تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : «هرطقات» القاعــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــدة!



ابوخالد عبدالله
01-04-2010, 01:32 AM
«هرطقات»
القاعــدة!



http://www.hdrmut.net/vb/imgcache/2/47585alsh3er.jpg (http://www.hdrmut.net/vb/imgcache/2/47585alsh3er.jpg)




صباح يوم جمعة (25/12/2009)؛ هبطت طائرة ركاب مدنية قادمة من مطار أمستردام في هولندا أرض مطار ديترويت حاملة على متنها 278 راكبا إثر محاولة تفجيرها جوا. وفي 28/12/2009 تبنى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب محاولة التفجير في بيان أصدره رفقة صور خاصة لمنفذ الهجوم النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب، نشرتها مؤسسة الملاحم الإعلامية التابعة للتنظيم. وخلال الأيام الأربعة الفارقة بين وقوع الهجوم وتبنيه عاشت الولايات المتحدة والدول الغربية حالة من التخبط الأمني والسياسي على كل المستويات وصلت إلى حد الصدمة.

وقبل أن تبدأ تصريحات الترقيع تشق طريقها إلى وسائل الإعلام بكثافة، بعد تبني القاعدة المسؤولية عن العملية، تقاذف المسؤولون الأمنيون والسياسيون الاتهامات في كل اتجاه؛ ابتداء من لحظة الهبوط الاضطراري وانتهاء بمسؤولية أجهزة الأمن والمراقبة والهجرة في لندن وأمستردام وواشنطن، وكل يتساءل مذهولا: كيف؟ كل هؤلاء وغيرهم في العالم أجمع يعترفون بالفشل والتقصير وحجم الكارثة، ويطالبون بإعادة النظر في الإجراءات الأمنية، وتجديد لوائح المطلوبين، وتحديد المسؤولية والمسؤولين عن الخلل وإعادة النظر بفحص المطارات وإجراءاتها الأمنية في عدد من الدول حتى لو تطلب الأمر تحويل المسافرين إلى عراة تحت الفحص الأمني.

من المفهوم أن التعبير عن الغضب والحنق عند الغرب يتخذ طابعا مهنيا مهما تأججت المشاعر العاطفية، بينما يبدو الأمر على النقيض حين يكون بمواصفات عربية، حتى لو صدر عن دبلوماسي في وزارة الخارجية اليمنية علق في تصريح لوكالة الأنباء اليمنية (29/12/2009) على تهديدات القاعدة بالقول: « إن ما جاء في بيان هذا التنظيم الإرهابي هرطقات وتهديدات سخيفة جوفاء لا تستحق عناء الرد»! ومن الواضح أن التصريح عبّر عن قمة الغضب، لكنه بلغة مهنية ليس سوى الهرطقة بحد ذاتها.

بالمقاييس المنطقية فقد أُعدت العملية ونُسقت ونُفذت بهدف إيقاع خسائر بشرية كبيرة في ظروف معينة تكون لها تداعيات كارثية على كل مستوى سياسي وأمني واجتماعي واقتصادي وعسكري ... . لكن العملية بهذا المقياس فشلت كون الانفجار تقنيا لم يكتمل بحسب بيان القاعدة. والسؤال هو: إذا كان الركاب قد نجحوا في السيطرة على الموقف داخل الطائرة، ونجوا من موت محقق؛ فهل نجت تداعيات الحدث من الانفجار؟ الجواب قطعا بالنفي. إذ أن للحدث دلالات بالغة العمق والخطورة كما سنرى تاليا في سلسلة من الملاحظات.

خطوة أو اثنتين

تُذكِّر عملية الطائرة بتلك العملية التي نفذها عبد الله حسن العسيري من قاعدة الجزيرة في 27/8/2009، واستهدفت الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية. ففي العمليتين استخدمت القاعدة شحنات متفجرة صغيرة جدا فضلا عن تقنيات إخفاء لم تكن معهودة من قبل. ومع أن الهدف المباشر لم يتحقق من كلا العمليتين إلا أنهما حققتا اختراقا أمنيا مرعبا ومفاجئا لم يخطر على بال أحد. وكان من الممكن أن تكون العملية الأولى بمثابة ناقوس تحذير يدق أبواب أجهزة الأمن في العالم أجمع، لكن مثل هذا الأمر لم يحصل، والدليل على ذلك أنه لو حصل لما هاجمت القاعدة بنفس الطريقة تقريبا، ولما وقع الاختراق الثاني، ولما اضطر ركاب الطائرة للتدخل لإنقاذ أنفسهم. بل أنه وحتى هذه اللحظة لا تتوفر أية رواية قاطعة على الطريقة التي تم فيها إخفاء الشحنات المتفجرة ولا الآلية التي تم بموجبها اختراق أجهزة الأمن. وكل ما هنالك، حتى هذه اللحظة، مجرد تصريحات وتخمينات وتحليلات لا تختلف عما نفعله في هذه المقالة وغيرها. وهذا يعني بالتأكيد فشل أمني ذريع مثلما يعني أيضا أن القاعدة غدت متقدمة بخطوة أو أكثر على المستوى الأمني العالمي شاءت أجهزة الأمن أم أبت.

عناد لا يتوقف

أما الملاحظة الثانية، فهي أسوأ من سابقتها بالنسبة لخصوم القاعدة. وتكمن في كون هذه الأخيرة عازمة، وبعناد، على تطوير قدراتها الأمنية والتقنية، وماضية في حربها بلا هوادة. قد تكون فشلت في تحقيق الهدف المباشر في المرتين السابقتين، وهذا وارد، لكنها ليست في مرحلة اقتناص الفرص بقدر ما تبدو في مرحلة التنقيب والتطوير والدراسة والبحث العلمي والتصنيع وتجاوز العقبات التقنية والأمنية. ففي بيانها حول تفجير الطائرة تحدثت القاعدة بوضوح عن:

• وجود: « قسم تصنيع؛
• وعن جهد: « توصل ... إلى عبوة ذات تقنية متطورة ... تم تجربتها ... وثبت نجاحها وفاعليتها»؛
• وعن فحص العبوة أمنيا عبر: « تمريرها على أجهزة الكشف؛
• وعن وصول المنفذ: « إلى هدفه»؛
• وعن: « خلل فني أدى إلى عدم الانفجار الكامل»؛
• مع الوعد بأنها ستواصل الطريق: « ... حتى نصل لما نريد».

والسؤال هنا ليس عن قيمة الإجراءات الأمنية، ولا عن السلاح المستخدم، ولا عمّن تم تجنيده وأين، ولماذا؟ وكيف؟؛ بل: ما هي خطط القاعدة؟ وما هو رصيدها من الأمن والفاعلية؟ وأين ستضرب؟ وما هي نوع الأسلحة التي يمكن أن تستعملها مستقبلا إذا استمرت بهذا العزم والإصرار على محاربة الغرب وحلفائه؟



http://www.hdrmut.net/vb/imgcache/2/47586alsh3er.jpg (http://www.hdrmut.net/vb/imgcache/2/47586alsh3er.jpg)


تمركز جديد للقاعدة

في الملاحظة الثالثة تبدو القاعدة عازمة، وبعناد أيضا، على استئناف خوض حربها في المركز وليس في الأطراف فقط. ومع ذلك فإن القول بأن اليمن مقبلة، مستقبلا، على لعب الدور المركزي للقاعدة على المستوى الدولي والإقليمي مسألة ليست ببعيدة عن طريقة القاعدة في العمل خاصة في ظل تجربة العراق، لكنها تحتاج إلى التأني قليلا رغم أن المؤشرات الأولى تدل على ذلك. هذه الخلاصة تمثل تأشيرة مرور شرعية للتساؤل التالي: هل نجحت اليمن، كمأوى جديد للقاعدة، في الإفلات من العقال الأمريكي – السعودي التاريخي؟ يبدو الأمر كذلك. والدليل على ذلك ما ورد في البيان ذاته. فالقاعدة، من جنوب الجزيرة، هذه المرة، وليس من أفغانستان، هي من تبنى محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف؛ وهي من تبنى عملية الطائرة؛ وهي التي تتحدث الآن عن مسألة الأمن العالمي باعتباره معادلة متبادلة وليس بن لادن والظواهري وأبو اليزيد وغيرهم من رموز القاعدة وقياداتها. فقد ورد في بيان «الهرطقة» كما وصفه مسؤول يمني رسالة تهديد للأمريكيين بلغة صريحة، لا تصدر إلا عن القاعدة. أما التهديد فيقول: « بما أنكم تدعمون قادتكم وتقفون خلفهم في قتل نساءنا وأطفالنا، فابشروا بما يسوؤكم فقد جئناكم بالذبح وأعددنا لكم رجالاً يحبون الموت كما تحبون الحياة، وبإذن الله سنأتيكم بما لا قِبل لكم به، فكما تقتلون تُقتلون وإن غداً لناظره قريب».

أهداف منتقاة بعناية فائقة

تكشف رابع الملاحظات عن أن العمليات الخارجية والجديدة للقاعدة تؤشر على نوع من الأهداف مختلف عما سبق. فاستهداف الأمير محمد بن نايف هو استهداف في مستوى النخبة وليس استهدافا عاما لضباط أو مؤسسات أو حتى لمنشئات ومصالح أمريكية، كما أنه استهداف في مستوى القمة لدولة تكن القاعدة لحكامها عداء خاصا. وذات الأمر يمكن ملاحظته فيما يتعلق بطائرة ديترويت حيث المستهدف هو الولايات المتحدة بالتحديد وعلى أرضها وليس في هولندا ولا في الجو!

هذا يؤشر على أن القاعدة لم تعد تختار نخبة أهدافها فقط بل وألد أعدائها أيضا. وهذا تحد غير مسبوق في نمط التفكير العسكري للقاعدة، ولا شك أن عواقبه لن تسرّ الخصوم. فقد اختارت الأصعب والأعقد والأهم رغم أنه كان بإمكانها، بما تمتلكه من تقنيات وقدرات أمنية، أن تخترق أماكن حساسة أيضا لكنها أسهل من أن تفكر بشخصية في مستوى الأمير محمد أو تتجشم عناء اقتحام وسائل نقل تحظى بمراقبة أمنية بالغة الخطورة. إذ أن اختيار مثل هذه الأهداف يلزمها باجتياز أكثر من حاجز أو عقبة. فلماذا تغامر إذا كان باستطاعتها الوصول لما هو أسهل لاسيما وأن قدراتها اللوجستية في الإعداد والمراقبة والتنسيق والتنفيذ ليست بالقليلة في ضوء النجاح في الوصول إلى الأهداف؟! وما الذي تريد تحقيقه بالضبط من هكذا استراتيجيات؟ سؤال بغيض لن يستطيع المستهدفون الاستخفاف به أو التهرب من الإجابة عليه.

القدرة على الردع

الحقيقة أن الملاحظة الخامسة هي الأشد خطورة فيما يتعلق بقدرات القاعدة وعزمها على استمرار حربها بلا هوادة. فما يراه المسؤول اليمني « هرطقات وتهديدات سخيفة جوفاء لا تستحق عناء الرد» هو ما ينبغي أن يتوقف عنده هو وغيره قبل أن تطاله بعض «هرطقات» القاعدة. فقد جاءت عملية الطائرة بحسب بيان القاعدة: « للرد مباشرة على العدوان الأمريكي الظالم على جزيرة العرب، وذلك بالتنسيق المباشر ... مع المجاهدين في جزيرة العرب عقب القصف الوحشي باستخدام القنابل العنقودية وصواريخ الكروز التي أطلقت من السفن الأمريكية المحتلة لخليج عدن، على قبائل اليمن الأبية في أبين وأرحب وأخيراً في شبوة، وقتلهم للعشرات من نساء وأطفال المسلمين وقد قُتلت أُسر بكاملها ... ».

