تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جهل الجهال بمذهب الامام علي رضي الله عنه



منير الليل
10-15-2003, 05:50 AM
جهل الجهال بمذهب الامام علي

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة )[2] .
وروى عنه مولاه سفينة أنه قال :
( الخلافة ثلاثون سنة ، ثم تصير ملكا ) [3] .
فكان آخر الثلاثين حين سلم سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحسن بن علي رضي الله عنهما الأمر إلى معاوية .
وكان معاوية أول الملوك ، وفيه ملك ورحمة ، كما روى في الحديث :
( ستكون خلافة نبوة ، ثم يكون ملك ورحمة ، ثم يكون ملك وجبرية ، ثم يكون ملك عضوض ) [4].

وقد ثبت عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من وجوه أنه لما قاتل أهل الجمل لم يسب لهم ذرة، ولم يغنم لهم مالا ، ولا أجهز على جريح ، ولا اتبع مدبرا ، ولا قتل أسيرا ، وأنه صلى على قتلى الطائفتين بالجمل وصفين ، وقال : ( إخواننا بغوا علينا )[5] . وأخبر أنهم ليسوا بكفار ولا منافقين ، واتبع فيمـــا قاله كتاب الله وســـنة نبيــه صلى الله عليه وسلم ، فإن الله سماهـــم


_______________________

[2] رواه ابو داود و الترمذى وابن ماجه ، صحيح صحيح الترغيب 1/123 .
[3] رواه احمد ، صحيح صحيح الجامع 3336 .
[4] اخرجه ابو داود والترمذى واحمد ، صحيح الصحيحة 5 .
[5] رواه ابن ابى شيبة .

إخوة وجعلهم مؤمنين في الاقتتال و البغي كما ذكر في قوله : (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا )).
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح أنه قال : ( تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ) [1] .

وهذه المارقة هم أهل حروراء ، الذين قتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه لما مرقوا من الإسلام ، وخرجوا عليه ، فكفروه ، وكفروا سائر المسلمين ، واستحلوا دمائهم وأموالهم .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة أنه وصفهم وأمر بقتالهم ، فقال : يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقرآنه مع قرآنهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو يعلم الذين يقتلونهم ما لهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل )[2] . فقتلهم علي رضي الله عنه وأصحابه ، وسر أمير المؤمنين بقتلهم سرورا شديدا وسجد لله شكرا ، لما ظهر فيهم علامتهم وهو المخدج اليد ، الذي على يده مثل البضعة من اللحم ، عليها شعرات فاتفق جميع الصحابة على استحلال قتالهم ، وندم كثير منهم كابن عمر وغيره على ألا يكونوا شهدوا قتالهم مع أمير المؤمنين ، بخلاف ما جرى في وقعة الجمل وصفين ، فإن أمير المؤمنين كان متوجعا لذلك القتال ، متشكياً مما جرى ، يتراجع هو وابنه الحسن القول فيه ، ويذكر له الحسن أن رأيه ألا يفعله .

فلا يستوي ما سر قلب أمير المؤمنين وأصحابه وغبطه به من لم يشهده ، مع ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه وساءه وساء قلب أفضل أهل بيته ، حب النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي قال فيه : ( اللهم إني أحبه فأحبه ، وأحب من يحبه )[3] . وإن كان أمير المؤمنين هو أولى بالحق ممن قاتله في جميع حروبه .
ولا يستوي القتلى الذين صلى عليهم و سماهم إخواننا ، والقتلى الذين لم يصل عليهم ، بل قيل له: من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ؟ فقال : هم أهل حروراء.


________________________
[1] أخرجه مسلم وأبو داود عن أبي سعيد .
[2] رواه الشيخان .
[3] رواه البخارى .


فهذا الفرق بين أهل حروراء وبين غيرهم الذي سماه أمير المؤمنين في خلافته بقوله وفعله موافقا فيه لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هو الصواب الذي لا معدل عنه لمن هدى رشده ، وإن كان كثير من علماء السلف والخلف لا يهتدون لهذا الفرقان ، بل يجعلون السير في الجميع واحدة . فإما أن يقصروا بالخوارج عما يستحقونه من البغض واللعن والقتل وإما أن يزيدوا على غيرهم ما يستحقون من ذلك .

عوامل الضلال

وسبب ذلك قلة العلم والفهم لكتاب الله وسنة رسوله الثابتة عنه ، وسيرة خلفائه الراشدين المهديين، وإلا فمن استهدى الله واستعانه ، وبحث عن ذلك ، وطلب الصحيح من المنقول ، وتدبر كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وسنة خلفائه رضي الله عنهم ، ولا سيما سيرة أمير المؤمنين الهادي المهدي التي جرى فيها ما اشتبه على خلق كثير فضلوا بسبب ذلك ، إما غلوا فيه ، وإما جفاء عنه ، كما روى عنه قال : ( يهلك في رجلان : محب غال يقرظني بما ليس في ، ومبغض قال يرميني بما نزهني الله منه )[1] .

