تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رهان السعودية والمانحين .. بتنمية اجتماعية بين أبناء اليمن



إبداعات
02-24-2010, 07:07 PM
د. عبدالله مرعي بن محفوظ

يأتي انعقاد الدورة 19 لمجلس التنسيق السعودي اليمني في الرياض يوم 27 فبراير 2010م، ثم يتبعه مؤتمر المانحين يوم 28 فبراير ببارقة أمل نحو خطوات من الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي داخل اليمن إن اتفقت النوايا الداخلية والجهود بنفس قدر المنح المالية،هذان الاجتماعان مهمان لأنهما يسعيان لتقديم قروض كبيرة وبإشراف دولي ، ولا يعني هذا الأمر ان الدول المانحة لليمن سوف تأتي بالأموال لتنثرها على اليمن من كل حدب وصوب، فالمساعدات مرتبطة بالأداء الإداري والإصلاحات الحكومية، وهي مهام كبيرة تقع مسؤولية تنفيذها على الحكومة اليمنية بعيدا عن التقسيم الفئوي، فالأمن والاستقرار الاجتماعي اليوم هي الأهداف الرئيسة وتأتي السياسة بعد ذلك!
ان الشرعية الخاصة التي يكتسبها مؤتمر الرياض، تأتي بمباركة دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لأن السعودية تظل هي المعنية الأكبر بأمور اليمن كونها الجارة الكبرى والأكثر تضرراً من الإرهاب والتهريب والتسلل والهجرة غير الشرعية، والرهان السعودي على التنمية الاجتماعية قبل أن تقع اليمن داخل لوبيات من الكتل كـ (الصوملة) أو (العرقنة)، فالحراك الشعبي في الجنوب ليس موحدا حتى لو توافقت أطيافه السياسية على فكرة فك الارتباط، والشمال ليس موحدا حتى لو تطابقت أهواء قبائله وقياداته على مصالح مشتركة.
ويمكن ملاحظة الأثر الاجتماعي بعد الأحداث الأخيرة مع جماعة (الحوثيين) في جازان، والتي خلقت تساؤلات شعبية في السعودية والخليج عن ثمار توقيع اتفاقية الحدود بجدة عام 2000م؟ وثمار تصريح وأفعال الملك عبدالله بن عبدالعزيز في عام 2006م بأن اليمن جزء من النسيج الاجتماعي الخليجي وسوف تنضم يوما ما إلى مجلس التعاون الخليجي بسبب الروابط المشتركة بين البلدين وباقي دول الخليج في الدين والعروبة والجوار الجغرافي والامتداد الثقافي والتجانس الاجتماعي في العادات والتقاليد.
المسـألة هنا أصبحت «عدالة اجتماعية» بين شعوب الخليج مع اليمن وأهمية متابعة أثرها على (أمن) و(استقرار) الخليج العربي كاملاً ، حيث رأينا أن التكامل السياسي والعسكري بين السعودية واليمن لم يستطع أن يحمي الأمن على الحدود السعودية من فئة باغية جزء منها تحمل أهداف طائفية والأهداف الأخر أتت بصبغة تخريبية، والموقف العام للحكومة اليمنية ليس مع حكومات الخليج فقط بقدر ما هو مع شعوب الخليج التي لها حق تقرير مصير الشراكة والاندماج مع شعب اليمن وليس فقط حكومتها، والمطالب الخليجية بتحقيق «العدالة الاجتماعية» داخل اليمن عادلة ، لتحسين مستوى التعليم والصحة ورفع دخل الفرد، وتغيير نمط التفكير الإعلامي اليمني ، نحو خليجي غني ويمني فقير، فلا حاجة للمزايدة على العروبة، لن نصف سكان الخليج بأن أصولهم قحطانية والنصف الآخر عدنانية، والشعوب الخليجية لا تعارض أبداً دخول إخوانهم اليمنيين معهم في المصير المشترك ، ولكن يظل موضوع