تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المطلوبون أو الجريمة هرباً من العقاب(الطفار في بعلبك ـــ الهرمل، المطلوبون الفلسطينيون داخل المخيمات، والموقوفون الإسلاميون)



مقاوم
01-23-2010, 07:18 AM
المطلوبون أو الجريمة هرباً من العقاب

الطفار في بعلبك ـــ الهرمل، المطلوبون الفلسطينيون داخل المخيمات، والموقوفون الإسلاميون... ثلاثة عناوين لمشكلة واحدة تتّصل اتصالاً وثيقاً بصناعة الجريمة في لبنان. فهل من حلّ مرتقب في مجلس النوّاب يحفظ الكرامة الإنسانية لهؤلاء المطلوبين، ويوفّر على البلاد انفجاراً اجتماعياً؟
حسن عليق
في بلادنا، دخل مجرمو الحرب نادي الحكم السياسي من باب قانون أصدروه للعفو عن أنفسهم مع نهاية الحرب الأهلية. النادي السياسي ذاته الذي توسّع أيام «الهدنة الأهلية»، أكمل واجبه تجاه ذاته بإطلاق سمير جعجع عام 2005. لكن الحال ذاتها لا تنطبق على «صغار» المطلوبين. فهؤلاء، يعيشون فارّين في ديارهم. معظمهم من الفقراء الذين لم تلحظ وجودَهم سياسات الحاكمين. وبينهم 3 فئات رئيسية: الطافرون في البقاع الشمالي، والإسلاميون المتهمون بقضايا إرهابية (المحكومون والموقوفون والفارّون)، والفلسطينيون المطلوبون في المخيمات. المشترك الرئيسي بين هذه المجموعات الثلاث، هو إمكان تحوّل كل منها إلى قنبلة يمكن انفجارها أن يخلّف جروحاً يصعب اندمالها سريعاً، بحسب مراجع أمنية رفيعة، من أكثر من جهاز أمني. الأمنيون الذين تولّوا ملاحقة المطلوبين، لا يتحدّثون عن المتهمين بقتال الجيش وقتل مدنيين أو كبار تجّار المخدرات، بل عن «الصغار» الذين يمثّلون غالبية المطلوبين في لبنان. وهؤلاء، يحوّلهم واقعهم إلى رافد رئيسي لمعظم العصابات والمنظمات الإرهابية. ومعظم الكتل السياسية تتحدث عن ضرورة إيجاد حل لقضاياهم، التي لا رابط بينها بالضرورة (على سبيل المثال، مشكلة الطفار في بعلبك ـــــ الهرمل منفصلة عن مشكلة المطلوبين الفلسطينيين والإسلاميين الذين درجت العادة على وضعهم في خانة واحدة).
البقاع
مشكلة البقاع الشمالي مزمنة. عمرها من عمر الوطن، يقول النائب غازي زعيتر. فمنذ الأربعينيات، لم تنظر الدولة اللبنانية إلى أبناء المنطقة كجزء من النسيج اللبناني. تركتنا الدولة وحدنا، يقول زعيتر مضيفاً إن ضباط الاستخبارات، في أيام المكتب الثاني، كانوا يحرّضون العشائر بعضها على بعض. ورغم ذلك، فإن رئيس مخفر كان يستطيع أن يحضر «أكبر طافر» إلى التحقيق من خلال التواصل مع وجيه عشيرة أو بلدة أو مختارها. لكن الدولة أمعنت في ترك المنطقة على حالها. فالدولة لم تضع أيّ خطة وتنفّذها في البقاع، لا على صعيد الأشغال ولا المياه ولا الزراعة أو الصناعة. وفي الوقت ذاته، كان نواب المنطقة يغضّون الطرف عن الإهمال.
المطلوبون في البقاع يتوزّعون على 4 فئات من الجرائم: المخدّرات والقتل والسرقة والمخالفات (السير، البناء، الأرض المشاع...). والفئة الأخيرة لها حصة الأسد، بحسب زعيتر. وبخلاف السائد، فإن النائب البقاعي يؤكد أن أعداد المطلوبين في البقاع هي أقل مما يُذكر في وسائل الإعلام (يتردد رقم 35 ألف مطلوب). فجميع المطلوبين لا يزيد عددهم على عشرة آلاف. والعدد الأكبر من هؤلاء مطلوبون بمخالفات تحوّلت إلى أحكام جزائية، فيما العدد الآخر يتعلق بأشخاص هامشيّين في جرائم المخدرات والقتل والسرقة والسلب. أما المطلوبون «الجديون»، فلا يزيد عددهم على 500 شخص. ففي بلدة الكنيسة مثلاً، هناك أقل من 10 مطلوبين، وكذلك الأمر في بريتال، البلدة التي يُتداول اسمها، ظلماً، كمنطقة خارجة على القانون.
يتذكر زعيتر حادثة حصلت معه عندما كان متفرغاً لمهنة المحاماة. ففي أحد الملفات القضائية المتعلقة بقضية اتجار بالمخدرات، هدّد موقوف 54 شخصاً بأنه سيزج بأسمائهم في القضية إذا لم يدفع كل منهم له مبلغ ألفي دولار أميركي. هذه القضية حُلّت. لكن معظم مثيلاتها يُترَك ليسلك طريقه المعهود في القضاء. وهذا القضاء، إضافةً إلى الأجهزة الأمنية «المقصرة في تنفيذ القانون في المنطقة» يحمّله زعيتر جزءاً من المسؤولية، إلى جانب السلطة السياسية. «فلا يجوز أن تستمر ملاحقة أبناء عائلتين بسبب جرائم قتل ثأرية وقعت بينهما في السبعينيات، رغم أن المصالحة جرت بينهما قبل ثماني سنوات، وأسقِطَت الحقوق الشخصية».
بدوره، يرى زميله نوّار الساحلي ضرورة خفض العقوبات للمحكومين، وإسقاط العقوبة عن الملاحقين. إضافةً إلى ذلك، ينبغي تعديل قانون المخدرات في نواحٍ عديدة، كالفصل بين جريمتي الترويج والاتجار. «إذ لا يجوز الحكم على من يحمل غراماً واحداً من المخدرات بالعقوبة ذاتها التي ينالها من ضُبِط في حوزته 20 كيلوغراماً من الكوكايين. العقوبة هي ذاتها وإن كان المروّج الصغير قد ضُبِط في اليوم الأول لعمله الذي دفعه إليه فقره، فيما التاجر جمع ملايين الدولارات من الاتجار بالمخدّرات. وبناءً على ذلك، ينبغي تعديل القانون لمنح القضاة سلطة منح الأسباب التخفيفيّة لصغار المروّجين. فبين هؤلاء، مئات الشبان الذين لا تتجاوز أعمارهم عشرين عاماً. وعدد كبير منهم، يُضبَط لأن التاجر الكبير يحمي، في مكان ما، مجموعة تعمل لحسابه ويسلّم أخرى». يرفض الساحلي تفسير عبارته الأخيرة، إلّا أن الإشارة واضحة إلى الفساد في الضابطة العدلية.
كلام زعيتر والساحلي يتقاطع مع حديث أحمد صبحي جعفر، الوجيه الذي ينشط ضمن مجموعة من أبناء المنطقة في التواصل مع السياسيين للمطالبة بحل المعضلة. يقول جعفر إن عدد المذكّرات يزيد على 34 ألفاً، منها أكثر من 13 ألف مذكّرة تحرٍّ دائم. لكنّ المطلوبين الرئيسيين في كل الجرائم، بما فيها إطلاق النار في الهواء لا يزيد على 1700. أما الباقي، فـ«الخبيط يدفع الموقوف إلى ذكر كل اسم يعرفه كمتورط بتجارة المخدرات، مثلاً. ومن تظلمه الدولة وتلاحقه، لن يسلّم نفسه لأن الناس لا يثقون بالسلطة. والمظلوم العاطل من العمل سينجرف. الدولة تتعامل معنا كمن يضغط علينا لشرب السم». وجهاء العشائر والمنطقة يستعدّون لجولة جديدة يطرحون فيها قضيتهم على السياسيين. في السابق، تواصلوا مع مراجع عليا في الجيش، بحسب جعفر، الذي يشير إلى أن المعنيين في الجيش «يتمنّون أن يحلّ هذا الأمر، لأنه يمثّل ضغطاً كبيراً على الجيش».
