تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : شتاء معارضة السنّة في لبنان: هل بقي أحد؟



من هناك
03-18-2010, 01:36 PM
يبدو ان خطوة عمر كرامي قد اعطت مفعولها.


شتاء معارضة السنّة: هل بقي أحد؟


http://www.al-akhbar.com/files/images/p02_20100318_pic1.full.jpg
الرئيس كرامي رفض تحويل اللقاء الوطني إلى مظلة سياسية للمعارضة (مروان طحطح)


في مرحلة ما، كان وجود معارضين في فريق الثامن من آذار من أبناء السنّة مسألة في غاية الأهمية، كان المطلوب أن لا يعطى البعد المذهبي لحركة المعارضة، وأن تُتفادى الفتنة بين الطوائف، ولكن بأي ثمن؟ هل من حاجة اليوم إلى أحد إلى جانب حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر؟


فداء عيتاني
من أين نبدأ؟ يسألك من يتابع الملف عن كثب، يومياً، والمعارضون ينقسمون في ما بينهم أولاً إلى شخصيات تقليدية وعلماء دين وناصريين، وأما الشخصيات التقليدية فقد أعطيت ما طلبت، لكنها في المقابل لم تقدم الكثير للمعارضة.



كانت مرحلة الاختبار هي مرحلة الانقسام السياسي الحاد في البلاد التي انتهت بالانتخابات النيابية. كان الرهان كبيراً على الشخصيات التقليدية، من الرئيس عمر كرامي، والوزير عبد الرحيم مراد، الذي يمكن أيضاً تصنيفه ضمن إطار القوى الناصرية، وزاهر الخطيب، وبعض الشخصيات في بيروت وغيرها، إلا أن ما حصل كان مخيّباً للتوقعات. راهنت المعارضة على أن كرامي ومراد ومن يشاركهما من ناصريين وعلماء دين يمكن أن يمثّلوا فرقاً، ويمكن أن يجمعوا حولهم المزيد من أبناء المناطق، ولكن بدأ النزاع ولدى هذه الأطراف حوالى ثلاثين في المئة من الشارع وانتهى ولديهم حوالى عشرين.



وعلى مستوى شخصيات كسليم الحص، فإنه لا أحد كان يتوقع منه أكثر مما فعل، فهو ليس من ضمن قوى الثامن من آذار ولم يعدّ نفسه يوماً في سياق واحد مع المعارضة، بل حافظ على مواقفه الخاصة وانتهج طريقه الخاص، دون أن يتمايل في السياسة، لا يمنة ولا يسرة، وأفقد المعارضة ربما وزناً إضافياً، لكنه أضاف إليها موقعاً يمكن الركون إليه في لحظة الأزمة. ثم هناك أيضاً شخصيات لم تجد لها مكاناً على لوائح «المستقبل»، فاستماتت في الدفاع عن عروبة لبنان ودعم المقاومة.



كل هذا الترف الذي مارسه حزب الله في جمع شتات شخصيات مع استثناء جديين وأصحاب حيثية من عمر كرامي إلى أسامة سعد إلى عبد الرحيم مراد وبعض المعدودين على أصابع اليد الواحدة، كان يقابل دائماً بمجموعة مطالب لا تنتهي بالدعم، والتعامل معهم على أساس دور ريادي، ويصرّون على أن يستقبلهم الأمين العام للحزب الأقوى في المنطقة العربية، بينما هم غير واثقين تماماً بما إذا كان يفيدهم كثيراً أن يشيروا إلى اسم الضابط السوري الذي استقبلهم في زيارتهم الأخيرة لدمشق.



طبعاً كل ما وصل إلى هؤلاء من دعم لم يُعرف كيف صُرف، إن صُرف كله. بعضه راح إلى إعلانات في الشوارع تحمل صوراً استفاد «المستقبل» من كونها تمثّل الخصم. أما الحديث الذي كان البعض من هؤلاء يورده عن تعبئة المئات من الشبان ومشاركة هؤلاء في دورات تدريبية هنا وهناك، وخضوعهم لتدريبات تؤهلهم للمشاركة في التصدّي لأي عدوان إسرائيلي مقبل على البلاد، فحدّث ولا حرج عن جدّيته التي تجعل من يدرك ما نتحدث عنه يصاب بالشرود، لأن بعض هؤلاء «عجز عن تأمين مراقبين مدفوعي الأجر في الانتخابات النيابية الأخيرة».


المشكلة مع شخصيات مثل الرئيس عمر كرامي تختلف عما سبق. فمن ناحية تسمع كلاماً أن الرئيس كرامي رفض تحويل اللقاء الوطني إلى مظلة سياسية للمعارضة، وفضّل فضّ اللقاء، وعمل بخريطته الخاصة. ولكن منذ خمسة أعوام كان الأمين العام لحزب الله قد توصل إلى اتفاق أوّلي مع كرامي على ضرورة إنشاء حزب سياسي متماسك وقوي، بكل فروعه، وبعد خمسة أعوام لا يزال فيصل كرامي اليوم يسعى إلى وضع اللبنات الأولى لهذا الحزب. لا يلام فيصل، فهو بدأ بالأمس فقط في العمل على الأرض!



ثمة حرص عال لدى قيادة المعارضة على الرئيس كرامي، والكل يعلم أن الزمن قد لا يعود أبداً إلى حيث كان الرجل رئيساً للحكومة، ولكن هناك أيضاً خشية من أن الرجل قد يتحالف مع تيار «المستقبل» ممثّلاً برئيس الحكومة، وبالتالي فإن الهم في الحصول على موقع على الحلبة السياسية قد يدفع آل كرامي إلى الافتراق عن قيادة المعارضة، والتوجه نحو سياق خاص مختلف.



ولكن ما يسمع من هنا وهناك غير ما يقوله القياديون في حزب الله. فهم مع حلفائهم من سنّة المعارضة إلى النهاية، ولا يلومونهم على أي شيء، ربما بعض الثغر في العمل هنا وهناك، ولكن الخط البياني العام ممتاز، ويكفي أن هؤلاء صمدوا في لحظات جنون الطوائف، والهجمة عليهم ومحاولات ضربهم معنوياً وتصفيتهم جسدياً، إلى آخر ما هناك من أسباب تخفيفية لا تقنع طفلاً يحبو.



ولكن لدى المعارضين من التقليديين ما يقولونه في المقابل. فكل اجتماعات المعارضة تضم كل الأطراف، من ميشال عون ونبيه بري إلى سليمان فرنجية، ولكنها لا تضمّ وجهاً سنّياً، كأن السنّة في المعارضة لزوم ما لا يلزم. ثم إن الأموال تتدفق على بعض القوى المعارضة في المناطق عشرة أضعاف ما يصل إلى قوى أخرى، ويمتلك مثلاً فيصل الداوود موازنة مالية تصل إلى خمسة أضعاف ما يملكه مراد، بينما مراد يعمل في قطاع أكثر حساسية وأكثر استهدافاً، وعلى الأقل فإن تمويل جهاز أمن الجامعات لديه يساوي خمس ما يصل إلى الداوود على ما يقول معنيون.



ويسأل أحد قياديي المعارضة من الأطراف السنّية «ماذا يمكننا أن نفعل دون مال وغطاء أمني؟ وحتى الخدمات في الوزارات التي تعدّ من حصة المعارضة لا تصل إلينا». ويتحدث آخر عن انكشاف أمني كامل يعيشه في ظل عدم اكتراث من قيادة المعارضة بما يتعرّض له. ويضيف آخر أن حركة أمل وحزب الله هما من منع مشاركة شخصيات محددة في اجتماعات اللقاء الوطني، وأن البعض كان يريد للقاء أن يكون مجرد صوت دون فاعلية، وتتمكن بالتالي المعارضة الرسمية من التنصل من بيانات اللقاء حين تريد، وتتبنّاها حين يوافقها الأمر.



