تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : على هامش الأزمة التركية "الإسرائيلية"؟



مقاوم
01-19-2010, 10:29 AM
على هامش الأزمة التركية "الإسرائيلية"؟

كتب د. أسامة عثمان




http://qawim.net/images/stories/logoqawim/_exb.png"أرجو أن تكونوا قد انتبهتم إلى تصرفاتي، فقد تعمدت أن لا أقدم للضيف شيئا، وأن لا أصافحه، وأن أجلس على ارتفاع بارز عنه". كانت هذه الكلمات التي خرجت من فم نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون، موجهةً للصحفيين؛ لإشهار إهانته للسفير التركي، أحمد أرغوز.

ومع أن أيالون قدم اعتذارا خطيا للسفير التركي، ولشعبه ؛ فإن الأزمة لا تنفك تتفاعل، على الجانبين "الإسرائيلي" والتركي. وبالرغم من أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان قد قبل ذاك الاعتذار؛ فإن الحادثة المهينة للشعب التركي كلِّه، عبر رمز من رموزه، وهو السفير أرغوز، لا يتوقع أن تكون عديمة الأثر في توجهات الأتراك، ونخبهم السياسية والثقافية، وهم المعروفون بشدة اعتزازهم وكبريائهم، وسيؤدي ذلك الموقف الصهيوني الأرعن إلى مزيد من تراجع مكانة الكيان الصهيوني في تركيا، كما سيفضي إلى مزيد من الالتفاف حول زعامة حزب العدالة والتنمية، وقادته السياسيين، وعلى رأسهم أردوغان.

وفي دولة كتركيا لا يمكن إغفال قوة الرأي العام، فقد سبق لرئيس الوزراء أردوغان أن وضح أن مواقفه من "إسرائيل" وقادتها، من قبيل انسحابه من مؤتمر دافوس، وإلغاء مشاركة "إسرائيل" من مناورات "نسر الأناضول" تأتي تمشيا مع توجهات شعبه. وقد سبق للرأي العام التركي أن أثَّر في قرارات الدولة المهمة، كما حصل حين استجابت حكومة أردوغان لهذا التوجه في 2003م؛ فرفضت السماح للقوات الأمريكية المتوجهة إلى غزو العراق من المرور عبر أراضيه.

وبالرغم مما يستقر في طبائع اليهود من غطرسة وعنجهية واستخفاف بالآخرين؛ فإنهم اضطروا إلى الدَّوْس على تلك الطبائع المريضة؛ لتلافي أزمة سياسية أكبر مع تركيا، وقد كان الموقف التركي شديد الصرامة؛ إذ هددت أنقرة بسحب سفيرها؛ إذا لم تقدم وزارة خارجية "إسرائيل" اعتذارا خطيا قبل غروب مساء اليوم الذي تلا حادثة الإهانة.

وقد عبرت ردود أفعال المعلقين الصحفيين في "إسرائيل" عن مقدار التوتر والارتباك، من موقف الاعتذار الذي اضطرت إليه حكومتهم؛ فهم بين لائم لموقف الاعتذار، ومندد بـ"إهدار الكرامة القومية" وبين مندد بموقف أيالون، ووزير الخارجية ليبرمان الذي لا ينفك يوقع بهم الخسائر، ويجرهم إلى مزيد من العزلة. لكن تغلب الرأي المفضل للرضوخ يؤكد طبيعة هذا الكيان الذي كشفه القرآن الكريم، في قوله تعالى:" ولتجدنهم أحرص الناس على حياة" فما يعتبرونه كرامة، لا قيمة له؛ إذا جوبهوا بمواقف جادة تعرِّض مصالحهم، ومكانتهم المادية للخطر!

وفي المقابل لن تتوقف حكومة أردوغان عن الضغط على "إسرائيل" وبناء علاقات، هي على النقيض من علاقات تركيا بدولة الاحتلال؛ إذ قال وزير الخارجية، أحمد داود أوغلو: "إن رسالة الاعتذار الإسرائيلية تتضمن العناصر المطلوبة، وأعطى الإشارات بشأن مواصلة تركيا لمواقفها المنتقدة لحين تبني إسرائيل سياسة سلمية."

وتستطيع تركيا أن تمارس هذا الدور الضاغط على حكومة نتنياهو؛ بفضل علاقاتها الإقليمية التي شهدت تناميا واضحا، في العام المنصرم، حيث نجحت أنقرة في "تصفير" معظم خلافاتها في المنطقة العربية والإسلامية، ودول الجوار، فقد عقدت معاهدات تعاون استراتيجي مع سوريا؛ لتحل هذه الجارة العربية التي ما زالت في حالة عداء مع إسرائيل محلها. كما عقدت أنقرة معاهدات مع العراق، حاولت بها تجنب أية أزمة محتملة بسبب قضية الأكراد. وهي ما زالت في حالة نشاط دائم، كما حصل مؤخرا في زيارة وزير الخارجية التركي إلى السعودية، وفي اللقاء الأخير الذي عقده أردوغان في زيارته لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري التي لم تخلُ من انتقادات مشتركة منهما لـ"إسرائيل".

وتحظى تركيا بدور مهم في ملف التفاوض "الإسرائيلي" مع سوريا؛ إذ تصر الأخيرة على استبقاء أنقرة وسيطة أولى ورئيسة، بالرغم من محاولات الحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو التشكيك بها،ووصفها بالوسيط غير النزيه، وهو رأي لا تشاركها فيه، لا الولايات المتحدة، ولا فرنسا التي تحاول الدخول على خط الوساطة، كذلك.

فـ"إسرائيل"، وحكومة نتنياهو، لا شك، في وضع سياسي خارجي، غير مريح، ويزداد سوءا، وهي تعبر عن انفعالها، وتوترها، في افتعال أزمات لا تنقصها الحماقة؛ في تجاهل واضح؛ لأسباب إدانتها، دوليا، وإقليميا. فلن تكون تركيا الدولة العضو في حلف الناتو، والراغبة في علاقات أقوى مع عالمها الإسلامي، ومحيطها العربي في صفِّ "إسرائيل"، وأغلبُ دول العالم ضد سياستها.