من هناك
02-24-2010, 11:59 PM
فتوى قتل "مبيح الاختلاط" تثير جدلا بالسعودية
صالح السليمي
الرياض - جدل يتسع في السعودية أثارته فتوى الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك (77 عاما) بجواز قتل مبيح الاختلاط في العمل والتعليم، على اعتباره أنه "كافر لكونه يستحل المحرمات". وقد عكست هذه الردود تحفظا على الفتوى، حيث اعتبرها أحد رجال الدين "رأيا متشددا"، فيما انتقد آخر تصدي أفراد وليس المجامع الفقهية المعترف بها لمثل هذه القضايا الجدلية.
وجاءت هذه الفتوى على خلفية مقال كتبه العتيبي في يناير 2008 في صحيفة "الرياض" بعنوان "إسلام النص وإسلام الصراع"، ومقال آخر في الصحيفة نفسها للكاتب أبا الخيل بعنوان "الآخر في ميزان الإسلام" في ديسمبر 2007. وآنذاك أيد عشرون عالمًا سعوديًّا في بيان فتوى الشيخ البراك بتكفير الكاتبين.
فعلى موقعه الإلكتروني، قال الشيخ البراك إن "من استحل الاختلاط فهو مستحل للمحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيُعرَّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله".
ورأى أن "الباعث للعصرانيين الداعين إلى هذا الاختلاط أمران، الأول: النزعة إلى حياة الغرب الكافر، فعقولهم مستغرِبة، ويريدون تغريب الأمة، بل يريدون فرض هذا التغريب، والثاني اتباع الشهوات {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }".
وذهب إلى حرمة ما يدعون إليه بقوله إن "الاختلاط بين الرجال والنساء في ميادين العمل والتعليم، وهو المنشود للعصرانيين، حرام؛ لأنه يتضمن النظر الحرام والتبرج الحرام والسفور الحرام والكلام الحرام بين الرجال والنساء، وكل ذلك طريق إلى ما بعده".
واعتبر الشيخ البراك أن "كل من رضي بعمل ابنته أو أخته أو زوجته مع الرجال أو بالدراسة المختلطة فهو قليل الغيرة على عرضه، وهذا نوع من الدياثة؛ لأنه بذلك يرضى بنظر الرجال الأجانب إليها، وغير ذلك مما يجر إليه الاختلاط".
"رأي متشدد"
هذه الفتوى أطلقت ردود أفعال متحفظة بين رجال الدين في السعودية، بينهم الأستاذ في المعهد العالي للقضاء بالعاصمة السعودية الرياض، الشيخ الدكتور عبد الله الطريقي، الذي وصف ما قاله به الشيخ البراك بـ"الرأي المتشدد"، معتبرا أن خروج الفتوى بهذه الصورة يعد "خطأً" من عالم له مكانته في الأوساط الشرعية.
وأضاف الشيخ الطريقي في تصريحات نشرتها صحيفة "الوطن" السعودية اليوم أن الاختلاف بين أهل العلم فيما يتعلق بمفهوم الاختلاط ما بين آراء متشددة وأخرى متسامحة لهو "أمر طبيعي".
وشدد على أنه "لابد أن نقرأ فتوى الشيخ البراك في سياق الاختلاف بين أهل العلم، وأنها تمثل رؤية متشددة، لكن يبقى أنها تصدر من عالم معتبر قد يكون له أدلة خاصة ربما تكون في مكانها وقد يكون الاستدلال بها محل جدل واختلاف".
وفصل الشيخ الطريقي محل الجدل في الاختلاط بقوله: "هناك من يدعو إلى اختلاط محتشم، وهناك من يدعو إلى اختلاط غير مشروط، والذي يترتب عليه خلوة غير شرعية، وفتوى الشيخ البراك هي في مقابل هذا الرأي المتطرف الذي ينادي بالاختلاط غير المنضبط"، معتبرا أن خروج الفتوى بهذه الصورة "خطأ".