ويضيفون أن أطرافاً بارزين في المعارضة تعاملوا مع الشخصيات السنّية المعارضة بالمفرّق، ولم يتعاملوا معها مرة بصفتها كتلة أو يمكنها أن تكون كتلة كاللقاء الوطني أو ما يحكى الآن عن الجبهة السنّية المعارضة التي ينوي الرئيس كرامي تأليفها، أو المشروع الذي أُجهض في مرحلته الأولى والذي طرحه مراد، أي تأليف لقاء سنّي، وأن جهة قيادية في المعارضة هي من أجهض اللقاء السنّي، إذ حصل مراد على مباركة ثم توافدت الشخصيات السنّية التي طرح عليها مراد الأمر بعد أيام لتقول له إنها لا ترى أنّ من المناسب العمل تحت لافتة مذهبية.



ولكن من يعرف يوضح أن كل ذلك لا يجدي، ولو كان بين هؤلاء المعارضين من يمتلك إمكانية للحياة والعمل بمفرده، لما سأل أصلاً عن تمويل أو غطاء أمني أو غير ذلك. فإذا كان على حزب الله أن يدعو قيادات المعارضة السنّية في كل مرة تلتقي فيها المعارضة، فمن سيدعو منهم؟ كلهم؟ ثم إذا وفّر الحزب الغطاء الأمني والمالي والسياسي وحتى البشري، فماذا بقي ليفعلوه هم أنفسهم؟



السؤال البديهي هو لماذا ضخّ الحياة في أجسام معارضة لا تمتلك قابلية للحياة بمفردها؟ ثم ما الفائدة من تجميع بعض الشخصيات السنّية التي لا تجتمع على شيء، لا سياسياً ولا شخصياً ولا مبدئياً، ودائماً يأتي الجواب الرسمي من المعنيين في حزب الله يشبه ما تراه في الأفلام الوثائقية عن حياة القديسين والرسل، حيث تسمع كلاماً عن ضرورة مساعدة كل من يريد العمل بجدية ضمن إطار الثوابت الوطنية وفي مواجهة إسرائيل، وأن حزب الله لن يغلق بابه في وجه من يرغب في لقاء قيادييه، سواء أكانوا على اتفاق أم على خلاف بعضهم مع بعض.



أما من يعلم من المعارضين من غير السنّة فيقول في واقع المواجهة السياسية الداخلية، كان هناك عند الانسحاب السوري من لبنان حجم ما للقوى السنّية المعارضة أو المؤيدة لسوريا والمقاومة، وأغلب هذه القوى لم تبدّل مواقفها، وانضم إليها بعض الشخصيات التي لم تجد لها مكاناً في مواقع «المستقبل»، كذلك فإن بعض من كان هنا لم يكن يملك قدرة على الرحيل نحو «المستقبل»، ولكن أغلبية هذه القوى والشخصيات كانت على موقفها طيلة الوقت، وتعرّض بعضها للغبن من ذوي القربى كما من القوى الرئيسية في المعارضة حينها، ولا سيما في انتخابات عام 2005 عبر التحالف الرباعي، ولكن هذه القوى أيضاً لم تصل إلى حد أدنى من التفاهم في ما بينها، ما منعها من تحقيق أي أهداف، وهي استبعدت نفسها عن طاولة الحوار عبر خلافاتها الخاصة، وحساباتها الضيقة.


ومن يملك طموحات وأحلاماً سياسية ويعمل على تحقيق مركز ثقل لنفسه بعيداً عمّا يمكنه أن يستعيره من سوريا أو إيران أو حزب الله يتحدث صراحة عن وباء أصاب المعارضين من السنّة، وباء اسمه «السلطة والمال» دون العمل، فالكل يريد الظهور في الصف الأول، الجلوس إلى موائد السياسيين من الصنف الرفيع، أداء دور مركزي في العمل العام، الوصول إلى مركز نيابي، ومن بعده مباشرة كرسي وزاري وحقيبة أيضاً، ويعتب على حزب الله لأنه لا يعطيه من حصته النيابية في منطقة آمنة، ولا يعطيه كل الأصوات التي يملكها، وحتى التي لا يملكها، وبعد الانتخابات فإن حماسة العديد من الشخصيات قد بردت، ولم يصر الموقع الرئيسي للمواقف المعارضة، وتحولوا إلى البحث في الحسابات المالية عمّا تمكنوا من جنيه خلال المرحلة الماضية التي كان فيها البعض في البلاد من مواطنين ومقاومين وضحايا مدنيين يدفعون من اللحم الحي ومن الدم فواتير الصراعات في البلاد.
بعض من يملكون أحلاماً (قد تكون ساذجة في نظر معارضين آخرين) حين يتحدثون عن وباء «السلطة والمال» الذي يصيب كل رؤوس المعارضة عموماً يقولون «إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم»، وبالتالي فإن الجملة مشروطة بالعمل أولاً، لا بالانتصار أوّلاً. وإن كان شرط الله على الناس أن ينصروه أوّلاً فما بالك بحزب الله؟ فعلى من يتحدث أن يفعل أوّلاً، «وأن تكون قوياً في منزلك فهذا لا يهبك إياه أحد من خارج، لا مالك المبنى ولا الهيئة البلدية».