الموقوفون الإسلاميون
في سجن رومية جناح مخصص لـ«ذوي الخصوصية الأمنية»، أي للموقوفين الإسلاميين المتهمين بقضايا إرهابية. ملف هذه المجموعة منفصل تماماً عن ملف المطلوبين والملاحقين في بعلبك الهرمل. عدد الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية يراوح دوماً بين 290 موقوفاً و300. بين هؤلاء من ارتكب جرائم ضد الجيش أو المدنيين، سواء قبل أحداث مخيم نهر البارد أو خلالها أو بعدها. لكن بينهم أيضاً من لم يثبت بحقه أيّ اتهام سوى الإعداد للمقاومة في العراق. ومشكلة قسم منهم أنه غير معني نهائياً بما يُنسَب إليه.
أحد المتابعين لقضية المطلوبين الإسلاميين يتحدّث عن عشرات الحالات، بعضها لمتوارين عن الأنظار، «بين الموقوفين أمثلة كثيرة لافتة، بينها قضية وائل الزيبق، الذي أُوقف في أيلول 2009، للاشتباه في أنه يدعى إبراهيم الشايش. والأخير متهم بكونه خبير متفجرات في تنظيم القاعدة. لكن التحقيق مع الزيبق لدى مديرية استخبارات الجيش لم يُثبت أنه الشخص المطلوب. ورغم ذلك، فإنه تحوّل إلى مدّعى عليه، وأحيل على قاضي التحقيق العسكري، الذي أصدر قراراً اتهامياً وأحاله على المحكمة العسكرية التي أنهت استجوابه، من دون أن يصدر الحكم بحقه بعد». قضية الزيبق كان يتابعها إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود، الذي قال لـ«الأخبار» إن القضية هي أحد «نماذج الظلم المتمادي الذي لا نعرف كيف وصل إلى هذا الحد. نعرف أن المحاكم ملزمة بالتسلسل والشهود وأوقات المحاكمة، لكن بعض القضاة يحكمون بروح القانون، فيما آخرون يريدون البحث عن أي تهمة وحجة لتأخير المحاكمات. وائل معروف، وأهله معروفون، كل تهمته أنه نسيب لحسن نبعة (الموقوف الأبرز في مجموعة الـ13)». ويؤكد حمود أن هذه القضية «نموذج لأمثال كثيرة، للأسف، بينها ملف لأحد أقرباء القيادي في عصبة الأنصار أبو طارق السعدي، الذي أوقِف وأحيل على القضاء العسكري». وبحسب حمود، فإن الجيش أبلغ القاضي صقر صقر «أن التحقيقات لم تثبت وجود أيّ تهمة بحق الموقوف، لكن الأخير أُبقي في السجن فترة طويلة قبل إخلاء سبيله».
ويرى أحد المتابعين عن قرب لهذه القضايا أن استمرار السياسة الحالية على ما هي عليه سيؤدي إلى إفراغ الساحة الإسلامية السلفية من رموزها. و«هذا الفراغ سيملأه من هو أشد خطراً».
اللافت في هذه القضية أن ما يقوله متابعون لملفات الإسلاميين يكاد يكون مطابقاً لما تقوله مراجع أمنية من الصف الأول، ومن أكثر من جهاز أمني. يرى أحد الأمنيين، مثلاً، وجوب التعامل مع الملف بدقة شديدة، والتعلم من التجارب السابقة، وخاصةً عند الحديث عن كتب المعلومات (معلومات المخبرين). يستذكر الضابط الرفيع قضية أحمد الميقاتي. الأخير كان ملاحَقاً منذ أحداث جرود الضنية، وتمكّن من الفرار إلى مخيم عين الحلوة، حيث كان يخضع لمراقبة مخبرين يرسلون معلومات دقيقة عن تحركاته إلى الأجهزة الأمنية. الميقاتي أوقِف عام 2004، خارج مخيم عين الحلوة. وخلال التحقيق معه، أفاد بأنه خرج من المخيم منذ ما قبل عامين، ولجأ إلى منزل استأجره في منطقة الجبل. معلومات المخبرين كانت خاطئة إذاً، لكنها في بعض الأحيان تودي بأبرياء إلى السجن، حيث يقضون أياماً طويلة قبل صدور الأحكام بحقهم.
الفلسطينيّون
قبل 15 عاماً، كانت المرة الأخيرة التي داس فيها سليمان أرض مدينة صيدا. هو لاجئ فلسطيني يعيش في مخيم عين الحلوة، التجمع المكتظ المتداخل مع الأحياء الفقيرة في المدينة. يتحرك سليمان في منطقة لا تزيد مساحتها على كيلومترين مربعين، يعاون قائداً بارزاً في أحد التنظيمات الفلسطينية في المخيم. أمثاله كثيرون. عشرات المطلوبين لم يغادروا المخيمات الفلسطينية علناً منذ سنوات طويلة. ومعظم هؤلاء عاطل من العمل. عددهم يقدّر بأكثر من 4500 شخص. والمشكلة الكبرى هي في مخيم عين الحلوة، الذي بات أحد أحيائه الصغيرة ملجأً لمطلوبين من طراز عبد الغني جوهر وعبد الرحمن عوض. بعض هؤلاء تبدأ ملاحقته بعد إطلاقه النار في الهواء في «حفل زفاف شقيقته»، أو بناءً على كتاب معلومات من مخبر. ومعظم الذين داروا في فلك تنظيمَي جند الشام وفتح الإسلام هم من الفئة التي اقتربت من التنظيمين، بعدما بُنيَت ملفاتهم وفقاً للطريقة المذكورة. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فبعض الذين ساعدوا الجيش على توقيف مطلوبين بارزين في مخيم عين الحلوة، مطلوب للقضاء في جرائم بينها أنه حمل سلاحاً وأطلق النار داخل المخيم وحاول قتل أشخاص هم أنفسهم المطلوبون الذين أوقفهم وسلّمهم للجيش.
في ملف المطلوبين الفلسطينيين، يتحدّث مسؤولو فصائل من اتجاهات مختلفة عن تغيّر إيجابي في تعامل الجيش مع الملف، نسبةً إلى ما كان يجري سابقاً، لكنّ ذلك لا يعني أن الملف في طريقه إلى الحل. مسؤول أمني معني يقول إن ملف المطلوبين في المخيمات يكاد ينحصر في أقل من 30 مطلوباً في مخيم عين الحلوة. وإنهاء هذا الملف يسير. فحل مشكلة باقي المطلوبين سيؤدي إلى تجفيف النبع الذي ينهل منه مطلوبو فتح الإسلام وجند الشام أنصارهم، ويسهّل توقيف المطلوبين الرئيسيين، كقادة «فتح الإسلام». «لكنّ ذلك يحتاج إلى خطوة على المستوى السياسي، تسمح بإقفال ملفات المظلومين. وفي حال تحقيق ذلك، يصبح بإمكان شرطي سير أن يدخل إلى أي مخيم، ليوقف مطلوباً. وبإمكان خطوة مماثلة أن تسهّل حياة اللاجئين الفلسطينيين، والتوصل إلى ضبط السلاح داخل المخيمات».
المستوى السياسي
اللافت في هذه القضايا أن طروحات مسؤولين أمنيين، في الجيش وقوى الأمن الداخلي، تبدو متقدمة على مواقف بعض الأطراف السياسيين، على الأقل بالنسبة إلى الواقع الفلسطيني، لناحية اقتناع الأمنيين بضرورة تدخل مجلس النواب لإصدار قوانين عفو، أو تعديل بعض القوانين المطبّقة.
مشكلة طفار البقاع الشمالي يحملها تكتل نواب بعلبك ـــــ الهرمل. النائبان غازي زعيتر ونوار الساحلي يؤكدان أن الحل الجذري هو في إصدار قانون عفو. وكان زعيتر قد تقدّم باقتراح قانون عام 2005، لكنه أحيل على اللجان، بسبب غياب التوافق السياسي في ذلك الحين، عندما صدر قانون للعفو عن رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع وموقوفي الضنية. ويرى زعيتر أنه لن يعارض أحد حل هذه المشكلة في مجلس النواب، «باستثناء بعض أصحاب النفوس المريضة». بدوره، يطالب الساحلي «البعض بالاقتناع بأن هذا القانون لبناني بحت، ويستفيد منه مواطنون ينتشرون في كل المناطق اللبنانية. والمستفيدون هم من صغار المطلوبين، لا من التجار الكبار، الذين للأسف ليسوا ملاحقين». يضيف الساحلي: «من يخفْ من الخارج فعليه أن ينظر إلى أن هذا الخارج هو من يحمي كبار التجار، وأعني بذلك الإدارة الأميركية». ولا يمانع الساحلي أن يتضمّن أي قانون عفو قضايا المطلوبين الإسلاميين والفلسطينيين، مؤكّداً أن الأميركيين سيتدخلون للضغط باتجاه عدم إصدار قانون للعفو عن الإسلاميين وقضايا المخدرات.
اقتراح قانون عفو آخر كان قد تقدم به النائب في كتلة القوات اللبنانية انطوان زهرا، في آذار 2009. وينص الاقتراح على العفو عن جميع أحكام الحق العام الصادرة قبل الانسحاب السوري من لبنان. ويقول زهرا إنه راجع رئيس مجلس النواب نبيه بري بهذا الاقتراح قبل 3 أيام، وإن بري طلب من الأمين العام لمجلس النواب إحالة الاقتراح على لجنة الإدارة والعدل. ويرى زهرا أن بحثه في اللجنة سيؤدي إلى إدخال تعديلات عليه، بناءً على «طلب الكتل التي شاورتها. ولا مانع عندي من إدخال تعديلات لكي لا يكون المقصود بهذا المشروع المتعاملين مع إسرائيل».
وبالنسبة إلى موقف كتلة اللقاء الديموقراطي، ينقل أكثر من مسؤول سياسي عن النائب وليد جنبلاط تأييده إصدار قوانين تسهم في حل كل الأزمات المطروحة، مع تأكيده ضرورة تسهيل حياة اللاجئين الفلسطينيين.
يبقى تيار المستقبل والتيار الوطني الحر. مسؤول رفيع في المستقبل أكّد لـ«الأخبار» أن التيار لن يقف حجر عثرة في وجه أي طرح جدي عند وصوله إلى مجلس النواب. لكنّ التيار الذي دعم سابقاً قضايا الموقوفين الإسلاميين عبر بعض نواب الشمال، أو مكتب المحامين فيه، لن يكون في موقع المبادرة في أيٍّ من هذه الملفات. وفي الملف الفلسطيني، يرى المسؤول المستقبلي أن حله بحاجة إلى قرار سياسي كبير، يتداخل فيه الإقليمي والدولي بالمحلي.
بدوره، يرى أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان أن التيار في المبدأ ضد قوانين العفو العامة، «بل يجب أن تُحصَر القضايا وتبحث أسبابها الموجبة كل على حدة، إذ لا يجوز التعميم في التشريع الذي لا يحتمل المحاصصة. والأولوية بالنسبة إلينا هي في إصلاح عمل القضاء لحل بعض القضايا التي لا تحتاج إلى قانون عفو. فعدم المساواة والظلم لا يدفعاننا إلى إلغاء نظام القوانين ونظام العدالة».


تكفير و«صحوات» في سجن رومية يتحدّث الأمنيون البارزون بنظرة متقدّمة عن ملفات المطلوبين. يقول أحدهم: «نحن لا نطالب بالعفو عن المتورطين بدم الجيش والمدنيين. لكن هناك مشكلة إنسانية وأمنية ينبغي حلّها». وبحسب الأمني الواسع الاطلاع والنفوذ، «ينبغي منع تحول سجن رومية من مصنع للإجرام إلى مصنع للإرهاب». يردّد الرجل كلام مسؤول أمني كبير في جهاز آخر، عن أن «كشف شبكة إرهابية، يستدعي، في معظم الأحيان، توقيف أشخاص على علاقة بالمطلوبين الرئيسيين. قد تكون العلاقة شخصية أو عائلية، ولا صلة لها بالأعمال الإرهابية، لكن التحقيقات الأولية توجب توقيف بعض هؤلاء، لحسم أيّ شبهة في الملف. وأحياناً نضبط في منزل أحد هؤلاء قطعة سلاح غير مرخّصة، كتلك الموجودة في معظم المنازل اللبنانية. وعندما ننهي التحقيقات، نبلغ القضاء أنّ أحد الموقوفين لا علاقة مباشرة له بالشبكة الإرهابية. إلّا أن الجو السائد في البلاد، وخاصةً منذ أحداث مخيم نهر البارد، جعلنا نعتاد سماع جواب واحد من الادعاء العام: أرسلوا جميع الموقوفين مع الملف. يدّعي القضاء على الموقوفين، ويحالون على قاضي التحقيق. ويندر أن يخرج أحدهم بمنع محاكمة. فالادعاء العام وقضاة التحقيق يكونون متشدّدين، وخاصةً في ملفات مماثلة. وبناءً على ذلك، يصل الملف إلى المحكمة في ظل وجود أشخاص أبرياء بين المتهمين. والمحاكمات في هذه القضايا تأخذ وقتاً طويلاً. وصل الأمر في بعض الحالات إلى أكثر من سنتين، قبل أن تقرر المحكمة إخلاء سبيل بعض المتهمين، فيما بعض القضايا لا تزال قيد المحاكمة منذ عام 2005، والموقوفون يقضون أوقاتهم في سجن رومية، حيث الجو ضاغط إلى أقصى الحدود. ومن يُظلَم ويوضع في السجن لفترة طويلة من دون محاكمة، سينجرّ حتماً وراء الأكثر تطرفاً في مجموعته».
أجواء جناح الإسلاميين في رومية يتحدّث عنها أحد المتابعين للقضية عن كثب. يقول «إن إحدى مجموعات فتح الإسلام (معظم أفرادها أجانب لا يزورهم أحد)، تكفّر معظم من يخالفها رأيها. وفي رأي أفراد هذه المجموعة، فإن من يبتسم في وجه رجل الأمن كافر. وفي الآونة الأخيرة، أصدروا ما يشبه الفتوى بتكفير وسيم عبد المعطي، أقدم الموقوفين الإسلاميين في رومية، والمحكوم بالسجن المؤبّد بجريمة اغتيال الشيخ نزار الحلبي. أما أسباب التكفير، فمردّها إلى أن عبد المعطي هو شاويش جناح الموقوفين ذوي الحساسية الأمنية الخاصة (الإرهاب)، وهو من يتحدّث باسم الموقوفين مع إدارة السجن. وبذلك، رأى هؤلاء أنه كافر لأنه تعامل مع الطاغوت، وأطلقوا عليه لقب أمير صحوات رومية».
هذه الرواية يؤكّدها مسؤولون أمنيون. ويرى أحد البارزين منهم، «أن سجن رومية، كمخيم عين الحلوة، يمثّل في حال تركه على ما هو عليه، قنبلةً قد تنفجر بوجه البلاد كلها عند أيّ اهتزاز للتوازن السياسي والأمني، هذا إذا لم تتدخّل السلطة السياسية لوضع حدّ لهذه المأساة».