تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اعترافات قرصان اقتصاد



من هناك
02-11-2010, 05:55 AM
اعترافات قرصان اقتصاد

جون بير كنز

Confessions of an Economic Hit Man

John Perkins



CONTENTS:

PART I: 1963-1971

PART II: 1971-1975

PART III: 1975-T981

PART IV: 1981-PRESENT






*********************************** *****************



الاغتيال الاقتصادي للأمم

"اعترافات قرصان اقتصاد"


لم يكن من قبيل المصادفة أن يختار ناشر الطبعة العربية من هذا الكتاب عنوان "الاغتيال الاقتصادي للأمم" تعبيرا عما يعانيه عدد كبير من شعوب العالم النامي من تعرض أنظمته الاقتصادية للنهب والتدمير، وبصفة خاصة في تلك الحقبة المقبلة من حياتنا، حيث تتربص باقتصادنا أشباح الركود والتأخر
ورغم التزام كثير من الناشرين الذين ترجموا الكتاب من الإنجليزية إلى عدد من لغات العالم بالعنوان الأصلي للكتاب، إلا أننا نجد توافقا في الخواطر بين الناشر العربي ونظيره الروسي الذي اختار عنوان "اغتيال اقتصاد الشعوب
يحمل الكتاب الذي بين أيدينا في نسخته الأصلية عنوان "اعترافات قرصان اقتصاد" وهي شهادة لأحد أولئك الرجال المحترفين الذين يرتدون ملابس فاخرة ويتنقلون عبر العالم في رحلات فارهة ويتقاضون أجورا فلكية من أجل نهب بلايين الدولارات من دول عديدة في سائر أنحاء العالم
يأخذ أولئك الرجال المال من البنك الدولي، وهيئة المعونة الأمريكية وغيرها من مؤسسات «المساعدة» الأجنبية،ويحولونها بطرق مراوغة إلى الشركات الكبرى، لتجنيها حفنة من العائلات الثرية التي تسيطر على الموارد الطبيعية للكرة الأرضية. وتتباين وسائل هؤلاء الرجال بين تلفيق التقارير المالية، وتزوير الانتخابات، والرشوة، والابتزاز، والجنس، والقتل
يتألف الكتاب الذي بين أيدينا من أربعة أجزاء مقسمة حسب المراحل الزمنية التى قضاها مؤلف الكتاب "جون بيركينز" في خدمة نظام الاغتيال الاقتصادي للشعوب. وتضم هذه الأجزاء الأربعة 35 فصلا رشيقا لا يتجاوز حجم الواحد منها عشر صفحات
أما الفضاء الجغرافي الذي يشمله الكتاب فيغطى العالم بأسره، وإن أولى المؤلف عناية خاصة بدول أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا والمملكة العربية السعودية ودول شبه الجزيرة العربية، وإيران وعراق صدام حسين
يبرر المؤلف اعترافاته بما حل بكثير من شعوب العالم من كوارث بسبب عمليات الاغتيال والقرصنة الاقتصادية التي مارسها هو وحفنة من زملائه وأدت إلى جلب المآسي الاقتصادية على الشعوب إضافة إلى التخلص من زعماء وقادة وطنيين لقوا حتفهم بسبب معارضتهم تلك المنظومة من الشركات العملاقة والحكومات والبنوك التي تسعى لبناء إمبراطورية عالمية. ويقر المؤلف أنه عندما فشل قراصنة الاقتصاد في استمالة أولئك الرؤساء الوطنيين السابقين، يتدخل فريق آخر من القراصنة، وهم ثعالب المخابرات المركزية الأمريكية، لينفذوا مهامهم
