تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الثبات..واجب فردي ام اجتماعي



فـاروق
12-26-2009, 08:19 PM
الثبات..واجب فردي ام اجتماعي


السلام عليكم ورحمة الله...

لا يخفى على أحد من المسلمين والمهتمين بالدعوة وشجونها ورسالتها ان الثبات على الحق و تركيز دعائم الايمان ركن اساس و أصل عظيم من اصول الدعوة الاسلامية.



ذاك ان اللحظة الايمانية المتولدة من صحوة فكر أو شحنة عاطفة أو شجاعة عارمة , لا بد لها من عناية تتداركها وتسرع لاحتضانها مثبتة فيها حلاوة اللحظة و صوابيتها ورافدة لها بآليات الدعم اللازمة لمواجهة الفتن و المكر والمضاعفات التي ستحاول بشتى الطرق أن تعصف بهذه اللحظة الايمانية لتقلب حالها و تخبي مفاعيلها.



بل ان الثبات و تأمين احتياجاته لا يعدو كونه عملا يوميا مستمرا الى ان تفضي الروح الى بارئها... وأن اللحظة الايمانية الاولى على روعتها وعظمتها وحلاوة ذكراها لا تكفي لتحصيل المراد الاساس من الايمان عينه.



وإن كان الامر كذلك... فلا بد من أن يفهم اهل الدعوة ..بل المسلمين عامتهم... اهمية احتضان "الطفل الايماني" لحظة ولادته و معاهدته بالرعاية اللازمة محافظة عليه واستثمارا له ليغدو شابا قويا يافعا لا تهزه الازمات ولا تعصف به الملمات...



ومما قد يضيع به البعض هو تصوير الايمان كأنه مسؤولية فردية بحتة لا يعدو الدخول فيه والخروج منه سوى قرار شخصي يتحمل المسؤولية فيه صاحبه فقط لا غير...




ورغم أن هذه النظرة قد تبدو سليمة للوهلة الاولى الا أنها غير مكتملة نظريا... وغير مجدية وفاعلة عمليا... وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتاريخ الاسلامي يؤكدان هذا.



إن المنظومة الاجتماعية والسياسية و الفكرية التي يسعى الاسلام لتحقيقها يكاد يكون هدفها الاول تأمين البيئة الحاضنة والملائمة للثبات وتوفير مقوماته وتذليل العقبات التي تعترض طريقه.



إن الله عز وجل خلق الانس لعبادته... والعبادة بالمفهوم الاولي هي تسليم المرء امره في شؤون حياته وحركاته وسكناته الى الله عز وجل وامتثال " افعل ولا تفعل". وهذه كلها اعمال فردية تتحقق بارادات و اعمال افراد.. فما هي الغاية من الاصرار على ايجاد نوع من النظام السياسي والاجتماعي والفكر المتبني لهذه المبادئ ؟!! قد لايكون الجواب الا "تأمين" مقومات الثبات ومتطلباته...مما يؤدي لا محالة الى تسهيل امر الدعوة وتسهيل امر الانضمام اليها وبالتالي تحقيق الفوز العظيم والنجاة للافراد...



من هنا كان الثبات الفردي مسؤولية الفرد و المجتمع المسلم معا... يحاسبون معا في حال تضييع الايمان... ولا يعفى احدهما بسبب تخاذل الاخر... فلا الفرد معذور في تخليه عن الايمان بسبب تخاذل المجتمع...ولا المجمتع خارج اطار المسؤولية عن ثبات الفرد على الايمان... هذا كله يتأكد أكثر وأكثر في زمن الفتن والاستضعاف...

ولكي نضيء على هذا المفهوم أكثر... سنتطرق الى امثلة من القرآن والسنة تؤكد ما ذهبنا اليه وتوضحه بشكل صريح:



1)المؤلفة قلوبهم:



إن التشريع الاسلامي اعتنى اشد العناية بالوافدين الجدد الى ظلاله. فكان الايمان خيارا فرديا مدفوعا بحجج وادلة ودعوات صادقة...وكان التلقف السريع للحظة التالية ...وتأليف القلوب احد اوجه هذا التلقف العظيم



وتأليف القلوب ليس انتقاصا من قدر الوافدين الجدد..ولا يجب ان ينظر اليه هكذا.. بل هو فهم دقيق لبعض الطبائع البشرية وحاجاتها في مجالات معينة لتأمين "هالة" الثبات والشعور بالامان وعدم الخضوع لهزات ارتدادية مدفوعة بالخوف او التردد او الضغط الاجتماعي.



وتأليف القلوب ورد بصيغة مالية...ولكن المفهوم يحتمل ان يترجم بصيغ عدة ( تأمين العمل..تأمين المسكن..تأمين الزواج)... بحيث يتم تلقف نقاط الضعف او الجذب لدى كل وافد جديد والعمل على تغطيتها وتأمينها...



ولعل قائل هنا يقول: ولكن عمر بن الخطاب الغى العمل بهذا البند... نجيبه بأن عمر ابتداء اوقف العمل بالالية في مرحلة ما ولم يلغ المفهوم اطلاقا...



في زمن عمر بن الخطاب كانت مقومات الثبات موجودة... والمجتمع الاسلامي قوي مترابط متوسع...والمسلمين في عزة وانفة...باختصار... مقومات الثبات موجودة... فكان اجتهاد الفاروق عمر بتجميد الالية احتراما للمفهوم الاصيل..كي لا يتحول الامر الى مجرد استرزاق مما يضرب اصالة واهمية الفكرة الاساس.



2)عمار بن ياسر:

إن قصة عمار بن ياسر اكبر دليل عملي على الفكرة وابعادها... بل هي دليل على ان المسؤولية الفردية تحتمل الرخص والتيسير حين غياب المقومات المادية للثبات..بمعنى آخر غياب القدرة العملية للمجمتع لممارسة مسؤولياته. فعمار كان في زمن الاستضعاف وغياب "الدولة" القصري و عدم تكوين المنظومة الاجتماعية الاسلامية التي تؤمن الحماية ومتطلبات الثبات... فرخص له بقول كلمة الكفر وهذه رخصة لا تصح الا في هكذا مكان..


ولم يأت التوبيخ الالهي لعمار قائلا: الا يكفيك قول نبيك لكم: صبرا فإن موعدكم الجنة!!... نقطة في غاية الاهمية... فقول النبي صلى الله عليه وسلم هو باب من ابواب الحث على الثبات ولكنه لا يحمل معه مقومات مادية عملية تعين عليه...



وهذا لا ينتقص من قدر المحتمع المسلم الاول لغياب القدرة والتكوين التنظيمي...لذا مجددا...جاءت الرخص الفردية... في الوقت الذي لم يرخص بالفرار وتولية العدو ظهورنا في اعتى حروب دولة المدينة المنورة الفرار...رغم ان موقف الحرب والرؤوس المتطايرة وبلوغ القلوب الحناجر اشد وطأة احيانا من التعذيب الجسدي ( النصر يأتي احيانا بالرعب...فالعامل النفسي مهم جدا ايضا).. لماذا ؟!!



لان مقومات الثبات كانت متوفرة للجيش المسلم في المدينة... للجيش كافراد وعائلات تخلفهم في المدينة... فأي تقاعس حينها سيكون ضعفا ايمانيا وقلة ثبات على الصعيد الفردي... ( فضلا طبعا على ان مثل هذه الاخطاء في الحروب لها انعكاسات خطيرة على معنويات الجيش)



الامر واضح اذا... حين تتأمن البيئة الاجتماعية الحاضنة تتضاعف المسؤولية الفردية... وحين غيابها يرخص للفرد وتتعاظم المسؤولية الاجتماعية ان كانت القدرة متوفرة.



ولكن الاسلام كان واضحا..بحيث اشار الى ان غياب الدعم الاجتماعي قد يرخص في الحالة "الصورية" للايمان ولكنه لا يرخص في الحالة "القلبية والاعتقادية". مجددا...هو التكامل بين المسؤولية الفردية والعامة



3)ابو جندل وابو بصير:

من اروع الصور التي تعين على توضيح الفكرة وترسيخها...وبالتالي تطبيقها في كل زمان ومكان.

صلح الحديبية كانت حقيقته وباطنه رحمة للمؤمنين الموحدين، وظاهره ظلم وتعد على المستضعفين الذين حيل بينهم وبين الهجرة إلى المدينة. عندما قال مفاوض المشركين في الحديبية ساعتئذ سهيل بن عمرو وكان مشركاً: "على أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا"، قال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟!



فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه، وقال: يا محمد، قد لجَّت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا؛ قال: "صدقت"، فجعل – سهيل – ينتره بتلبيبه ويجره، يعني يرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أرَدُّ إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ فزاد ذلك الناس على ما بهم؛

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم.



ما القضية هنا؟ القضية هي عجز قصري كامل للمجتمع المسلم عن تأمين مقومات الثبات العملية بأي طريقة او محاولة...عجز يعذر فيه المجتمع...ويطلب حينها من الفرد المسلم بذل اقصى الصبر والمثابرة... والله هو الحكم العدل ...



ولكن على المقلب الاخر... لم يتعلل المجتمع المسلم بالصلح المقيد له..ولم يركن الى الدعة والتخلي عن مسؤلياته في الحالات التي يمكن ان يقدم فيها شيئا... بل ان المجتمع حاول ان يجترح حلولا وابوابا جانبية ليمارس دوره في تأمين الثبات... وهنا جاءت قصة ابي بصير التي نعلمها كلنا... وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم سكوتا نبويا تعليميا عبقريا... يضفي الشرعية ويحفظ العهد في آن.... ويؤمن قبل كل هذا وبعده اسباب الثبات المادي للبعض والثبات المعنوي للبعض الاخر (من بقي محتجزا في مكة يسمع باخبار ابي بصير ومن معه ويمني النفس باللحاق بهم...فالحل قد وجد الان)



وبعد ان وضحت الصورة الان... وتبين الدور العظيم للمجتمع المسلم ..كان لا بد من نظرة لواقعنا المرير ووضع النقاط على الحروف واعادة التأكيد على ان المجتمع مسؤول عن تأمين مقومات الثبات لافراده... وان سقوط احدهم لا قدر الله..مسؤولية فردية اجتماعية مشتركة.

ومسؤولية المجتمع هي نوع من انواع فروض الكفاية... بحيث من غير المعقول ان يجلس كل امرء منتظرا بقية افراد المجتمع ان يقوموا بالمبادرة ..لانه في حال غياب هذا سيكون اول الاثمين.

ونحن اذ نعيش اليوم المرحلة المدنية على صعيد الافراد... (الاحكام واضحة بحق كل فرد والتشريع قد تم الخ الخ) الا اننا نعيش مزيجا من المكية والمدنية على صعيد المنظومة الكيانية او الاجتماعية... فالجاهلية بصور عدة متفشية... والاستضعاف و الافتقار الى مقومات القوة امر واضح جلي...ولكن فرص الخروج من هذه الحالة ممكنة...والمقدرات المادية لعملية النهوض متوفرة....



من هنا كان لا بد لفئة رائدة من المجتمع ان تتصدر للنهوض بالكينونة المسلمة ..مستعدة بذلك لتحمل صعاب المرحلة المكية...واضعة نصب عينيها المنظومة المدنية وما تشكلة تاليا من حالة ثبات للكل... ومنظومة أمان للخائفين المترددين.



إن هذه الفئة الرائدة لن تنزل من السماء... ولن تتشكل الا حين يتم رفض القبول بالواقع المعاش وبقيود التقاليد.. رفضا واعيا منتجا...وليس رفضا غوغائيا مدمرا...



إن الاعتراف بقساوة المرحلة الآنية لا يمكن ان يكون مدخلا الى القبول بها او التنحي عن تولي المسؤولية...فإن سنة الله في هذه الحياة تقتضي ان تضحي كوكبة من المسلمين بالغالي والنفيس لتعوض النقص الذي سببه تقاعس الاجداد مما ادى الى وضع راهن قاس.



وإن لم يكن المسلمون من اصحاب العلم والثقافة و المال ااوئل هذه الكوكبة..فمن تراه يكون ؟

قد لا يكون الامر بسيطا او سهل المنال... ولم يدع احد ذلك... ولكن الاعتراف بمسؤولية المجتمع المسلم الحالي عن معاناة كل محتاج لمقومات الثبات... هذا الاعتراف.. هو اول الغيث... وأول الطريق

والله ولي التوفيق

فاروق

من هناك
12-27-2009, 07:13 AM
السلام عليكم،
جزاك الله خيراً اخي فاروق على هذه اللفتة المهمة جداً والمميزة جداً. اريد ان اكون صريحاً في اول الطريق معك واخبرك انني اضطررت لإعادة القراءة اكثر من مرة لفهم المقصود لأنني فقدت وجهة المقالة في منتصفها ولكن في آخر المقالة عدت للتركيز اكثر.

الإيمان طبعاً مسؤولية شخصية تتركز في قلب الإنسان ويصدقها العمل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. بما ان مراقبة العمل وصلاحه قد يكون مسؤولية جماعية، يمكننا ان نستنتج ان للإيمان إطاراً جماعياً. لكن معظم الآثار التي تتكلم عن الإيمان وعن الثبات تخاطب الفرد اكثر مما تخاطب المجتمع.

المسألة الأخرى التي وجدتها في مقالتك هي إطلاق الاحكام على بعض الوقائع بدون دليل واضح. مثلاً، إيقاف عمر رضي الله عنه لعملية تأليف القلوب. لعل تفسيرك مقارب للحقيقة ولكنه قد لا يفسر الحقيقة كاملة. كما ان كلامك عن المراحل (مكية ومدنية) ليس مدعماً بالأدلة ايضاً او بكلام آخرين.

لكن مقاربتك للمسؤولية عن الثبات مقاربة جديدة تماماً وفيها ابتكار دعوي مهم جداً. لكنني لم ارى بوضوح العلاقة بين الثبات وبين ظهور الفئة الرائدة التي ستنقل الأمة من حال إلى حال. مع ذلك، فإن فكرة الثورة الهادئة والراشدة مهمة جداً جداً لبناء مستقبل الأمة لأن التغيير لن يأتي إلا بقلب منظومة المفاهيم الإجتماعية والمنظومة السياسية ايضاً.

السؤال الذي سيأتي الآن هو من الذي سيبدأ هذه الثورة: هل هي المجموعة او الفرد؟
انت تظن ان اصحاب العلم والمال هم من سيطلقوا شرارة هذه الثورة المنظمة ولكنني اميل لمخالفتك ايضاً اخي فاروق لأن الثورات بحاجة لدم حام وانت تعرف ان اصحاب المال تبرد دماؤهم بسبب خوفهم على الدنيا إلا من رحم ربي (وهؤلاء قلة لا يكفون لإشعال ثورة شاملة). كما ان اصحاب العلم يقعون في فخ التحليل الدائم والنظر المنطقي لكل شيء بحسب ما قرأوه (وهو من الماضي) فيؤدي هذا بهم لرفض فكرة الثورة من اصلها لأنه لم يجدوها في مراجعهم.

لكن اصحاب العلم قادرون على تحفيز الشباب اصحاب الدم الحامي للسعي لبناء الأسس الأولية لإطلاق الفئة الرائدة وقد يكونوا من اول من يحمل لواءها ايضاً. اصحاب المال لهم دورهم ولا شك في كل هذا.

ولكن هل تكون البداية من اعتراف المجتمع بضرورة تأمين متطلبات الثبات؟ اسمح لي بأن اخالفك مرة اخرى لأن الضروري في هذه المرحلة هو تأمين متطلبات الدعوة الصحيحة وبعد ذلك يجب على المجتمع حل مشكلة من يحتاج للثبات ومن يعاني مع الثبات ايضاً.

ختاماً، المسألة متعلقة بالأولويات الحياتية للفرد المسلم او للمجتمع المسلم. انت ترى ان الثبات هو الأولوية وهذا صحيح للفئة الملتزمة التي قد تمسك الجمر يوماً ما. لكن الأولوية الأكبر للأغلبية هي إعادة غير الملتزمين إلى المجتمع المسلم.

جزاك الله خيراً وننتظر المزيد من الإخوة والاخوات.

فـاروق
12-27-2009, 10:34 AM
وعليكم السلام ورحمة الله

جزاك الله خيرا اخي بلال على التفاعل واغناء الموضوع برأيك.

وشكرا لك على صراحتك... واتمنى لو تشير علي اين يمكن ان اجري تعديلا يحسن من تماسك المقال... اذ اني كتبته على عجالة تتصارع فيها الافكار وتتكاثر....واحاول في الوقت ذاته ان اضبطها لكي لا يطول المقال ويستعصي على القراءة.

ثانيا.. اسمح لي ان اعلق وارد على بعض ما جاء في ردك...
1) كلامك صحيح تماما بان معظم الكلام الذي جاء عن الثبات توجه للفرد... ذاك ان الثبات الفردي مطلوب في كل الظروف ولا يمكن ان يغيب حتى في الظروف القسرية ( يبقى ثبات القلب..وان رخص في الحالة الصورية). من هنا كان التأكيد على الحالة الفردية لان الميزان يوم القيامة لكل فرد بعينه. ولكن هذا دفع البعض ربما ان يتناسى اهمية ودور المسؤولية العامة. لذا كان المقال

2) بخصوص الاحكام المطلقة... هي طبعا رأي الشخصي وقراءتي الشخصية للاحداث... واراها لا تخرج عن الحقيقة وان لم تكن تمثل كل الحقيقة... وهناك كتاب قرأته في السابق عن مراجعات الفاروق..لاحد مشايخ الازهر السابقين لعله يشير الى الحالة من زاوية مشابهة. اما قضية المكية والمدنية...فهي جدال قديم جديد..لم ارد ان اخوض فيه بالتفصيل لكي لا تضيع وجهة المقال.. ولكني اردت ان اشير اليه بما اراه منطقيا...والبحث في القضية قد يكون في موضوع اخر

3) لقد ركزت اخي بلال في المقال على ان توفير مناخ الثبات باب اساسي مهم في تحفيز الناس للدخول الى الاسلام والالتزام... اذ انهم سيرون المنعة والتماسك و التعاضد بين المجتمع المسلم وهو ما سيزيل حالة الخوف والرهبة و الخشية من نفوسهم.

الاولوية اخي بلال..هي ان نجذب المقتنعين الخائفين....ثم اقناع الباقين... في نفس الوقت الذي نحصن فيه الجسم المسلم من الداخل.

المشكلة اخي بلال... هي ان المجتمع حتى وان نجح في حالات دعوية بمجهود فردي... يفشل في تأمين متطلبات الثبات ... وهذا امر خطير.. ان فشل المجتمع المسلم الملتزم في كسر هالة الخوف من التقاليد وسلطة المجتمع ستبقى كل المحاولات الدعوية على عظمتها ..محاول لتوسيع السجن الداخلي الذي تعيشه مجتمعاتنا... ( هذا لا يعني ان توقف الدعوة... اعتقد ان قصدي واضح)

أما بخصوص من سيطلق الشرارة..اوافقك الرأي... ولكني قصدت ان المسؤولية تقع اولا على العقلاء..اصحاب العلم... وعلى اصحاب المال...و على اصحاب القدرة.... اذ يجب ان يناط بهم حث الشباب وتوجيهم وتأمين المتطلبات المادية والمعنوية لحركة التغيير الاجتماعية.