وأوضح أنه فيما يتعلق بالاختلاط والسفور فتحريمهما غير قطعي عكس التبرج والخلوة غير الشرعية اللذين يدخلان في شبه القطعيات، كذلك بالنسبة للاختلاط إذا كان اختلاطاً عادياً كالحرم المكي فهذا أيضا اعتبر من يفعله ليس فاسقاً ولا كافرا، فقضية الاختلاط والسفور مصطلح متعدد، كما أن تطبيقاته متعددة والحكم فيهما غير يسير.
فتاوى جدلية
كذلك تحفظ الدكتور محمد النجيمي، عضو مجمع الفقه الإسلامي، على فتوى الشيخ البراك، منتقدا ما وصفها بـ"الفتاوى الجدلية"، لكونها "خالية من مؤسسية".
وأضاف د. النجيمي قائلا في تصريحات نشرتها "الوطن" اليوم أن "غالبية هذه الفتاوى فردية. في حين ينبغي أن تصدر الفتاوى من المجامع الفقهية المعترف بها مثل: هيئة كبار العلماء، فالعالم كله بات يتحرك بنظام التكتلات سواء اقتصادية أو سياسية أو غيرها".
ورأى أن ظاهرة الفتاوى الجدلية "تشير إلى وجود خلل إستراتيجي يجب إصلاحه؛ لأن الخروج عن الإجماع منحى غير إيجابي"، مشددا على أن الناس في العالم الإسلامي بدؤوا يتذمرون من كثرة الفتاوى؛ لأنها أحدثت بلبلة.
قضية الاختلاط
والاختلاط قضية متجددة في المجتمع السعودي تظهر على السطح من آن إلى آخر، فقبل أشهر انتقد الدكتور سعد بن ناصر الشثري ما اعتبره اختلاطا في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)؛ ما عرضه لهجمة شرسة من بعض الكتاب الصحفيين، وأدى إلى استقالته من عضوية اللجنة الدائمة للإفتاء وهيئة كبار العلماء.
وحينها أصدر عدد من العلماء والمشايخ والدعاة في مدينة مكة المكرمة بيانا بشأن ما أثير حول مسألة الاختلاط، استنكروا فيه ما قالوا إنها حملة منظمة لأصحاب التوجه التغريبي ضد الشيخ الشثري.
ورأوا أن هؤلاء المنتقدين للشيخ يوظفون منابرهم الصحفية لمحاولة صناعة رأيٍ عامٍ موهوم يمررون من خلال مشروعهم التغريبي الذي لم يعد خافيا على أحد بطريقة فجَّة تتعارض مع أبسط القواعد الأخلاقية وأعراف المهنة الصحفية، فضلا عن أحكام الشريعة الغراء، بحسب الموقعين على البيان.
وفي الوقت نفسه أشادوا بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنيه، قائلين: "نؤيد بجلاءٍ كل مشروع علميٍ أو خِدمِي منضبطٍ بالضوابط الشرعية، ويحقق مصلحة راجحةً للمسلمين، كالجامعات والمعاهد العلمية ومراكز الأبحاث ونحوها، ومن ذلك جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي تُعدُّ صرحاً علمياً يتمتع بإمكانيات ضخمة".
إلا أنهم ناشدوا خادم الحرمين "أن يُخضِع هذه الجامعة للضوابط الشرعية والنظامية، إذ إن تأييدنا لهذا الصرح العلمي المتميز يدفعنا لاستكمال ما فيه من نقص أو خلل، ومن ذلك ما يقوم عليه نظام الجامعة من اختلاط بين الجنسين".
يشار إلى أنه الشيخ البراك كان قد أفتى في مارس 2008 بتكفير كاتبين سعوديين محسوبين على التيار الليبرالي، هما عبد الله بن بجاد العتيبي، ويوسف أبا الخيل؛ لكتابتهما مقالات اعتبرها "متصادمة مع الشرع"، مطالبًا بمحاكمتهما بتهمة الردة، فإذا لم يرجع كل منهما "وجب قتله مرتدًّا فلا يغسّل ولا يكفَّن، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون".
