تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نهاية مشروع العولمة الأمريكية؟!



مقاوم
02-10-2010, 09:21 AM
نهاية مشروع العولمة الأمريكية؟!


كتب أ. مولاي المصطفى البرجاوي*




http://qawim.net/images/stories/awlamausa2010.jpg

وهارولد جيمس ليس إلا واحدا من المفكرين العديدين الذين تنبئوا بأفول وانهيار مشروع العولمة؟ يقول ما معناه: إذا كانت العولمة الأولى التي حصلت في بدايات القرن العشرين قد انهارت بسبب حصول ركود اقتصادي مفاجئ وهائل، فما الذي يضمن لنا ألا تنهار العولمة الحالية بفعل عوامل طارئة .. فمن المعلوم أن الركود الاقتصادي هو الذي أدى إلى صعود هتلر إلى سدة السلطة وحصول الحرب العالمية الثانية وتدمير القارة العجوز.

-------------------------

http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.pngيظل مصطلح العولمة (الذي يعادل الأمركة)؛ من أكثر المفاهيم شهرة وذيوعا والمرشح للأفول ؛ حيث لم ينل أي مصطلح فكرى آخر ما ناله ، منذ برزت ملامح هذه القضية منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، ولأن العولمة لها وجوهها المتعددة كذلك لها أقنعتها المتنوعة (السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والأمنية والتكنولوجية والحضارية...) فهي ليست بالوضوح والصراحة التي يتشدق بها دعاتها والمبشرون بها .. إن العولمة بغموض مفهومها وكيفية تطبيقها لازالت شاغلا أساسيا للتنظير الثقافي من الإعلام إلى الإبداع والإتباع..!

أضف إلى ذلك، نهاية الليبرالية الجديدة بشتى تمظهراتها وتجلياتها ، من خلال الصيحة التي أطلقها المفكر الاقتصادي الأمريكي هارولد جيمس أستاذ علم التاريخ في جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأميركية مع نهاية التسعينيات وتحديدا عام 2001 بكتابه:"نهاية التاريخ : دروس من الكساد العظيمThe end of Globalization : lessons from The Great Depression ، و هارولد جيمس ليس إلا واحدا من
المفكرين العديدين الذين تنبئوا بأفول وانهيار مشروع العولمة؟ يقول ما معناه: إذا كانت العولمة الأولى التي حصلت في بدايات القرن العشرين قد انهارت بسبب حصول ركود اقتصادي مفاجئ وهائل، فما الذي يضمن لنا ألا تنهار العولمة الحالية بفعل عوامل طارئة لا نستطيع تحاشيها أو التنبؤ بها؟ فمن المعلوم أن الركود الاقتصادي الذي أصاب أوروبا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي هو الذي أدى إلى صعود هتلر إلى سدة السلطة وحصول الحرب العالمية الثانية وتدمير القارة العجوز..

إن قضية العولمة إذن؛ قد أثارت كثيراً من الجدل والمراجعات النظرية والفكرية بين مختلف الأوساط المعنية، فشغلت الناس بالجدل حول طبيعة وماهية العولمة.. ولذا فمن الصعب وضع تعريف حدي لمصطلح (العولمة)، لأنه يحمل عدداً من الدلالات المتداخلة في المجالات: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإيديولوجية والفكرية.. لكن ما يهمنا في هذه المقال هو مناقشة المواقف المتباينة حول إمكانية استمرار أو أفول نجم الهيمنة العولمية واستمراريتها؟!

1- التصور الاستمراري: نجده في الغالب الأعم عند غالبية الفكر العولمي- الغربي ،الامبريالي ويعتقد أنها –عبثا -أشبه بالكثبان الرملية في الصحراء، كل مرة في مكان.

2 - التصور الأفولي: إن إطلالة سريعة لمستجدات الفترة الأخيرة يجعل كل حصيف وكل محلل للأحداث العالمية ..يتبين أن الإدارة الأمريكية آيلة –في أحسن الاحوال- لا محالة إلى الذوبان بين أحضان أقطاب متعددة ..مما يعني انعدام الانفرادية والزعامة أو ظهور قطب وتكتل يضم عدة دول تقف حجر عثرة أمام النفوذ والهيمنة الأمريكية ..وفي هذا عجالة نعرض لمؤشرات انهيار العلومة (الأمركة) التي تقودها الولايات الامريكية:

اللاعبون الجدد والتحديات الكبرى للهيمنة الأمريكية:

نشأ فراغ كبير في النظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبرغم أن الولايات المتحدة تبدو هي القوة الأولى المهيمنة عالميا، ولكنها تواجه تحديات كبرى تتمثل في حجم الإنفاق العسكري، وتراجعها الاقتصادي والسكاني نسبيا، وتصاعد الثقافات الوطنية، وتراجع حصة الدولار في التبادلات والاحتياطات العالمية، وغياب التناغم الاجتماعي الوطني، وقد تلجأ للخروج من أزماتها إلى العزلة أو الاتحاد مع فرنسا ساركوزي وربما أوروبا.

