تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : آفاتار.. قصة الإنسان



من هناك
02-06-2010, 10:50 PM
آفاتار.. قصة الإنسان

بالأمس، وبعد أن انتهى الدوام، ونتيجة للصخب الذي أحدثه فيلم أفاتار، ولأن السينما حرام في بلادنا، ولأن البحرين لا تبعد عنا سوى دقائق، ولأن جسر البحرين لا يطاق في نهاية الأسبوع، ولأن الأسبوع القادم سيشهد العديد من الملاحم الرومانية الاقزامية، ولأن الميزانية في وضعية الضوء الأخضر (يعني : ادفع كما تشاء) ، كانت هبقتنا إلى البحرين حيث نشاهد فيلم “آفاتار” مع رفقة صالحة -أحسبها كذلك- متحمسة لمشاهدة هذا الفيلم الذي أحدث الضجيج.

هذا الفيلم الذي شددنا إليه الرحال -ولعمري ما تُشد الرحال إلا لما قلّ وندر من الأفلام- أخرجه “جيمس كاميرون” والذي ذكر بأنه بدأ الإعداد الأولي للفيلم “آفاتار” من بعد فيلمه المعروف “تايتنك” إلا أنه كان بانتظار اللحظة المناسبة لظهور المعدات والتقنيات المناسبة للبدء في تصوير الفيلم حيث حصل هذا عام 2006 أي أربع سنوات من الإعداد. ويعتبر هذا الفيلم الواقعي/الخيالي هو الفيلم الأغلى تكفلة في التاريخ البشري.

تحذير: لا ينصح بقراءة المقطع التالي لمن يفكرون بمشاهدة الفيلم! حتى لا أقع في وزر حرق الأحداث
* ولكي أحكي قصة الفيلم باختصار فسأستعين بقراءة تحليلية من موقع الإسلام أون لاين بعنوان “آفاتار، تحول الإنسان.. وبمعنى آخر موته (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture/ACALayout&cid=1262372060636&utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=rss)” حيث جاء فيها:

الفيلم يحكي قصة شاب أمريكي مقعد يذهب في مهمة عسكرية إلى كوكب آخر يدعى “باندورا” حيث تتواجد قاعدة عسكرية أمريكية تخطط للاستيلاء على غابة تعيش فيها قبائل “النافي” (كائنات ضخمة نصف بشرية ونصف حيوانية)، ويكون دور هذا الشاب المقعد أن يحدث اختراقا في عالم هذه القبائل، ويتعرف على أسرارها ونقاط ضعفها؛ تمهيدا للسيطرة عليها وهو ما يكون من خلال تعرف المقاتل الأمريكي على ابنة زعيم القبيلة بالصدفة (يقع في حبها لاحقا)، التي تنقذه بدلا من أن تقتله؛ لكونها تشعر به مختلفا عن غيره ممن يأتي للغابة من “رجال السماء” (الغزاة القادمون من الأرض).
الشاب المقعد الذي يتحول إلى “قرين” أو “أفاتار” مستنسخ يشبه سكان قبائل “النافي” من خلال ربط عقله بجسد مخلق ومُصنع شبيه بأجساد السكان الأصليين؛ حيث تصبح روحه بجسد مختلف ومن خلاله يتواصل مع تلك القبائل ويتدرج في اكتساب ثقتها، فيمد القاعدة العسكرية بالمعلومات التي تحتاجها للاستيلاء على المواد الخام التي تتواجد أسفل الشجرة المقدسة التي تسكن هذه القبائل أسفلها، وفي لحظة تنفيذ هذه المهمة يحدث التحول في موقفه وشخصيته بعد أن أصبح جزءا من هذه القبائل، وأدرك قيمة الحياة التي تعيشها هذه القبائل، وبذا يظهر الدور المركزي لهذه الشخصية المتحولة فكريا بمقدار ما تحولت من طبيعتها الإنسانية إلى طبيعة سكان “النافى”.
فيحاول أن يمنع الهجوم على الغابة.. فيعجز أمام غطرسة القوة، ليحاول بداية إقناع القبائل بترك الشجرة المقدسة حفاظا على أرواح الأهالي، لكنه يفشل أيضا ليكون القصف والتدمير الوحشي من نصيب السكان الأصليين، وهو ما يدفع بالشاب ومجموعة من رفاقه إلى التحول إلى مقاتلين للغزاة الجدد.

