهملنا الإنسان ؟! ثم تُفاجأ بأحدهم يجيبك بإعلان يتيه فخراً كتبه أحدُ الحمقى يقول فيه : دبي تهدي للعالم أطول برج ! مسرور جداً بتطاولنا في البنيان هذا المسكين ! والآن تمتلأ الإمارات وقطر وحدهما بالأبراج ، وتحتار لمن يبنونها ؟ فيرتد إليك الجواب : للتباهي ولمجرد التطاول ! وليسكنها الغبار وإخواننا من الجنِّ !!


للضحك أو للبكاء :


عندما زار وفد من فنلندا العربية السعودية قبل عامين ، وفي مؤتمر صحفي تقدمت عميدة كلية سعودية باقتراح لرئيسة فنلندا : أن يتمَّ تعاون تعليمي بين البلدين !!!!!!! كيف يا ستي العميدة ؟ قالت العميدة : بأن تخصص فنلندا مبالغ مالية لإرسال بعض طلابها للدراسة لدينا !!!!!!!! قرأت الخبر قبل أشهر ، وإلى الآن وأنا أضحك كلما تذكرته ، أضحك والله من كـل قلبي ! وهو ضحك على كل حال مختلط بالبكاء !


أما بالنسبة للرئيسة فلا أظنها ، وقد ملكت نفسها عندما سمعت الاقتراح مراعاة للدبلوماسية ، ما أن دخلت الطائرة إلا وقد أطلقت ضحكة مكبوتة وصلت عنان السماء ، متعجبة متسائلة : ماذا لديهم كي نرسل طلابنا ليتعلموه عندهم ؟! لكنها على كل حال لا أظنها إلا وقد شكرت العميدة ، فقد أعطتها والوفد المرافق لها موضوعاً لقطع الطريق به ، ضحكاً ومتعة وأنساً ! ولا حرج عليهم فالطريق طويل طويل بين بلادنا وفنلندا ....


مثل صيني : التعليم كنزٌ لا يقدر على سرقته أيُّ لصٍّ .


---------------
- منقول -