وقد بدأت روسيا منذ مجيء بوتين محاولات كبرى لوقف التراجع الذي بدأ مع غورباتشوف وتسارع في عهد يلتسين، ومازالت برغم ما يبدو من انهيارها تمتلك فرص العودة من جديد على المسرح العالمي باعتبارها قوة رئيسة منافسة للولايات المتحدة، فما زالت تملك قوة عسكرية ونووية هائلة، ومستوى تعليميا متقدما، وموارد كثيرة، وقد تدخل في شراكة مع أوروبا.

وقد تحولت اليابان إلى عملاق اقتصادي وإن بقيت قزما سياسيا ولا شيء يذكر في القوة العسكرية، وتسيطر على قطاعات تكنولوجية ومعلوماتية مستقبلية، ويتمتع سكانها بمستوى تعليمي متقدم، ولكنها تعاني من العزلة والتحولات الديموغرافية التي تضعف قواها العاملة وأنظمة الضمان الاجتماعي والادخار، وإذا استطاعت اليابان بناء تحالف مع الصين ..وقد بدأ الاتحاد الأوروبي يفرض نفسه كقوة مؤثرة ومستقلة بعد عقود من التبعية للولايات المتحدة، ويمتلك الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية معادلة للولايات المتحدة وتأثيرا سياسيا عالميا كبيرا، وبدأ اليورو الأوروبي يشكل تحديا للدولار، ويجري تنافسا سياسيا واقتصاديا بين الولايات المتحدة وأوروبا بقيادة فرنسا وألمانيا كما لوحظ في حرب الخليج الثالثة على سبيل المثال.

وبدأت الصين تأخذ دورا اقتصاديا عالميا مهما مضيفة إلى رصيدها السكاني والعسكري دعامة رئيسة مهمة، وبرغم أن الصين تعاني من الفساد والنمو غير المتوازن بين الأقاليم الصينية والصراع السياسي في قمة هرم السلطة فقد تحولت إلى قوة عظمى وسوق كبير تتنافس عليه الشركات والاستثمارات الأجنبية.

ويبدو أن العالم متجه إلى نظام تحكمه الدبلوماسية متعددة الأطراف والأقطاب والتحول إلى مجموعة معسكرات وأقاليم متنافسة اقتصاديا وسياسيا، ويتميز هذا النظام بالاستقرار لأنه يعتمد على تشكيل ائتلافات متغيرة تصد كل محاولة للهيمنة عليه، ويعتمد على إستراتيجيات دفاعية أكثر منها هجومية، وقد يسمح ذلك بالسيطرة على العنف، ويشجع التعاون الدولي لحل المشكلات الإنسانية المشتركة.

ثقافة المصالح.. تمديد جغرافية الجوع وازدواجية المعايير وعولمتهما:

وإذا كان القرن العشرون –على حد تعبير أحد الباحثين- في شكله الظاهر قرن حركات التحرر الوطني والاجتماعي، فإنه لم يتسع ولم يمتد ليرسخ واقع الحرية والعدالة والمساواة على الرغم من كل التضحيات التي قدمتها شعوب الأرض أو شعوب "جغرافية الجوع" في وجه مركزيات الاستعمار والهيمنة، إلا أن عنف الاستعمار وتشعب تحالفاته الأخطبوطية جعلته يبقى وينتهي على أوضح أشكال الاستعمار والاضطهاد وأبشعها، ولذلك فما ترفعه العولمة من خطابات عن المساواة والمشاركة والحرية تخفي وراءها واقعاً من الهيمنة والتهميش والفاشية الجديدة، ليفتتح القرن الحالي على تراجع مخيف لسؤال الحرية، وتراجع في قيمة الإنسان وكرامته، وتفشي مظاهر رفض الآخر وعودة الفاشية والتطرف، بشكل شعبي وحكومي، فما يجري في أمريكا وأوروبا من رفض للمهاجرين ومطاردة لهم مثال واضح.

