تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الدفاع عن لبنان أو إسرائيل؟



مقاوم
01-21-2010, 06:53 AM
الدفاع عن لبنان أو إسرائيل؟

ديفيد شينكر
في كانون الأول/ديسمبر المنصرم، عرض الموقع اللبناني على شبكة الإنترنت «كفى نبكي» "قصة إخبارية" ساخرة تناقش عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى لبنان. ووفقاً للمقالة، أهدت الولايات المتحدة "أحدث" المعدات العسكرية للقوات المسلحة اللبنانية والتي تضمنت ضمادات مرقطة بصورة مشابهة لملابس الجيش التمويهية، والسلاح الأكثر تهديداً، "يو إس إس تودبول"، وهي سفينة من الحرب العالمية الثانية كانت خرجت من الخدمة و "استخدمت من قبل المدفعية البحرية الأمريكية في نورفولك للتدريب على الرماية حتى الآونة الأخيرة".

لنضع الفكاهة جانباً؛ تسلط المقالة الضوء على نقد جدي وسائد على نحو متزايد يتعلق بالمساعدة العسكرية الأمريكية للبنان. فمنذ «ثورة الأرز» عام 2005 وعملية الإقتراع التي أوصلت إلى السلطة الحكومة الوحيدة الموالية للغرب والمنتخبة بصورة ديمقراطية في العالم العربي، تلقت لبنان ما يقرب من 500 مليون دولار من المعدات العسكرية من واشنطن. ومع ذلك، يشعر الكثيرون في لبنان بالقلق من استعمال الأسلحة الأمريكية وعدم اطمئنانهم منها ومن قدرتها في تمكين القوات المسلحة اللبنانية من الدفاع عن الدولة ليس في مواجهة إسرائيل فحسب، بل في محاربة المنتسبين لتنظيم «القاعدة» في داخل البلاد أيضاً.

لدى هذا الخط من التفكير بعض المؤيدين البارزين الذين يأتون من مختلف [التحالفات]. ففي عام 2008، اشتكى زعيم ميليشيا «حزب الله» الشيعية حسن نصر الله من أن الدعم الأمريكي لإسرائيل منع نقل أسلحة متطورة إلى الجيش اللبناني؛ وفي عام 2009، انتقد وزير الدفاع اللبناني الياس المر واشنطن ضمنياً لعدم تزويدها طائرات مقاتلة [لبلاده]، حيث قال، "إذا كانت لدينا طائرات" خلال القتال الذي دار عام 2007 ضد متشددين إسلاميين، "لم نكن لنفقد حتى شهيداً واحداً من الجيش". وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، طلب الرئيس اللبناني ميشال سليمان من على منصة البيت الأبيض زيادة المساعدات العسكرية الأمريكية لتمكين الجيش اللبناني أخيراً في "الدفاع عن لبنان من هجمات العدو ومواجهة الإرهاب".

وينفي المسؤولون الأمريكيون بأن الولايات المتحدة تولي لبنان اهتماماً قليلاً، لكن الفكرة التي عبر عنها حسن نصر الله والرئيس ميشال سليمان هي صحيحة جزئياً وتنطلق من قراءة لبنانية أساسية خاطئة لأولويات السياسة الأمريكية: ففي حين أن سخاء دافع الضرائب الأمريكي، الذي من المقرر أن يصل حسب التقديرات الحالية إلى أكثر من 100 مليون دولار هذا العام، سيعزز قدرات القوات المسلحة اللبنانية المحلية لمكافحة الإرهاب، إلا أنه لم يُقصد به -- وسوف لن يُقصد به أبداً -- مساعدة لبنان على ردع الهجمات الإسرائيلية أو الدفاع عن نفسها ضد هجمات كهذه.