جزاك الله خيرا مجددا على اثراء النقاش.... وانتظر اراء الاخوة والاخوات... وتعليقك طبعا ( احسن ما تفكر عم اعمل ارهاب فكري عليك :) )

سائر في رحاب الله
12-27-2009, 01:57 PM
مجهود تشكر عليه أخ فاروق ......

إسمحوا لي بهذا التعقيب ..... وأتمنى أن تصححوا لي إذا ما أخطأت ......



لقد تناولتم في مقالكم أن الثبات على الإيمان هو مسؤولية تكاملية بين الفرد والمجتمع ..... أما مقدار المجهود الذي يجب أن يبذله الفرد أو المجتمع لتحقيق معنى التكامل ..... فهو يختلف من زمان إلى آخر بإختلاف المقومات الموجودة ..... ففي المجتمع المكي كان الفرد مطالباً بدفع ثمن باهظ من نفسه لتحقيق معنى الثبات .... ذلك أن البيئة الحاضنة لهذا الثبات لم تكن قد ولدت بعد ..... بل كانت معدومة الوجود ....
أما في الحالة المدنية .... فالفرد المسلم سيدفع ثمنا أقل من أجل الثبات .... ذلك أن البيئة الحاضنة ستساعده وتمده بالقوة والمعنويات وتساهم معه في توفير المقومات اللازمة للثبات الإيماني ......

لنعقد هذه المقارنة .....

في العصر المكي ... تعرض المسلمون الأوائل لشتى أنواع التعذيب ..... ولم يكن لهم من بيئة حاضنة تنصرهم وتعمل على توفير المقومات من أجل ثباتهم .... هنا كان لا بد من تقوية معنى الثبات الفردي من قبل الرسول عليه الصلاة والسلام .... فلهذا عندما جاء إليه الصحابي الجليل خباب بالأرت وقال له ..... يا رسول الله، ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال له رسول الله ..... قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ..... ليتمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون .....

ألم يكن بمقدور الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعو الله له ..... بلى كان بمقدوره .... ولكن الرسول لم يفعل ذلك بل إن جوابه هو لتقوية النفوس وشحذ الهمم وبث روح الثبات الفردي في خباب .... فعقد له مقارنة مع أقوام قد خلت وبين له أن الواجب الآن هو واجب فردي في التضحية ....
إذاً هناك عجز كامل للمجتمع الإسلامي .... فتقع كل الأثقال على عاتق الفرد .... إلى أن يقضي الله أمراً مفعولا .....

ثم للننتقل بخيالنا إلى مرحلة الهجرة النبوية .... حيث نرى أن الهجرة لم تكن تهرباً أو فراراً من مكة .... بل كانت من أجل إيجاد أرض خصبة ... يعني بيئة حاضنة على حد قول الأخ فاروق .... هذه الأرض الخصبة تصلح من أجل إقامة حكومة إسلامية ومجتمع إسلامي ..... كما أن هذه الأرض تعمل على إيجاد مقومات الثبات الإيماني للفرد ...... فتتنتشر الدعوة الإسلامية بسهولة وأريحية لم تكن لتجدها هذه الدعوة لو أن المسلمين بقوا في مكة مضطهدين ...... إذاً الهجرة من إحدى معانيها هي إيجاد أرض خصبة معينة على الثبات الإيماني ..... لكن مع الإنتباه إلى أن هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعني نسيانه لمكة بل كان من أشد المتعلقين بها ...ويظهر ذلك من خلال وداعه الحزين لمكة حيث قال ..... والله والله انك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت .....

أتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال فكرتي .... هذا و ما كان من صواب فمن الله وحده و ما كان من زلل أو خطأ أو نسيان فمني و من الشيطان , و الله و رسوله منه براء .....

فـاروق
12-27-2009, 02:33 PM
جزاك الله خيرا اخي سائر... نقطة ولفتة مهمة تساهم في شرح ما وددت تبيانه... وهذا ما قصدته بقضية مدنية الحالة الفردية ومكية الحالة الاجتماعية

على الصعيد الفردي ممارسة شعائر الاسلام الفردية متوفرة...والاحكام الفردية تتطبق بكاملها ولا عذر فييها... ولكن المجتمع يعيش نوعا من الجهل المكي... مع بقاء مسؤولياته التشريعية الاسلامية التي نزلت في العد المدني... من هنا جاء الخليط...

على كل لا اريد ان يتحول الموضوع الى جدال ما بين المكي والمدني...

لذا فلنركز على لب القضية واراء الاخوة والاخوات...

جزاك الله خيرا على المشاركة القيمة اخي سائر

فـاروق
01-03-2010, 02:50 PM
للامانة,..

راجعت الكتاب للشيخ محمد المدني الذي يتكلم عن مراجعات الفاروق.. وللامانه لم يوصف قصة المؤلفة قلوبهم بالتوصيف الذي ذكرته انا... فاقتضى التوضيح

ولكني ما زلت ارى ان توصيفي قد يصيب شيئا من الحقيقة...وقد يكون تفسيرا من زاوية اخرى....

على كل الهدف الاساس هو ان يعي الانسان انه مسؤول عن "ثبات" اخيه ما دام يملك مقومات ذلك...

من هناك
01-03-2010, 04:59 PM
وشكرا لك على صراحتك... واتمنى لو تشير علي اين يمكن ان اجري تعديلا يحسن من تماسك المقال... اذ اني كتبته على عجالة تتصارع فيها الافكار وتتكاثر....واحاول في الوقت ذاته ان اضبطها لكي لا يطول المقال ويستعصي على القراءة.
الموضوع الرئيسي هو الثبات ولكن في وسط الموضوع، تتحول البوصلة في اكثر من اتجاه. يمكنك ان تعدل المقطع ما قبل مناقشة المؤلفة قلوبهم كي تحافظ على شريط الأفكار..


ولكن هذا دفع البعض ربما ان يتناسى اهمية ودور المسؤولية العامة. لذا كان المقال
لكل دور والمسؤولية العامة اخطر من المسؤولية الشخصية لأن المسؤول يحمل وزره ووزر من هو مسؤول عنهم. انا اوافقك تماماً. لكن قصدي هو ان الفرد مسؤول عن ايمانه وثباته على الإيمان والمجموعة مسؤولة عن توفير بيئة حاضنة لهذا الفرد كي يسهل عليه الحفاظ على ايمانه.


2) بخصوص الاحكام المطلقة... هي طبعا رأي الشخصي وقراءتي الشخصية للاحداث... واراها لا تخرج عن الحقيقة وان لم تكن تمثل كل الحقيقة... وهناك كتاب قرأته في السابق عن مراجعات الفاروق..لاحد مشايخ الازهر السابقين لعله يشير الى الحالة من زاوية مشابهة. اما قضية المكية والمدنية...فهي جدال قديم جديد..لم ارد ان اخوض فيه بالتفصيل لكي لا تضيع وجهة المقال.. ولكني اردت ان اشير اليه بما اراه منطقيا...والبحث في القضية قد يكون في موضوع اخر
ولو كان الرأي شخصياً ولكن اطلاق الأحكام ليس شخصياً لأننا نحكم على حالة ما او على شخص ما خارج دائرتنا الشخصية. لذلك كان موضوع التأصيل مهماً جداً في الإسلام ولا بد من الإعتماد على الدليل اكثر من الإعتماد على الرأي الشخصي.

ولكن كما قلت، هذه امور خارج الموضوع وقد تضيع البوصلة وسأتخطاها كي نحافظ على مسار الموضوع حول الثبات الإيماني الفردي والجماعي.


الاولوية اخي بلال..هي ان نجذب المقتنعين الخائفين....ثم اقناع الباقين... في نفس الوقت الذي نحصن فيه الجسم المسلم من الداخل.
إن المقتنع الخائف ليس مقتنعاً. لعلك تقصد الشخص الذي يحب هذا الهدف ولكنه خائف من حمله ولو اقتنع 100% لأصبح في مكان افضل بكثير.
لذلك فإن الأولوية هي في ترسيخ مفهوم الإيمان في نفوس المسلمين وحثهم على الحفاظ على إيمانهم بأي طريقة ولو في غياب الإهتمام الجماعي بالثبات.

ستبقى كل المحاولات الدعوية على عظمتها ..محاول لتوسيع السجن الداخلي الذي تعيشه مجتمعاتنا... ( هذا لا يعني ان توقف الدعوة... اعتقد ان قصدي واضح)
إن توسعة السجن الداخلي هي افضل طريقة لكسر الطوق و"اكل العنب حبة حبة" وإن كان هناك من يريد التحرر فلا بد "للقيد ان ينكسر".

اذ يجب ان يناط بهم حث الشباب وتوجيهم وتأمين المتطلبات المادية والمعنوية لحركة التغيير الاجتماعية.
الأمر منوط بهم اصلاً ولكنهم نسوا مسؤوليتهم. لذلك لا بد من تحفيزهم لحمل المسؤولية وهذا اخطر عنصر ينقص دعوتنا. نحن لسنا بحاجة لإخبارهم ولإعطائهم مسؤولياتهم ولكننا بحاجة كبرى لإقناعهم بواجبهم وان الإسلام يؤتى من قبلهم. بعد ان يقتنعوا لا بد من تحفيزهم للقيام بالمسؤولية لأن القناعة قد تعيش في العقول ولا تنفذ على الأرض بسبب غياب الحافز المباشر. الله يعدهم فضلاً والناس تصدق هذا ولكن الأفعال تعكس مصداقية اكبر لل 1000 دولار التي يقبضها الموظف آخر الشهر وهذه المصداقية اكبر من البيت في الجنة لمن يقدم في سبيل الله.