—————– تهنئة: هنا تنتهي علامة الخطر.. واصل القراءة بأمان http://www.som1.net/wp-content/plugins/tango-smileys-extended/tango/smile.png —————–
وفي الحقيقة راودتني الكثير من الأفكار أثناء مشاهدة الفليم ، فأنا بداية لست محللاً سينمائياً ولا أملك خلفية كبيرة عن أسماء الهوليوديين من مخرجين وممثلين، بل إن اسم مخرج آفاتار لم أعرفه إلا مع مجيء الفيلم نفسه، ولم أكن أعرفه قبل ذلك. لكني رغبت أن أضع بعض التأملات والرموز الثقافية والفكرية التي أود مشاركتها إياكم..
* بنظرة عامة، آفاتار فيلم يلخص الإنسان واقع الإنسان العصري (الغربي) ، ذلك الذي تسيطر عليه المتناقضات من كل جانب. فهو ذو روح امبريالية تسعى لنهب ثروات الشعوب ومقدراتهم، وفي نفس الوقت يتطلع للحلم والعيش في داخل جنة يشعر فيها بالآمان والاستقرار. ويستمر الفيلم على وتيرة الموازنة والمقاربة لكي تنتصر الإنسانية من أرض الأحلام/ أرض الجنة وتقف في وجه الأخلاق الامبريالية الاستعمارية ذات الوجه القبيح.
* ومن نظرة أخرى أكثر تفكيكية، فالفيلم يجلي أخلاق السيطرة والاستعمار والبطش التي يتميز بها أهل الأرض (من منظور قبائل الآفاتار المسماة بالنافي) أو يتميز بها الإنسان الغربي (من منظورنا) ، كما يأتي الإنسان الغربي نفسه في الجانب المقابل لكي يقوم بمهمة إنقاذ قبائل النافي ومساعدتهم في الدفاع عن أراضيهم وحماية مقدساتهم.
* العالم الآخر، أو أرض الأحلام (المسماة في الفيلم بكوكب باندورا) والتي تظهر فيها المخلوقات (الآفاتارز) كانت فكرة رمزية رائعة، فتجسيدها على شكل مخلوقات بدائية (ذات ذول متدلية وقطع قماش تغطي العورات) قد يعطي المعنى البدائي للإنسان الذي (كان) يعيش في أرض الأحلام، حيث الحب والاستقرار والأمان والصفاء الروحي. وبدائية هذه المخلوقات هو سر قوتها، وهو ما جعلها تنتصر في آخر الفيلم ضد الآلات والمدافع الحربية، وكأن هنا تلميح إلى أن الحضارة عندما يزيد تعمقها تصبح ثقيلة على أهلها وتصنع إنساناً بعيداً عن الفطرة. فتلك المؤونة والطائرات الحربية والكميات الضخمة من المتفجرات والأجهزة المتقدمة للكشف والتجسس على أرض قبائل النافي، كل ذلك لم يجدِ نفعاً في سحق وإبادة هؤلاء البدائيين. ومصدر هذا التفاوت بين الطرفين هو ذاته مصدر “القوة”. فالمتمدنون الموغلون في الاستغلال عبر تاريخ البشرية المعروف، كانوا يعانون من نقمة من يسمونهم “البرابرة” من الرومان إلى الفرس إلى غيرها من الحضارات التي سقطت تحت أرجل من يعيرونهم بوصفهم البدائيين أو البرابرة. كأن الفيلم يريد أن يقول: نحلق نحن المتمدنين في أشيائنا مغرورين بها عالياً بمهابتها وروعتها، ولكننا نبتعد عن الإنسان وعن روحه ودوافعه وقيمه.. فحتماً سنسقط تحته ذات يوم.
* وفي الوجه الأخر فقد كانت محاولة أهل الأرض (البشر) لتصنيع مخلوقات تشبه شكل أبناء قبائل النافي ومن ثم إرسالهم إلى تلك القبائل في العالم الآخر وتوظيفهم جواسيس لهم، تمهيداً لإبادة قبائل النافي ونهب خيراتهم، ومساندة هذه العملية بالتقدم العلمي والتكنولوجي، ومن ثم انتصار هذه القبائل البدائية على أطماع الإنسان وشهواته، كل هذا يقدم صورة رمزية للنزعة البشرية التي تريد التحكم في الطبيعة وتسخر مقدراتها لإشباع الطمع الغريزي أللامنتهي، ويقدم صورة رمزية أخرى عن مآلات الطمع البشري الذي ينتهي -بالضرورة- إلى الانهزام.