حاول المؤلف على مدى ربع قرن الخروج بهذا الكتاب إلى النور وفشل في كل مرة إما بسبب رفض دور النشر الكبرى، أو ما لقيه من تهديد، أو ما خضع له من رشوة
وحتى لا يتهم المؤلف بأنه يروى قصة خيالية ملفقة فقد استعان بسجل موثق من المقابلات والوثائق المنشورة وغير المنشورة، والسجلات والملحوظات الشخصية جمعها حينما كان يعمل ومجموعة من زملائه خبراء اقتصاديين يعدون دراسات الجدوى والتقارير بما يتوافق مع متطلبات المؤسسات الدولية المانحة للقروض، على أن تذهب هذه الأموال إلى شركات بعينها ذات صلة وثيقة بمن وضعوا التقارير وأعدوا دراسات الجدوى
وبهذه الطريقة المخادعة لا تغادر الأموال مقار الهيئات الدولية المانحة والقابع أكثرها في الولايات المتحدة حيث تتحول ببساطة من حسابات بنوك واشنطن إلى حسابات شركات في نيويورك أو هيوستن أو سان فرانسيسكو، وبينما تعود هذه الأموال بشكل فوري إلى أعضاء الكوربورقراطية فإنه يبقى على الدولة المتلقية سداد أصل القرض والفوائد
يقف المؤلف غير مرة عند مصطلح «الكوربورقراطية Corporatocracy» قاصدا به نخبة رجال الأعمال والساسة في الولايات المتحدة الساعين إلى بناء إمبراطورية عالمية تسيطر عليها مجموعة من الشركات الأمريكية الكبرى
يستعيد المؤلف من خزينة ذكرياته أولى المهام التي تدرب عليها وتمثلت في «تشجيع زعماء العالم ليصبحوا جزءا من شبكة اتصالات واسعة تروج لمصالح الولايات المتحدة التجارية" كي يقع هؤلاء القادة في شراك ديون مرهقة تضمن خضوعهم، فيلجئون إلى قراصنة الاقتصاد ويقعون في مخططاتهم، وكلما طلبوا أموالا وإعانات وجدوا ما يطلبون
يضمن هؤلاء الزعماء في مقابل انصياعهم لقراصنة الاقتصاد والمخابرات الأمريكية تدفق أموال الإعانات لإنشاء محطات توليد كهرباء، ومنشآت صناعية، ومطارات لمواطنيهم. ومن فترة لأخرى يجد هؤلاء الزعماء أنفسهم مطالبين ب"رد الجميل" فينصاعون لشروط الدائن التى تتنوع بين الموافقة على تصويت ما في الأمم المتحدة أو السيطرة على موارد معينة في البلد المدين أو إقامة قاعدة عسكرية بأراضيها أو إغماض العين عن غزو بلد مجاور ، وربما المساعدة في غزوه لوجستيًا تارة وماديا تارة أخرى
لا يتوقف انصياع الدول التي أرهقتها الديون على الساحة الدولية فحسب بل تفتح أبوابها للشركات الامريكية (ومن ينوب عنها) التي تجوب في البلاد تستأجر العمال المحليين وتسخرهم في ظروف عمل قاسية ولا تمنحنهم سوى أجور العبيد
يتمتع المؤلف بلغة سلسلة وشيقة وأسلوب تهكمي في طرح الأسئلة المحورية، ومن بينها: "لماذا يهاجمنا الإرهابيون؟"
ويجيب المؤلف : "لأنه في الوقت الذي تنفق فيه الولايات المتحدة أكثر من 87 مليار دولار لتقود حربا في العراق، تقدِّر الأمم المتحدة أنه بأقل من نصف هذا المبلغ يمكننا تأمين المياه النظيفة، والتغذية الكافية، والخدمات الصحية، والتعليم الأساسي لكل إنسان على وجه الأرض"
ويأتي جزء من الإجابة من خلال تدليل «بيركنز» بأن مديونية العالم الثالث وصلت إلى 2.5 تريليون دولار وأن خدمة هذه الديون بلغت 375 مليار دولار سنوياً في عام 2004، وهو رقم يفوق ما تنفقه كل دول العالم الثالث على الصحة والتعليم ويمثل 20 ضعفاً ما تقدمه سنوياً الدول المتقدمة من مساعدات خارجية
