تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رسالة الدم الموحد المهراق إلى أهل القرى والأقطار والآفاق



أبو يونس العباسي
01-27-2010, 08:55 AM
رسالة الدم الموحد المهراق إلى أهل القرى والأقطار والآفاق


أبو يونس العباسي


الحمد لله الذي وهبَنَا النفس واشترى منا الدماء , فسارع الموحدون لعقد الصفقة مع رب الأرض والسماء , ورفعوا شعارات التوحيد والالتزام بالسنة والدين , فكان لها منهم كلَّ إخلاصٍِِ ووفاء , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , شهادةً منجيةً من كل بلاءٍ وشقاءٍ , وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي علَّمنا كيف يكون الفداء , اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره أهلِ الشرفِ والفضلِ النبلاء.


[تمهيد]


هذا المقال هدية إلى كل موحد قضى من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا , من أجل أن تكون الحاكمية لله , من أجل أن تعود الحقوق إلى أهلها , هذا المقال رسالة وفاء إلى أهلي الذين قضوا في حرب غزة الأخيرة في محرم 1430هـ , هذا المقال رسالة وفاء إلى من عرفته اسما سامقا في الذود عن مشروع الجهاد العالمي , وعرفته قدوة في الفدائية والتضحية في سبيل رب العالمين ... أخونا الكاتب المبدع: همام خليل البلوي , هذا المقال رسالة وفاء لكل قطرة دم شخص موحد قضى نحبه أو ما يزال ينتظر على وجه هذه الأرض الفسيحة .


[رسالة الدم رسالة الثبات على منهج محمد حتى الممات]


إن المعنى الذي يمكن أن نستفيده من موت إنسان على التوحيد كان قد عاش عليه ... أنه نجح في الثبات وحتى الممات على هذا المنهج الرباني , فكانت الحياة لله وكان الموت أيضا لله رب العالمين , قال الله جل في علاه:{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }[الأنعام : 162] .


في الوقت ذاته الذي لا يدري أيُّ واحد منا أيموت على المنهج الحق أم إنه سيبدل ويغير؟


نعم ... إنها الفتنة في الدين وتقلب القلوب وهي الفتنة التي خاف منها أكرم الناس ـ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال الله تعالى:{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }[آل عمران :8] , قال ابن مليكة:"لقد شهدت ثلاثين من أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يخشى على نفسه من النفاق." , فيا ليتنا يختم لنا بعمل صالح , اللهم لا تقبضنا إلا وأنت راض عنا , يا أرحم الراحمين.


أخرج الترمذي في سننه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله فقيل كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال يوفقه لعمل صالح قبل الموت.)


وأخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وإنما الأعمال بالخواتيم )


وأخرج ابن أبي عاصم في السنة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يعمل العامل عمل أهل النار تسعين سنة ثم يختم له بعمل أهل الجنة ويعمل العامل بعمل أهل الجنة تسعين سنة ثم يختم له بعمل أهل النار) .


وقال الله تعالى:{يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }[إبراهيم : 27].


قال صاحب التفسير الميسر:يثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الحق الراسخ , وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله , وما جاء به من الدين الحق يثبتهم الله به في الحياة الدنيا, وعند مماتهم بالخاتمة الحسنة , وفي القبر عند سؤال المَلَكين بهدايتهم إلى الجواب الصحيح , ويضل الله الظالمين عن الصواب في الدنيا والآخرة , ويفعل الله ما يشاء من توفيق أهل الإيمان وخِذْلان أهل الكفر والطغيان.


وقال الله تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب : 23]


قال صاحب التفسير الميسر:من المؤمنين رجال أوفوا بعهودهم مع الله تعالى, وصبروا على البأساء والضراء وحين البأس: فمنهم من وَفَّى بنذره ، فاستشهد في سبيل الله ، أو مات على الصدق والوفاء , ومنهم مَن ينتظر إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة , وما غيَّروا عهد الله , ولا نقضوه ولا بدَّلوه , كما غيَّر المنافقون.


[رسالة الدم رسالة لترسيخ المبادئ والمفاهيم]


هكذا كانت سنة الله في المبادئ والمفاهيم والعقائد , لا يكتب لها البقاء والوجود والاستمرار إلا يوم يضحي أصحابها من أجلها بالغالي والرخيص , بالنقير والقطمير , بما هو صغير وبما هو كبير , فانظروا إلى أهل الأخدود ضحوا بأرواحهم وأرواح أولادهم في مقابل أن يسلم لهم دينهم فَخُلِّدُوا في التاريخ وسُجل موقفهم في كتاب يتلى آناء الليل وأطراف النهار , وإلى يوم القيامة , قال الله تعالى:{ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)}[البروج] , ولله در غلام الأخدود الذي عرف أنه لن يكتب لمبادئه الانتشار إلا يوم يدفع روحه ثمنا لذلك.


أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب:أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:(قال غلام الأخدودللملك:إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ... قال وما هو ؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد , وتصلبني على جذع , ثم خذ سهما من كنانتي , ثم ضع السهم في كبد القوس , ثم قل: باسم الله رب الغلام , ثم ارمني ... فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني , فجمع الناس في صعيد واحد , وصلبه على جذع , ثم أخذ سهما من كنانته , ثم وضع السهم في كبد القوس , ثم قال: باسم الله رب الغلام , ثم رماه ... فوقع السهم في صدغه , فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات ... فقال الناس: آمنا برب الغلام ... آمنا برب الغلام ... آمنا برب الغلام ... فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس.)


قال الأستاذ سيد قطب:"إن كلماتنا ستبقى أعراسا من الشمع لا حراك فيها جامدة حتى إذا متنا من أجلها وضحينا في سبيلها انتفضت فيها الروح فقامت حية بين الأحياء".


وقال أبو دجانة الخراساني:"متى تشرب كلماتي من دمائي , فإن كلماتي لن يكتب لها الحياة إلا يوم تشرب من دمائي".


ولله در من قال :"دم الشهيد نور ونار" .


حقا والله:إنه نور يبصر الناس بالمنهج الحق الذي بذل من أجله الدم وبسببه أهريق , ونار على أعداء الله يحرقهم وإلى الأبد , فإن الشهيد يُعَلِّم الناس في حياته , ويبدأ بعد مقتله بتعليمهم كذلك ولكن بصورة أروع وأبهى وأكثر تأثيرا وبلاغة , فالدماء أصدق لهجة من أي لهجة أخرى.


وإننا كثيرا ما ندعو بهذا الدعاء:" اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا" , والرد الجميل هو بإرجاع الأمة إلى الله باصطفاء الأخيار شهداء عند الرب الغفار القهار , فيتنبه الناس عند مقتلهم إلى منهجهم , فيرجعون رجعة صادقة إلى الله تعالى , والرد الجميل يضاده الرد غير الجميل والذي يكون عبر الزلازل والأعاصير والبراكين والفيضانات والكوارث .... إلخ.


[رسالة الدم رسالة رفض للذل والهوان]


من أهم الصفات التي حث الإسلام أتباعه أن يتصفوا بها صفة العزة , فالمسلم عزيز يأبى الذلة ويرفضها , قال الله تعالى:{ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[المنافقون : 8] , وإذا ما سيم المسلم على عزته والتي هي عزة دينه ووطنه وإخوانه فإنه مستعد أن يبذل دمه مبرقًا بذلك رسالة لأعدائه يقول فيها :


سأحمل روحي على راحتي * وألقى بها في مهاوي الردى


فإما حياة تسر الصديق * وإما ممات يغيظ العدى


قال خبيب ابن عدي:


ولست أبالي حين أقتل مسلما * على أي شق كان لله مصرعي


وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع


فلست بمبد للعدو تخشعا * كلا فإن إلى الله مرجعي


وقال الله تعالى :


{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ}[التوبة : 13] .


وهذه الآية تستنكر على المسلم أن يخشى الأعداء أو أن يخاف منهم لأن هذا سيقوده أن يظهر بمظهر الذليل أمامهم , فليس بعزيز من يسكت عن مقاتلة عدوه يوم ينقضون العهد معه ... وليس بعزيز من يسكت عن مقاتلة قوم أخرجوا رسوله أو أخرجوه من وطنه ... وليس بعزيز من يسكت عن مقاتلة عدوه يوم يبدؤون بقتاله وينتهكون حرماته ويدنسون مقدساته ... فالقتال إذن وهذه الحالة سَعْيٌ وبتأييد شرعي لنيل العزة , وصرخة في مواجهة الهوان والذلة.


أخرج أبو داوود في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم."


فالحديث ينص وبصراحة أن الامتناع عن الجهاد وعن بذل الدم هو سبب رئيس للذل والهوان.


وها هو الصحابي المغوار خالد بن الوليد يعلمنا العزة يقول :"ما من موضع شبر في جسدي إلا وفيه طعنة رمح أو ضربة سيف وهاأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء.


[رسالة الدم رسالة حب واستجابة]


يوم يبذل الموحد دمه في سبيل الله فإنه يعلمنا بذلك أدب الاستجابة والطاعة لله ورسوله ... الاستجابة لله ببذل أغلى ما يملك الإنسان ... روحه ودمه ... الاستجابة لله عندما ينادي منادي الجهاد :"يا خيل الله اركبي" ... الاستجابة لله عندما ينادي منادي الجهاد:"حي على الجهاد" ... الاستجابة لله ورسوله وخاصة للجهاد في سبيله في وقت تقاعس فيه الكثيرون عن هذه الفريضة العظيمة .


قال الله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْه تُحْشَرُونَ}[الأنفال : 24]


قال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عُرْوَةَ بن الزبير:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } أي: للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل ، وقواكم بها بعد الضعف ، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم.


[رسالة الدم رسالة تميز وتمايز]


ومن أهم رسائل الدم أنها تميز بين من عاهد ووفى وقال فصدق وبين من عاهد فأخلف وقال فكذب , فالدم يظهر الناس كما هم , بدون أقنعة ولا نفاق ولا تصنع , فتعالوا نبحث عن المفهوم الذي قدمناه آنفا في كتاب الله تعالى .


