تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جزيرة العباد والحكماء



نجوم
10-15-2003, 01:51 PM
جزيرة العباد والحكماء

وهي من الجزر العظيمة التي دخلها ذو القرنين , فوجد بها قوما قد أنحلتهم العبادة حتى صاروا كالحيميم السود , فسلم عليهم فردوا عليه السلام , فسألهم ما عشيكم يا قوم في هذا المكان ؟
فقالوا: ما رزقنا الله تعالى من الآسماك وأنواع النباتات , ونشرب من هذه المياه العذبة , فقال لهم الا أنقلكم إلى عشية أطيب مما أنتم فيه وأخصب , فقالوا له , وما نصنع به إن عندنا في جزيرتنا هذه ما يغني جميع العالم ويكفيهم لو صاروا إ ليه وأقبلوا عليه , قال وما هو ؟ فأنطلقوا به إلى وادٍ لانهاية لطوله وعرضه , يتقد من الوان الدر والياقوت والكهرمان الأصفر والأزرق والزبرجد والبلخش والآحجار التي لم تر في الدنيا , والجواهر التي لاتقوٌم , وراى شياً لاتحمله العقول ولايوصف بعض بعضه ولو أجتمع العالم على نقله لعجزوا , فقال : لا أله الا الله , سبحان من له الملك العظيم ويخلق الله ما لاتعلمه الخلائق .
ثم أنطلقوا به من شفير ذلك الوادي حتى أتوا به الى مستوى واسع من الآرض لاتهته الآبصار , به أصناف الآشجار وأنواع الثمار والوان الآزهار وأجناس الطير , وخرير المياء وأفياء وظلال ونسيم ذو أعتلال , ونزه ورياض وجنات وغياض , فلما رأى ذو القرنين ذلك سبح الله العظيم وأستصغر أمر الوادي وما به من الجواهر عند ذلك المنظر البهيج الزاهر , فلما تعجب من ذلك , قالوا له : أي ملكٍ مَلَك في الدنيا بعض بعض ما ترى ؟ قال : لا وحق عالم السر والنجوى , فقالوا : كل هذا بين أيدينا ولاتمل أنفسنا الى شيء من ذلك ,وقنعنا بما نقوى به على عبادة الرب الخالق ,ومن ترك لله شيء عوضه الله خيرا منه , فاتركنا ودعنا بحالنا أرشدنا الله وأياك , ثم ودعوه وفارقوه وقالوا له : دونك هذا الوادي فاحما نه ما تريد , فأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً .
ورُوي أنه مر على امة صالحة , يهدون بالحق وبه يعدلون , فوجد حالتهم في العدل والتراحم سواء , أخلاقهم حسنة , وطريقتهم مستقيمة , وقلوبهم طاهرة وليس في أيديهم شيء مما يتعامل به الناس , قد أحتفروا قبورهم على أبواب بيوتهم , فاذوا أصبحوا جاوا اليها فتعاهدوها وصلوا فيها , فإذا تعالى النهار خرجوا الى البرية فرعوا بقلها كما ترعى الدواب الحشيش , وليس على بيوتهم ابواب , ولا عليهم ولاة ولا بينهم قضاة , ولا يتنازعون ولا يتباغضون ولا يتحاسدون ولا يقتتلون , وليس فيهم فقير ولا مسكين , فعجب الأسكندر منهم وقال :أما لكم ملك ؟ قالوا: بلى رجل جالس على رأس هذا الجبل ,فأرسل اليه فقال : ما لي اليك من حاجة . فركب الاأسكندر وصعد اليه , فسلم عليه ,إذا رجل من أعقا الناس وأزهدهم ,وبين يديه جماجم يقلبها يده , ولم كترث بالاأسكندر ولم ينزعج له. فقال له الأسكندر :أخبرني عن هذه الحال التي انتم عليها , فإني لم أجد في الأمم أحدا على مثلها , فقال: سل عما بدا لك , قال: ما ارى في ايديكم شي من الدنيا ,فهلا استمتعتم بالذهب والفضة و تعاملتم بهما؟ فقال : لأنا ما رأينا أحدا نال منها شيئا إلا وتاقت نفسه الى ما هو أعظم منه, فقال ما بالكم حفرتم قبوركم على ابواب بيوتكم؟ قال : لأنا نظرنا اليها قصرت آمالنا فنذكر الموت , قال: فما بال بيوتكم ليس لها ابواب ؟قال: ما بيننا متهم لا خائن ,قال: فمال بالكم ليس عليكم حاكم ؟قال: لأنا لا نتنازع في شي ,قال: فما بالكم ترعون البقل و تدعون الحيوانات؟
قال : نكره ان نجعل بطوننا قوراً لها , وفي البقل كفاية ومنقع , قال : فما بالكم ليس فيكم أغنياء ؟ قال : لآنا لانتكاثر ولا نتفاخر , قال : فما بالكم لاتتنازعون ولاتتباغضون ولاتتحاسدون ؟ قال : الف الله بين قلوبنا , قال : فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غلظ ؟ قال : توضعنا لله فنزع الحسد والفظاظة منا . قال : فما بالكم أطول الناس عماراً ؟ قال : لأنا نعطي الحق ونحكم بالعدل . قال : فما بالكم لاتضحكون ؟ قال : لانغفل عمن لايغفل عنا . قال : فما هذه الجماجم التي بين يديك ؟ فبكى وقال : جماجم ملوك مكلوا هذه الأرض , اما هذه الجمجمة فجمجمة ملك ملك هذه الأرض مائة عام فعتا وبغى وتجبر وتكبر وظلم , فلما رأى الله منه ذلك حسمه بالموت , فصار كالحجر الملقى قد أحصى عليه عمله حتى يجازيه به في ميعاده . ثم أشتر الى جمجة أخرى وقال : هذه جمجو مالك ملك هذه الأرض فعدل وأحسن وتواضع , ثم جاءه الموت فصيره الى ما ترى . ثم مدى يده الى جمجمة ذي القرنين وقال : وهذه الجمجمة تصير الى ما صارت اليه هذه الجماجم , فانظر يا عبد الله ما انت صانع . فبكى ذو القرنين وقال : يا أخي هل لك ان تصحبني فأتخذك وزيرا وأشركك في ملكي ؟ فقال : هيهات هيهات , فقال : ولم؟ قال : لأن الناس كلهم لي صديق , وهم لك عدو . قال : ولم؟ قال : لرفضي الدنيا وليس في يدي منها ما أعادى عليه , وهي في يدك فيعادونك لأجلها . قال : إن رإيت أن تمن علي بصحبتك فافعل , قال : على شريطة .قال : وما هي ؟ قال : تضمن لي شباباً لاهرم وصحةلا سقم فيها , وحياة لاموت معها . قال : لاأستطيع ذلك , قال : فاذهب عني ودعني بين يدي من يقدر على ذلك . فانصرف عنه ذو القرنين باكياً .