تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خطباء أعظم من القرار



ابو عبدو
12-03-2009, 07:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
خطباء أعظم من القرار
بقلم : عاهد ناصرالدين
إن انقضى عيد الأضحى المبارك فإن البلاء والإضطهاد لم ينته ؛ فقد أورد موقع اون ميدل ايست لاين أن الهيئة العامة للأوقاف في ليبيا قامت بفصل ما يقارب ستة عشرخطيبا بسبب تأديتهم شعائر صلاة العيد صباح الجمعة رغم إبلاغهم بالمنع.
ليس هذا التصرف الوحيد من حاكم ليبيا ؛فقد قام عام 1983م بإعدام ثلاثة عشر شابا من حملة الدعوة من ليبيا والأردن وفلسطين ,منهم ماجد القدسي الدويك ,‎ومحمد بيومي , والفاقورى .
هذه هي حياة المسلمين ، وهذه هي الملاحقة والمحاربة في الأرزاق , وهذه هي التضحية في سبيل الله ،في سبيل الثبات على أمر الله وعدم مخالفته ، ومخالفة البشر الذين يعصون الله – عزوجل- .
كيف لا ؟ ويوم الأضحى ينحر المسلمون فيه أضاحيهم احتفاءً بنجاة نبي الله إسماعيل عليه السلام من الذبح وإحياءً لشعيرة من شعائر الله، لقد كانت الأضحية ولا زالت علامة تضحية وعلامة طاعة وانقياد، ففيها معان سامية خطها لنا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل، فيها معنى أن يقدّم المرء ابنه أو نفسه أو يضحي بوظيفته طاعةً وانقياداً لأمر الله وتطبيقاً لحكمه، فيها أن أمر الله وحكمه مقدم على ما سواه، وفيها أن من كان على الحق لم يثنه عنه تزييف الحقائق وتضليل الشيطان وأتباعه.
قال تعالى:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }الصافات102. ورد في التفسير الميسر
"فلما كَبِر إسماعيل ومشى مع أبيه قال له أبوه: إني أرى في المنام أني أذبحك, فما رأيك؟ (ورؤيا الأنبياء حق) فقال إسماعيل مُرْضيًا ربه, بارًّا بوالده, معينًا له على طاعة الله: أمض ما أمرك الله به مِن ذبحي, ستجدني -إن شاء الله- صابرًا طائعًا محتسبًا".
إلى متى المكث بالتضحية بالجهد المضاعف في تكوين الثروة , أو إرضاء البشر وإن كان في معصية الله .
إلى متى البقاء على هذا الحال في العيش في سبيل متع زائلة وأموال ذاهبة , وربما فكرة شيطانية عابثة .
إلى متى جمع المال للأهل وللأبناء ، مع عدم الإلتفات لتربيتهم ورعايتهم حق الرعاية ؟؟
إلى متى التمسك بكرسي زائل ،أو عمل منقطع ،أو شخص لا يملك من أمره شيئا ؟
إن الرسول -صلى الله عليه وسلم - ضحى بالكثير من أجل الدعوة وكذلك الصحابة ودعاة المسلمين , جميعهم ضحَوْا لأن طريق الدعوة وما فيها من صعاب وعقبات تحتاج للتضحية .
قال تعالى : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } .
لا بد من حمل الدعوة الإسلامية رغم السجن أو النفي أو مفارقة الأهل أو الأحباب من أجل قول كلمة حق ؟؟
وجزاء هذا كله من الأذى والاضطهاد وخسارة التجارة والأموال والحياة ورد في قول الله تعالى : {وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }آل عمران157.
وهذا صهيب بن سنان ويقع في بعض فخاخ مشركي قريش فعُوِّق عن الهجرة بينما كان الرسول- صلى الله عليه وسلم - وصاحبه قد اتخذا سبيلهما على بركة الله ؛ فبعد ذلك استطاع أن يفلت منهم غير أن قريش أرسلت في أثره قناصتها فأدركوه ولم يكد صهيب يراهم ويواجهم من قريب حتى صاح فيهم قائلاً " يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء فأقدموا إن شئتم وأن شئتم دللتكم على مالي وتتركوني وشأني " .
فقبلوا أن يأخذوا ماله قائلين له : أتيتنا صعلوكاً فقيراً فكثر مالك عندنا وبلغت بيننا ما بلغت والآن تنطلق بنفسك ومالك ؟ ، فدلهم على المكان الذي خبأ فيه ثروته وتركوه وشأنه .
فاستأنف صهيب هجرته حتى أدرك الرسول عليه السلام في قباء ؛ كان الرسول – صلى الله عليه وسلم - جالساً وحوله بعض أصحابه حين أهل عليهم " صهيب " ولم يكد الرسول يراه حتى ناداه متهللاً " ربح البيع أبا يحي ، ربح البيع أبا يحي .
وبعد ذلك نزلت الآية الكريمة{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ }البقرة207
لقد اشترى صهيب نفسه المؤمنة بكل ثروته التي أنفق في جمعها شبابه.
فأي شيء يُبذل صغيرا أو كبيرا فبه الأجر من الله؛فهو القائل{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [التوبة 120- 121].
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات، وأكبر المهمات، وقد دل على وجوبه الكتاب والسنة .
وقد دلت النصوص على الأمر به، وجعلِه من الصفات اللازمة للمؤمنين، وهو سبب في خيرية الأمة ، وأن تركه يؤدي لوقوع اللعن والإبعاد ونزول الهلاك وضعف الإيمان عمن قعد عنه حتى بالقلب. يقول تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104 .
ويقول عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم. ‏
وإن الأجل محدود ، والله تعالى يقول : {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }النساء78
وتكفل الله برزق العبد ومن يعول ، والله تعالى يقول : {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }الذاريات22.
ربما العمل أو الحرص على الحياة وإنكار المنكر يجلب الأذى , ولكن التضحية في سبيل الله أعظم من ذلك كله وأعظم من قرارات البشر المخلوقين.
إن التضحية في سبيل رفعة دين الله – عزوجل- تجعل المسلم مع صهيب حمزة وخباب وخبيب وآل ياسر في الجنة .
لا بد من التغيير الجذري، ولا بد من حمل الدعوة الإسلامية ،وقد آن الوقوف في وجه الأنظمة والحكام وأشباههم ممن يوالون أعداء الأمة ويُسْلمون رقاب الأمة لهم، وهم بدلاً من أن ينحنوا إكباراً وإجلالاً لأبناء الأمة الذين يصدعون بالحق ويقيمون شعائر الله ويعظمونها، فإنهم يفصلونهم أويعتقلونهم ويعذبونهم.
ولكن لا ضير؛فإن الأمة الإسلامية هي أمة حية تنجب الرجال الرجال، وهي بهؤلاء المؤمنين بإذن الله وعونه، تشق طريقها نحو مقعدها اللائق بها بين الأمم، بإقامة دولتها، دولة الخلافة التي ستقيم الدين وتوحد المسلمين، وحينها ستؤدب الخلافة أعداء الأمة وأولياءهم من حكام الجور.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }الشعراء227.
__________________