تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أردوغان: رجل دولة في تركيا و“نجمٌ” في بلاد العرب



من هناك
11-02-2009, 02:03 PM
أردوغان: رجل دولة في تركيا و“نجمٌ” في بلاد العرب

الأحد, 1 نوفمبر 2009
د. وائل مرزا

لا يوجد مثالٌ يُعبّرُ عن قيمة (البطل الفرد الزعيم..) في الثقافة السياسية العربية المعاصرة كما هو الحال مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. والذي يحاول فهم التجربة التركية الراهنة من خلال الأدبيات المكتوبة عن الرجل في الصحافة العربية يظلم نفسه ويظلم التجربة. لأنه سيعتقد أن النقلة التي شَهِدتها وتَشهدُها تركيا تتمحور حول شخصية الرجل وإمكاناته. بل إن تلك الأدبيات توحي، بالتصريح حيناً وبالتلميح أحياناً، إلى أنه يمتلك قدرات خارقة هي التي تكمنُ وراء نجاحاته وإنجازاته.
هكذا، تُخفق الثقافة السياسية العربية بشكلٍ عام، وتلك التي ينطلق منها غالبية (الإسلاميين) العرب خصوصاً، في رؤية جانبين هامين يتعلقان بصورة أردوغان. فهي أولاً تُغيّبُ دور المؤسسة وتُركّز على دور الفرد. وبقدرة قادر، تُختزل الماكينة الفكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية الضخمة لحزب العدالة والتنمية في شخص رئيس الوزراء. ولايظهرُ، ولو في خلفية الصورة، دور عشرات المؤسسات العاملة في كل مفصلٍ من مفاصل الحياة التركية. تتفاعل مع الواقع، وتتعلّم منهُ. تُغيّرهُ في جانب، وتتغير معه في جانبٍ آخر. تُعطيه بقدر ماتأخذ منه، وتعيشُ في قلب اهتماماته وأوجاعه وطموحاته ولحظته الراهنة. والأهمّ من هذا، يختفي في رؤية تلك الثقافة الجهدُ الأكاديمي والفكري الهائل الذي كان نواة المرحلة الثانية من تجربة الإسلاميين في تركيا مع بداية الثمانينيات. ويضيعُ الجهد الكبير الذي قامت به شرائح واسعة من أساتذة الجامعات والمثقفين والباحثين، لصياغة برنامج انتخابي يخاطب الإنسان التركي، ويشرح له ماذا سيفعل الحزب للتعامل مع مشكلاته اليومية والحياتية، بعيداً عن الشعارات واللافتات والهتافات.
صحيحٌ أن لدى بعض الساسة جاذبيةً أو (كاريزما) خاصة لاتتوفر للآخرين، ولايمكن إجمالاً إنكارُ العامل الشخصي لدى الأفراد المتفوقين في نجاحهم ونجاح مؤسساتهم. لكن المشكلة تكمن في تغييب أسباب التفوق المذكور، وفي مقدمتها التجربة والخبرة والجهد والإصرار والمثابرة والتعلّم من الأخطاء. وهو الجانب الآخر الذي لاتهتمُّ به الثقافة السياسية التي نتحدث عنها. فهي تُجمّدُ التاريخ، وتتناسى مسألة التطور، وتُصوّر الشخص كما يعرفهُ الجميعُ الآن وكأنه نزل فجأةً هديةً من السماء. ومع غياب عقلية البحث والمتابعة والتقصّي والاستفسار، يُخيّلُ للكثيرين بأن أردوغان قفز من المجهول إلى قمة الهرم بطريقةٍ هي أشبه بالسحر والمعجزات، في حين أن الحقيقة أمرٌ آخر.
فقد رشّحهُ حزبُ الرفاه الذي كان ينتمي إليه لعضوية البرلمان التركي عام 1987م فلم ينجح، ورشّحه مرةً ثانية عام 1991م، فكان نصيبه الفشل أيضاً.. ويبدو أن هذه التجربة نفسها كانت درساً في أن الشخصية المتميّزة في موقع قد لاتكون كذلك في موقعٍ آخر، مالم تكتسب المزيد من الخبرات والإمكانات.
وصل الرجلُ إلى رئاسة فرع حزب الرفاه في مدينة اسطنبول عام 1985م وعمره يتجاوز بالكاد الثلاثين عاماً. لكنه كان بحاجةٍ إلى تسع سنواتٍ أخرى لينتقل من زعيمٍ للنخبة إلى زعيمٍ للجماهير. ورغم أنه كان يبيع البطيخ في المرحلتين الابتدائية والإعدادية لمساعدة عائلته، ورغم أنه أصبح بعد ذلك لاعب كرة قدم في أحد النوادي، إلا أن صعوده الأول السريع في عالم السياسة أخذه فيما يبدو بشكلٍ خاطف من أجواء الناس العاديين إلى كواليس أهل النخبة. فكان لابدّ من فترةٍ لاستعادة الشعور العميق بنبض الشارع.
تعلّم الرجل وحزبهُ الكثير من التجربتين على مدى أعوام، وكان لابد أيضاً من تغيير مدخله إلى الحياة العامة. فانتقل التركيز من الانتخابات البرلمانية إلى الانتخابات البلدية، ليظهر بعد ذلك رئيساً لبلدية اسطنبول عام 1994م. وفعلاً، ظهرت إنجازاته في ذلك الموقع، لأن الرجل أعاد اكتشاف قدرته على التواصل المباشر مع البسطاء والكادحين الذين يُشكّلون غالبية أبناء الشعب. لكن التجربة كانت تحتاج إلى المزيد من الدروس، خاصةً فيما يتعلق بموازنات الواقعية والمثالية. فعادَ إلى السجن عام 1998م بعد أن فقع خطبةً حماسيةً في أنصاره وجماهيره. كانت هذه تجربةً ثانية مفيدة. لأن تلك العلاقة الحميمة مع الجماهير يمكن أن تخلق لدى السياسي جرعة زائدةً من الحماسة في مجال التعامل معها والاستجابة لعواطفها.
هكذا، أمضى أردوغان أكثر من خمسة عشر عاماً وهو يعمل بدأب للبحث عن موقعه المثالي، وعن نقاط التوازن الحساسة في مسيرته السياسية ليصبح رجل دولة. لم يكن وصول الرجل إلى ماوصل إليه إذاً قفزةً سحريةً سريعة، وإنما كانت رحلةً طويلةً مليئةً بتجارب متنوعة تمزج بين الإصرار والعزيمة من جانب، وبين المرونة والواقعية من جانبٍ آخر، مع تحفزٍ دائمٍ للاستفادة من الدروس والأخطاء، تأتي كلّها في سياق علاقةٍ وثيقةٍ ومتكاملةٍ مع المؤسسة بكل ماتقدمه من طاقات وإمكانات، وتتطلبه من جهود نفسية وعملية للتأقلم مع الظروف والمتغيرات.
بل إن الأمر تطلّب مراجعةً أكبر على الصعيدين المؤسساتي والفردي نتج عنها الانشقاقُ عن حزب المعلّم أربكان، وإنشاء حزبٍ آخر يُلامس متطلبات الواقع المحلي والإقليمي والعالمي بمقارباتٍ تختلف عن مقاربات الحزب الأصلي. وهذا موضوعٌ يحتاج إلى مقامٍ آخر للبحث فيه بشكلٍ يعطيه حقّه. لأنه يُسلّط الضوء على إشكالات أخرى تتعلق بالثقافة السياسية العربية والإسلامية السائدة نفسها، وبطريقة فهمها للتجربة التركية.
المهمّ في المسألة أن (نجومية) أردوغان العربية لاتُعبّر عن واقع الحال. ولاتُفيد كثيراً في إدراك أبعاد وآفاق التجربة التركية الهامة. ولكنها تساعدنا كثيراً على إدراك حقيقة مؤلمة: إن الفردية السياسية ليست ممارسةً محصورةً في شريحةٍ معينة من شرائح المجتمع في هذا العالم العربي.. وإنما هي في نهاية المطاف ثقافةٌ عامة، لاتساعد على ظهور رجال دولة بقدر ماتستهلك أصحابَها في البحث عن النجوم والأبطال. ثقافةٌ يفهم الكثيرون هذا العالم وظواهره من خلالها فقط، ومن مدخلها الوحيد ينتظرون بلهفةٍ وشوق معجزة الإنقاذ والخلاص..

عبد الودود
11-02-2009, 02:18 PM
وعدو ظالم عند المستضعفين في أفغانستان .