صالح السليمي
الرياض - جدل يتسع في السعودية أثارته فتوى الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك (77 عاما) بجواز قتل مبيح الاختلاط في العمل والتعليم، على اعتباره أنه "كافر لكونه يستحل المحرمات". وقد عكست هذه الردود تحفظا على الفتوى، حيث اعتبرها أحد رجال الدين "رأيا متشددا"، فيما انتقد آخر تصدي أفراد وليس المجامع الفقهية المعترف بها لمثل هذه القضايا الجدلية.
وجاءت هذه الفتوى على خلفية مقال كتبه العتيبي في يناير 2008 في صحيفة "الرياض" بعنوان "إسلام النص وإسلام الصراع"، ومقال آخر في الصحيفة نفسها للكاتب أبا الخيل بعنوان "الآخر في ميزان الإسلام" في ديسمبر 2007. وآنذاك أيد عشرون عالمًا سعوديًّا في بيان فتوى الشيخ البراك بتكفير الكاتبين.
فعلى موقعه الإلكتروني، قال الشيخ البراك إن "من استحل الاختلاط فهو مستحل للمحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيُعرَّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله".
ورأى أن "الباعث للعصرانيين الداعين إلى هذا الاختلاط أمران، الأول: النزعة إلى حياة الغرب الكافر، فعقولهم مستغرِبة، ويريدون تغريب الأمة، بل يريدون فرض هذا التغريب، والثاني اتباع الشهوات {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }".
وذهب إلى حرمة ما يدعون إليه بقوله إن "الاختلاط بين الرجال والنساء في ميادين العمل والتعليم، وهو المنشود للعصرانيين، حرام؛ لأنه يتضمن النظر الحرام والتبرج الحرام والسفور الحرام والكلام الحرام بين الرجال والنساء، وكل ذلك طريق إلى ما بعده".
واعتبر الشيخ البراك أن "كل من رضي بعمل ابنته أو أخته أو زوجته مع الرجال أو بالدراسة المختلطة فهو قليل الغيرة على عرضه، وهذا نوع من الدياثة؛ لأنه بذلك يرضى بنظر الرجال الأجانب إليها، وغير ذلك مما يجر إليه الاختلاط".
"رأي متشدد"
هذه الفتوى أطلقت ردود أفعال متحفظة بين رجال الدين في السعودية، بينهم الأستاذ في المعهد العالي للقضاء بالعاصمة السعودية الرياض، الشيخ الدكتور عبد الله الطريقي، الذي وصف ما قاله به الشيخ البراك بـ"الرأي المتشدد"، معتبرا أن خروج الفتوى بهذه الصورة يعد "خطأً" من عالم له مكانته في الأوساط الشرعية.
وأضاف الشيخ الطريقي في تصريحات نشرتها صحيفة "الوطن" السعودية اليوم أن الاختلاف بين أهل العلم فيما يتعلق بمفهوم الاختلاط ما بين آراء متشددة وأخرى متسامحة لهو "أمر طبيعي".
وشدد على أنه "لابد أن نقرأ فتوى الشيخ البراك في سياق الاختلاف بين أهل العلم، وأنها تمثل رؤية متشددة، لكن يبقى أنها تصدر من عالم معتبر قد يكون له أدلة خاصة ربما تكون في مكانها وقد يكون الاستدلال بها محل جدل واختلاف".
وفصل الشيخ الطريقي محل الجدل في الاختلاط بقوله: "هناك من يدعو إلى اختلاط محتشم، وهناك من يدعو إلى اختلاط غير مشروط، والذي يترتب عليه خلوة غير شرعية، وفتوى الشيخ البراك هي في مقابل هذا الرأي المتطرف الذي ينادي بالاختلاط غير المنضبط"، معتبرا أن خروج الفتوى بهذه الصورة "خطأ".