وإذا كانت المحاولة ردا فعليا على هجمات أبين فهذا يعني قطعا أن القاعدة لها خلايا نائمة وآمنة تماما وقادرة على التحرك في أية لحظة يطلب منها، وهو ما نقلته بعض وسائل الإعلام عن مصادر أمنية قالت أن منفذ عملية الهجوم على الطائرة النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب قد اعترف بوجود آخرين مستعدون للعمل. وهنا ثمة مشكلة عويصة فعلا في الفهم. فهل كانت التهديدات التي وردت في شريط الاندماج (23/1/2009) بين جناحي القاعدة الشمالي والجنوبي للجزيرة هرطقات؟ وهل محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف وتفجير الطائرة من الهرطقات؟

بالتأكيد لم تكن كذلك ولا يجب النظر إليها بمثل هذه السفاهة حتى لو كانت تعبيرا عن غضب عارم. ولو أمعنا النظر في البيان لوجدنا أنه تحدث، لأول مرة، عن عمليات ردع وليس انتقام، وعن حرب ضروس كما وصفها أمنيون غربيون. بل أن البيان استعمل مصطلح « الحرب الشاملة» في استهداف « كل صليبي في جزيرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في البر والبحر والجو»، ولعل أغرب ما ورد فيه؛ تلك الفقرة المتعلقة بالثناء على نضال حسن ونهجه، ودعوة المجندين المسلمين في الجيوش الغربية إلى الاقتداء به، وهو الضابط الأمريكي الذي قتل في 3/12/2009 ثلاثة عشر عسكريا أمريكيا وجرح اثنين وأربعين آخرين حين أطلق نيران سلاحه على زملائه في قاعدة فورت هود العسكرية في ولاية تكساس الأمريكية. فمن المألوف أن القاعدة لا تتبنى أية جماعة مسلحة ولا حتى فردا؛ ما لم يحظ بتزكية عقدية أو أن يكون جزء من التنظيم. ولا شك أن وصفه بـ: « الأخ البطل المجاهد» لا يخلو من دلالة ما.

عقد قادم من الخوف

لا شك أن « هرطقات» القاعدة بالنسبة للمسؤولين اليمنيين أو بعضهم أعادت الأمريكيين والغرب وكل الخصوم إلى ما هو أسوأ من المربع الأول في الصراع، فما من أحد يستطيع القول، بعد الهجمات النوعية، أن القاعدة نائمة أو هزيلة أو يائسة أو في طريقها إلى التلاشي. والأصح أن الجميع يتفق على أنها باتت أخطر مما مضى. والعجيب في عمل القاعدة أنها سريعة في إعداد المخارج والخروج من الأزمات، فلما احتلت أفغانستان وطوردت القاعدة، كانت في العراق تنهض وتتصدر القيادة العالمية، وما أن أحست باجتماع الخصوم عليها حتى نقلت تجربتها وثقلها إلى أفغانستان والصومال، فانتعشت أيما انتعاش قبل أن تستعيد أنفاسها في العراق ثانية، لكن قاعدة الجزيرة بدت مستقرة أكثر من غيرها بعد توحدها ونقل مقر القيادة إلى الجنوب .. وها هي في موقع الصدارة اليوم محليا وإقليميا ودوليا. فإلى متى يستمر هذا الوضع؟ وما هي تداعياته؟ وما هي قدرات القاعدة على الصمود؟ أو ما هي قدرات الخصوم في الحد من اندفاعات القاعدة؟ قد نحصل على بعض الإجابات، لكن ليس خلال أيام .. ولا أشهر .. فكل ما لدينا مرحلة جديدة تذكر بـ 11 سبتمبر وقد تستمر إلى عشر سنوات قادمة في ظل مناخ من الخوف كما تقول مقالة رئس الحكومة البريطانية جوردون براون.


د. أكرم حجازي