قال الله تعالى:


{لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)}[التوبة].


وقال الله تعالى:


{مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }[آل عمران : 179]


وقال الله تعالى:


{إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[آل عمران : 140]


وقال الله تعالى كذلك:


{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)}[آل عمران]


[رسالة الدم رسالة تحرير وتحرر]


ورسالة الدم رسالة تحرير وتحرر , رسالة تحرر من الظلم والبغي والفساد والتقييد والكبت والذل وهي في نفس الوقت رسالة تحرير للبشرية من هذه الأشياء .


قال الله تعالى:


{وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة : 251]


وقال أيضا:


{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج : 40].


وقال أيضا:


{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}[النساء : 75]


ولقد لخص الصحابي الجليل ربعي ابن عامر ـ رضي الله عنه ـ رسالة الجهاد وبذل الدماء الطاهرات فقال:"نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد , ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام , ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"


[رسالة الدم رسالة لنشر التوحيد والقضاء على الشرك]


لقد خلقنا الله لنوحده في العبادة , فلا نعبد سواه , وأمرنا أن ندعو الناس إلى التوحيد كما أمر كل الرسل وأتباعهم ممن سبقونا , بل جعل الله من مسوغات القتال وإراقة الدماء القضاء على الفتنة ألا وهي الشرك , ولا شك أنه الفتنة الأكبر.


قال الله تعالى:


{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ}[البقرة : 193]


وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله.)


وأخرج البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال:(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما القتال في سبيل الله ؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا ويقاتل حمية فرفع إليه رأسه قال وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما فقال :من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل.)


وأخرج مسلم عن أبي هريرة:عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه.)


[رسالة الدم رسالة زهد في الدنيا ورغبة في الآخرة]


كثير من الموحدين عندما يجاهدون في سبيل الله ويرجون أن تهراق دماؤهم وتسيل , فإنهم يفعلون ذلك رغبة في الأجر العظيم الذي أعده الله لمن يقتل في سبيله , والنصوص والآيات في ذلك كثيرة , ولكننا سنقتصر على ذكر بعضها بإذن الله تعالى .


قال الله تعالى:


{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة : 111]


وقال أيضا:


{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} [آل عمران]


وقال أيضا:


{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة : 120]


وإن مصيبتنا في هذه الآونة وسبب المرض الذي ألم بأمتنا هو حبنا للدنيا وتقاعسنا عن الآخرة وعما يرضي الله , وهذا مفهوم أكد عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد أخرج أبو داوود في سننه من حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال " بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء ( ما يحمله السيل من وسخ ) كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن " فقال قائل يا رسول الله وما الوهن ؟ قال " حب الدنيا وكراهية الموت ".


[رسالة الدم رسالة تبين مكانة الدين عند أصحابه]


إن للدين مكانة أيَّما مكانة عند أصحابه , وكيف لا يكونون كذلك وقد نص القرآن الكريم على أن من قدم حب الدنيا وملذتها على حب الله وما يحب , وجعل للدنيا مكانة أعلى من مكانة الله وما يحب , من فعل ذلك فإنه يستحق العقوبة الشديدة من قبل الله ـ سبحانه وتعالى ـ في العاجلة والآجلة على حد سواء .


قال الله تعالى:


{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }[التوبة : 24]


نعم ... أصحاب رسالة الدم حريصون على أجر الله وثوابه , ولذلك هم يكثرون من هذا الدعاء:"اللهم خذ من دمائنا اليوم حتى ترضى" , ولا عجب في ذلك فقد تربى هؤلاء الرجال على ذلكم الشعار الذي يقول:"دينك دينك ... لحمك ودمك" , ولنعلم جميعا أن أصحاب رسالة الدماء يريدون أن يعلمونا بأن شجرة الإسلام لاتسقى بالماء ولكنها تسقى بالدماء.


[نشيد الدم]


وها أنا ذا أقدم لكم نشيد أصحاب رسالة الدم فتعالوا نستمع سويا لهذا النشيد:


هيا اقتلوني شهيدا


ثم ادفنوني وحيدا


فلست أرضى حياتي


بين البرايا شريدا


فناولوني سلاحي


وعدتي وعتادي


لا تتركوني ذليلا


قد أثخنتني جراحي


ما المجد إلا صمود


ووثبة للمنايا


وصولة وجراح


عند التقاء السرايا


تكبيرنا في الدياجي


يزلزل الكافرينا


فيستفيقون صرعى


برهبة المؤمنينا


لا يستوي الحر منا


بقاعد أو جبان


عفنا الحياة وطرنا


شوقا لتلك الجنان


والحمد لله رب العالمين


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


حرر في يوم الأحد


التاسع من صفر لعام 1431هـ


الموافق لـ 24 |1 |2010م

عائشة محمد
01-31-2010, 02:03 PM
الشيخ الكريم أبو يونس العباسي جزاك الله خيرا على هذا المقال الطيب وجعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله