تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : موقف رجالات الإسلام الأفذاذ من بناء جدار الفولاذ



أبو يونس العباسي
01-12-2010, 06:14 PM
موقف رجالات الإسلام الأفذاذ من بناء جدار الفولاذ


أبو يونس العباسي


الحمد الله على إنعامه المتصل الموفور , وحمدا له تقر به العيون وتنشرح به الصدور , حمدا يدوم على مر الليالي والدهور , وأشهد أن لا إله إلا الله , شهادة تضاعف لصاحبها الأجور , وتؤنسه عند الوحشة في ظلمات القبور , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , أرسله الله بكتابه النور , فمحى به خرافات الشرك ومظاهر الفجور , اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه أولي الفضل المشهور.


[تمهيد]


لما سمعت ببناء جدار الفولاذ على الحدود مع غزة قلت:


جدار من فولاذ


بين غزة عزتنا


وبين مصر جارتنا


الشعب شعب طيب


ولكن وا أسفاه


يحكمه الشذاذ


همهم ملئ الكرش


والجري وراء الأفخاذ


يا جدارا من فولاذ


ماذا تبغي ؟!!!


ماذا تريد ؟!!!


أجوعنا تريد ؟!!!


أموتنا تريد ؟!!!


أخنقنا تريد ؟!!!


خضوعنا تريد ؟!!!


أم الترويض لنا تريد ؟!!!


يا جدارا من فولاذ


شعوب الأرض قد تروض


وحش الغاب قد يروض


وشعب غزة ... لا ينفع معه الترويض


يا جدارا من فولاذ


شعوب الأرض قد تخنع


شعوب الأرض قد تخضع


وشعب غزة ...لن يخضع ... ولن يسمع ...


ولن يخنع... ولن يركع إلا لله


يا جدارا من فولاذ


يا جدارا من خيانة


يا جدارا من عمالة


يا جدارا لليهود


يا جدارا للصليب


يا جدارا من فولاذ


فعلك فينا


لن يثنينا


إن أثنانا


فعل رذاذ


يا جدارا من فولاذ


لن نخاف ... لن نهاب ...


ولن نرتاب


فالله لنا خير ملاذ


[الجدار والتلازم بين الظاهر والباطن]


من القواعد العقدية عند أهل السنة والجماعة أن الظاهر والباطن متلازمان فمن كان باطنه صالحا فلا بد أن يظهر ذلك على جوارحه ومظهره ومنطقه والعكس صحيح , وهذا موافق لما عليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل , أخرج البخاري في صحيحه من حديث النعمان بن بشير أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب. " , وقالت العرب فأبدعت:"كل إناء بما فيه ينضح" , وقالت أيضا:"ما أسر أحد سريرة إلا وظهرت على ملامح وجهه وفلتات لسانه" , وهذه هي الأنظمة العربية يظهر ما في دواخلها من سواد ونفاق وحقد على الإسلام وأهله بمثل ما نراه مرارا وتكرارا ونسمعه منهم , وآخرها وليس الأخير ذلكم الجدار اللعين الذي تبنيه الحكومة المصرية ـ أزال الله ظلها ـ .


[الجدار وعلاقته بالولاء والبراء]


سبق لنا أن عرّفنا الولاء بأنه: حب ونصرة واجتماع على كلمة سواء وهي كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " , والبراء هو:عداوة وبراءة وتمايز وتفارق عمن كفر بهذه الكلمة ولم يلتزم شروطها ويجتنب نواقضها , وعقيدة الولاء والبراء كما هو معلوم عقيدة لا يمكن لمن أراد الحفاظ على دينه أن يغض الطرف عنها ويتجاوز عن مستلزماتها وواجباتها , وهذه العقيدة هي عقيدة كل الرسل وعلى رأسهم إبراهيم الذي أمرنا الله أن نتأسى به وبمن معه , قال الله تعالى :"قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"[الممتحنة : 4].


وعليه:فهل يدخل بناء مثل هذا الجدار في مفهوم الولاء لله ورسوله والمؤمنين والبراء ممن عادى الله ورسوله والمؤمنين ؟!!! .


هذا سؤال جوهري في الموضوع الذي نحن بصدده , ولا يشك عاقل من أن هذا الجدار يضاد عقيدة الولاء والبراء , فهو : ولاء للتحالف الصهيوصليبي وبراءة من الإسلام وأهله .


وليس بغريب عنا ما يفعله المناديب العرب عن التحالف الصهيوصليبي وخاصة المندوب المصري.


فآي القرآن الكريم وأحاديث السنة علمتنا أن الكفر ملة واحدة , فلا فرق بين الكفر العربي والعجمي فكله كفر يتحالف بعضه مع بعض ليقضي على الإسلام وأهله , قال الله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة : 51] , وقال أيضا:"وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ" [الأنفال : 73] , وقال أيضا:" إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ" [الجاثية : 19], وأخرج أحمد في مسنده من حديث ثوبان أن الرسول ـ صلى الله عليه عليه وسلم ـ قال :" يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قيل : يا رسول الله ! فمن قلة يومئذ ؟ قال : لا و لكنكم غثاء كغثاء السيل يجعل الوهن في قلوبكم و ينزع الرعب من قلوب عدوكم لحبكم الدنيا و كراهيتكم الموت".