وبالنسبة إلى واشنطن، فإن «حزب الله» -- الذي يسيطر على جنوب لبنان -- هو المشكلة وليست انتهاكات إسرائيل للسيادة اللبنانية. وبسبب تلقي «حزب الله» لجميع أسلحته تقريباً عبر سوريا، فإن واشنطن هي أكثر قلقاً إزاء انعدام الأمن على الحدود اللبنانية السورية من افتقاره على الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

واليوم، تنتهك كل من لبنان وإسرائيل قرارات مجلس الأمن. فتحليق الطائرات الإسرائيلية في كل مكان هي انتهاك للسيادة اللبنانية، في حين تفشل الحكومة اللبنانية في اتخاذ خطوات كافية لمنع تمرير الأسلحة إلى «حزب الله». والموضوع الأكثر إشكالية، هو أن الحكومة الجديدة الموالية للغرب/الموالية لإيران، وإن كانت منقسمة بصورة عميقة، يبدو أنها تتبرأ من العناصر الأساسية لقراري مجلس الأمن 1559 و 1701، عندما أضفت الشرعية على سلاح «حزب الله» بشكل واضح كما جاء في بيانها الوزاري. ونظراً لهذه الإنتهاكات، قد ترى واشنطن بأن قدرة إسرائيل على مراقبة لبنان هي أفضل وسيلة لمنع نشوب حرب أخرى.

وقد اتفق المخططون العسكريون الأمريكيون مع نظرائهم اللبنانيين في عام 2005 على تحديد أولويات للجيش اللبناني تتعلق بمهمة مكافحة الإرهاب على النطاق المحلي، أي محاربة المنتسبين لتنظيم «القاعدة» والمسلحين المدعومين من قبل سوريا في الداخل بدلاً من مواجهة التهديدات الخارجية. وحتى مع ذلك، فإن عمليات نقل الأسلحة التي أُتيحت للقوات المسلحة اللبنانية لتنفيذ هذه المهمة الأكثر محدودية، توفر الكثير من "العلف" للذين يستسخفون من برنامج المساعدة التي توفره الولايات المتحدة.

لننظر إلى طائرة "سيسنا كارافان" للدعم الجوي التي تستخدم في القتال المتلاحم، والتي تشكل بصورة خاصة هدفاً للسخرية من قبل لبنان. باستطاعة طائرة السيسنا هذه من نوع "توربو بروب" نشر صواريخ "هيلفاير" ومعدات لـ "الإستخبارات والمراقبة والإستطلاع" في البيئات الحضرية. إن صفقة الطائرات هذه التي يبلغ سعر كل طائرة منها 10 ملايين دولار -- بما في ذلك معدات "الإستخبارات والمراقبة والإستطلاع" والصواريخ والدعم اللوجستي من قبل الجهة المقاولة -- هي صفقة رائعة، لا سيما بالنظر لتكلفة صفقة طائرة "إف 16" مماثلة الذي يصل سعرها بين 30 مليون إلى 40 مليون دولار.

ونظراً لأن الطائرات الأخرى الوحيدة الثابتة الجناحين الموجودة في الترسانة اللبنانية هي أربعة طائرات [مقاتلة] من نوع "هوكر هنتر" تعود إلى الحقبة البريطانية من الخمسينيات من القرن الماضي -- والتي تستعمل من قبل دولة أخرى فقط، هي زمبابوي -- يبدو أن الطائرة من نوع "سيسنا كارافان"، السهلة الصيانة، والأكثر فعالية من حيث التكلفة هي حلاً مثالياً للبنان. ولكن كلا [فإن الأمر ليس كذلك]. فبسبب سمعتها الغير عالية، وبوجه خاص، الصور الكوميدية التي تستحضر إلى الذهن عندما يتم تخيل معارك بين هذه الطائرات والطائرات المقاتلة الإسرائيلية فوق مزارع شبعا، قد جعلت الـ "سيسنا كارافان" موضوعاً للسخرية في لبنان، ومثالاً لعدم جدية الولايات المتحدة. بيد، لم يساعد واقع الأمر بأن الشركة الشاحنة في مجال النقل الجوي الليلي "فيديكس" هي الشركة الرائدة في العالم التي تستخدم هذه الطائرات، وإن كانت تسعمل بدون صورايخ "هيلفاير".