وفي سياق الطموح البشري للتحكم في الطبيعة واستغلال أكبر قدر ممكن منها لخدمة الأطماع، يقول مخرج الفيلم (http://en.wikipedia.org/wiki/Avatar_%282009_film%29) في إحدى لقاءاته عام 2007 عن الفيلم ما نصه:
in this film what that means is that the human technology in the future is capable of injecting a human’s intelligence into a remotely located body, a biological body
فيما قد يهدف هذا الفيلم إلى توضيحه، هو أن التقنية البشرية في المستقبل ستكون قادرة على حقن الذكاء/العقل البشري في أجساد بيولوجية، ومن ثم التحكم بها عن بعد. اهـ
وهذه العبارة ربما تختصر جزءً كبيراً مما يود المخرج إيصاله حيث لم يقف أمر الطموح البشري بالتحكم في الطبيعة إلى ما يتعلق بالخيرات الطبيعية والموارد الأساسية، بل تعدى الأمر إلى مخلوقات حية يراد استعبادها واستغلالها لتحقيق مهمة الإنسان..! وصدق الله القائل “كلا إن الإنسان ليطغى”.
* لن تخطئ أذنيك الطموحات الامبريالية البطشية حينما تسمع “عندما تحتاج شيئا وتجده عند غيرك.. تجعله عدوك.. كي تتمكن من الحصول عليه بالقوة” على لسان أحد الجنود العسكريين المعارضين للحرب، بالإضافة إلى قول قائد القوات العسكرية الأمريكية “سنواجه الإرهاب بالإرهاب” حينما يكتشف تجمع قبائل النافي استعداداً للدفاع عن أراضيهم ومقدساتهم. ولن تخطئ كذلك في التقاط الفجوة العميقة بين الغازي وبين صاحب الأرض (قبائل النافي) حينما تسمع بطل الفيلم يحكي عنهم قائلاً “إن هذه الشعوب لا تطمع في شيء من حضارتنا، فهم لا يسعون إلى ارتداء الجينز ولا يريدون شرب الكوكا كولا “. وفي سياق مشابه تقريباً، حينما يريد البطل المتخلق في هيئة آفاتار إقناع قبائل النافي بالابتعاد عن أراضيهم والحفاظ على أرواحهم فيصيح لهم -متحدثاً عن البشر- ” لايوجد هنالك سلام There is no green there” ..
* أكثر ما أثارني في الفيلم هو “الحيوانية” التي صورها المخرج لأولئك البدائيين/قبائل النافي ، حيث يظهرون بذيول متدلية، وبأقمشة صغيرة تغطي العورات (على اعتبار أن لها علاقة بالبشر). هل هذا يعيد طرح نظرية داروين التي تتحدث عن أصل الأجناس، وتتطرق تحديداً لما فعله تلاميذ داروين بإسقاط هذا الأمر على الإنسان، حيث أن الإنسان قد يكون في الأصل حيواناً ما (سموه قرداً) وارتقى مع الزمن وتطور إلى أن أصبح بشكله الحالي الآن..؟ أم أن المخرج أعاد طرح النظرية مرة أخرى بشكل أبشع حيث تنتهي حياة ذلك البطل البشري وتنتقل روحه من جسده البشري إلى جسده الآفاتاري، لتبرز بوضوح مسألة “موت الجنس البشري” و حتمية عودته إلى أصوله البدائية الأولى. وما يؤيد الاعتبار الثاني، هي المعنى الأساسي لكلمة Avatar حيث تعني مرتبة أعلى من مرتبة الإنسانية لا يمكن تجاوزها أو الوصول إليها، أو بعبارة أخرى هي روح إلهية تنزل من السماء وتتجلى في شكل مخلوق ما قد يكون إنساناً كما تنص المعقدات الهندوسية التي أنجبت الكلمة. وشاهدُ الفكرة هنا هو تجرد الإنسان من طبيعته لكي يكون آفاتاراً . ولكي يتضح الأمر بشكل أبسط ، يقول مخرج الفيلم في إحدى لقاءاته (http://en.wikipedia.org/wiki/Avatar_%282009_film%29) عام 2009 ما نصه :
the Na’vi represent something that is our higher selves, or our aspirational selves, what we would like to think we are
شعب النافي (قبائل الآفاتارز) تمثل ذواتنا العليا، أو ذواتنا الملهِمة (بكسر الهاء) ، تلك الذات التي نود أن نكون عليها. اهـ
وهذا التصريح المهم والحاسم، يوضح حتمية تجاوز الإنسان (البشري) لطبيعته البشرية إلى طبيعة أشبه بالحيوانية، لكي يصل إلى سعادته ويحيا في جنته. وهذا من وجهة نظري إغراق في ما يسمى بالعدمية أو العبثية التي يحمل نظرة تشاؤمية.
* ومما لفت انتباهي في الفيلم كذلك لون من الحضور الصوفي في الفيلم، فالابتهالات التي يؤديها أفراد قبيلة الآفاتارز والرقصات التي يؤدونها كلون من دعاء الآلهة تشبه ما يحصل في الاتجاهات الصوفية في مختلف الأديان، كما أن هذه المعتقدات من صلب عقائد قبائل النافي، بل إن الانتصار الأخير الذي جاء كان بفضل الآلهة (إيوا) ، التي طالما دعوها من قبل واستجابت في اللحظة الأخيرة، مما قد يعطي دلالة عن القلق وانعدام الأمان الروحي الذي يعيشه الإنسان الغربي، والذي قد يجده – كما يحب أن يقنعنا المخرج – في مثل هذه الشعوب والقبائل من الكواكب الأخرى.
* من أحد الجوانب الواضحة في الفيلم هو القصة الرومانسية بين البطل والبطلة، والتي ابتدأت مجرياتها طبعاً في أرض الأحلام، وانتهت فيها كذلك. لتتجسد ملحمة رومانسية شهدت كثيراً من الأحداث الدرامية المؤثرة التي صمد فيها هذا الحب حتى انتصر في آخر المطاف. والمثير في هذه العلاقة الرومانسية أنها لم تحدث بين عنصرين متساويين، بل هي بين عنصر من كوكب الأرض وعنصر من كوكب باندورا، وإن كان العنصر الذي ينتمي إلى كوكب الأرض متجسداً بهيئة آفاتار، إلا أن آخر الفيلم يبين لحظة كانت حاسمة، حيث يلتقي العنصر الحقيقي مع العنصر الآفاتاري وجهاً لوجه، وفي هذا رمزية قوية وإشارة إلى معنى إمكانية التعايش والحب بين الغرب بغطرسته وقوته وفحولته، وبين الشعوب الضعيفة المستضعفة في العوالم الأخرى!!
* بكل اختصار ، “آفاتار” فيلم يحكي قصة الإنسان في العصر الحديث بكل مآسيه وأحلامه، بكل تعقيداته وآلامه. ولا أملك في الختام إلا أن أكرر ما قاله المحرر سعيد أبو معلا (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture/ACALayout&cid=1262372060636&utm_source=rss&utm_medium=rss&utm_campaign=rss) :

والويل الويل لعشاق السينما لو لم يشاهدوا العمل في قاعة السينما