إذن: فالآيات تفيد أن الفتنة والفساد الكبير إنما نتج بسب التحالف الكافر ضد الإسلام وأهله في الوقت الذي يوجد تنافر وتمايز وتفرق بين المسلمين , أسأله تعالى أن يؤلف بين قلوبنا وأن ينصر إخواننا الموحدين في كل مكان.


[الجدار والبزخ المالي الصهيوصليبي]


لم يعد يخفى على أحد أن هذا الجدار الفولاذي لا تبنيه مصر بنفقتها الخاصة , بل بتمويل أمريكي فرنسي , وتقوم حكومة مصر كعميل مخلص بتنفيذه على أرض الواقع , ولكننا ومن خلال فهمنا لسنن الله في الكون نقول وبملئ الفيه: بأن الجدار لن ينجح في القضاء على الدين الإسلامي الحنيف الذي ينتهجه شعب غزة , بل سيكون مال التحالف الصهيوصليبي وبالا عليه وعلى من يواليه والعاقبة للموحدين في الدنيا والآخرة ـ بإذن الله ـ , قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال : 36] , سيزول الجدار وتبقى غزة المسلمة .... سيزول بناة الجدار وسيبقى الإسلام معمرا قلوب الناس في غزة .... سيزول ممولو الجدار ويندحروا وسننتصر غزة بالقرآن والسنة ـ بإذن الله تعالى ـ , قال الله تعالى:" يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" [التوبة : 32] , وقال أيضا:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" [الحجر : 9]".


ولكن العجيب أن يسخى أهل الكفر في الإنفاق على نصرة كفرهم بما لا يخطر على بال ويبخل كثير من المسلمين على أنفسهم بترك الدعم المادي للجهاد العالمي الذي يخوضه أبناء أهل السنة البررة إن كان في فلسطين أو أفغانستان أو العراق أو الصومال أو الشيشان أو كشمير أو باكستان أواليمن وغيرها من مواطن الصراع بين جحافل الإيمان وقطعان الكفران في هذا العالم الواسع , قال الله تعالى:" هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" [محمد : 38].


ولا ننسى أن إنفاق المال لنصرة الدين جهاد في سبيل الله , قدم الله ذكره على ذكر الجهاد بالنفس في جل آيات القرآن , قال الله تعالى :" لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [التوبة : 88].


[الراضي بالشيء كفاعله والجدار الفولاذي]


كثير من الناس لا يشارك في بناء هذا الجدار لا بالمال ولا بالجهد البدني ولا بالقرار ولكنه راض منشكح الصدر بهذا الجدار , فما هو تقويم الشرع لمثل هذا الإنسان ؟ فنقول وبالله التوفيق : لقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الراضي بالشيء كفاعله , فالراضي بالكفر كافر والراضي بالمنكر كفاعله والراضي بالجدار كمن بناه أو ساهم في بنائه , قال الله تعالى:" وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً" [النساء : 140] , وأخرج أبو داوود في سننه من حديث العرس بن عميرة الكندي أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:" إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها , وقال مرة: "أنكرها" كان كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها " , أخرج الترمذي في سننه من حديث كبشة الأنماري أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:" إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو نيته فأجرها سواء وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقى في ربه ولا يصل في رحمه ولا يعلم الله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء " , وأخرج البخاري من حديث عمر بن الخطاب أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :"إنما الأعمال بالنيات".


[مواقف الناس من الجدار]


1ـ صامت ولكنه مؤيد للجدار فحكمه ما سبق بيانه من أن الراضي بالشيء كفاعله .


2ـ صامت ولكنه رافض للجدار لا يستطيع حقا إعلان رفضه بسبب جبروت الأنظمة الحاكمة فهذا مأجور لأنه أنكر المنكر بأقل درجات الإنكار وهي الإنكار بالقلب , أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أن الرسول قال :" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ".


3ـ متكلم كلاما يفيد عن موافقته عن بناء الجدار فهذا آثم آثم آثم لما يستلزمه هذا الجدار من انتهاك لحقوق الأخوة الإسلامية بين شعب غزة وشعب مصر ولواجب النصرة , قال الله تعالى:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" [الحجرات : 10], وقال:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" [الأنفال : 72].


وإن المصيبة لتعظم بشكل غير محدود إذا كان تأييد الجدار من أناس ينتسبون إلى العلم الشرعي , يؤيدون الجدار لإرضاء الساسة ونسو رضى رب الساسة والسياسة , حقا: إن مثل هؤلاء هم بلاعمة العصر وماسحو الأحذية وأنصار الطاغوت , الذين باعوا الدين بالدنيا , قال الله تعالى:"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176)" [الأعراف].


4ـ متكلم بكلام يندد بالجدار ويرفض بناءه وهذا الكلام هو جهر بحق أمرنا الله أن لا نكتمه , قال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" [البقرة : 159], وأخرج الترمذي في صحيحه من حديث أبي هريرة أن الرسول قال:" من سئل عن علم ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ".


