تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اهمية صلاة الجماعة



الزبير الطرابلسي
11-28-2009, 09:41 PM
الحمد لله وكفى .
والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وعلى آله وصحبه ومن بهداهم اقتدى .
وبعد :

فإن صلاة الجماعة سميت بهذا الاسم لاجتماع المصلين في فعلها زماناً ومكاناً، فإذا أخلوا بهما أو بإحداهما لم تسمّ جماعة.

والجماعة يجب أن تكون في المسجد لا أن تقام في البيوت وغيرها إلا إذا كان المسجد بعيداً فوجوبها في المسجد في هذه الحالة يسقط عنهم ويجوز لهم حينها، بل الأفضل أن يصلوها جماعة مع بعضهم.

حكمة الجماعة في المسجد :
لقد شرع الله تعالى لهذه الأمة المحمدية كثيراً من الاجتماعات المباركة ، فمنها ما يتكرر يومياً كالصلوات الخمس، ففي هذه الحالة يجتمع أهل الحي أو المنطقة أو البلدة في مسجد واحد فيتعارفون فيه ويتألفون ويعين بعضهم بعضاً على نوائب الحياة اليومية.

ومنها ما يتكرر كل أسبوع كصلاة الجمعة، فحينها يجتمع أهل البلد أو البلدة أو المنطقة أو الحي الكبير في مسجد جامع لنفس الأغراض الكريمة التي ذكرناها في الصلوات الخمس بل في هذا الاجتماع تتسع الدائرة أكثر كما هو ملحوظ.

ومنها ما يأتي بعد عبادة عظيمة، وتتكرر هذه الصورة مرتين كل عام، بعد عبادة صيام شهر رمضان المبارك وهو عيد الفطر المبارك، وبعد عبادة الحج، وهو عيد الأضحى المبارك، ففي هذين العيدين تتسع الدائرة أكثر من اجتماع صلاة الجمعة، فيجتمع أهل المصر الواحد في صعيد واحد، وكذلك في عيد الأضحى المبارك يجتمع في عرفة وفود كثير من المسلمين من أقطار الدنيا كلها من أقصاها إلى أقصاها، ليشهدوا منافع لهم من التعاون والتآلف والتشاور وتبادل الأفكار والآراء فيما يعود على المسلمين بالخير والبركة، ومنها الائتلاف والتعارف وتعلم الجاهل من العالم، والتنافس في أعمال الخير، وعطف القوي على الضعيف، والغني على الفقير، وغير ذلك مما يفوت الحصر به، لكن في هذه الأيام قد ضيع المسلمون هذه الفرصة الذهبية ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

حكمها :
لقد اتفق العلماء على مشروعية صلاة الجماعة واختلفوا في حكمها، فذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله تعالى جميعاً إلى أنها سنة مؤكدة غير واجبة، وذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى وغيره منهم الشيخان الجليلان شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم رحمهما الله تعالى إلى أنها واجبة في الصلوات الخمس على الرجال المكلفين، وبهذا قال بعض السلف من الصحابة منهم ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنه وبعض التابعين وبه قال الظاهرية والإمام ابن عقيل.

أدلة لم يوجبوها :
هناك حديثين اعتمدوا عليهما وجعلوهما صارفين للوجوب .

الأول: وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة )) [متفق عليه] ، وفي رواية (( بخمس وعشرين درجة )) ، أو (( جزءاً )) وكلها صحيحة.

والحديث الثاني : أن يزيد بن الأسود رضي الله عنه: ( أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو برجلين لم يصليا، فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما - الفريصة هي اللحمة بين الجنب والكتف فكانت ترجف من الخوف - فقال لهما صلى الله عليه وسلم : (( ما منعكما أن تصليا معنا ؟ )) ، قالا: قد صلينا في رحالنا، قال: (( فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الإمام ولم يصلِّ فصليا معه فإنها لكما نافلة )) [رواه من الأئمة أحمد، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم وصححه الترمذي].

فهذان الحديثان هما عمدة من لم يوجبها وهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة، ومالك، والشافعي.

أدلة الموجبين :
فقد استدلوا بأدلة كثيرة منها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( والذي نفسي بيده لقد هممت أن أمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤمَّ الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا - وهو العظم إذا أخذ أكثر ما عليه من الهبر وعليه لحوم رقيقة طيبة - سميناً أو مرماتين حسنتين - وهي ما بين أضلاع الشاة من اللحم، وقيل ما بين ضلعي الشاة من اللحم - لشهد العشاء )) [متفق عليه واللفظ للإمام البخاري رحمه الله تعالى].

وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً )) [متفق عليه].

وحديث أن رجلاً أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إنه ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فرخَّص له، فلما ولى دعاه فقال: (( هل تسمع النداء بالصلاة؟ )) ، قال: نعم، قال: (( فأجب )) [رواه الإمام مسلم في صحيحه رحمه الله تعالى].

وكذلك صلاة الخوف وهي ثابتة بالكتاب والسنة وعند جمهور الفقهاء قالوا: إذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمر بصلاة الصلوات الخمس جماعة حتى في حال الخوف والحرب فإن دل هذا على شيء دل على أنها في غير حال الخوف والحرب أولى بالوجوب، فلا حول ولا قوة إلا بالله لما أصبح عليه حال المسلمين اليوم فإنك لا ترى في المساجد من يصلي جماعة إلا النزر اليسير الذي لا يتعدى عشر الواحد بالمائة.

ولما روي عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود أنه قال: ( من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلماً فليصل هذه الصلوات الخمس في المساجد التي ينادى بهن، فالله شرع سنن الهدى وأداء هذه الصلوات الخمس في المساجد التي ينادى فيها من سنن الهدى، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ) [انظر هذا الأثر في كتاب توضيح الأحكام للشيخ البسام ج2 ص231].

ولما روي عن ترجمان القرآن الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن رجل لا يحضر الجماعة فقال: ( هو في النار ) [نفس المصدر ص237].

الترجيح :
والذي نراه أقرب إلى الصواب والله تعالى أعلم ، هو المذهب الثاني ، وهو مذهب القائلين بالوجوب لقوّة هذه الأدلة التي اعتمدوا علهيا ولغيرها، ويكفيك منها حديث الأعمى، وحديث همّه صلى الله عليه وسلم بإحراق بيوت المتخلفين لولا ما فيها من الأطفال والنساء، ولأن الله تعالى لم يضعها عن الخائف والمحارب فكيف يضعها عن من هو مستلق في بيته وغيره ؟

لكن مع هذا فنحن مع من أوجبها ، ولكنّه قال بسقوطها إن صليت من دون جماعة ، إلا أنه يأثم من فعل ذلك من غير عذر كمرض أو نحوه، والله تعالى أعلم.

على من تجب الجماعة :
تجب الجماعة في المسجد على المسلم البالغ الذي يسمع النداء من مؤذن يؤذن على ظهر المسجد، وقيدت المسافة على مدى صوت المؤذن من على ظهر المسجد في وقت الهدوء، كوقت صلاة الفجر، ويصعب تحديد هذه المسافة، إذ أنّ كل مؤذن تختلف قوة صوته عن الآخر، لكنها ليست بالمسافة القصيرة، ولعلها تصل إلى حوالي ألف متر استواءً .