فأوروبا والولايات المتحدة التي قدمت كل التسهيلات والمغريات لتستقدم المهاجرين من أجل الحصول على العمالة الرخيصة، والأدمغة المهاجرة، قد رفعت لذلك لافتات متعددة منها اللجوء السياسي الآمن، وبيت الحرية، تعود اليوم إلى حالة من الانغلاق على الذات ورفض الآخر، تحت يافطات قديمة جديدة كالإرهاب والأمن والمزاحمة على فرص العمل، مع أن الجوهر أعمق من ذلك، وهو في صميمه عودة إلى رفض الآخر والانغلاق على الهوية، الأجواء القديمة نفسها التي استولدت الفاشية والنازية والحروب العالمية والمسألة اليهودية والحركة الصهيونية والاستعمار، وما يجري في فرنسا لهو شاهد فاجع على المآل الذي وصلت له شعارات جمهورية الحرية، ومبدأ الدمج القائم على التنوع الذي يتسع لكل الهويات والثقافات والأعراق ضمن الهوية الفرنسية، هذا الدمج الذي سقط أمام لهيب السيارات المحترقة في ضواحي باريس أثناء ما عرف بثورة الضواحي، أو ما أسماه وزير الداخلية الفرنسية بثورة الأوباش والأوغاد، ذلك الوصف الذي يحمل في طياته نزعة تمييز عنصرية بشعة يطلقها شخص مسؤول عن مواطني دولته لكونهم من أصحاب البشرة السوداء، ومن أصول أفريقية وعربية، هذا على المستوى الداخلي لأوروبا وأمريكا. أما على المستوى العالمي فهناك أيضاً تنكر للآخر. انقضاض على الشعوب الأخرى وعلى ما أنجزته من مشاريع وطنية وقومية..مما يدفع بالبلدان الصناعية الجديدة إلى الدخول في تكتلات وتجمعات في أفق الاستغناء عن التبعية للهيمنة الاقتصادية الأمريكية!

من هنا يخلص- هارولد جيمس- إلى أن انهيار العولمة الرأسمالية أسبابه ستكون هو: الظلم والتفاوت الاجتماعي بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب وقد زاد هذا التفاوت عن حده في السنوات الأخيرة بدلا من أن ينقص. وهذا الوضع قد يؤدي إلى الانفجارات والاضطرابات والقلاقل وهو حتما سوف يزعزع النظام العالمي الجديد الذي يحاول الغرب فرضه على العالم بزعامة أميركا، مهما يكن من أمر فان العولمة الحالية سوف تنهار وتنتهي إذا ما استمرت على هذا النحو من احتقار ملايين الفقراء في العالم فهذه العولمة التي ابتدأت تتشكل في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين كانت قد انهارت سابقتها في الثلاثينيات والأربعينيات وبالتالي فكل نظام جائر مهدد بالانهيار يوما ما.

وعي شعوب العالم بدور المؤسسات الدولية الاقتصادية في ترسيخ ثقافة التخلف:

فمن شعار الحرب على التخلف لهاري ترومان إلى شعار الحرب على الإرهاب لجورج بوش الابن..تظل كلها ذرائع خدع يتم من خلالها إبقاء بلدان الجنوب قابعة في أسفل سافلين.. فتدخلات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في اقتصادات العالم الثالث تمت وتتم باسم نظام عالمي يمثل مصالح الاقتصادات المهيمنة، لإبقاء هذه الاقتصادات في حالة متخلفة لكنها قابلة للحياة بشكل مشوه، لكنه يتلاءم مع نمط الهيمنة الأمريكية وأهدافها، حتى لو كانت هذه الاقتصادات المتخلفة تعرض مشاريع التنمية المستدامة للخطر، وتساهم في زيادة الفقر والبطالة والتلوث...

العولمة.. نشر إيديولوجية الحرب الأهلية والعالمية:

ولقد حذر الكثيرون من المصير المشؤوم الذي تدفع العولمة إليه دول الأطراف، فمنذ تولي الولايات المتحدة زعامة العالم أخذت المبادرة في الحرب بدءا من أفغانستان إلى العراق والقائمة طويلة في الطريق..! ولم يعد خافيا على أحد ، وبخاصة بعد أن خرجت الى العلن التصريحات التي تعبر عن مواقف المحافظين اليهود الجدد في أمريكا وبالتحديد عبارتهم الشهيرة :"العراق هدف تكتيكي ،والسعودية هدف استراتيجي ومصر هي الجائزة". كما نتابع باستمرار نشوب حربا أهلية هنا وهنالك وانتشار لثقافة الموت..! البترول مقابل الدم!

نهاية النظم التابعة بنهاية الإمبراطورية الأمريكية:

الدول الكبرى في العصر الحالي تجد صعوبة في تحدي القوة الأمريكية، لذا تلجأ إلى إستراتيجية من عنصرين: الأول، الاعتراض على بعض السياسات الأمريكية بهدف الحصول على مكاسب أكبر أو المشاركة الجزئية في القرار الأمريكي (كما تفعل الآن روسيا والصين) كما هو ديدان الولايات المتحدة في الحرب الكونيتين التي لا تتدخل إلا في اللحظات التي تكون فيها مؤهلة للاستفادة من النصيب الأكبر. والثاني، الرضوخ والاسترضاء في إطار ما يُـسمى "bandwagonning"، أي الانضمام إلى الفريق الرابح، (كما تفعل بريطانيا فرنسا ساركوزي ومعظم دول العالم).

ولكن من باب الاختصار يقول ستيفن راوش ( فاينانشال تايمز): "الصين تقود الطريق في سباق التنمية الاقتصادية، و تدشن نوعاً آخر أوسع وأقوى من العولمة، إنها بدأت تهدد التفوق الأمريكي".خاصة الى جانب امتلاكها لترسانة نووية ضخمة وثروة بشرية هائلة والبقية تأتي!

فشل المقاربة العسكرية في حل الأزمات الدولية:

يرجح غازي العزي مؤلف كتاب "سياسة القوة: مستقبل النظام الدولي والقوى العظمى" أن المرحلة القائمة ليست نظاما دوليا جديدا، ولكنها مرحلة انتقالية لم تحسم بعد ولم تستقر على حالة نهائية، والخريطة العالمية ترشح الوضع للعودة إلى ثنائية قطبية أو متعددة الأقطاب.

كانت القوة العالمية تتحقق أساسا بالقوة العسكرية، بالجيوش المدربة والمنظمة، والأسلحة المتفوقة، وشجاعة الجنود والمقاتلين ومهارتهم، ولكن المعيار العسكري لم يعد حاسما أو فريدا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، بل إنه يصبح أحيانا عبئا اقتصاديا وسببا للنزف المؤدي للضعف والتراجع وربما الانهيار.كما هو حاصل في الولايات المتحدة والدول التي وطيد الصلة الاقتصادية بها.

وقد ظهرت تهديدات جديدة مثل التلوث والمافيات والمخدرات والإرهاب والصراعات العرقية و الإثنية مما لا تفيد في مواجهتها الحلول العسكرية. والعدد الكبير للسكان يشكل موردا كبيرا للدولة يعطيها زخما سياسيا واقتصاديا ومصدرا للكفاءات والكوادر العلمية والإدارية والجيوش والموظفين والقوة الدفاعية، وقد يؤدي أيضا إلى إضعاف الدولة واستنزافها.

وقد تزايدت أهمية المعيار الاقتصادي في القوة العالمية في المرحلة الجديدة أكثر من أية فترة سابقة، وربما كانت الأسباب الاقتصادية هي التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي.

تهديد الأمن العالمي:

إن مصادر تهديد الأمن لم تعد تنبع من داخل البيئة المحلية أو الإقليمية وحدها ، بل أصبحت تصدر كذلك من شتى التطورات والأحداث والمشكلات العالمية عابرة الحدود مثل: تجارة المخدرات ،غسيل الأموال ، والهجرة السرية ، الإرهاب الدولي ،فضلا عن تأثر أوضاع الأمن الداخلي للدولة بفعل الكوارث الطبيعية كالزلازل وانتشار الأوبئة(مرض الأنفلونزا، ملاريا..)التغيرات المناخية ،وما لكل ذلك من انعكاسات سلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة –والمجتمع-واستقرارهما الداخلي يتأثر سلبا وإيجابا بما يجري من أحداث وتطورات خارج حدودها.

الاختلاف بين الثالوث العالمي حول قضايا بيئية كبرى:

ويتجلى بشكل ملموس حول تهديد تكتل الاتحاد الأوربي بمقاطعة أي مؤتمر بيئي عالمي ؛ خاصة بعد إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على عدم التوقيع على معادة كيوطو للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ...

لذلك يبقى مع ما قدمت ، قطرات من بحر مملوء بمؤشرات تنذر بانهيار وأفول نجم العولمة الأمريكية، لكن يكفي من القلادة ما يحيط بالعنق!!

* كاتب وباحث مغربي إسلامي.

"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=6440&Itemid=1275