قد نحاول ان نتخلص من هذه الثنائية الجدلية بإنكارها ولكن الأمر واقع في كل مكان ويصيب الجميع إلا من رحم الله.


( احسن ما تفكر عم اعمل ارهاب فكري عليك :) )
لا اظن انه يمكنك ان تمارس الرهاب الفكري علي. بعد بدك شوية تعب :)

إذاً الهجرة من إحدى معانيها هي إيجاد أرض خصبة معينة على الثبات الإيماني ..... لكن مع الإنتباه إلى أن هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعني نسيانه لمكة بل كان من أشد المتعلقين بها ...ويظهر ذلك من خلال وداعه الحزين لمكة حيث قال ..... والله والله انك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت .....

أتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال فكرتي .... هذا و ما كان من صواب فمن الله وحده و ما كان من زلل أو خطأ أو نسيان فمني و من الشيطان , و الله و رسوله منه براء .....
الفكرة وصلت يا اخي ولكن المشكلة انه لا هجرة بعد الفتح. صحيح اننا نترك بلداننا ولكن هذه الهجرة ليست كتلك. كما ان المقارنة لم تعد تنفع كثيراً في هذه الأيام حيث اصبحت الدول الإسلامية من اكثر الدول عداءاً لمن ثبت ايمانه وترسخ في نفسه.

الثبات اليوم مسؤولية الفرد سواء في دولة مسلمة او كافرة والحاضنة الإيمانية الجماعية ليست موجودة إلا في حالات ضيقة تكاد تكون فردية احياناً او يقودها بعض الأفراد. المطلوب والله اعلم هو نقل هذه الحالات الصغيرة هنا وهناك من مرحلة "الشتات" إلى مرحلة "التموضع والتماهي والإندماج" لتكبير الدائرة وتلاقح الأفكار بين هذه المجموعات المتنافرة هنا وهناك للوصول إلى مسؤولية اكبر في المجتمع.

على الصعيد الفردي ممارسة شعائر الاسلام الفردية متوفرة...والاحكام الفردية تتطبق بكاملها ولا عذر فييها... ولكن المجتمع يعيش نوعا من الجهل المكي... مع بقاء مسؤولياته التشريعية الاسلامية التي نزلت في العد المدني... من هنا جاء الخليط...
لا اظن ان ممارسة جميع الشعائر متوفرة في كل مكان. كما ان الأحكام لا تطبق كلها ولو انها فردية. بالنسبة للمجتمع، هو مجموعة من الأفراد وإن كان بعض الشعائر متوافراً لأفراد هذا المجتمع فلا بد ان المجتمع يعيش نفس النقص الذي يعيشه هؤلاء الأفراد ويتمتع بما يتمتعون به.

الخليط الذي تتحدث عنه يا اخي والضياع موجود على صعيد القمة والقاعدة على حد سواء.

فـاروق
01-03-2010, 06:19 PM
اخي بلال

انت تؤكد الفكرة في الوقت الذي تعارضها ان صح التعبير...

المسؤولية الفردية هي الاساس لانها موجودة في كل الظروف... ومطالب الانسان بها تحت وطأة اي ازمة... ولكن هذا لا يعني ان الهدف هو استنزاف المرء و تحميل الفرد مسؤولية اي تقصير تحت شعار المجتمع ليس سوى مجموعة افراد

في الوقت الذي ان المعادلة ليست مباشرة هكذا.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لاتتمنوا لقاء العدو...

ولكن حين وقوع الواقعة يحرم التولي و الهرب...

من هنا كانت المنظومة السياسية والاجتماعية الاسلامية تهدف اساسا الى تهيئة بيئة سهلة وحاضنة تتبلور فيها الشخصية المسلمة وتمارس فيها الشريعة بسهولة ولين ...

فقط حين انتفاء هذه البيئة يجب على الفرد نضاعفة الجهد لافتقاره لمن يعينه على الخير " ...اجر الواحد منهم كخمسين منكم... "

مشكلة بعض الملتزمين اليوم هو انهم يحبون الالم و العذاب... ويعتبرون ان الخلاص الفردي هو فقط الغاية... وانهم غير معنيين يايجاد البيئة الحاضنة للاسلام... ويطالبون الجميع ان يمارسوا نفس المجهود الذي يمارسونه...


انت ذكرت قصة ال1000 دولار وكونه ملموسا اكثر من بيت الجنة.... من هنا كانت الدعوة التي لديها ارض صلبة امضى في قلوب الناس... لان الشيطان لن يلج اليهم من باب الخوف على الرزق و الخوف من القمع والتعرض للنبذ الاجتماعي و غياب الاحتضان في النفس عينه

من غير المنطقي ان نطلب من المسلم الجديد ان يدخل الى الاسلام وهو يحارب الكون كله... ومن غير المنصف ان نقول عنه : انه غير مقتنع تماما.... ان في هذا نوع من القسوة والشدة في غير مكانهما...

مجددا خذ قضية المؤلفة قلوبهم... هل هم مسلمون درجة ثانية ؟ ماذا لو لم يتم تأليف قلوبهم تحت ستار " ليسوا مقتنعين 100% " ؟

المسلم يحرص على ان يدخل اخاه الانسان في الاسلام.... ويقتدي ببكاء النبي صلى الله عليه وسلم ان فرت نفس منه الى النار...

ابو سفيان... اعطاه الرسول ما تهدأ به نفسه يوم فتح مكة... ولم يقل له بعد كل هذا تريد مكانة وتريد وتريد... اما ان تؤمن واما اضرب راسك بالحيط...

اما قضية توسعة السجن ففيها نظر... فالسجناء اساسا يخضعون للسجان ونظامه... ويحاولون اسلمة بدائل... وليس الانقلاب على الواقع بذاته....

منذ بضعة عقود...المجتمع تربى منذ الصغر انه لا حل سوى البنك الربوي وبدأت الحلول الالتفافية... ولكن لم يخطر للمجتمع ان يرفض بكامله التعاطي مع البنوك الربوية فارضا امر ا واقعا لا بد من ان يتعاطى معه اصحاب الشأن...

هذا كله في الوقت نفسه الذي يمارس فيه المصلون صلاتهم وصيامهم وحجهم وزكاتهم... ولا يمكن الطعن في عباداتهم... ولكن مفهوم المجتمع المسؤول ومفهوم المسؤولية الجماعية مغلوط وغائب...


والله اعلم

من هناك
01-03-2010, 11:25 PM
من غير المنطقي ان نطلب من المسلم الجديد ان يدخل الى الاسلام وهو يحارب الكون كله... ومن غير المنصف ان نقول عنه : انه غير مقتنع تماما.... ان في هذا نوع من القسوة والشدة في غير مكانهما...

مجددا خذ قضية المؤلفة قلوبهم... هل هم مسلمون درجة ثانية ؟ ماذا لو لم يتم تأليف قلوبهم تحت ستار " ليسوا مقتنعين 100% " ؟

هذا كله في الوقت نفسه الذي يمارس فيه المصلون صلاتهم وصيامهم وحجهم وزكاتهم... ولا يمكن الطعن في عباداتهم... ولكن مفهوم المجتمع المسؤول ومفهوم المسؤولية الجماعية مغلوط وغائب...ذكرتني بالإخوة حفظهم الله. يبدو ان توقيعك اصبح رسمياً :)

اخي فاروق،
يبدو ان لديك مشكلة مؤخراً في اطلاق الأحكام (هناك موضوع آخر يعاني من هذا الأمر ايضاً). انا لم اطلب من المسلم الجديد ان يحارب الكون كله (يمكنك ان تسالهم لو احببت :)). لكنني اكيد ان المسلم الجديد او الضعيف ليس مقتنعاً 100% وهذا مثبت لدي في بعض الإحصاءات التي اقمناها كإحصاء اسباب عدم الصلاة مثلاً والناس تقول بلسانها "انا غير مقتنع بصلاتي ولا كيف اصلي ولا لمن اصلي" والعياذ بالله. وهؤلاء كلهم من المسلمين طبعاً وليس من المسلمين الجدد.

هناك درجات للإيمان والإيمان يزيد وينقص وهناك ايضاً درجات للإسلام وهو يزيد وينقص. مثلاً، لو ان احدهم لم يدفع الزكاة ولكنه لم ينكرها بعد فهو ليس مرتداً ولكن إسلامه اضعف من إسلام شخص يقيم شعائر الإسلام الخمس.

من طعن في عبادة الشخص الآخر؟ يبدو انك متأثر بحوارات اخرى وتحاول ان تنزلها هنا !!
المجتمع المسلم مسؤول عن الفرد في العلن ولكنه غير مسؤول عنه في السر. قد ترى من يصلي ولكنك لن ترى من لا يصلي وبذلك ترتفع المسؤولية الجماعية في الصلاة مثلاً حتى تفرض الجماعة وعندئذ يمكنك ان ترى من يختلف عن الصلاة. ولكن هل الجماعة فريضة بحاجة للفرض بالقوة او انها فرض كفاية او انها من النوافل (هذا يعتمد على المفهوم الفقهي للفرد).

