تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المنظور الإسرائيلي للتعزيزات العسكرية في دول الشرق الأوسط



مقاوم
02-10-2010, 09:11 AM
المنظور الإسرائيلي للتعزيزات العسكرية في دول الشرق الأوسط


كتب أ. علي حسين باكير*




http://qawim.net/images/stories/taqreerisrael2009.jpg

في أواخر العام 2007، قامت الولايات المتّحدة وكجزء من جهود مواجهة التهديدات الإيرانية، بعرض بيع أسلحة متطورة بقيمة حوالي 20 مليار دولار. وقد ترافق ذلك في ما بعد بطلبات كبيرة من الأسلحة من قبل العراق في بداية العام 2008، ولعل ما يفسر النمو في مشتريات المنطقة من الأسلحة خاصة انّ الوضع الاقتصادي لدول المنطقة كان حتى منتصف العام 2008 يمر في حالة انتعاش لا سيما الدول النفطية مع وصول سعر برميل النفط إلى 140 دولار.

-------------------------

http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.pngنشر "معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي دراسة بعنوان "التقرير الاستراتيجي لإسرائيل العام 2009" تتناول طيفا واسعا من المواضيع ذات الأهمية الإستراتيجية لتل أبيب، تسعى من خلالها إلى الإحاطة بالمخاطر والتطورات التي تعيشها المنطقة للعمل على موجهتها وتحديد طرق التعامل معها.

وعلى الرغم من أنّ التقرير الضخم المكون من حوالي 217 صفحة مؤرخ بحزيران/ يونيو من العام 2009، الاّ انّ المعهد أتاحه للعامة في شهر كانون ثاني/ يناير 2010.

وقد اخترنا عرض دراسة تحمل عنوان "اتجاهات التعزيزات العسكرية في الشرق الأوسط" نظرا لأهمية الموضوع بحد ذاته من جهة، ولإلقاء الضوء على النظرة الإسرائيلية حيال هذا الشق من جهة أخرى.

تعتبر الدراسة أنّ المنطقة تشهد نموا متزايدا في مسار بناء القوات المسلحة والميليشيات غير النظامية، فهي تبقى واحدة من أكبر مشتري الأسلحة على أنواعها في العالم ولا تتقدمها سوى القوى الكبرى المعروفة. ولا شك من أنّ نمو القوة العسكرية في دول هذه المنطقة تمليها طبيعة المواجهات العسكرية من جهة، والعقيدة العسكرية المتّبعة إضافة إلى الموارد المتاحة لمختلف اللاعبين ومدى قدرتهم على الوصول إلى مزودي الأسلحة أو قدرتهم على إنتاج هذه الأسلحة بأنفسهم.

تغييرات في المواجهة وفي فلسفة الحرب:

بدا واضحا خلال الثلاثين عاما الماضية أنّ طبيعة الحرب تخضع بشكل متزايد لتغييرات جذرية. فالمواجهات الضخمة بين قوتين عسكريتين تقليديتين مجهزتين تجهيزا ضخما كما كان يحصل في العصر الصناعي، أصبحت شيئا من الماضي. وفي الحقيقة، تعتبر حرب الغفران في العام 1973 آخر الحروب التي تحمل طابع المعركة الكلاسيكي تخاض سواء في المنطقة أو أبعد من ذلك. وقد حلّت محلها فيما بعد حروب أخرى من نوع آخر مختلف كليّا عمّا سبق.

نوعان من النماذج يتم اعتمادها في المنطقة:

1- نوع يطلق عليها اسم الثورة في الشؤون العسكرية (RMA)، ويرتكز على ثلاثة عناصر رئيسية هي:

• استخدم الأسلحة البعيدة المدى والموجهة بدقة.

• التفوق ألاستخباراتي المطلق في ساحة القتال.

• نظام سيطرة وتحكم وأجهزة كمبيوتر واتصال متطورة تسمح بالتكامل مع جميع العناصر الأخرى.

وقد أظهرت حرب العراق التفوق العسكري المطلق لهذا النموذج على النموذج التقليدي القديم الذي يعتمد القوة المؤللة. وقد انعكس هذا التطور بدوره على سوق السلاح العالمي، حيث انتقلت العديد من الدول إلى تطبيق هذا النموذج وبالتالي القيام بمشتريات ذات صلة بالـ (RMA)، وأصبحوا يفضّلون شراء صواريخ بعيدة المدى ودقيقة الإصابة إلى جانب الطائرات المقاتلة على وجه الخصوص.