وأوضح أنه فيما يتعلق بالاختلاط والسفور فتحريمهما غير قطعي عكس التبرج والخلوة غير الشرعية اللذين يدخلان في شبه القطعيات، كذلك بالنسبة للاختلاط إذا كان اختلاطاً عادياً كالحرم المكي فهذا أيضا اعتبر من يفعله ليس فاسقاً ولا كافرا، فقضية الاختلاط والسفور مصطلح متعدد، كما أن تطبيقاته متعددة والحكم فيهما غير يسير.
فتاوى جدلية
كذلك تحفظ الدكتور محمد النجيمي، عضو مجمع الفقه الإسلامي، على فتوى الشيخ البراك، منتقدا ما وصفها بـ"الفتاوى الجدلية"، لكونها "خالية من مؤسسية".
وأضاف د. النجيمي قائلا في تصريحات نشرتها "الوطن" اليوم أن "غالبية هذه الفتاوى فردية. في حين ينبغي أن تصدر الفتاوى من المجامع الفقهية المعترف بها مثل: هيئة كبار العلماء، فالعالم كله بات يتحرك بنظام التكتلات سواء اقتصادية أو سياسية أو غيرها".
ورأى أن ظاهرة الفتاوى الجدلية "تشير إلى وجود خلل إستراتيجي يجب إصلاحه؛ لأن الخروج عن الإجماع منحى غير إيجابي"، مشددا على أن الناس في العالم الإسلامي بدؤوا يتذمرون من كثرة الفتاوى؛ لأنها أحدثت بلبلة.
قضية الاختلاط
والاختلاط قضية متجددة في المجتمع السعودي تظهر على السطح من آن إلى آخر، فقبل أشهر انتقد الدكتور سعد بن ناصر الشثري ما اعتبره اختلاطا في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)؛ ما عرضه لهجمة شرسة من بعض الكتاب الصحفيين، وأدى إلى استقالته من عضوية اللجنة الدائمة للإفتاء وهيئة كبار العلماء.
وحينها أصدر عدد من العلماء والمشايخ والدعاة في مدينة مكة المكرمة بيانا بشأن ما أثير حول مسألة الاختلاط، استنكروا فيه ما قالوا إنها حملة منظمة لأصحاب التوجه التغريبي ضد الشيخ الشثري.
ورأوا أن هؤلاء المنتقدين للشيخ يوظفون منابرهم الصحفية لمحاولة صناعة رأيٍ عامٍ موهوم يمررون من خلال مشروعهم التغريبي الذي لم يعد خافيا على أحد بطريقة فجَّة تتعارض مع أبسط القواعد الأخلاقية وأعراف المهنة الصحفية، فضلا عن أحكام الشريعة الغراء، بحسب الموقعين على البيان.
وفي الوقت نفسه أشادوا بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنيه، قائلين: "نؤيد بجلاءٍ كل مشروع علميٍ أو خِدمِي منضبطٍ بالضوابط الشرعية، ويحقق مصلحة راجحةً للمسلمين، كالجامعات والمعاهد العلمية ومراكز الأبحاث ونحوها، ومن ذلك جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي تُعدُّ صرحاً علمياً يتمتع بإمكانيات ضخمة".
إلا أنهم ناشدوا خادم الحرمين "أن يُخضِع هذه الجامعة للضوابط الشرعية والنظامية، إذ إن تأييدنا لهذا الصرح العلمي المتميز يدفعنا لاستكمال ما فيه من نقص أو خلل، ومن ذلك ما يقوم عليه نظام الجامعة من اختلاط بين الجنسين".
يشار إلى أنه الشيخ البراك كان قد أفتى في مارس 2008 بتكفير كاتبين سعوديين محسوبين على التيار الليبرالي، هما عبد الله بن بجاد العتيبي، ويوسف أبا الخيل؛ لكتابتهما مقالات اعتبرها "متصادمة مع الشرع"، مطالبًا بمحاكمتهما بتهمة الردة، فإذا لم يرجع كل منهما "وجب قتله مرتدًّا فلا يغسّل ولا يكفَّن، ولا يصلى عليه، ولا يرثه المسلمون".