إذاً، المجتمع مسؤول في الامور الجماعية (منع الربا، إستبدال المحرمات العامة، تحريم الفطر في رمضان للقادر، إقامة شرع الله في المجتمع ....) هذه كلما من المساعدات على الثبات ولكنها لا تثبت الفرد ما لم يكن مقتنعاً ومؤمناً وموقناً.

ختاماً، لا يمتع ان اكون مع الفكرة ولكنني اناقشها من زاوية مختلفة.

فـاروق
01-04-2010, 06:58 AM
اخي بلال...

انا لم اتطرق في اي مكان الى ان الايمان لا يزيد ولا ينقص...

بل كنت اشدد في كل سطر ان المسؤولية الفردية هي الاساس... وان المرء غير معذور في تقصيره ولو قصر المجتمع...

ولكن يبدو انك احببت ما رميتني به..اي التسرع بالاحكام... وبدأت تمارس الامر نفسه... ولو على صعيد شخصي

لن احاول ان اعيد ان افسر ما قلته لانه واضح... وردي في الاحمر كان بناء على ردك على فكرة ان الاولوية هي في المقتنعين الذين يحتاجون لمساعدة...

والسلام عليكم

مقاوم
01-05-2010, 03:02 PM
كتراني الحساسين هالإيام بالمنتدى :)

أخي الحبيب فاروق
نفسك الأدبي الراقي واضح جلي في ثنايا المقال ومرحبا بقلمك المتألق من جديد بعد أن أفل لأشهر خلت.

لكن يجب أن أعترف أنني أضعت الطريق أكثر من مرة خلال قراءتي للمقال وذلك لتشعبه وإثارته لأكثر من قضية حساسة وحيوية دون إشباعها. قد يكون السبب الرئيس في ذلك أنني كنت أبحث عن جواب للسؤال المطروح في عنوان المقال ولا أظنك أجبت عليه بما يروي ظمأ الباحث.

لكن من زاوية أخرى أظن أن السبب يكمن في عدم تعريفك للثبات ابتداءا الذي كان لا بد أن يظهر لك أن الثبات ليس مسؤولية فردية ولا جماعية. هو منة وفضل من الله إن نحن أخذنا بأسبابه وفهمنا قواعده. وقد وجدت هذا البحث الرائع للشيخ الدكتور عبد الله الاهدل في الموضوع لعله يوضح مرادي:


قواعد الثبات على الحق

هذا الموضوع محاولة لبيان بعض تلك القواعد:

إن الرسول صلى الله عليه وسلم، هو قدوة المسلمين فرادى وجماعات ودولا، ومن أهم ما يجب أن يقتدوا به فيه ثباته صلى الله عليه وسلم على الحق الذي شرعه الله له، من أول بعثته إلى أن التحق بالرفيق الأعلى.
فقد بعثه الله تعالى في مكة، ومكث فترة من الزمن وحيدا، و كان هو والقلة التي آمنت به يؤذن أشد الأذى، ويمتحنون أشد الامتحان.
ولا حاجة إلى سوق الأمثلة لما ابتلاه الله به هو وأصحابَه إهداؤهم المشركون، لأن ذلك كله مفصل في سيرته الطاهرة صلى الله عليه وسلم، وفي هجرة أصحابه للحبشة وهجرتهم معه إلى المدينة، ليعبدوا الله فيها أحرارا من الظلم والاضطهاد والفتنة، مثال لذلك، وما قام في الأرض داع إلى الله بصدق من رسول أو تابع لمنهجه إلا أوذي وامتحن.

والذي نريد التنبيه عليه من كل ذلك ما وجه الله به رسوله ومن اتبعه في الدعوة إليه من أسس للثبات على تلك الدعوة وقواعدها التي تعينهم على ذلك الثبات، مهما عظمت المحن واشتدت الفتن، وهي تتلخص – بعد الإيمان الصادق، واليقين القوي – في القواعد الآتية:
القاعدة الأولى: الصبر الدائم الذي لا انفصال بينه وبين صاحب الدعوة إلى الله: ويمكن لمن أراد الاطلاع على نصوص هذه القاعدة من القرآن والسنة، أن يفتح مصحفه ويتتبع مادة الصبر، فعلا ماضيا، ومضارعا وأمرا، ومصدرا، واسم فاعل للمذكر والمؤنث، ومن السهل اليوم الوصول إلى هذه المادة وغيرها عن طريق البحث في برامج الحاسب.
فمن أمثلة الماضي قوله تعال: (( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)) [ (43) الشورى]
ومن أمثلة المضارع قوله تعالى: ((إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)) [(90) يوسف]
ومن أمثلة الأمر والمصدر قوله تعالى: ((واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ)) [النحل (127)]
ومن أمثلة اسم الفاعل للمذكر والمؤنث قوله تعالى: ((وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ)) [الأحزاب (35)]
هذه القاعدة وردت في القرآن الكريم مقصودا بها كل من آمن بالله، وأرد الفوز برضاه الذي لا يتحقق بغير الصبر، والدعاة إليه سبحانه الذين يريدون الثبات على منهجه، هم أولى الناس بذلك، لما يواجهونه في حياتهم من مشقات، لا يجتازونها بدون الصبر.
والنبي عليه الصلاة والسلام، وهو آخر الرسل تلقى من ربه أوامر بالصبر في وحيه في مقامات كان أحوج ما يكون فيها إلى هذه القاعدة العظيمة.
كقوله تعالى: ((فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)) [غافر(55)]
وقوله تعالى: ((فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)) [ ق (39)]
وكان الله تعالى يسلي رسوله بذكر ما جرى لإخوانه الرسل من قبله من الأذى، ليتخذ من ذلك عدة ويصبر كما صبروا، كما قال تعالى: ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ)) [الأحقاف (35)]
ومن ذلك ما ذكره الله تعالى من صبر النبيين قبله على من قاتلهم من أقوامهم، منوها تعالى بمحبته لمن صبر على الأذي في سبيله، كما قال تعالى: ((وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)) [ آل عمران (146)]
وإن أعلى من الصبر في الشدائد وبخاصة، في مواجهة الأعداء: المصابرة وهي أن يكون المؤمن أكثر صبرا من عدوه الذي يكون جديرا بالهزيمة، لنقص صبره عن صبر المسلم، وإنما الأعمال بالخواتيم، ولهذا قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [آل عمران (200)] و كلمة "لعل" كما ذكر العلماء تفيد من الخلق الرجاء، و تفيد من الله التحقيق.
وكان صلى الله عليه وسلم عندما يناله أذى من أحد، يذكر لأصحابه صبر من سبقه منهم، كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:
" لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله، فقلت والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته فأخبرته"
فقال: (فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر) والحديث في صحيح البخاري ومسلم، وغيرهما.
وكان يأمر أصحابه بالصبر على شدة الأذى إذا شكوا إليه ذلك، ويذكرهم بأذى من سبقهم من الصابرين في الأمم السابقة، كما في حديث خباب بن الأرت قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا؟"
قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون) رواه البخاري في صحيحه وغيره.
كما كان يأمر بالصبر أصحابه إذا لقوا عدوهم في ساح المعارك، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا) رواه البخاري أيضا.
وفي حديث طويل لأنس بن مالك رضي الله عنه، في قصة توزيع غنائم هوازن، قال للأنصار آمرا لهم بالصبر:
(إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على الحوض) رواه البخاري ومسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على الصبر، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "سألت نافعا على أي شيء بايعهم على الموت؟ قال: لا بل بايعهم على الصبر" والمراد بيعتهم له صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة عام الحديبية والذي يبايع على الصبر، لا يفر من الموت في المعركة لمبايعته على الصبر.
ومن جوامع كلمه في الصبر قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث لأبي سعيد الخدري: (وما أُعطِي أحدٌ من عطاءً خير وأوسع من الصبر) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ولو أردنا تتبع ما ورد في الكتاب والسنة في هذه القاعدة – قاعدة الصبر – وما يترتب عليها من جلب مصالح ودفع مفاسد لا اقتضى كتابا مستقلا، فلنكتف بما ذكر.
القاعدة الثانية: التوكل على الله والاعتماد عليه وإحسان الظن به وبنصره: وهذه القاعدة كأختها السابقة: الصبر، وصف الله بها عباده المؤمنين، وأنبياءه ورسله بل قصرها عليهم، وهم قدوة المؤمنين وعلى رأسهم خاتمهم نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد طبقوها في حياتهم، وأمروا بها أتباعهم، ففازوا في الدنيا والآخرة وكان النصر حليفهم.
قال تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)) [الأنفال (2)]
وقد أمر الله تعالى رسوله بالتوكل عليه واصفا نفسه بـ(الحي الذي لا يموت) إشارة إلى أن كل من سوى الله تعالى، مهما عظمت منزلته واشتدت قوته، فمصيره الهلاك والهالك لا يجلب نفعا لأحد اعتمد عليه من دون الله، كما قال: ((وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)) [الفرقان (58)]
وأخبر تعالى أنه كاف من توكل عليه صادقا، فقال: (( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)) [الطلاق (3)]
أمثلة لتطبيق رسل الله التوكل عليه
ومن تطبيقات رسله عليهم الصلاة والسلام التوكل على ربهم والاعتماد عليه، موقف نوح عليه الصلاة والسلام من عناد قومه وجبروتهم وقوة تحديه لهم وهو لا يملك جيشا وسندا قويا غير الذي توكل عليه، كما قال تعالى:
((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ)) [يونس (71)]
فهو يتحداهم بأن يعزموا جميعا على فعل ما يريدونه به من السوء والأذى، ويستعينوا بشركائهم التي يعبدونها من دون الله، وليكن عملهم ضده واضحا جليا لا يخفونه، ويعجلوا به بلا تأخير ولا إمهال.
أعلن هذا التحدي بعد أ، خبرهم بِقَصْر اعتماده وتوكله على ربه الذي لا يضيع من توكل عليه: ((فعلى الله توكلت)).
وشبيه بنفس موقف نوح موقف هود عليه السلام، من قومه الذين ادعوا أن آلهتهم التي نهاهم عن عبادتها من دون الله، أصابته بسوء وكأـنهم يهددونه بالمزيد من ذلك، فرد عليهم ذلك الرد القوي الذي لا يصدر إلا ممن استند إلى من يقول للشيء: ((كن فيكون)) معللا موقفه ورده عليهم بتوكله على الله، قال تعالى: ((إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [(56)]
وهذا هو سبيل جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام، يتحدون أقوامهم العتاة الجبابرة، بقوة توكلهم على الله القوي القادر على كل شيء.
وتأمل كذلك موقف إبراهيم عليه السلام من تخويف قومه له، كيف صرح لهم باستبعاد خوفه من شركائهم، متعجبا من عدم خوفهم الله في إشراكهم به، مقرعا لهم مقيما عليهم الحجة التي آتاه الله إياها عن طريق الاستفهام الذي لا يستطيعون الإجابة الصحيحة عليه إلا بما يرمي إليه، وهو أن الفريق الأحق بالأمن هو من عبد الله وحده وخافه، لا من عبد الشركاء من دونه وخافهم، ولهذا لم يجيبوا، فكان الجواب منه مباشرة قال تعالى:
((وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)) [الأنعام (81)]
وعندما أرسل المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسولا ليهولو عليه الأمر ويخوفوه بكثرتهم وقوتهم، بعد معركة أحد التي خرج بعدها بأصحابه الذين أصيبوا في الغزوة بجروح فيها يتتبعون قريشا المعتدية، تحداهم وأظهر لهم أنه غير مكترث بكثرتهم وقوتهم، وإن كان قد أوذي هو وصحبه بما أصيبوا به، وبين أن سبب تحديه لهم هو توكله على الله الذي سيكفيه شرهم، كما حكى الله تعالى ذلك عنه في قوله تعالى:
((الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) [آل عمران (175)]
وأكد لله تعالى له ولصحبه، أن ذلك التخويف هو من الشيطان الذي يسوس لهم ببأس أوليائه من المشركين، ونهاهم عن الاستجابة لتخويفه، كما أمرهم بالخوف منه وحده، لأن في خوفهم منه الأمن وفي خوفهم من غيره فقده.
ولقد اشترك رسولنا محمد وأبونا إبراهيم، صلى الله عليهما وسلم، في تطبيق معنى هذه الآية عندما تعرض كل منهما للشدة والمحنة من أعدائهما.
فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((حسبنا الله ونعم الوكيل)) قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: ((إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)) [صحيح البخاري]
ولنتذكر ببعض غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم التي اشتدت فيها المحنة عليه وعلى أصحابه، وكيف نصرهم الله على أعتى أعدائهم قوة وأكثرهم عددا، كغزوات بدر وحنين والأحزاب وغيرهما حتى غزوة أحد التي كانت في ظاهرها هزيمة للمسلمين، كانت عاقبته النصر لهم، حيث لم يحقق فيها أعداؤه هدفهم، وهو استئصال الرسول وقومه واجتثاث دعوتهم، وقد أعقبها ملاحقته صلى الله عليه وسلم للمعتدين بعد انتهاء الغزوة، فلم يجرؤوا على العودة لملاقاته.
ولنكتف بما ذكر في قاعدة التوكل و الآيات والأحاديث والسيرة النبوية وقصص الأنبياء غنية بالكثير منها، لأن المقصود هنا التنبيه على القاعدة.

