تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نجاد في ضيافة كرزاي (عدو امريكا في الحضن الأمريكي)



من هناك
03-14-2010, 10:11 PM
تحترف السياسة الإيرانية ازدواجية في الخطاب وإعطاء إشارات متناقضة في أوقات متقاربة بحيث تجعل المراقبين والمتابعين في حيرة من أمرهم، ولعل أكثر الصور وضوحا في الدلالة على تلك المواقف المتأرجحة والمتغيرة "ظاهريا" مسألة ملف إيران النووي. ومع الاعتراف بالفهلوة والدهاء الإيراني إلا أن بعض المواقف والتصريحات لا تحتاج إلى كثير عناء حتى يدرك المتابع المقاصد والأهداف والتي تسعى إليها طهران وإلى أساليبها في توظيف الشعارات الرنانة والعواطف الشعبية بل وحتى الإيدلوجية في الوصول إلى غايات سياسية وتسويات وصفقات مع الشيطان الأكبر أو حليفه الأوثق في المنطقة.

وبغض النظر عن تصريحات نجاد في كابول وانتقاده لدور الولايات المتحدة، فإن كل ذلك لا يلغي حقيقة أن الرئيس الإيراني نزل في ضيافة كرازي رجل أمريكا والذي تتكفل بحراسته قوات أمريكية وبالتالي فإن نجاد كان يتمتع بالحماية الأمريكية وهو يطلق لسانه في انتقادها والسخرية منها!! بل إن نجاد نفسه أطلق ومن خلال تصريحاته دعوة للغرب والولايات المتحدة لمواجهة مشتركة "للإرهاب السني"، فلقد قال في مؤتمره الصحفي والذي جمعه وكرازي بأن القوات الأميركية والأوروبية لن تتمكن من هزيمة الإرهاب عن طرق شن حرب في أفغانستان، فالإرهاب يمكن محاربته عبر التعاون ألاستخباراتي بين الدول وليس عبر تحشيد الجيوش. نجاد يتفق مع الغرب بتوصيف وتصنيف المقاومة الأفغانية للاحتلال الغربي إرهابا، وهو يعلن عن استعداد طهران للتعاون في مجال المخابرات مع واشنطن وحلفائها. هذه الأريحية الإيرانية في الاستعداد للتعاون ألاستخباراتي المشترك مع الغرب تعطي شيء من المصداقية لتحليلات ذهب أصحابها إلى أن ثمة صفقة إيرانية أمريكية تمت من خلالها مقايضة عبد الملك ريغي زعيم حركة جند الله السنية بالقائد القسامي محمود المبحوح.

من ناحية ثانية أشارت بعض التحليلات على أن أحد الدوافع الرئيسية لزيارة نجاد لكابول القلق الإيراني من الرغبة الغربية في التصالح مع حركة طالبان. هذه القلق عبرت عنه إيران وفي أكثر من مناسبة، فهذا وزير خارجيتها منوشهر متكي يحذر في مؤتمر صحافي خريف 2008 من عواقب إجراء محادثات مع طالبان، مشيرا إلى أن مصيرها سيكون الفشل لو تمت، ونصح متكي الدول الغربية حينها بالتفكير في عواقب إجراء محادثات مع الحركة، موضحا أنها ستكون خطأ فادحا. وقال متكي: "اليوم أصبح العالم بأكمله يعرف بالفشل الإستراتيجي للقوات الأجنبية في أفغانستان، ونحن ننصحهم بعدم القيام بمحاولة فاشلة أخرى"، وأضاف "نحن ننصحهم بالتفكير في عواقب المحادثات ـ مع طالبان ـ التي تُعقد في المنطقة وفي أوروبا، وتجنب أن يلدغوا من نفس الجحر مرتين". كما حذر متكي الغرب من التفكير بإمكانية حصر التطرف في أفغانستان وباكستان واسيا الوسطى، فالتطرف سيصل في يوم من الأيام إلى أوروبا والغرب.

ومع الحديث عن إمكانية انسحاب لقوات أمريكية من أفغانستان بعد أن هدها الإعياء والتعب، ومع التحذير الإيراني من المصالحة مع طالبان، تبدو طهران مهيأة لتقديم العون للغرب في الخروج من المستنقع الأفغاني بما يتفق مع مصالحها ورغبتها في أن تكون قوة إقليمية مهيمنة في المنطقة. فالنموذج العراقي في استنزاف المقاومة في حرب طائفية يبدو جذابا لواشنطن ومفيدا لطهران. فالنفوذ الإيراني يتصاعد في أفغانستان ومنذ سنوات الاحتلال، لا سيما في المناطق الغربية، حيث تحتفظ طهران بعلاقات اقتصادية وثقافية قوية، فهناك حسينيات ومراكز ثقافية إيرانية في هراة ومزار شريف، بل وحتى في العاصمة كابول. بالإضافة إلى أن نائب الرئيس الأفغاني محمد كريم خليلي، وهو شيعي، ومدافع رئيسي عن حقوق أقليته من الهزارة في الشارع الأفغاني. تقوية وتسليح الهزارة ربما يقدم خدمة كبيرة للاحتلال الأمريكي من خلال تحويل المقاومة الأفغانية إلى الانشغال في صراع طائفي، أثني ومذهبي.

وبعيدا عن الاجتهادات والتحليلات والتي تتحدث عن صفقات محتملة أو مواجهات محتومة بين واشنطن وطهران، تبدو الدول العربية الخاسر الأكبر وفي كلتا الحالتين، فهي عرضة للابتزاز إما بحجة الحماية أو تحت مسمى استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة. هناك حاجة ماسة للخروج من حالة الغيبوبة السياسية للعواصم العربية الكبرى والتعامل مع حقائق الصراع من إخلال إصلاح الأوضاع والجبهات الداخلية ونزع فتيل الصراع الداخلي المحتدم تحت مسميات مستوردة ومفروضة من الخارج، واستخدام الإمكانيات والموارد المتاحة في التعامل مع الأطراف الخارجية بشيء من الندية، والتعاون مع القوى الدولية الصاعدة في إحداث حالة من التوازن والتعامل مع الأحداث بشيء من المبادرة والفعل والخروج من دائرة ردود الفعل والاستناد إلى الأوهام والوعود الزائفة.



ياسر سعد