[السيادة والجدار]


من الأسباب التي احتجت بها حكومة مصر لبناء الجدار أنها صاحبة سيادة على أراضيها ولها كامل الحرية أن تفعل ما تشاء , وما علم هؤلاء أن سيادتهم لاغية أمام سيادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ والذي لا يرضى عن مثل هذا الجدار الذي يهلك الحرث والنسل , أخرج النسائي في سننه عن مطرف قال قال أبى :" انطلقت في وفد بنى عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أنت سيدنا قال السيد الله" , وأن السيادة في الدول التي يقطنها مسلمون هي للإسلام والشرع لا لغيره , أخرج الدارقطني في سننه عن عائذ بن عمرو المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" الإسلام يعلو ولا يعلى" , وماذا سيكون قول حكومة مصر لو رفضت جاراتها إدخال البضائع لها بحجة أن له سيادة على أرضها ؟!!! وماذا ستقول لو منعوا ماء النيل عنهم بحجة هذه السيادة؟!!! , وأين هذه السيادة من دولة يهود ؟!!!


أم الأمر كما قال الشاعر:


أسد علي وفي الحروب نعامة *** فتخاء تصفر من صفير الصافر.


[تشابهت القلوب فتشابهت الأفعال]


سياسة بناء الجدر هي سياسة يهودية سواء في القديم أم في الحديث , قال الله تعالى عن ذلك :" لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ" [الحشر : 14] , وها هم اليهود يبنون في الضفة الغربية جدار الفصل العنصري الذي يطوق ويحاصر شعب فلسطين , في الوقت ذاته تبني حكومة مصر الجدار الفولاذي على الحدود مع غزة لخنق وحصار شعب غزة , ألم تتشابه الأفعال؟ أليس ذلك دليل على تشابه القلوب؟ , قال الله تعالى:" وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [البقرة : 118].


[سايكس بيكو والجدار]


وبعد أن سقطت الدولة العثمانية اجتمع الصليبيون للتفكير في وسيلة للقضاء على قيام أي دولة سنية في مقبل الأيام وكان من أهم الوسائل لمنع قيام الدولة هي ترسيم الحدود وفصل دول الإسلام بعضها عن بعض , وفي الإسلام لا وجود لمثل هذه الحدود فكل وطن يقطنه ويتحكم فيه المسلمون فهو وطن لكل مسلم , لأننا أبناء أمة واحدة فالإله واحد والدين واحد والرسول واحد والأصل واحد , قال الله تعالى:" إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء : 92] , والجدار جاء لترسيخ الفصل بين شعب غزة المسلم وشعب مصر وهو بهذا ترسيخ لورم صليبي وخدمة لمشروع صهيوني .


ولكن أملنا في الله أن يزول الجدار والحدود وأن ينهار بنيان الباطل , مصداقا لقول الله تعالى:"أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [التوبة : 109].


[معية الله والجدار الفولاذي]


لا يخفى على مسلم الحرب الضروس التي يشنها التحالف الصهيوصليبي على الإسلام وأهله وفي كافة الأمصار والأقطار ومنها غزة , ومع قلة العدد والعدة إلا أنه لا ضيعة لنا إذا ما اعتصمنا بربنا وحصلنا على معيته , وإذا كان الله معنا فمن ضدنا وإذا كان الله ضدنا فمن معنا , وهذه بعض السبل للحصول على معية الله :


1ـ لنلتزم الصبر لنحصل على معية الله , قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" [البقرة : 153].


2ـ لنلتزم الإيمان عقيدة وقولا وعملا لنحصل على معية الله ذلكم السلاح القاهر لكل القوى الفاجرة الكافرة , قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" [البقرة : 153].


3ـ لنلتزم الاستغفار وملازمة سنة النبي المختار لنحصل على معية الله , قال الله تعالى:" وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" [الأنفال : 33].


4ـ لنلتزم التقوى وهي خوف من الجليل وعمل بالتنزيل ورضا بالقليل واستعداد ليوم الرحيل لنحصل على معية الله , قال الله تعالى:" وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" [التوبة : 36].


5ـ لنلتزم الإحسان وهو بالنسبة لله أن تعبده كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ومع الناس أن تحسن إلى من أساء إليك لنحصل على معية الله , قال الله تعالى:" إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النحل : 128].


وحق على من حصل على معية الله أن ينصره , قال الله تعالى:" إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "[التوبة : 40].


وحق على من حصل على معية الله أن لا يضعف ولا يهون في وجه الضغوط الكافرة عليه , قال الله تعالى:" فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد : 35].


وفي النهاية أقول هل أصبح شعب غزة كيأجوج ومأجوج حتى يبنى على حدودهم مع مصر جدارا , قال الله تعالى:" حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)"(الكهف) , ولكننا نقول لحكومة مصر ومن وراءها من ملل الكفر :لسنا يأجوج ومأجوج ولستم الإسكندر , والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


والحمد لله رب العالمين على التسديد والتوفيق


24 محرم 1431هـ


10|1 |2010م