إن عدم وجود قوة نيران [كافية] لطائرات "سيسنا كارافان" وعدم تميزها عن غيرها أدى إلى قيام بعض اللبنانيين بتقديم اقتراح حول حصول القوات المسلحة اللبنانية على أسلحتها من مصدر آخر. وفي كانون الأول/ديسمبر المنصرم، وقبل زيارة الرئيس سليمان لواشنطن مباشرة، عبّر عدنان حسين عضو مجلس الوزراء اللبناني المتعاطف مع «حزب الله» والمقرب من الرئيس سليمان، بوضوح عما يدور بلا شك في تفكير الآخرين، حيث قال: "إذا كنا لا نحصل على أسلحتنا من الولايات المتحدة فسنحصل عليها من بلد آخر". وهناك دلائل على أن هذا بالفعل ما يحدث. ففي وقت سابق من هذا العام، أهدت روسيا 10 طائرات من نوع "ميج 29" إلى لبنان. كما عرضت إيران أيضاً تزويد الجيش اللبناني بالطائرات والصواريخ. وفي أيار/مايو 2009، روّج نصر الله تقديم دعم عسكري إيراني غير مشروط كوعد أثناء الحملة الإنتخابية.

ومع ذلك، ففي حين يحصل «حزب الله» على سلاحه بصفة رئيسية من إيران وسوريا، من غير المرجح أن تتبع القوات المسلحة اللبنانية هذا المسار في أي وقت قريب.

وفي حين تبلغ ميزانية الجيش اللبناني السنوية أقل من 800 مليون دولار -- 80 ٪ منها مخصصة للرواتب -- يتمتع هذا الجيش بقدر ضئيل من التمويل الإختياري فيما يتعلق بمنظومات الأسلحة الباهظة الثمن. وحتى لو قامت لبنان بتوجيه جزء كبير من مواردها الشحيحة إلى حدودها الجنوبية، من غير المحتمل أن تستطيع ردع إسرائيل. لننظر إلى سوريا، فبالرغم من تخصصيها مبلغاً يقدر بـ 6 مليارات دولار سنوياً للنفقات العسكرية، لم تتمكن من منع إسرائيل من تدمير منشآتها النووية في عام 2007 -- أو من منع الطائرات الإسرائيلية من نوع" إف 16" من إسماع طنين أصواتها أثناء تحليقها فوق القصر الرئاسي في عام 2006.

وعلى الرغم من أن «حزب الله» يحاول توجيه بيروت بعيداً عن واشنطن وباتجاه إيران، يبدو أن حكومة لبنان، متمسكة في الوقت الحاضر بالمساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة وأصدقائها العرب. وبطبيعة الحال، يمكن تغيير الترتيبات الحالية. وكانت واشنطن قد بدأت برنامج مساعداتها العسكرية القوية إلى لبنان في أعقاب «ثورة الأرز». ومع ذلك، ففي الآونة الأخيرة، وتحت ضغوط من سوريا و«حزب الله»، تخلت هذه "الحركة الإستقلالية" عن دعمها لقرارات معينة تهدف إلى تعزيز سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.

ولم تكن واشنطن أبداً تحت أي أوهام فيما يتعلق بالإرادة السياسية للسياسيين اللبنانيين حول استخدام الجيش اللبناني في مهمات مثيرة للجدل، مثل تأمين الحدود مع سوريا أو نزع سلاح «حزب الله»، أو حول قدرة القوات المسلحة اللبنانية على اتخاذ مثل هذه المهمات. فبرنامج المساعدات لم يصمَّم لتحقيق هذه الأهداف الطموحة جداً على المدى القريب. وبدلاً من ذلك، هو يعكس محاولة لتعزيز إحدى المؤسسات الوطنية الحقيقية القليلة في بلد مقسم، مع قيام هدف طويل الأجل وذلك بأنه -- في إحدى الأيام -- سيكون بإمكان مساعدة الحكومة المنتخبة ديمقراطياً على ممارسة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية.

وإذا أظهرت حكومة لبنان التزامها بالتحرك في اتجاه هذا الهدف، فإن تلك الأنواع من النظم [العسكرية] المتطورة والتي يدعو منتقدي واشنطن بتزويدها إلى القوات المسلحة اللبنانية قد تكون يوماً ما على الطاولة. ومع ذلك، فإذا انعدم التقدم، فإن حتى طائرات "سيسنا كارافان" التعيسة قد تُحذف من برنامج المساعدات الأمريكية. وفي كلتا الحالتين، فإن الرؤية اللبنانية بأن تحلق طائرات أمريكية الصنع من نوع "إف 16" فوق مدينة صور مع علم الأرز اللبناني المميز على ذيلها -- وليس نجمة داود الإسرائيلية -- ستظل حلماً.


* ديفيد شينكر هو زميل أقدم ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنط