تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عن غوانتانامو في ليلة الهالويين : التنكر لكشف الوجه الحقيقي



من هناك
11-07-2009, 04:13 PM
سلام من الله عليكم ورحمة وبركات ...
قدمت هذا البلد منذ أكثر من عام ... ومع حرصي الشديد على مراقبة الحياة الاجتماعية وملاحظة كل مجريات الحياة اليومية وانعكاساتها على النفس والمجتمع ... ومع إنني كنت حريصا أن أرى فعاليات مساء الجمعة أو السبت حتى أتأكد مما يشاع عن أهل هذا البلد من أنهم "يعملون طوال الأسبوع حتى يستمتعوا ليلة الأحد – التي هي مساء السبت –" ... وكان أن تأكد لي هذا الأمر في الولاية التي أقطن فيها ... إلا إنني – وخشية التعميم – كنت أحرص أيضا على أن أزور مركز المدينة Down Town في كل ولاية أزورها وأطلب من زملائي هناك أن بأخذوني في سياحة "نفسية – اجتماعية" ... وكانت النتيجة واحدة ... مهما اختلفت التركيبة السكانية أو الاجتماعية أو المادية ...
وكذلك الأمر في ليلة الميلاد – المزعومة – وليلة رأس السنة الميلادية وعيد الشكر – على ماذا ؟ الله اعلم – ...
بالرغم من كل هذا ... إلا إنني لم أتصور أبدا ما تفاجأت به ليلة ما يعرف ب "الهالويين" ...
ولأنني لست من عشاق "أفلام الرعب" ... ولأنني لم أتابع يوما سلسلة أفلام "الهالويين" ... بل على العكس ... كنت أستغرب أن يكون منتج ومخرج هذه الأفلام هو نفسه منتج ومخرج فيلمي "الرسالة" و "عمر المختار" ... ولأنني اكتفيت بما أسمعه من هنا وهناك عن الأصول الوثنية لهذا العيد وكيف قدم إلى أمريكا مهاجرا من أوروبا ومغيرا لغته وهويته وطابعه التقليدي ... ولأن أمريكا يحلو لها أن "تؤمرك" كل شيء تقريبا ...
لهذا كله ... فالظاهر أنه فاتني أن أعلم حقيقة هذا "العيد" من ناحية تطبيقية عملية على أرض الواقع في الشارع الأمريكي ...
مساء الجمعة الموافق 30 أكتوبر 2009 ... كنت عائدا على الطائرة من ولاية ميتشيغن حيث أنهيت سلسلة من الدورات والاستشارات النفسية واللقاءات الاجتماعية الخاصة ... وكان أن قدم أخوان عزيزان ليقلاني من المطار إلى بيتي الواقع في مركز المدينة ...
وهناك ... ونحن على مشارف مركز المدينة ... إذ بالأخوين يقولان لي بلهجة مازحة : "غض البصر يا دكتور" ... فظننت أن الأمر مزحة عابرة بين الشباب – كما هو الحال في كثير من جلسات الشباب – لأنني أعلم أنهم يعلمون أنني أقطن هنا ... وليس جديدا علي المناظر التي تنتشر مساء الجمعة أو السبت ... فقالا لي مستدركين : "لا ... الليلة غير ... الليلة الهالويين ..." !!! مع إنهما كانا يحدثان بعضهما مستغربين من إن الموعد "الشرعي والرسمي" هو مساء السبت وليس مساء الجمعة !!!
وكنت لا أزال في حالة من المكابرة على أن أمر "غض البصر" لا يعدو أن يكون "مزحة شبابية" ... وأن الأمر وإن كان "هالويين" فهو لن يتجاوز أقنعة وملابس لأشباح وشخصيات كرتونية ...
ولكن ... ما إن بدأت مشاهد "المحتفلين" بالظهور على مرأى البصر ... حتى علمت أن "المزحة" التي صاحبها ضحكات الشباب لم تكن إلا تصديقا للقول المأثور : "شر البلية ما يضحك" ... وبقيت في حالة من الدهشة والذهول حتى وصلت البيت ...
أعلم أن معظم هذا الشعب يحمل شعار "من أجل الضحك والمتعة فقط" ... ولا شيء جاد في حياته إلا "العمل = المادة" ... ولكن الأمر أخطر من ذلك ... سيما إذا علمنا حقيقة ارتباط ليلة الهالوين بحفلات الجنس الجماعية الصاخبة ... وكأن ليلة الهالوين هي "ليلة القدر" بالنسبة ل "ليالي السبت" خلال السنة ...
لافتة : معظم "المحتفلين المعربدين" طلاب في الكليات "الإنسانية" ... إلا إن المفاجأة كانت أشد عندما رأيت "محتفلين معربدين" من جيراننا وجاراتنا ... الذين هم طلاب في كلية الطب وعلى وشك التخرج ... !!!
(أما عن المشاهد ... فلن أقف هنا لأفصل فيما رأيت ... فقد كفاني هذا أخي الدكتور أحمد خيري العمري في مقاله الملحق بهذه الرسالة ...)
وما إن دخلت البيت حتى أجهشت بالبكاء ... نعم ... أقول : أجهشت بالبكاء ... بكاء لا أذكر أنني بكيته منذ قدومي إلى هذا البلد ... كان أشبه ما يكون ببكاء والد على طفلته المذبوحة أمامه ... أو بكاء الأم على ولدها الذي سمعت للتو خبر وفاته ... كان بكاء على بشرية تائهة ... هائمة ... ضائعة ...
لم أحزن على أهل هذا البلد كما حزنت ليلتها ... ولم أشفق عليهم يوما كما أشفقت عليهم تلك اللحظات ...
ولكن كما حزني عليهم ... كان حزني على أصوات خطباء المساجد الذين يدعون على أهل هذا البلد بالقتل والدمار والهلاك و ... و ... و ... وقلت : "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" ...
نعم ... كثير من قومي لا يعلمون ...
أعلم أن البعض قد يعضون علي أناملهم من الغيظ أنني أتحدث بهذه اللهجة "المشفقة" على هؤلاء القوم – الذي يراهم كثيرون أنهم سبب الفساد في الكون وأنهم شياطين الأرض وأنهم الكفار والملاحدة و ... و .... و ... إلخ ...
وهذا أمر قد أعذرهم فيه لأسباب كثيرة : الجهل ... والتربية الدينية التي تغلف الدين بالغلاف "الشرقي" الحاقد على "الغرب" ... والتربية الدينية التي ترتبط بشيء – بل بكثير – من العقد النفسية ... والتعميم في الحكم على "الآخر" ... وفقدان الرحمة مما يجعل من الصعب أن نرحم الآخرين – سواء كانوا أهلا أو غرباء – ... والشعور المختلط من الأسف على الأرض المحتلة والغيظ من الحكومات الضعيفة والخانعة والضعف في تقديم شيء للنفس والأوطان – وهذا كله سيخرج في هيئة وسيلة دفاعية في إسقاط كل هذا على الغرب – ... إلخ ...

وهذا ما زاد في بكائي ... "أبكي على مين ولا على مين ؟!" ...
وصليت لله ركعتين ... لعلي أخرج ما في نفسي من بث ...
وفي اليوم التالي ، يوم السبت الموعود ، هاتفت أخي الدكتور أحمد خيري العمري ... وطلبت منه – بل وأكدت عليه – الذهاب لحضور فعاليات "الهالويين" لأنني أعلم أن قلمه يبرع في التعبير عن كثير مما في نفسي – وفي نفوس الكثيرين – ... ففوجئت أنه كان في طريقه إلى هناك ... فحدثته عما مررت به وما شاهدته ... وانتظرت نتيجة "تجربته الخاصة" ... فكان أن أرسل إلي المقال اللاحق ...
وهنا ... أترككم مع مقال الدكتور العمري ...