فعلى سبيل المثال، اشترت إسرائيل والإمارات العربية المتحدة أحدث طائرات مقاتلة من فئة اف-16، كما قامت المملكة العربية السعودية بشراء طائرات تايفون. كما وأعلنت إسرائيل مؤخرا عن نيتها شراء طائرات اف-35 المتطورة من الولايات المتحدة في الوقت الذي من المتوقع ان تسعى تركيا فيه إلى تزويد نفسها بنفس النوع من هذه المقاتلات أيضا. بالإضافة إلى ذلك، يتم شراء أنظمة مراقبة وجمع معلومات متطورة فيما يلاحظ أنّ الاستثمار في المقابل في الدبابات على سبيل المثال أصبح أقل من السابق. ومع ذلك، فان نموذج الثورة في الشؤون العسكرية معقد جدا ومتطور ولا يزال بعيدا عن متناول معظم دول الشرق الأوسط.

2- تطور آخر طرأ على طبيعة الحرب أيضا نتج عن إضعاف الدول وظهور المزيد من الكيانات والفاعلين غير الحكوميين. وتنخرط هذه العناصر داخل الدولة التي يعملون بها سواءً ضد الحكومة المركزية أو ضد عناصر منافسة لهم أو خارجها بدعم من الحكومة المستضيفة أو بخلاف ذلك. ومن الملاحظ أنّ ميليشيات كهذه تستخدم أسلحة بسيطة، وتتضمن استخدام الإرهاب سواءً عبر نصب المتفجرات وتفخيخ السيارات متفجرة وهجمات انتحارية تفجيرية وحرب العصابات.

وقد أثر تزايد هذه الحركات والميليشيات والمنظمات الإرهابية إلى انعكاسات أيضا على سوق السلاح الخفيف حيث تقوم هذه المجموعات غالبا (بطريقة غير شرعية) بشراء هذا النوع من الأسلحة. ولم تقتصر النتائج على سوق السلاح الخفيف وإنما على نوع مشتريات الدول من الأسلحة بما يتناسب مع مواجهة هكذا نوع من الحروب، وتتضمن هذه المشتريات استثمارات مخصصة لتجهيز القوات الخاصة.

وقد رأت دول أخرى أنها غير قادرة على مواكبة الازدهار والتقدم الذي تحققه دول أخرى بتبنيها نموذج الثورة في الشؤون العسكرية، فقررت بالتالي تبني اعتماد قدرات بديلة لمواجهة النزاعات غير التناظرية (asymmetrical)، وفي الواقع تحظى هذه الدول بخيارين:

- الأول: التزوّد بأسلحة دمار شامل وصواريخ باليستية. وتهدد بشكل أساسي المناطق المدنية للعدو وتخدم بصفة أساسية كرادع. وتتبنى كل من إيران وسوريا والعراق (سابقا) هذا الخيار في الشرق الأوسط.

- الثاني: تطوير قدرات خاصة بحرب العصابات سواءً عبر بناء قوات خاصة للدولة معنية بهذا المجال أو من خلال قيادة أو دعم ميليشيات خارجية تنوب عنه، كما يمثّل حزب الله بالنسبة لسوريا كوسيلة ضد إسرائيل.

وتشهد الحرب غير المتناظرة تطورا آخر من ناحية استخدام الصواريخ وقذائف الهاون على الرغم من انّ استخداماتها ليست جديدة، فالصواريخ استخدمت منذ الحرب العالمية الثانية، امّا قذائف الهاون فهي قديمة جدا، لكنّ هذه الأدوات أثبتت فعاليتها كأدوات ممتازة لممارسة الضغط على الدول عبر إلحاق الضرر بالسكان المدنيين من دون أن يكون للدول التي يتم مهاجمتها القدرة الكافية على التحييد الكلي لقدرات المهاجم.

وعلى الرغم من انّ البلدات والمدن الإسرائيلية كانت قد تعرضت بالماضي لهذا النوع من الأسلحة خاصة مدن الشمال التي تعرضت لصواريخ غراد منذ أكثر من 20 سنة، الاّ أنّ السنوات الأخيرة شهدت تغييرات كميّة ونوعيّة كما تغيرات في مدى الوعي سيما مع بروز هذه الأسلحة. وقد أثبتت حرب لبنان في العام 2006 إضافة إلى صواريخ غراد التي تم إطلاقها على البلدات في الحدود مع قطاع غزة مدى قيمة هذا النوع من الأسلحة.

ولا شكّ انّ الدروس المستقاة من هذه الحروب أثّرب في سوق السلاح أيضا، فقد قررت دول مثل إيران وسوريا تسليح نفسها بعدد هائل من الصواريخ من جهة، بينما ظهرت من جهة أخرى بوادر تطوير أنظمة دفاعية مخصصة لمواجهة الصواريخ عالية المسار (High Trajectory) وقصيرة المدى، وهو الأمر الذي لم يكن يحظى باهتمام أي جهة من قبل.

النفقـات المـالية:

حافظ الشرق الأوسط خلال السنتين الماضيتين على موقعه في قائمة أكبر مشتري الأسلحة في العالم. ووفقا للمعلومات والأرقام المقدمة من قبل خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي، فان عقود بقيمة حوالي 63 مليار دولار بين الأعوام 2004 و2007 تمثّل قرابة الـ30% من قيمة إجمالي العقود العالمية قد تمّت مع دول شرق أوسطية في هذه الفترة، وذلك مقابل حوالي 33 مليار دولار تمثّل قرابة 22% من حجم العقود العالمية في الفترة 2000 و2003، الأمر الذي يشير إلى مدى النمو الذي شهدته هذه المنطقة في ما يتعلق بحجم مبيعات الأسلحة في المنطقة والعالم.

وتشير هذه الاستثمارات الضخمة في مجال الأمن إلى الوضع الجيوبوليتيكي المعقد للمنطقة التي تشهد كمّا كبيرا من النزاعات والصراعات الجارية بموازاة تدخل كبير أيضا من عناصر خارجية نظرا لأهمية المنطقة ومواردها ولا سيما النفط.

ويمكن تقسيم دول المنطقة في هذا الإطار إلى ثلاثة أنواع:

• الدول النفطية التي باستطاعتها تمويل مشترياتها من الأسلحة عبر مصادرها الذاتية.

• الدول التي تحظى بمساعدات مالية أمريكية لشراء الأسلحة ومنها إسرائيل ومصر والأردن.

• الدول التي ليس لديها كميات كبيرة من النفط ولا تحظى بمساعدات مالية لشراء الأسلحة.

ولا شك أنّ الفئة الأخيرة تعاني من قيود على بناء قوتها العسكرية بسبب وضعها مما يدفعها إلى التركيز على المجالات الأكثر أهمية في منظومتها العسكرية. فعلى سبيل المثال، فان سوريا التي تخلت عن محاولاتها موازنة القوة العسكرية الإسرائيلية اعتمدت مذهب الحرب غير المتناظرة والتي تمكنها من التعامل مع التحديات الأمنية باستخدام موارد ضئيلة.

لقد ازدادت مشتريات دول المنطقة من الأسلحة خلال السنوات الأخيرة منذ العام 2003 وحتى العام 2008 لأسباب واحتياجات مختلفة. وعلى الرغم من انّ الولايات المتّحدة أطاحت بالخطر العراقي، الا أنّ ذلك أدى إلى وجود عراق غير مستقر والى انتشار الشعور بعدم الأمان في المنطقة بأسرها.

فالتخلص من الخطر العراقي خلق إحساسا متزايدا في ما يتعلق بتصوّر الخطر الإيراني في المنطقة والمتمثل بعدد من الأسباب:

• الأول: القوة العسكرية المتزايدة لإيران خاصة قواتها البحرية في الخليج التي تمكنها من تهديد الملاحة والتجارة وإمكانية إيقاف تدفق النفط عبر مضيق هرمز.

• الثاني: البرنامج النووي الإيراني والذي تمّ كشفه في العام 2002، ويمثل خطرا على العالم.

• الثالث: تسلّح الدول بالصواريخ البالستية طويلة المدى.

• الرابع: وهو الأهم انخراطها في مساعدة ودعم الكيانات غير الحكومية في المنطقة والمتورطة في عدد من النزاعات في الشرق الأوسط في العراق ولبنان وفي المجال الفلسطيني-الإسرائيلي.

وعلى الرغم من الأزمة المالية العالمية التي طرأت وانخفاض أسعار النفط سيما العالم 2008، إلا انّه ليس من السهل بعد تقدير حجم التأثير المباشر الذي تعرضت له مشتريات السلاح على اعتبار انّ الصفقات الأساسية كانت قد تمت قبل ذلك، وبما انّ هذه الصفقات لا تتم بسرعة عادة، فان إلغاءها أو إرجاءها لا يتم بسرعة أيضا. إضافة إلى أنّ عددا من دول المنطقة يعتمد أساسا على المساعدات الخارجية وخاصة من الولايات المتحدة لشراء الأسلحة كإسرائيل ومصر والأردن والعراق ولبنان.

في أواخر العام 2007، قامت الولايات المتّحدة وكجزء من جهود مواجهة التهديدات الإيرانية، بعرض بيع أسلحة متطورة بقيمة حوالي 20 مليار دولار. وقد ترافق ذلك في ما بعد بطلبات كبيرة من الأسلحة من قبل العراق في بداية العام 2008، ولعل ما يفسر النمو في مشتريات المنطقة من الأسلحة خاصة انّ الوضع الاقتصادي لدول المنطقة كان حتى منتصف العام 2008 يمر في حالة انتعاش لا سيما الدول النفطية مع وصول سعر برميل النفط إلى 140 دولار.

* باحث في العلاقات الدولية.

"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
http://qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=6439&Itemid=1