دخول الحكومة اليمنية سياسياً إلى مجلس التعاون الخليجي بيد الحكومة اليمنية الإصلاحي . إن مشكلة الحكومة اليمنية في العدالة الاجتماعية انعكست على سياسة صنعاء داخلياً ، ويمكن ملاحظتها من خلال الخريطة القبلية وامتداداتها على الحياة المدنية والاقتصادية، فالقوى القبلية المختلفة التي تواجه حكومة صنعاء ليست موحدة في غاياتها وأهدافها ولكنها متوافقة ضدها ، وما حصل في اليمن من انقسامات انفجرت دفعة واحدة في محافظات متباعدة جغرافيًا ولأسباب اجتماعية ومذهبية - اقرب مثال - التحرك في صعدة ضد صنعاء لا يتوافق أيديولوجيا مع الحراك في الجنوب ولكنه يتقاطع في مصالحه لعزل سلطة صنعاء عن الأقاليم، وهذا هو المسار الأخطر في سياسة تقويض الحكومة المركزية لأنه يؤدي إلى ظهور الدويلات الصغيرة، لتكون الصورة أقرب إلى سلطات قبلية تمارس نفوذها في دوائر محلية وتتنافس ضد بعضها لحماية عصبياتها الموروثة بناء على التوترات المذهبية والاجتماعية.
إذن الحل الأمثل لمشكلة اليمن هي الشراكة الدولية مع دول الخليج في تنفيذ المشاريع التنموية لمحاربة سياسة الإهمال في التنفيذ ووقف التهميش الاجتماعي داخل محافظات اليمن من مراكز القوى المناطقية التي تتنافس على النفوذ دون اعتبار للحقوق المدنية والقوانين المحلية أو الحدود المشتركة، وعلى حكومة اليمن أن تدرك أن مسائل (التنمية) الاقتصادية والاجتماعية هي عصب العلاقة بينها وبين أخواتها في دول الخليج وهي أكثر أهمية من العلاقات السياسية أو التعاون العسكري مع حكومات الخليج، واليمن لديه مشوار طويل في تأهيل البنية الأساسية للكوادر البشرية لمحاربة البطالة والفقر، حيث تسرب أبناؤها من التعليم الدراسي بسبب الحروب الست في صعدة وبعض محافظات الجنوب ، وليس أمامها سوى الاهتمام بالتعليم الفني والتدريب المهني بعد أن أصبح عدد سكانها 23 مليونًا نصفهم أقل من عشرين سنة وبنمو في عدد السكان 700 ألف كل عام، وإضافة إلى ذلك يحتاج إلى مبادرات اقتصادية من القطاع الخاص الخليجي الذي لن يعود طالما استمر عبث القبائل والمسؤولين الحكوميين والعسكريين ضد استثماراتهم بين حين وآخر، ولعل مشروع مدينة «الوديعة» و»الطوال» الاقتصادية على جانبي الحدود سوف يخدم أبناء القبائل اجتماعياً من الهجرة ويحمي الحدود من التسلل . ختاماً لا يستطيع الإصلاح السياسي في اليمن بأن يحل محل الإصلاح الداخلي للوضع الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق العدالة في توزيع الثروات بالتساوي، ومن مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي وتحديداً السعودية أن تتعامل معها بجدية وسرعة وان تطلب من فخامة الرئيس علي عبدالله صالح القبول بأن تتولى جهة دولية موثوقة تصريف ومتابعة المشروعات التنموية التي تمولها الدول المانحة، ولا تعني هذه الضغوط تدخلا في سياسة الحكومة اليمنية بقدر ما هو تضافر الجهود (عربياً ودولياً) لإيجاد حلول سريعة وتطبق على ارض الواقع بشفافية بعيدا عن العبث في إهدار المنح والمدخرات والثروات.
المصدر: صحيفة المدينة، الأربعاء 24 فبراير 2010
رابط المقال:
http://al-madina.com/node/226904