د. عبد الرحمن ذاكر الهاشمي


عن غوانتانامو في ليلة الهالويين : التنكر بالزي الحقيقي
د. أحمد خيري العمري

بالنسبة لجيلي ، يرتبط الهالويين بسلسلة أفلام رعب ابتدأ إنتاجها الراحل مصطفى العقاد ، كانت العولمة لا تزال في مراحل مبكرة ، ولم تكشر عن أنيابها كما حصل لاحقا ، ولذلك لم يكن الهالويين أكثر من فلم رعب متوسط الجودة حتى بمقاييس أفلام الرعب ، تدور أحداثه في ما بدا أنه عيد غريب الاطوار ، مع بعض الأزياء التنكرية وبوجود اليقطينة المجوفة إياها ...
مع الوقت ، ومع ازدياد حقنة العولمة وجرعة التغريب ، زادت معلومات الأجيال عن الهالويين ، وصارت صور الأطفال بأزيائهم التنكرية وهم يطرقون الأبواب مألوفة أكثر فأكثر في برامج التسلية والترفيه الإجباري (علما أن سلسلة أفلام الرعب لا تزال قائمة وإن كنت لا أدري كم وصل رقم الجزء الآن !) ... أدرك الآن أن الاحتفال قد تم استيراده إلى بعض عواصمنا العربية ولكنه لا يزال محصورا في فنادق الخمس نجوم ونوادي الطبقة الأرستقراطية ... وبالتالي لا أتوقع أن يتأخر تسربه كثيرا إلى الطبقات الأقل الراغبة بالانضمام إلى النخبة ... علما أن الاحتفال بالهالوين أمريكي حصريا ، و أن وصوله إلى أوروبا لم يحدث إلا في العقدين الأخيرين (وأن بابا الفاتيكان – الحالي – قد ندد بالاحتفال بالهالويين بسبب وجود رموز وثنية مضادة للمسيحية ... أي أنه بعباراتنا قد أصدر فتوى ضد المشاركة فيه !) ...
الجذور الوثنية للهالويين واضحة ، وقد اختلطت بين بقايا ديانة أوروبية وثنية قبل المسيحية مع ممارسات وثنية لسكان قارة أمريكا الأصليين ... وما هو واضح أيضا في الاستعداد المبكر للهالويين هو قدرة المؤسسات الاستهلاكية على استغلال أي مناسبة ، مهما كانت ، لتحويلها إلى فرصة لجلب الأرباح والمكاسب : فقبل شهر من المناسبة غزت الأسواق ملابس تنكرية لشخصيات مختلفة ، كارتونية وغير كارتونية ، شريرة غالبا ، وعندما أقول "غزت" الأسواق فإني لا أعني أسواق الملابس الجاهزة أو محلات الأطفال فحسب ، فهذا أمر محسوم سلفا ، ولكني أقصد حتى محلات "السوبر ماركت" الصغيرة . بل وحتى الصيدليات ! (ولكن مالغريب في الأمر ؟ فالصيدليات في أمريكا تبيع السجائر ، أكرر ... السجائر العادية بعلاماتها التجارية المعروفة وليس سجائر خاصة بالامتناع عن التدخين مثلا ... وكل شيء جائز في أرض الأحلام ما دام يدر الربح وما دام هناك كتابة بأحرف صغيرة جدا على علبة السجائر تقول إنه مضر بالصحة ... ولا يهم بعدها حجم الإعلان المروج الذي يقول شيئا آخر) ...
كل ذلك كان متوقعا ومنسجما مع فكرتي عن عيد الهالويين حيث يدق الأطفال الأبواب ويطالبون بالحلوى ... وهو الأمر الذي يشبه تقليد شعبي عراقي (اسمه الماجينا) لا علاقة له بالهالويين أو التغريب حيث يجتمع الأطفال في رمضان أو قبل الأعياد ويطرقون الأبواب من أجل الحلوى ...
في اليوم الموعود قررت أن اذهب سيرا إلى "جورج تاون" – المدينة التاريخية في واشنطن – لأشاهد مواكب الأطفال وهم يرتدون الأزياء التنكرية ولألتقط الصور وأرسلها إلى أولادي ... كنوع من السياحة الاجتماعية في عادات الشعوب لا أكثر و لا أقل ... أقلقني أن لا أرى مواكب أطفال في طريقي ، وقدرت أني ربما أكون مبكرا جدا أو متاخرا جدا ... في الطريق هاتفني صديقي عبد الرحمن الذي يعيش في ولاية كارولاينا الجنوبية ، وأخبرني بأن تجربته مع الهالويين في الليلة السابقة انتهت بأنه بكى على البشرية الضائعة -!- ، سرد لي مشاهداته في مدينة تشارلستون التي يبدو أنها ابتدأت الاحتفالات قبل موعد الهالويين ... وكانت طقوس العربدة الجماعية العلنية قد هزته خاصة أن تشارلستون كانت في نظره مدينة محافظة ... قلت في نفسي إن واشنطن قد تكون محافظة أكثر إذ لم ينبهني أحد من الزملاء الى اختلاط الهالويين بطقوس العربدة ... وقلت إن العربدة حتى لو بدأت فستبدأ حتما في وقت متأخر عندما أكون قد رجعت و شبعت نوما ... وقفت في طريقي وابتعت بطارية لكاميرتي لأتمكن من التقاط "صور الأطفال و ملابسهم التنكرية" ...
لم أستخدم الكاميرة إطلاقا . لم يكن ممكنا ذلك . ليس لأنه لم يكن هناك أطفال تقريبا ، ولكن لأن البالغين كانوا قد ارتدوا ما لا يمكن أن أوثقه بكاميرتي . لم تكن حفلة العربدة قد بدأت ، لكن كل ممهداتها – بالضبط كما وصفها عبد الرحمن – قد بدأت ، كان الزي التنكري النسائي الأكثر انتشارا هو زي المومسات للأسف ، أو تنويعات على زي المومسات مثل زي "الممرضة الفرنسية اللعوب" ... أو زي الشرطية التي ترتدي القليل من الملابس وتحمل معها "الكلبشات الحديدية" بكل الايحاءات السادية الموجودة في ذلك ... كان هناك زي نادلات "البلاي بوي" وهن يضعن على رؤوسهن علامة رأس الأرنب الشهيرة المميزة للبلاي بوي ... بعض الشابات لم يكن يرتدين زي نادلات البلاي بوي لكنهن ارتدين ملابس قصيرة جدا ووضعن على رؤوسهن شارة أرنب البلاي بوي ذاتها ... كان هناك منظر يثير المزيد من الغثيان لسيدة (حامل جدا) تبدو كما لو أنها تجاوزت أشهر الحمل التسع وكانت ترتدي زي المومسات أيضا بطريقة تجعلك تأسف على كل معان الأمومة وعلى من يسكن تلك البطن النافرة تحديدا (ربما كان تأخره في المجيء احتجاجا بطريقة ما على هذا العالم الذي توشك أمه أن تضعه فيه ...) ...
لم يكن هناك أي زي نسائي "محترم"، لا يوجد "الأميرة النائمة" أو "الجنية الطيبة" أو حتى الشريرة ولكن المحتشمة على الأقل ! ... كانت هناك سيدة واحدة بدينة ترتدي ملابس القرويات الأوروبيات (الهولنديات تحديدا ، بدلالة القبقاب الخشبي المميز) وكان رفيقها يرتدي زي ما قبل التاريخ ، أي إنه تعرى بالنيابة عنها أيضا ... ووضع شعرا مستعارا كثيفا على صدره ليستعير فحولة منقرضة ...
بالنسبة للذكور ... كان هناك ملابس لدراكولا أو زومبي أو القراصنة "العائدين من جديد !" وبعض الشخصيات المتفرقة الأخرى ، كما كان هناك كمية كبيرة من الذكور الذين ارتدوا ماكياجا نسائيا كاملا (وهو الأمر الذي أشهد لواشنطن أني لم أصادفه فيها من قبل إطلاقا ...) ...
حتى زي معتقلي "غونتانامو" كان له حصة في ذلك ... لم أشاهد أي زي لشخصية "طيبة" أو إنسانية ... صحيح إن الهالويين قد رسخ باعتباره يوما للموتى والأرواح ، لكن هناك موتى طيبون وأرواح طيبة أيضا ، حتى شخصيات السوبرمان أو الوطواط التي رسخت في أذهاننا صورة البطل الفرد الذي ينقذ كوكب الارض ومن عليه ، لم أشاهده إطلاقا ... بل شاهدت بدلا عنه هياكل عظمية تجوب الشوارع وترفع أقنعتها لتشرب البيرة .. أكثر الأزياء إنسانية واحتشاما بدت لي زي "الدب" الذي كان من المفترض أن يكون مرعبا ... لكنه بدا أكثر ألفة وإنسانية من كل الأزياء الأخرى ...
(فلنتذكر هنا أن زي سجين غوانتانامو بالنسبة للغربيين لا يمثل نفس الصورة الذهنية التي في أذهاننا عن السجين المظلوم ، بل هو يمثل "عدوا محتملا" ... أي أنه يصب ضمن الشخصيات الشريرة الأخرى ، ولو كانت هناك أزياء لشخصيات إنسانية لقلت إنه ربما يمثل احتجاجا ضمنيا على اختراق القانون والدعوة إلى إغلاق المعتقل وهي دعوة موجودة فعلا ، كما إني قرأت في إحدى المواقع الخاصة بأزياء هالويين تحذيرا شديدا وجادا من ارتداء "زي الانتحاري وحزامه الناسف" ...) ...
من الأمور الشائعة جدا والمكملة للأزياء باختلافها ، هو "ندبة" مستعارة في العنق أو الوجه ... كما لو أنها طعنة لم تلتئم تماما ، تشترك في ذلك الممرضة الفرنسية والشرطية وأرنبة البلاي بوي ، مع دراكولا أو الهيكل العظمي ... الجميع – تقريبا – يمتلك تلك الطعنة غير الملتئمة ...
كان من الواضح جدا أن وراء الأكمة ما وراءها ... وأن اختيار الأزياء لم يكن صدفة أو عشوائيا على الاطلاق ، بل إن كل هؤلاء يعبرون عن مظاهر عميقة في الحضارة الغربية ، سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه ...
عدت إلى البيت قبل أن يبدأ الاحتفال الرسمي (ليس ذلك لأنفي وجودي في مهرجان العربدة والمجون بل لأني ببساطة أنام مبكرا أكثر من قدرتكم على التخمين) ... وعندما بحثت على الشبكة على التفسيرات النفسية العلمية للظاهرة وجدت أرشيفا كاملا من الدراسات والأبحاث التي تثبت أن الأمر أكبر بكثير من مجرد زي تنكري واحتفال سنوي ... كل "زي" من هذه الازياء يمثل من وجهة نظر علم النفس الشخصية الكامنة التي توجد في أعماق الفرد ، بل ربما يكون متنكرا السنة كلها بملابس رسمية وجادة ، ولا تظهر شخصيته الحقيقية إلا ليلة الهالويين ... ربما يعبر عبر هذا الزي عن أعمق رغباته ، أو عن رأيه الحقيقي في نفسه ...
هل يمكن تجاهل زي المومس والتنويعات عليه باعتباره الزي الأكثر انتشارا بين الإناث ؟ هل يمكن حقا أن لا نربط بين ذلك وبين حقيقة أن المرأة الغربية صارت مشاعا جنسيا حتى لو كان ذلك برغبتها (الظاهرة) وبكامل إرادتها (المجبرة والمقنعة بالاختيار) ... أو ما سيبدو أنه كامل إرادتها لكنه في الحقيقة إملاء من إملاءات الحضارة التي تحتوي ذلك ؟!
هل يمكن أن نتجاهل "أرنبة" البلاي بوي ... مع حقيقة أن الحضارة الغربية التي حررت المرأة لا تزال تشترط عليها أن تكون "أرنبة" ... أي أداة جنسية مطيعة ... حتى لو كانت تحمل أرقى الشهادات وتتشدق بحقوق المرأة ومكانتها ... ؟!