وفي كافة الأمثلة السابقة كانت الأهداف واحدة وتمثلت في دفع هذه الدول إلى حالة من الإفلاس، ورفع حد الفقر، وزيادة البطالة، وتفاقم الدين العام وإرباك الميزانية السنوية بسداد الديون الخارجية
وخلال الممارسات السابقة وجدت دولة مثل الإكوادور نفسها مضطرة لبيع غاباتها في حوض نهر الأمزون إلى شركات البترول الأمريكية لكون مخزون غابات الأمزون من النفط يحتوي على احتياطي ينافس نظيره في الشرق الأوسط
وفي الإكوادور وغيرها من حقول التجارب التي لعب فيها القراصنة دورهم تذهب 75 % من عائدات البترول للشركات الأمريكية بينما تحصل الدولة محل التجربة على النسبة الباقية ، التي يذهب 75 % منها لسداد الديون الخارجية والمصروفات الحكومية ، والمحصلة أنه لا يتبقى سوى 2.5 % لبرامج الصحة والتعليم ودعم الفقراء!
ليس البترول وحده هو هدف الاغتيال الاقتصادي للأمم، ففي المجال الزراعي ظهرت شركات هيمنة عالمية ، مثل شركة الفواكه المتحدة «يونايتد فروت» الأمريكية التي صارت من القوى المسيطرة على أمريكا الوسطى بما لها من مزارع كبرى في كولومبيا ونيكارجوا وكوستاريكا وجامايكا وسانت دومينجو وجواتيمالا وبنما. وحين حاول بعض الزعماء مواجهة الاحتكار الزراعي لهذه الشركة قامت ال «سي. أي. إيه» بتدبير عمليات انقلاب ضدهم جاءت برؤساء موالين حافظوا على مصالح تلك الشركات
لم يقف الأمر عند مستوى الانقلابات العسكرية المدعومة أمريكيا بل تجاوز ذلك إلى الغزو والإنزال العسكري ، على نحو ما جرى في عدة دول في مقدمتها العراق وبنما. وخلال الغزو لم تدخر القوات الأمريكية جهدا في حرق المدن وقتل الآلاف من الأطفال والمدنيين الأبرياء وتشريد السكان
وفي حالة مثل العراق يؤكد المؤلف أن أهميته لا تقتصر على البترول، فهناك المياه والواجهة البحرية والموقع الاستراتيجي والسوق الواسعة لبيع التكنولوجيا الأمريكية. ولقد بات واضحاً منذ عام 1989 للنخبة الأمريكية التي ساندت صدام حسين في حربه ضد إيران أنه لن يسير في السيناريو الاقتصادي المرسوم له، ومن ثم لقي عقابه القاسي، ليكون عبرة للجيران
على هذا النحو من الأمثلة الموجعة الكاشفة للأسرار يمضي بنا الكتاب من قارة لأخرى ومن بلد لبلد متسلحا بالأدلة والوثائق والمقابلات والسجلات المنشورة حديثا ليحقق عدة أهداف في وقت واحد ، أكثرها إيجابية كشف النقاب عما يجري في الخفاء لإخضاع الدول والشعوب، وأكثرها سلبية هو تسريب قناعة متزايدة لمن يقرأ الكتاب من المناضلين والزعماء والوطنيين بأن نظرية المؤامرة الدولية ما زالت حاضرة بقوة وأن أفق التحرر والاستقلال ما زالت تحول دونها غيوم كثيرة
لكن الثابت من رحلة قراءة هذا الكتاب الممتع، والذي عكف على نقله للعربية ثلاثة من المترجمين، أنه مصدر مهم لفضح الوسائل والطرق المخادعة للسيطرة على الشعوب واستعمارها بأقنعة مختلفة