وحد ذلك وملاك ذلك شيئان : طلب الهدى ، ومجانبة الهوى ، حتى لا يكون الإنسان ضالا وغاويا ، بل مهتديا راشدا ، قال الله تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم : (( والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )) . فوصفه بأنه ليس بضال - أي ليس بجاهل - ولا غاو - أي ولا ظالم - فإن صلاح العبد في أن يعلم الحق ويعمل به ، فمن لم يعلم الحق فهو ضال عنه . ومن علمه فخالفه واتبع هواه فهو غاو ، ومن علمه وعمل به كان من أولى الأيدي عملا ، ومن أولى الأبصار علما ، وهو الصراط المستقيم الذي أمرنا الله سبحانه في كل صلاة أن نقول : (( اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين )) .
فالمغضوب عليهم : الذين يعرفون الحق ولا يتبعونه كاليهود ، والضالون : الذين يعملون أعمال القلوب و الجوارح بلا علم كالنصارى . ولهذا وصف الله اليهود بالغواية في قوله تعالى: (( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا )) .


__________________
[1] رواه احمد واسناده ضعيف وجاء عند ابن ابى عاصم ( يهلك في رجلان مفرط فى حبى ومفرط فى بغضى ) وحسنه الالبانى السنة لأبى عاصم 984 .

ووصف العالم الذي لم يعمل بعلمه في قوله تعالى : (( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه )) . ووصف النصارى بالضلال في قوله تعالى : (( ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل )) .
ووصف بذلك من يتبع هواه بغير علم حيث قال : (( وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين )) . وقال : (( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله )) .

وأخبر من اتبع هداه المنزل فإنه لا يضل كما ضل الضالون ، ولا يشقى كما يشقى المغضوب عليهم فقال : (( فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى )) . قال ابن عباس : تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة .

ومن تمام الهداية : أن ينظر المستهدي في كتاب الله وفيما تواتر من سنة نبيه ، وسنة الخلفاء ، وما نقله الثقات الأثبات ، ويميز بين ذلك وبين ما نقله من لا يحفظ الحديث ، أو يتهم فيه بكذب لغرض من الأغراض ، فإن المحدث بالباطل إما أن يتعمد الكذب ، أو يكذب خطأ لسوء حفظه أو نسيانه ، أو لقلة فهمه وضبطه .

ثم إذا حصلت للمستهدى المعرفة بذلك تدبر ذلك ، وجمع بين المتفق منه ، وتدبر المختلف منه ، حتى يتبين أنه متفق في الحقيقة وإن كان الظاهر مختلفا ، أو أن بعضه راجح يجب اتباعه ، والآخر مرجوح ليس بدليل في الحقيقة ، وإن كان في الظاهر دليلا .
أما غلط الناس فلعدم التمييز بين ما يعقل من النصوص والآثار ، أويعقل بمجرد القياس والاعتبار ، ثم إذا خالط الظن والغلط في العلم هوى النفوس ومناها في العمل صار لصاحبها نصيب من قوله تعالى: (( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى )) .

وهذا سبب ما خلق الإنسان عليه من الجهل في نوع العلم ، والظلم في نوع العمل فبجهله يتبع الظن ، وبظلمه يتبع ما تهوى الأنفس . ولما بعث الله رسله وأنزل كتبه ، لهدى الناس وإرشادهم ، صار أشدهم اتباعا للرسل أبعدهم عن ذلك ، كما قال تعالى : (( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم )) .

ولهذا صار ما وصف الله به الإنسان لا يخص غير المسلمين دونهم ، ولا يخص طائفة من الأمة ، لكن غير المسلمين أصابهم ذلك في أصول الإيمان التي صار جهلهم وظلمهم فيها كفراناً وخسرانا مبينا، ولذلك من ابتدع في أصول الدين بدعة جليلة أصابه من ذلك أشد مما يصيب من أخطأ في أمر دقيق أو أذنب فيه ، والنفوس لهجة بمعرفة محاسنها ، ومساويء غيرها .

وأما العالم العادل فلا يقول إلا الحق ، ولا يتبع إلا إياه ، ولهذا من يتبع المنقول الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلفائه ، وأصحابه ، وأئمة أهل بيته ، مثل الإمام علي بن الحسين زين العابدين ، وابنه الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر ، وابنه الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق شيخ علماء الأمة ، ومثل أنس بن مالك ، والثوري وطبقتهما ، وجد ذلك جميعه متفقا مجتمعا في أصول دينهم ، وجماع شرائعهم ، ووجد في ذلك ما يشغله وما يغنيه عما أحدثه كثير من المتأخرين من أنواع المقالات التي تخالف ما كان عليه أولئك السلف وهؤلاء المتأخرين ، ممن ينتصب لعداوة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويبخسهم حقوقهم ، ويؤذيهم ، أو ممن يغلو فيهم غير الحق ، ويفتري عليهم الكذب ، ويبخس السابقين والطائعين حقوقهم ، ورأى أن في المأثور عن أولئك السلف في باب التوحيد والصفات ، وباب العدل والقدر ، وباب الإيمان والأسماء والأحكام ، وباب الوعيد والثواب ، والعذاب ، وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وما يتصل به من حكم الأمراء أبرارهم وفجارهم ، وحكم الرعية معهم ، والكلام في الصحابة والقرابة ما يبين لكل عاقل عادل أن السلف المذكورين لم يكن بينهم من النزاع في هذه الأبواب إلا من جنس النزاع الذي أقرهم عليه الكتاب والسنة كما تقدم ذكره ، وإن البدع الغليظة المخالفة للكتاب والسنة ، واتفاق أولي الأمر الهداة المهتدين إنما حدثت مع الأخلاف ، وقد يعزون بعض ذلك إلى بعض الأسلاف ، تارة بنقل غير ثابت ، وتارة بتأويل لشيء من كلامهم متشابه .
ثم إن من رحمة الله أنه قل أن ينقل عنهم شيء من ذلك إلا وفي النقول الصحيحة الثابتة عنهم للقول المحكم الصريح ما يبين غلط الغالطين عليهم في النقل أو التأويل ، وهذا لأن الصراط المستقيم في كل الأمة بمنزلة الصراط في الملك ، فكمال الإسلام هو الوسط في الأديان والملك ، كما قال تعالى: (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا )) لم ينحرفوا انحراف اليهود والنصارى والصابئين .

فكذلك أهل الاستقامة ، ولزوم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما عليه السلف ، تمسكوا بالوسط ، ولم ينحرفوا إلى الأطراف ، فاليهود مثلا جفوا في الأنبياء والصديقين حتى قتلوهم وكذبوهم ، كما قال الله تعالى : (( فريقا كذبتم وفريقا تقتلون )) ، والنصارى غلوا فيهم حتى عبدوهم كما قال تعالى : (( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق )) الآية .

واليهود انحرفوا في النسخ حتى زعموا أنه لا يقع من الله ولا يجوز عليه ، كما ذكر الله عنهم إنكاره في القرآن حيث قال : (( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها )) والنصارى قابلوهم فجوزوا للقسيسين والرهبان أن يوجبوا ما شاءوا ، ويحرموا ما شاءوا ، وكذلك تقابلهم في سائر الأمور .
فهدى الله المؤمنين إلى الوسط ، فاعتقدوا في الأنبياء ما يستحقونه ، ووقروهم ، وعزروهم ، وأحبوهم ، وأطاعوهم ، واتبعوهم ، ولم يردوهم كما فعلت اليهود ، ولا أطروهم ولا غلوا بهم فنزلوهم منزلة الربوبية كما فعلت النصارى ، وكذلك في النسخ ، جوزوا أن ينسخ الله ، ولم يجوزوا لغيره أن ينسخ ، فإن الله له الخلق والأمر ، فكما لا يخلق غيره لا يأمر غيره .

وهكذا أهل الاستقامة في الإسلام المعتصمون بالحكمة النبوية ، والعصبة الجماعية ، متوسطون في باب التوحيد والصفات بين النفاة المعطلة وبين المشبهة الممثلة ، وفي باب القدر والعدل والأفعال بين القدرية والجبرية والقدرية والمجوسية ، وفي باب الأسماء والأحكام بين من أخرج أهل المعاصي من الإيمان بالكلية كالخوارج أهل المنزلة ، وبين من جعل إيمان الفساق كإيمان الأنبياء والصديقين كالمرجئة والجهمية ، وفي باب الوعيد والثواب والعقاب بين الوعيديين الذين لا يقولون بشفاعة نبينا لأهل الكبائر ، وبين المرجئة الذين لا يقولون بنفوذ الوعيد . وفي باب الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الذين يوافقون الولاة على الإثم والعدوان ، ويركنون إلى الذين ظلموا ، وبين الذين لا يرون أن يعاونوا أحدا على البر والتقوى، لا على جهاد ولا على جمعة ولا أعياد إلا أن يكون معصوما ، ولا يدخلوا فيما أمر الله به ورسوله إلا في طاعة من لا وجود له .

فالأولون يدخلون في المحرمات ، وهؤلاء يتركون واجبات الدين ، وشرائع الإسلام ، وغلاتهم يتركونها لأجل موافقة من يظنونه ظالماً ، وقد يكون كاملاً في علمه وعدله .