القاعدة الثالثة: قوة الصلة بالله وطاعته بأداء الفرائض من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وغيرها مما أوجبه الله تعالى لنفسه، أو أوجبه لعباده من الحقوق، لأن عدم القيام بالفرائض والواجبات يغضب الله تعالى، فهو من معاصي الله والمعاصي سبب في خذلان الله لأهلها، و خذلان الله مقتض للفشل وليس للثبات على الحق.
والذي يتتبع توجهات الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في دعوته للناس وتحمل المشاق التي تواجهه منهم، يجد هذه التوجيهات تحث الرسول صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد في قوة الصلة بالله تعالى في كل أوقاته من أجزا ء الليل والنهار يُكثر فيها من تسبيح الله وتحميده و والمداومة على قيام الليل.
ذلك أن من يدعو إلى الحق الإلهي ويريد الثبات عليه، يجد من الأسباب والمعوقات التي تضعف قوة إرادته واستمراره في الثبات، لأن من يدعوهم إلى الحق قد ألفوا من الباطل خلاف ما يدعوهم إليه من الحق ، فيقفون ضد تلك الدعوة وقوفا صلبا يحاربون كل من يريد تغيير ما ألفوه من الباطل، فإذا لم يكن صاحب الحق له ما يسنده ويقويه على ثباته، سرعان ما ينهار ويصاب باليأس المثبط له عن استمراره.
وليس لصاحب الحق ما يثبته عليه إلا الله الذي منحه الحق وأمره به، فإن قويت صلته به وأكثر من عمل ما يحبه من طاعته، وفقه الله وأعانه، وإن ضعفت صلته به ضعفت قوة إرادته وضعف ثباته، وهذه أمثلة من القرآن الكريم تبين هذه القاعدة وتدعمها.
تأمل هذه الآيات من سورة المزمل وما تلاها من آيات في سور أخر التي أسردها بدون تعليق، لوضوح المراد منها، تأمل كيف يوجه الله رسوله صلى الله عليه وسلم، إلى الإكثار من قيام الليل والتسبيح والتحميد والسجود ودوام العبادة في سياق دعوته الناس وثباته عليه، لأن ما يتلقاه من ثقل التكاليف القرآنيه للقيام بتبليغ الحق إلى الناس والاستمرار على ذلك، لا يتحمله إلا من قَوَّى صلته بمن ألقاه عليه قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)) [المزمل(10)]
وقال تعالى: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)) [الحجر (99) ]
وقال تعالى: ((وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)) [الحجر (49)]
وقال تعالى: ((فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)) [ق (40) ]
وقال تعالى: ((أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى (128) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى)) [طه (130)]
وقال تعالى: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً)) [الإنسان (26) ]

القاعدة الرابعة: الإكثار من ذكرالله الشامل، من القرآن الكريم، والأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء كانت أذكارا مقيدة بعدد أو وقت، أو مطلقة، فإن ذكر الله تعالى – بالقلب واللسان - والمداومة عليه يزيد في قوة الإيمان، والذي يذكر الله جدير بأن يثبته الله وينصره ويهزم عدوه.
فقد قرن تعالى أمره بالثبات، بأمره بالذكر في سياق لقاء الأعداء في ساحات المعارك التي لا يثبت فيها على الحق إلا من أحب لقاء الله، قال تعالى:
((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [الأنفال (45)]
ومن أهم ذكر الله تعالى الإكثار من دعائه و اللجوء إليه استعانة به على التوفيق للثبات على الحق والنصر على أعدائه الذي لا يرضون إلا باتباعهم على الباطل، كما قال تعالى: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)) [البقرة (120)]
تأمل دعاء الأنبياء الذين ذكر الله تعالى أنهم قاتل معهم ربيون كثير [والربيون: أهل العلم والفقه] كما سبق قريبا: ((وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) [آل عمران (148)]
وكذلك دعاء قوم طالوت – وهم قلة - عندما قابلوا جالوت وقومه هم كثرة، كما قال تعالى:
((وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ)) [(251)]
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلح على ربه في الدعاء طالبا نصره وهزيمة عدوه، كما في حديث خالد عن عبد الله بن أبي أوفى قال: "دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وزلزلهم)" رواه مسلم.
وفي حديث عبد الله بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه.
فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)) فأمده الله بالملائكة [الآية في الأنفال (9)] روى الحديث مسلم.
فينبغي أن يحرص من يريد الثبات من المسلمين على الحق على اللجوء إلى الله ودعائه ليحقق له ذلك، سواء كان فردا أو جماعة أو حزبا أو دولة، فإنهم كلهم فقراء إلى الله تعالى، وهو سبحانه وحده المعين لمن استعان به، ولهذا شرع الله لنا قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة من صلواتنا، وفيها قوله تعالى: ((إياك نعبد وإياك نستعين)) فلولا إعانته تعالى لمن يريد عبادته لما تمت له عبادة، وشرع لنا عند سماع قول المؤذن: "حي على الصلاة، حي على الفلاح" قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
فعلى من احتل الأعداء بلادهم من المسلمين، أن يثروا من دعاء الله موقنين بنصره، وبخاصة في قيام الليل وأوقات السحر التي ينبغي أن يكونوا جميعهم متجهين إلى الله مرسلين دموعهم على وجناتهم، فقد يرسل الله على عدوهم مع كل دمعة كم دموعهم جندا لا يعلمه إلا الله، لهزيمة عدوهم:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً)) [الأحزاب (9)]
وإذا كان عدوكم لا يعرف هذه المعاني فتيقنوها أنتم واجتهدوا فيها، فقد حصل في فلسطين في الفترة الأخيرة شيء منها، فأنزل الله بأسه يقائد القتل والتدمير في لحظة نشوته وجبروته، كما جعل الشعب الفلسطيني يعطي ثقته لمن وفقهم الله للسير على هديه في مقارعة العدو، وننتظر بإذن الله المزيد من نصر الله على الأعداء الذين احتلوا ديار المسلمين في كل مكان.

القاعدة الخامسة: اتخاذ الأسباب المادية التي أمر الله بها:
فالذي أمر بالتقرب إليه بالطاعة والعبادة والدعاء والذكر، هو تعالى الذي أمر بإعداد العدة التي ترهب العدو في حدود القدرة التي يعلم الله أن المؤمن قد استنفدها ولا قدرة له على غيرها، قال تعالى:
((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)) [الأنفال (60)]
فالإعداد المشروع يشمل الرجال والسلاح والمال، وغيرها حتى نعل المجاهد.
والمسلم الذي يطلب من الله تعالى الثبات ويمنحه النصر، بما يقوم به من الشعائر التعبدية، بدون إعداد العدة المأمور بها مع قدرته عليها، يخدع نفسه بذلك ويخالف أمر الله تعالى وشريعته، ولا يستحق من الله النصر ولا الثبات، لأن الله تعالى له سنن شرعية وسنن قانونية طبيعية، فإذا ترك المسلم أيا منهما لم يكن جديرا بوعد الله تعالى بالنصر والثبات.

القاعدة السادسة: الموازنة بين المصالح والمفاسد في تعاطي المعاملة مع العدو، فإذا ما بذل المسلمون وسعهم في تقوية صلتهم بالله، وسعوا جهدهم في إعداد العدة، وتبين لهم أن قوتهم المادية لا تفي بالوقوف أمام العدو، فعليهم أن يتخذوا الممكن من معاملة العدو.
ومن أهم ذلك فتح باب التفاوض و عقد الهدنة المحددة بوقت معين أو المطلقة معه، وتأجيل ما لم يمكن تحقيقه من المطالب المشروعة، إلى أن يحين الوقت الذي تتوفر فيه القدرة لانتزاعه بالقوة، ولا يجوز الإقدام على معركة حربية يغلب على الظن أن المفسدة المترتبة عليها أعظم من مفسدة القعود عنها.
ومما يجب التنبيه عليه، أن مصابرة العدو التي أمر الله بها شاملة لمصابرته في ميدان المعركة، و مصابرته في المفاوصات السياسية، وعقودها وصيغها، التي يحاول كل من الطرفين تحقيق أكبر قدر من مصالحه فيها، ولقد مضت فترة طويلة من الزمن، تفاوضت فيها السلطة الفلسطينية مع اليهود كان اليهود أكثر مصابرة من السلطة، وترتب على ذلك تنازلات كثيرة من قبل السلطة، ذاق منها الشعب الفلسطيني مرارتها ولا زال.
إن اليهود بأيديهم كل من الأوراق في فلسطين، ما لا يملكه الفلسطينيون من الأمور المادية: يملك العدو الأرض، ويملك الأسرى، ويملك المال، ويملك الماء، ويملك الكهرباء، ويملك السلاح، ويملك المناصرة من أوليائه في الداخل والخارج.
ولا يملك الشعب الفلسطيني شيئا من ذلك إلا المقاومة الجهادية، وهي التي لا يخضع العدو لسواها، فإذا اجتمعت مصابرتهم بالمقاومة، وبالمفاوضات الدقيقة التي لا تتنازل عن الثوابت التي لا حياة للشعب الفلسطيني بدونها، كان إدراك النجاح والنصر متوقعا بإذن الله، وإذا حصل تراخ فيهما أو في أحدهما، فلا أمل في غير الفشل وذهاب الريح.
ولهذا نقول للحركة الإسلامية "حماس" صابروا عدوكم في المفاوضات واستمروا في مصابرته بالمقاومة الجهادية إذا لم تنجح المفاوضات، وأعدوا عدتكم في أوقات المفاوضات ولا تساهلوا في ذلك، فإن الله تعالى يقول:
((وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)) [النساء 102)]
فكل من يريد أن يثبت على دينه ورسالته من المسلمين، سواء كان فردا أو جماعة أوحزبا أو دولة، لا بد أن يطبق هذه القواعد أمام أعدائه الذين يتكالبون عليه، فإذا تخلى عنها هزم وفشل فشلا كاملا، وبمقدار ضعفها وقوتها عنده تكون نسبة نجاحه وفشله، لأن أمر بأخذ الأسباب مع أنه قادر على نصر أوليائه بدون عمل منهم.
فهو على كل شيء قدير، ومهما قوي الأعداء عَدَدا، وعُدة ومالا، فإن نهايتهم الفشل والهزيمة بإذن الله، بشرط أن يتخذ المتوكلون الأسباب المعنوية والمادية التي أمره الله بها، فإذا استنفدوا قدرتهم التي يعلم الله أنه لا يستطيع غيرها، أعانهم الله ونصرهم.
((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر (16)]
وفي هذه السورة عبرة للمسلمين في الانتصار على اليهود، اقرءوها بتأمل.

فـاروق
01-07-2010, 12:08 PM
السلام عليكم ورحمة الله



جزاكم الله خيرا جميعا....



يبدو لي ان القضية لم تظهر كما احببتها ان تكون... و لعل المقال ساهم عن غير قصد في ايجاد لبس ما ...

وساحاول في هذه التتمة ان شاء الله ان اوضح ما سبق وان اضيء على بعض النقاط التي تناولتها التعليقات بالمناقشة و التصويب...

ولعلي اضيف بعض الامور تسهل الى القارئ الكريم ان يستشعر روحية الموضوع لا ان يغرق في تفاصيله ...



اولا:



الاسلام والايمان والثبات فضل من الله ومنة... والمؤمن لا يمن على الله اسلامه.... بل الله يمن عليه ان هداه للايمان...

هذه من المسلمات التي لم يذكرها المقال ظنا منه انها خارج اطار البحث وحرصا على الاختصار... ولكن لعله من الافضل دائما ان يتم الاضاءة ولو سريعا على المسلمات والثوابت ...

ولكن الانسان مكلف بالاخذ بالاسباب وبذل الجهد وتأمين متطلبات الايمان والثبات.... متخذا من الدعاء والرجاء رفيقا درب يوصلان برحمة الله الى قبول الله .



والله عز وجل يقول: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والاخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء "

فالله عز وجل يمنح المؤمنين الذين بذلوا الجهد الثبات في الدنيا والاخرة....



وهنا يأتي المقال... محددا نوع الجهد... وماهية المسؤولية الواقعة على الفرد والمجتمع...



اذا الامر واضح.... نحن نتكلم هنا عن واجبات الفرد والمجتمع... تجاه الايمان وتثبيته... و ان لم يكن الاخذ بالاسباب يقع ضمن مفهوم المسؤولية فاي شيء يندرج تحتها اذن؟!

من هنا كان مقال الاخ مقاوم مكملا لما ذكرته لا منافيا له... فالصبر مسؤولية... والدعاء مسؤولية ..وذكر الله مسؤولية.... نعم مسؤولية كل من يريد ان يرزق الثبات .... ولكن المقال ايضا تطرق الى المسؤليات الفردية فقط...




ثانيا:



قضية الاقتناع التي ذكرها اخي بلال ما زالت خارج الاطار الذي وددت ان ارسمه تماما

المقال لم يقل يوما ان المجتمع المسلم الذي يوفر مقتضيات الثبات سيجعل الشاك موقنا لا محالة....

والمقال لم يقل ابدا ان مسؤولية الفرد تقع عنه في غياب المنظومة الاجتماعية الحاضنة... والبيئة الاسلامية المتينة...




المقال يتكلم عن المسلم الجديد مثلا.... المقتنع بالاسلام واركانه وعناوينه العريضة... الراغب في الانتقال الى حضن المجتمع الاسلامي...



هذا المسلم تعتريه امور عدة :

-الخوف من تقبل المجتمع المسلم له كونه غريبا عليه

-الخوف على رزقه وامنه من كيد مجتمع السابق

-رهبة التغيير وحالة الضيع التي ترافق الانسان في مثل هذه الخطوات الكبيرة




كل تلكم النقاط لا تعني عدم قناعة ولا تعني قلة ايمان.... بل تصف تماما حالة الانسان المقبل على الاسلام.... وهو ان كان مسؤولا ان يحارب خوفه ورعبه بسلاح قناعته... له حق على المجتمع ان يساعده ويخفف عنه بل ويزيل اسباب هذه الرهبة والخوف... لا ان يتركه يحارب وحيدا...ومن ثم يحكم عليه بالفشل وضعف الايمان في حال عجزه




المقال شدد على ان المجتمع المسلم الذي تتوفر فيه مقومات الثبات يشكل اولا حالة اطمئنان ورفدا معنويا هائلا لابنائه.... كما يشكل عونا عظيما للدعوة اذ انه يكفيها كيد الشيطان المتمثل في بث الرهبة الخوف من فكرة الانتقال من بيئة الى اخرى

مشكلتنا اننا نخلط دائما بين حكم الله الحكم العدل يوم القيامة وبين تعاطينا مع الانسان في الحياة الدنيا



ودعوني اعطيكم مثالا بسيطا لعله يوضح كل المسألة:



شاب نصراني... قرر ان يسلم.... اذ يسر الله له ان يبصر عوار ما يسرده الرهبان و ان يبصر الحق والمنطق في شريعة الاسلام...

انتقل من ضيعته النصرانية الى البيئة المسلمة.... التي رفضت ان تؤمن له مسكنا.... ورفضت ان تزوجه من فتياتها المسلمات.... ورفضت ان تعينه على تأمين رزقه....

فبات الرجل اسير بيته... في ضيعته الام.... يتعرض للاساءة والتلميح والضغوطات.... تتقاذفه مشاعر الخوف والرهبة .... ووسوسات الشيطان الذي استنفر كل جهوده لان نفسا يبدو انها تفر منه الى الجنة....

ازاء الواقع الاليم.... بدأت عزيمة الشاب تخونه.... فقرر الاستسلام.... ولا حول ولا قوة الا بالله



ما القضية هنا ؟



القضية عند البعض... تقصير من الشاب وضعف ايمان وجنهم وبئس المصير... وان الدين يحتاج تضحيات وثبات.... ومن قبلنا نشروا بالمناشير وما الى هنالك.... ومن ثم الحوقلة والانصراف الى العيال والاموال.... بل ربما الانصراف الى المنابر لتكملة مسيرة الخطب الرنانة...

لعل كل ما سبق صحيح.... ولكني لا اجد نفسي معنيا به.... لا اجد ان القضية تطلب مني حكما على الشخص وتحديد منزلته.... بل القضية لي:




ان المجتمع آثم... ومن قصر في حق الدعوة والاحتضان آثم.....

نعم... ما حصل ما كان ليحصل سواه.. والاقدار بيد الله... نعم طبعا... والقضية ليست قضية الشاب بعينه... فالله حكم عدل وهو يفصل بين الناس و من يدخل النار مستحق للعذاب ومن يدخل الجنة فبرحمة الله...



ولكن المجتمع آآآآآآآثم ...... المجتمع لم يوفر مقتضيات الثبات ( والثبات درجات و احوال... وليس فقط ثبات المسلم الذي مضى على اسلامة اكثر من عشر سنوات!! )..... ولا البيئة الحاضنة...

لماذا ندعو الناس ما دام الايمان او الكفر بيد الله لا بيد الدعوة؟ للاسباب نفسها ادعو اليوم ان يتحمل المجتمع مسؤوليته تجاه ايجاد بيئة حاضنة ومقومات الثبات



القضية هي ان يشعر المسلم انه معني بكل اخفاقة هنا او هناك... ان يشعر المسلم انه معني ان يقدم ما يستطيع لتسهيل امر اخيه المسلم وتهيئة البيئة المناسبة لقيامه يمقتضيات دينه ...

حين بكى النبي صلى الله عليه وسلم على نفس فرت منه الى النار... لم يقل له احد: هذه النفس قدر لها ان تكون في النار والرجل يستحق هذا ومهما فعلنا ما كنا سنصل الى غير تلكم النتيجة...

القضية ليست هكذا... ومن المصيبة ان ينظر اليها على هذا النحو....



لماذا تكلم العلماء عن كراهة بل وتحريم البقاء في دار الحرب في زمانهم ؟ لانها دار فتنة وبلاء... فهل يمكننا ان نقول لهم: المسلم محصن باليقين والقناعة ولا عليه...

ابدا...



لان الايمان يزيد وينقص... ولان الحي لا يؤمن عليه من الفتنة.... ولان النفس البشرية .. نفس بشرية.... كان لا بد من منظومة ترعى وتحتضن وتساعد و تشد الازر....

رغم ان فشل هذه المنظومة لا يشكل عذرا لفشل الفرد.... ولكن مجددا.. ومجددا... القضية ستكون لم فشلت المنظومة وليس لم فشل الفرد...




مثال اخير :



كبرى الشركات في العالم... تركز اليوم على توفير بيئة "مثالية: لموظفيها لان الدراسات اثبتت ان الموظف المرتاح ينتج اكثر...

فهرعت الشركات لتأمين المشرب... وساعات الراحة... وصولا الى قبول تواجد الحيوانات الاليفة في المكاتب...!!

هذه الشركات لم تفكر ابدا في ان تقول: نحن ندفع راتبا شهريا للموظف وعليه ان يقوم بالعمل وفقط !! والا يطرد...



مع ان ما سبق ذكره صحيح



ولكن ايجابيتها في التعاطي ( وحبها لاكل العنب لا لقتل الناطور) دفعها الى ايجاد المناخ الذي يساعد الموظف على اتمام عمله لانها تعلم ان انتاجية الساعة الاخيرة في العمل ليست كانتاجية الساعة الاولى...



ورغم كل هذه الجهود..سيبقى هناك موظفون مقصرون... ولكن حينها تكون الشركة قد بذلت جهدها... بل ساهمت في كشف من يتأصل الخلل فيه ممن يحتاج فقط الى مساعدة ...





ننتظر ردودكم... مؤكدين ان كل اشارة سلبية في المقال ان وجدت ليست موجهة الى فرد بعينه ابدا... بل هي نقد لواقع مجتمعاتنا المعاصرة



والله ولي التوفيق

من هناك
01-07-2010, 03:09 PM
السلام عليكم،
سبحان الله. البارحة كنا نتناقش في نفس الموضوع في مقهى بعد العشاء وقررت ان اضيف بعض الملاحظات إلى هذا الموضوع وفوجئت ان فاروق كتب ما اريد ان اكتبه.

هناك اخ من اصل هندي كان اهله ملحدون تماماً ولا يؤمنون لا بالإسلام ولا بالهندوسية ولا البوذية. لكنه بدأ في دراسة الأديان في مرحلة البكالوريوس واسلم ولله الحمد. ذهب بعد ذلك إلى دولة إسلامية كبرى وعاش فيها فترة طويلة ولكنه فر منهم في النهاية بعد ان تعب من كثير من الأشياء.

عاش في كندا لعدة سنوات ولم نكن نراه ابداً ولكن سبحان الله في رمضان الماضي كان حمامة المسجد من الفجر للعشاء ويأتي خلال القيام ايضاً.

فجأة بعد العيد بدأ يحس بمضايقات من كثير من المسلمين سواء بسبب الآذان او بسبب إقامة الصلاة في وقت قبل وقتها وقرر ان يترك كل الصلوات ما عدا الفجر. يومها حاولت ان اثنيه عن رأيه ولكن للأسف لم ينفع كلامي. ظننت انه بحاجة للراحة وقلت سأدعه يرتاح قليلاً وكل مرة اقول سوف اتصل به لأطمئن عليه ولكن الشيطان ينسيني حتى في العيد.

البارحة اخبرني احدهم انه رآه وقد تغيرت سحنته بالكامل وقد ترك الصلاة في المسجد من فترة.
الله اعلم من هو المسؤول ولكنني احس كغيري اننا مسؤولون ونسأل الله ان يغفر لنا.

كان يعترض بنفس الطريقة: المسلمون لم يزوجوه ولم يوجدوا له عملاً ولم يعينوه للدراسة. هو محق من جهة ولكنه تناسى ان معظم المسلمين في هذه البلاد من المستضعفين وهناك امور كثيرة تحكم كل ما يطلب.

اخت اخرى اسلمت من سنتين ارتدت عن الإسلام وقبلها فتاة ايطالية ارتدت بعد إسلامها بشهرين فقط. لا ندري ما هو السبب الفعلي وهل هو بسبب المجتمع السيء هنا او بسبب طبع اولئك الأشخاص.
شخص آخر اسلم ثم تحول للشواذ الجنسي بعد ذلك والله وحده يعلم السبب ولكنه يرمي بالكثير على المسلمين وانا لا اصدقه رغم انني اميل للتصديق على كلام الأمثلة السابقة.

نسأل الله ان يعفو عنا

مقاوم
01-07-2010, 03:37 PM
عظمة على عظمة يا ريس :)

أم ورقة
01-07-2010, 03:43 PM
الحقيقة ان المجتمع لا يساعد على ثبات المسلم المهتدي
فكيف بالمسلم حديث الاسلام الذي - للأسف - يعتبره الكثير "مسلم من الدرجة الثانية"

فـاروق
01-07-2010, 04:01 PM
تماما اخي بلال...

ولكن تاريخنا الاسلامي ضرب لنا امثلة في الثبات الفردي على الحق... والرسول صلى الله عليه وسلم امرنا بالصبر رغم الضيم... ولعل في هذا عبرة ومواساة للمبتلين... ولا يكلف الله نفسا الا وسعها

لذا في حالة انعدام الدعم الاجتماعي.. اما لتقصير او لاسباب قاهرة... حينها يجب ان تشحن النفس بالبشرية اكثر وترفد بكيات هائلة من المثبتات الايمانية... ومن قصص الصالحين... وسنن الذين من قبلنا... وتغلف باحاديث الامل والنصر وتزين بذكر الثواب لمن صبر


إن من عظمة هذا الدين انه دواء لكل داء... تجد فيه على اختلاف احوالك وتقلب امورك منقذا و داعما ومثبتا...

---
جزاك الله خيرا اخي مقاوم....

تلاميذك..

على فكرة مقال المسؤولية في الاسلام يخدم الهدف نفسه...

فـاروق
01-07-2010, 04:04 PM
جزاك الله خيرا كثيرا اختي ام ورقة

لقد اصبت كبد القضية كلها بكلماتك المعدودات...

ان المرء ليشعر بالاسى و العجز ازاء هذا الواقع... والمشكلة ان بعض نم نحسن الظن بهم لا يعتقدون جازمين بان عليهم فعل شيء... او بانهم مطالبون ليس بالشفقة... بل بالعمل الجاد لنصرة المسلم ومساعدته على الثبات

مقاوم
01-08-2010, 04:28 AM
حبيبي فاروق
في الواقع وضعت موضوعا آخر كذلك ظننت أنه يرفد القضية الأساس التي نحن بصددها هنا وإن في الحالات القصوى.


حزر فزر :)

فـاروق
01-08-2010, 08:16 AM
http://www.saowt.com/forum/showthread.php?t=38532

كيفني معك ؟ :)

مقاوم
01-08-2010, 09:51 AM
قدها وقدود :)