تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : محاذير العمليات الاستشهادية أو الانتحارية



طرابلسي
11-01-2009, 02:44 PM
محاذير العمليات الاستشهادية أو الانتحارية

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
فقد كثُر الكلام عن حكم العمليات الاستشهادية أو الانتحارية، وإلى الساعة لا تزال تتكرر علي نفس الأسئلة حول هذا الموضوع، فالفاعل ما زال مستمر على فعله، والذي لا يرضى يشجب ويستنكر ويحاول أن يتصدى ويُوقف هذه الإشياء، والضحية لا زالت تدفع الثمن من دمها ودم أبنائها.
وللمؤيدين أضع بين يديكم مختصر لآراء الشيخ أبو بصير حول هذه المسألةخلاصة قوله
" فقد قلت، وأقول: هذه العمليات هي أقرب عندي للانتحار منها للاستشهادية .. وهي حرام لا تجوز .."
وذكر عدة من المحاذير تجعلها تكون كما ذهب إليه، أذكرها اليكم جزء منها بإختصار، عسى أن تلقى آذاناً صاغية وقلوب واعية.
الكلام هنا للشيخ:
( 1- أهمها أنها تعني بالضرورة قتل المرء لنفسه بنفسه .. وهذا مخالف لعشرات النصوص الشرعية المحكمة في دلالتها وثبوتها، التي تُحرم على المرء أن يقتل نفسه بنفسه أيَّاً كان السبب الباعث على فعل ذلك،والتي منها قوله تعالى:)وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (النساء:29-30.
وقوله تعالى:)وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ(البقرة:195.
ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:" مَن قتل نفسه بحديدةٍ فحديدتُه في يده يتوجَّأُ بها في بطنه في نار جهنَّمَ خالداًَ مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سَمَّاً فقتل نفسه فهو يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردَّى من جبلٍ فقتلَ نفسه فهو يتردى في نار جهنَّم خالداً فيها أبداً " مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم:" من قتلَ نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة " مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم:" كان فيمن كان قبلكم رجلٌ به جرحٌ، فجزِعَ، فأخذَ سكيناً فحزَّ بها يدَه، فما رقأ الدمُ حتى مات، قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه، حرَّمتُ عليه الجنة " البخاري.
وما استُدل به على جواز أن يقتل المرء نفسه بنفسه لغرض إنزال النكاية بالعدو .. كالأدلة الدالة على جواز الإقدام والانغماس في صفوف العدو .. وقصة الغلام مع الملك .. ومسألة قتل الترس .. فهي أولاً لا تعني أن يقتل المرء نفسه بنفسه .. وإنما تعني أن يُقتلَ على يد عدوه أو غيره لا بيد نفسه ..
وهي ثانياً متشابهة في دلالتها على جواز قتل المرء لنفسه بنفسه لغرض النكاية بالعدو .. حمَّالة أوجه ومعانٍ .. يُمكن صرفها إلى أكثر من معنى .. وإلى أكثر من وجه .. غير معنى ووجه قتل النفس بالنفس .. وما كان كذلك لا يصلح أن يكون دليلاً في المسألة .. ولا تُرد بمثله الأدلة المحكمة القطعية في دلالتها وثبوتها .. ولا يقوى على دفعها ومعارضتها ..

2- ومن محاذير هذا العمل أنه في الغالب ـ كما هو مشاهد ـ مؤداه إلى قتل الأنفس البريئة المعصومة شرعاً بغير وجه حق .. سواء كانت هذه الأنفس المعصومة من المسلمين أم من غيرهم .. وهذا محذور لا ينبغي الاستهانة به .. بل ينبغي الاحتراز له كثيراً كثيراً؛ فالمرء لا يزال دينه بخير ما لم يُصب دماً حراماً، قال تعالى:)وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً(النساء:93. وقال تعالى:)وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ(الإسراء:33. وقوله تعالى:)وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً(الفتح:25.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اجتنبوا السبعَ الموبقات "، منها:"قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ...".
وقال صلى الله عليه وسلم:" كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعِرضه ..".
وقال صلى الله عليه وسلم:" لقتل مؤمنٍ أعظم عند الله من زوال الدنيا "!
وقال صلى الله عليه وسلم:" من آذى مؤمناً فلا جهاد له "؛ هذا فيمن يؤذي مؤمناً ـ مجرد أذى ـ فكيف فيمن يقتله .. ويتعمد قتله؟!
هذه أدلة محكمة قطعية في دلالتها وفي ثبوتها .. لا يُمكن ردها أو تعطيلها .. أو الاستهانة بها بأدلة متشابهة حمالة أوجه .. أو لذرائع واهية ضعيفة لا تقوى على الوقوف أمام تلك النصوص المحكمة الآنفة الذكر؛ كذريعة التترس .. إذ يكثر الاستدلال بها في هذا الزمان!!
التترس ـ الذي يُبيح قتل الأنفس المعصومة ـ له صفات وشروط؛ لو انتُقص شرط واحد منها، بطل العمل بفقه التترس .. وكذلك الاستدلال بأدلة التترس!
منها: أن يستحيل رد عدوان العدو إلا من جهة الترس .. إذ لو وجد سبيلاً لرد عدوان العدو من جهات عدة غير جهة الترس .. لا يجوز حينئذٍ قتل الترس وتعريضه للخطر .. ولا مواجهة العدو من جهة الترس.
ومنها: أن يكون قتال العدو لا يحتمل التأخير ولا التواني .. أو التربص .. أما إن كان يحتمل التأخير أو التربص إلى حين نجاة المتترس بهم .. أو ابتعادهم أو إبعادهم عن ساحات المواجهة ـ وبخاصة إن كان الترس متحركاً وهو لا يعلم أنه ترس كما هو مشاهد في كثير من الحالات ـ لا يجوز حينئذٍ قتال العدو واقتحامه من جهة المتترس بهم .. وتعريض المتترس بهم للخطر؛ فلأن يتربص المجاهد ساعات .. بل وأياماً حتى يظفر بعدوه مستقلاً عن الترس .. خير له ألف مرة من أن يستعجل المواجهة على حساب الأنفس المعصومة البريئة، وهذا مما يدخل في معنى قوله تعالى:)فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن:16.


والسؤال الذي يطرح نفسه ويحتاج إلى جواب منصف وجريء: هل العمليات التي تُسمى بالاستشهادية تُراعي هذه الشروط والقيود ـ الآنفة الذكر ـ حتى يصح الاستدلال عليها بفقه وأدلة الترس والتترس ..؟!!

ثم أن الغايات ـ في ديننا وشريعتنا ـ لا تبيح الوسائل الباطلة الغير مشروعة .. فالمباح لا يُدفَع ولا يُجلب بالمعصية .. ولو حصل العجز فعلاً عن إدراك العدو .. فالبديل حينئذٍ الإعداد .. والصبر .. والتربص .. وأن يُقعَد للعدو كل مرصد .. والتقوى .. والدعاء .. وإن طال الزمن .. لا أن يستعجل المرء قتل نفسه بنفسه .. أو أن يَقتل من عصم الشارع دماءهم وحرماتهم .. متذرعاً بقلة الصبر ونفاد الحيلة .. فأمر الجهاد لا يُتقنه إلا الرجل المكِّيث .. قليل الأنفاس .. شديد الصبر! ) أهـجزاكم الله خيراً وجعلكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

منقول من منتدى أنا مسلم