تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تركيا وإسرائيل..ما الذي تغير؟



مقاوم
01-24-2010, 06:37 AM
تركيا وإسرائيل..ما الذي تغير؟

بقلم عصام زيدان
ليس المهم في مجال العلاقات التركية ـ الإسرائيلية مجموعة الحوادث المتفرقة التي يتخذها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان، بدءًا من اعتراضه وانتقاده اللاذع لجريمة إسرائيل في غزة نهاية العام 2008, وأخيرا تهديده بسحب السفير من إسرائيل ما لم تقدم اعتذارا مكتوبا, مرورا بموقفه الحاسم في قمة دافوس وتحديه للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز, وإلغاء مشاركة "إسرائيل" في مناورات "نسر الأناضول" التي تشارك فيها الولايات المتحدة.

فقد استمدت هذه المواقف المشرفة من الطيب أردوغان أهميتها الظاهرة, عند كثير من المتابعين, من كونها غير مسبوقة على الساحة الدولية, ولو من قبل الولايات المتحدة التي لم تستطع أن تجبر إسرائيل يوما على الاعتذار، حتى بعد أنشطة التجسس بالغة الخطورة التي قامت بها, كما لم تقف دولة من قبل في وجه الغطرسة الإسرائيلية وتهددها بسحب السفير.

* ما المهم إذن؟

المهم, في تقديري, هو دلالة هذه الأحداث مجتمعة مع جملة من توجهات السياسية الخارجية، التي تريد أن تبرز تركيا مغايرة لمخلفات الوضع الذي صنعه أتاتورك وأساطين العلمانية في مؤسسة الجيش والخارجية من بعده.

فبعد سقوط الخلافة العثمانية في العام 1923م، أصبحت "تركيا ـ أتاتورك" دولة أوروبية، وانضمت إلى حلف شمال الأطلسي، وحاولت النخبة العلمانية، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، ترسيخ هذا المفهوم وفرضه على الشعب التركي، وعملت على سلخ المواطن المسلم عن أصوله وجذوره الشرقية، وكان الجيش بالمرصاد لكل من يحاول أن يتحدى هذا التوجه الذي يتعارض كلية مع رغبة الشعب التركي المسلم.

كان هذا التوجه من قبل النخب العلمانية التركية المتطرفة هو الخيار الوحيد المفروض, والسياسة التي لا تعرف تركيا غيرها, وعلى أساسها يتم تفصيل السياسة الداخلية والخارجية, وكافة المناشط المتعلقة بالدولة والمجتمع والأفراد.

وجرت الانعطافة الحادة في التوجهات السياسية الخارجية التركية، بعدما تولى حزب العدالة والتنمية الحكم في العام 2002, حيث شهدت الجمهورية الجديدة حراكا دبلوماسيا، مغايرا تماما لتلك الحقبة, في محاولة لتعزيز مكانة تركيا الإقليمية، والكشف عن طموحات السياسية الجديدة, وتعدد محاور اهتمامها.

ومن الملاحظ, ضمن هذه التوجهات, أن تركيا سعت, ضمن نظرتها التطويرية لسياستها الخارجية تجاه دول المنطقة، اتخاذ زاوية رؤية تمكنها من التفاعل بجدية مع العالم العربي، والوضع الإقليمي في شكل يؤدي إلى استقطاب عربي ـ تركي متبادل.

وهذه التوجهات ترتبط حقيقة ببرنامج حزب العدالة والتنمية، وترتبط أكثر بمُنظر الإستراتيجية التركية الجديدة، الذي يشغل الآن منصب وزير الخارجية، وهو أحمد داوود أوغلو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بايكنت.

فقد حدد أوغلو أسس السياسة الخارجية الجديدة التي تعمل أنقره على تطبيقها خلال المحاضرة التي ألقاها تحت عنوان "السياسية الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط" بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في عدة محاور، كان على رأسها الموازنة في مجال العلاقات الخارجية, بحيث لا تكون علاقات تركيا مع أي طرف بديلا عن العلاقات مع طرف آخر.

وشدد أوغلو, في محاضرته, على أن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لن يؤثر على دورها في الشرق الأوسط, "لأننا سوف نكون أتراكا ومسلمين داخل الاتحاد، ولكن في الوقت ذاته نحن جزء من الثقافة الأوروبية، كما أننا ننتمي للشرق الأوسط وقارة آسيا".

وحاولت الزعامة التركية الجديدة إمساك العصا من المنتصف، بإعلان رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مع احتفاظها بقيمها وتقاليدها الشرقية والإسلامية، إلا أنها فوجئت بالرفض الصريح, وخاصة من قبل كل من ألمانيا وفرنسا، اللتين عارضتا انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بحجة أنها دولة مسلمة، وأنه لا مكان لنحو 70 مليون مسلم في الاتحاد الأوروبي، بعد أن فرضوا على تركيا شروطا تتعلق بكافة مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، الأمر الذي دفع أوغلو للقول بأن أوروبا بحاجة إلى تركيا بنفس مستوى حاجة تركيا إلى أوروبا.

ولكن, ما صلة ذلك بعلاقة تركيا بإسرائيل والعالم العربي؟

هنا يمكن القول إنه إذا كانت أوروبا لا تزال تعطي مهلة مفتوحة بانضمام تركيا لاتحادها، وتكتفي بالرغبة في معاملتها بشكل مميز, فقد ذهبت أنقرة تستعيض عنها بسلسلة من النجاحات في المحيط العربي والإسلامي، الذي أصبح يرى فيها أفقا جديدا على المستوى الاقتصادي والسياسي.

فالعداء الأوروبي لكل ما هو مسلم، والمماطلة في قبول تركيا، شكلا صدمة أيقظت الزعامة التركية مجددا، حيث أخذت تركيا ترجح جانبها الشرقي الإسلامي, على حساب الرغبة في الانضمام للأوروبي, الذي بات مستحيلا, على ما تعتقد الزعامة التركية الجديدة.

وهذا الترجيح ألقى بظله الثقيل على العلاقة التركية ـ الإسرائيلية, حيث فقدت "إسرائيل" مكانتها في سلم السياسية الخارجية, حيث لم تعد البوابة التي يمكن لتركيا العبور منها إلى الاتحاد الأوروبي، على خلفية الأبواب الموصدة في هذا الاتحاد أمام الوجود التركي.

ومن هنا، بدا الأتراك في اتجاه تقليص أوجه التحالف الإستراتيجي مع "إسرائيل", وكان ذروة هذا التحول خلال العدوان الإسرائيلي على غزة والمحرقة التي ارتكبها جنود الاحتلال، والانتفاضة التي تبدت في مواقف أردوجان خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي في مواجهة بيريز.

الأمر الثاني الذي أفقد "إسرائيل" مكانتها في دائرة السياسية الخارجية التركية, أنها كانت تمثل كابحا للدور الذي تبحث عنه تركيا في المحيط العربي والإسلامي, على خلفية العداء العميق بين العالم العربي والإسلامي وبين "إسرائيل".

فتركيا, ومع خمود الرغبة في التوجه ناحية أوروبا, بدأت تطور علاقتها مع العالم العربي والإسلامي, الذي ترى فيه عوضا وبديلا يمكن أن يرفع أسهمها في المجال الإقليمي والدولي.

وعند التتبع، سنجد أن تركيا اتخذت سياسيات تحقق لها هدفها المزدوج, الاقتراب من العالم العربي والإسلامي, وتجفيف منابع التعاون مع إسرائيل, وفي مقدمتها الاقتراب من القضية العربية المركزية، وهي القضية الفلسطينية، والتفاعل معها إيجابيا، وتسويق القادة الأتراك أنفسهم، كرأس حربة للدفاع عنها في المحافل الدولية.