هل يمكن إلا أن يكون ذلك مرتبطا ... ومرتبطا أيضا مع الحقيقة "الإحصائية" التي وثقتها دراسة حديثة نشرت مؤخرا (أغسطس2009) عن كون شعور المرأة الأمريكية بالسعادة قد قل بانتظام خلال الأربعين سنة الماضية ، ووصل إلى أدنى نقطة في هذه السنة بالذات ، أي في السنة التي أشرفت فيها المرأة على المنافسة في دخول البيت الأبيض ... (الدراسة جرت في جامعة بنسلفانيا ونشرتها المجلة الاقتصادية الأمريكية ، نسخة من الدراسة إلى حركات تغريب المرأة عندنا ، لكن مالذي أقوله ؟ الدراسة لا تهم والإحصاءات لا تهم ، والسعادة أيضا لا تهم ، المهم هو التغريب وليذهب كل شيء بعده إلى الجحيم ... !)
هل يمكن أيضا الهرب من اختيارت الذكور التي تركزت على الشخصيات الشريرة ؟ المحللون النفسيون يبرزون هناشعورا مزمنا بالذنب يؤدي إلى إختيار الشخصيات الشريرة ، ويبرزون كذلك شعورا مزمنا باللا أمان insecurityالذي يجعل اختيار شخصيات قوية وشريرة نوعا من آلية الدفاع عن النفس ... كما لو أن المجتمع الأمريكي بماكنته الاستهلاكية يسحق الأفراد كما يسحقهم وحش مفترس ، ولا يجد هؤلاء وهم في براثنه إلا أن يتقمصوا وحشا آخر صغيرا كرد فعل دفاعي لا تأثير له غير الظهور في ليلة الهالويين ...
و ذلك الماكياج النسائي المفرط على وجوه الذكور ، ألا يعكس حيرة في الهوية لا بد أن تنتج في خضم فوضى انهيار الجدران بين الجنسين ؟
وتلك الندبة غير الملتئمة ؟ هل يمكن إلا أن تكون ذلك الجرح النازف باستمرار من البقية الباقية من الفطرة ؟
استوقفني أيضا زي سجين غوانتانامو ... هل هو اختيار لا واع يبرز أن المجتمع كله – وليس غوانتانامو فحسب – قد تحول إلى "معتقل "لا قانوني لأن قضبانه غير مرئية ولكنها لا تقل قوة وهيمنة عن أعتى القضبان الحديدية ... قضبان وسلاسل استهلاكية تنشؤها الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال و تشد الفرد إلى المزيد من الديون المتراكبة التي يبقى رهينا بتسديدها طيلة حياته ... وكذلك عبودية القرن المتمثلة في "الوظيفة" ... سيما في الشركات العالمية ...
بدت لي ليلة الهالويين مناسبة حزينة يطلق فيها البشر إشارات استغاثة صاخبة ، لكن للأسف يساء فهم صخبها على أنه دلالة الاحتفال والسعادة ...
لا تساؤلات عندي بشأن ما سيرتديه أعضاء النخب عندنا وهم يقيمون الهالويين في فنادق الخمس نجوم والنوادي الأرستقراطية ، فنحن نستورد المناسبات وملابسها وأمراضها حزمة واحدة ، وحتى لو لم نكن نعاني من المرض فلا بأس من التمارض وادعاء المرض من أجل أن نبدو متقدمين ونليق بالهالويين ...
أما لو دعي أدعياء التجديد الديني ودعاة التغريب إلى حفلة كهذه ، فلا شك عندي أنهم سيختارون – بلا وعي- شيئا يعبر عن حقيقتهم : ربما اليقطينة المجوفة ستكون رمزا مناسبا ، يعبرون فيه عن كونهم مجرد قشرة فارغة من اللب ، أو ربما زي "فزاعة الطيور" ... "خيال المآتة" سيعبر عنهم أفضل ... بفارق إن "خيال المآتة" لها ظل ... أما هؤلاء فلا ظل لهم ...