ثم يطرح من يعلمون السؤال: هل من ضرورة لمعارضة سنّية اليوم؟ ما دامت سوريا أقامت علاقات لا يبدو أنها ستبهت مع السعودية، وعبرها مع رئيس الحكومة، والرأس قد أصبح متاحاً فلماذا البحث في أوضاع الأقل وزناً؟ وما هي خطة المعارضة من السنّة إذا اجتمعت في جبهة؟ أي بيانات ستصدر؟ وإلى أين ستوجه سهامها؟ وعلى من ستقرأ مزاميرها؟ وإذا ما أراد أحد مواجهة رئيس الحكومة، أيكون ذلك بعدّة قديمة الطراز ومتهالكة؟ أم بتهديده بأن البديل جاهز وينتظر، وكذلك الخطط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ممكنة ومن أناس مقبولين في شارعهم، لا من حالات تزداد عزلة يوماً إثر آخر؟



إسلاميّون ولكن! حين تقول لأحد المعنيين إن العمل على الشارع الإسلامي السنّي بدأ متأخراً، يقاطعك «اسمح لي، العمل على الشارع السنّي بدأ مع انتصار الثورة الإيرانية، والدليل حركة التوحيد». وفيما كانت حركة التوحيد عرضة للتصفية في عام 1985، فإن حزب الله، لأسباب مختلفة، تمكّن من النمو، وإن بصعوبة، وتعايش مع كل المخاطر، ولحسن حظه أنه كان مجاوراً للحدود مع العدو ومتاخماً للحزام الأمني.


يستعرض أحد المعنيين بالملف القوى الإسلامية المعارضة، الجماعة الإسلامية شاركت في لقاءات الثامن من آذار، لكنها سرعان ما تخلّت عن هذا الموقع، وهي اليوم تعيد صياغة كل علاقاتها من جديد بعد الانتخابات النيابية، جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية انتهجت سياسة خاصة، «ولربما كانت المشاريع على حق. فمن أجل من ستضحّي وتتعرّض لهجمات في شارعها، بينما المعارضون من السنّة يعمل بعضهم على تمزيق بعض»، وجبهة العمل الإسلامي قد رحلت مع الراحل الكبير فتحي يكن، «كان جبهة في رجل وأعطى المقاومة في العالم العربي والعالم الإسلامي ما لم يعطها أحد، ولكن بعد وفاته للأسف حصل ما حصل».



ولا يشذّ الإسلاميون عن نظرائهم من التقليديين. وإن كان البعض منهم يوحي أنه يمتلك من القدرات الميدانية وغرف العمليات والصواريخ ما يضاهي به المقاومة، وأن الجهاز العسكري الذي يمتلكه يدرّب بعض كوادر المقاومة لتحسين قدراتهم، فإن المقاومة في المقابل حين تتوسم في أحد منهم خيراً

تهتم برعايته في إطار سرايا المقاومة، بعيداً عن تنظيمه.



أما الناصريون، فتلك حكاية أخرى تستحق المراجعة الطويلة، وإن كنت تجد دائماً من يسرّ لك بأن «الجنرال الداخل بطلاً والخارج بطلاً من السجن يمثّل بارقة أمل، فلا تقسُ عليه».