تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جريمة "كترمايا"...البذور والجذور



من هناك
05-04-2010, 04:37 PM
الجريمة التي وقعت في بلدة كترمايا اللبنانية والتي جاءت كردة فعل على الجريمة الوحشية المنسوبة للقتيل من قتل لمسنين وطفلتين بشكل وحشي والتمثيل بجثثهم، لم تكن بالحوادث المنعزلة عن سياق عام. فعلى ما يبدو فإن نزعات العنف والتوحش في اقتراف الجرائم البشعة في ازدياد وتكاثر في المجتمعات العربية.


فمن يتصفح الصفحات المعنية بالتحقيقات الجنائية والجرائم في الصحف العربية يفاجئ بالكم المتزايد لجرائم القتل المصحوبة بنزعات سادية، والتي يتم بعضها لأسباب ظاهرية تافهة والتي لا تستحق الغضب والشجار ناهيك عن اقتراف جرائم القتل. فبعيد مقتل الشاب المصري في لبنان نقلت الأنباء من مصر عن رجل قتل زوجته – والتي لم يمضي على زواجه منها عام واحد- طعنا بالسكين لأنه أعدت له كوبا من العصير بدل كأس من الشاي طلبها منها. وإذا استدعينا في ذات السياق جريمة شهيرة ما زالت تداعياتها في أروقة المحاكم والتي قضت فيها المطربة اللبنانية سوزان تميم بطريقة شنيعة، فيما المتهم الرئيسي شخصية سياسية واقتصادية بارزة في الحزب الحاكم. وبالإضافة إلى تلك الجرائم المتزايدة بشكل مفجع ومفزع، نلحظ أيضا منحى مشابها فيما يتعلق باعتداءات المحارم والتي تتم أحيانا بأساليب في غاية الوضاعة والخسة ومن أقرب الناس من الضحايا.




تبدو الحاجة ماسة لدراسة هذه الظواهر المدمرة والوقوف على أسبابها في المجتمعات العربية والإسلامية، والتي يفترض أن تنتشر فيها مظاهر الرحمة والمودة والتكافل والتكاتف، من قبل خبراء في المجالات ذات العلاقة من أخصائيين تربويين ونفسيين واجتماعيين. غير أنه من الممكن رصد بعض الظواهر والممارسات والتي قد تكون مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن السلوكيات المرضية وغير الإنسانية في مجتمعاتنا ومجمعاتنا:


الأنظمة السياسية الدكتاتورية والتي تمنع المواطن من حقه في المشاركة السياسية والتفاعل مع الأحداث وتجعل منه رقما لا يقدم ولا يؤخر ولا يمكنه من تحقيق طموحاته إلا من خلال احتراف التملق والتزلف والانضمام إلى قطيع المصفقين والمطبلين.

الأوضاع السياسية البائسة في كثير من الدول العربية استدعت تغول الأذرع الأمنية والتي تقوم بمراقبة المواطنين واضطهاد الناشطين والمفكرين، وممارسة أنواع وألوان من التعذيب بحق بعضهم أحيانا. أمور تؤدي لتعميق ثقافة الخوف والرعب والتي تساهم في تشكيل أبعاد سلبية في إنسانية الشخصية العربية.

الهوان السياسي العربي والإذلال المزمن والذي يعانيه النظام العربي الرسمي والذي بدوره يذيق مواطنيه ألوان من التعسف والقهر، أمور تؤدي لتعميق مشاعر الإحباط واليأس والبؤس في الشارع العربي.

إغراق المنطقة العربية من خلال الفضائيات الهابطة والإعلام المنحل بأنواع هابطة من الفن والذي يثير الغرائز ويهيج المشاعر الشهوانية، بالإضافة إلى تعميق البعد المادي من خلال المسابقات المليونية. التهافت على الماديات وتوجه المشاعر نحوها أمور تؤدي بدورها لتحجيم الأبعاد الروحية والأخلاقية في مجتمعاتنا.

الأوضاع الاقتصادية القاسية الناتجة عن الفساد الإداري والمالي في العديد من الدول العربية، فالفقر والعوز يهددان التركيبة الاجتماعية ويضربان بقسوة المنظومة الأخلاقية والقيمية.

التضييق على أصحاب المشاريع الإصلاحية خشية تطور حضورهم الجماهيري مما يهدد هيمنة النظام السياسي، والمحاولات المستمرة للنيل من الدعاة والوعاظ ومحاولة تشويههم إعلاميا أو احتوائهم ماديا أو محاصرتهم للحد من تأثيرهم الإصلاحي على الجماهير.

الثمار المرة للفساد السياسي في العالم العربي والذي هيمن على شتى مناح الحياة في عالمنا العربي ومنذ عقود وأصابت تأثيراته المدمرة البنى الاجتماعية التحتية من قيم وأخلاق ومبادئ، فكانت العاقبة خسرا في الإنسان وفي البنيان.




ياسر سعد