تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مروة الشربيني تحاكم العنصريّة الأوروبيّة ... والإسلاموفوبيا



من هناك
10-28-2009, 03:34 AM
مروة الشربيني تحاكم العنصريّة الأوروبيّة ... والإسلاموفوبيا


قاتل الشربيني في دريسدن أمس (رالف هيرش بيرغر ــ أ ب)محاكمة قاتل مروة الشربيني في ألمانيا، وما تضمّنته، من الممكن أن تختصر واقع العنصريّة الجديدة والميل الأوروبي المتعاظم نحو اليمين المتطرّف، ولا سيما أن الجاني ليس ألمانيّاً صرفاً، بل مهاجر على غرار الضحيّة، إلا أنه وجد نفسه متماهياً مع عنجهية النازية

برلين ـ غسان أبو حمد
لعلها تلك الظروف الكثيرة التي يتداخل بعضها مع بعض، مؤسِّسةً عقداً اجتماعياً جديداً يقوم على الكراهية ونبذ الآخر. هكذا ولدت قضية الشابة المصريّة مروة الشربيني، وسط دعوات رسمية في معظم الدول الأوروبية إلى حظر الحجاب في المدارس الألمانية ومنع النقاب في فرنسا، وتصاعد موجة النازيين الجدد الذين يهاجمون كل ما هو أجنبي بغضّ النظر عن انتمائه أو دينه. في مدينة دريسدن التاريخية، التي نالت النصيب الأكبر من قذائف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، والتي تعجّ بالنازيين الجدد، تواصلت أمس لليوم الثاني على التوالي محاكمة قاتل الصيدلانية المصرية مروة الشربيني، المهاجر الروسي الأصل، ألكسندر فينز، الذي نفّذ جريمته مطلع تموز الماضي، في إحدى قاعات مبنى المحكمة نفسه.

المفاجأة الكبرى كانت أمس على لسان رئيس المحكمة توم ماجيافسكي، الذي شهد مقتل الشربيني. القاضي الذي كان على بعد أمتار من القاتل، دمعت عيناه وهو يقول بصوت متقطّع أمس «انقضّ بسكينه، فجأة وبسرعة، كالوحش، وراح يطعن ضحيته، المرأة المصرية الحامل مروة الشربيني».

ماجيافسكي (46 عاماً)، الذي حضر كشاهد، قال في جلسة الاستماع التي ترأستها القاضية بريدغيت فيجغاند، «توقّعت أن يحين دوري وأن أتلقّى الطعنات من سكينه. كان الجاني يوجّه ضرباته إلى المرأة المصرية الحامل بتسارع، كمن يطلق الطلقات النارية من سلاح أوتوماتيكي». وأضاف «كنت أظن أن الجاني يوجه إلى المرأة لكمات قوية بقبضته، فصرخت به طالباً منه التوقف والابتعاد عنها. ثم تدخلت لفضّ الاشتباك، عندها شاهدت السكين الطويلة بيده اليمنى، تراجعت إلى كرسيّ القضاة وضغطت على جرس الإنذار، فوجّه سكينه نحوي لطعني. في هذه اللحظة شعرت بأنني لن أعود إلى منزلي مجدداً».

ويبدو أن المتهم كان في وضع من يريد إفراغ كل ما في قلبه من حقد ضد الأجانب. هذا ما أكده القاضي الشاهد بوصفه لألكس «كان يكره الأجانب ويأسف لعدم وجود الحزب النازي ـــــ الذي انتخبه ـــــ في الحكم. هذا الموقف أزعجني، فوجهت إليه السؤال عن مدى معرفته بتاريخ ألمانيا وعمّا إذا كان في يوم من الأيام في معتقل نازي أو عن مدى معرفته الكاملة بتاريخ الرايخ الثالث».

في هذه الأثناء، تحوّلت المحاكمة في جريمة مقتل الشربيني وإصابة زوجها بجراح خطرة، إلى تظاهرة، تكلّلت بالورود البيضاء، التي حملها حشد المتضامنين مع الضحية. أما مبنى المحكمة، فقد وصفته وسائل الإعلام الألمانية، بأنه «كالقلعة»، بسبب الإجراءات الأمنية التي قام بها أكثر من مئتي شرطي. أمّا الجلسة الأولى، فقد تأخرت عن موعد افتتاحها نحو نصف ساعة، نتيجة التهديدات التي كانت تصل عبر مواقع الإنترنت إلى مؤسسات رسمية ألمانية وعبر الهاتف من أطراف ألمانية متشددة ومتضامنة مع القاتل في الكراهية للمسلمين والعرب والأتراك. وأيضاً من أشخاص مجهولين يعلنون تضامنهم مع «الشهيدة مروة الشربيني»، ويتوعدون مهددين بالانتقام لمن تسوّل له نفسه الإساءة إلى الإسلام.

ولحظة دخول زوج الضحية، الشاهد علوي عماز (32 عاماً) للإدلاء بشهادته، بدت أنظار الحضور شاخصة إلى المتهم الذي أشاح بوجهه، متخفياً وراء نظارة سوداء، رافضاً النظر إلى الشاهد (الزوج). بيد أن الأخير بدأ شهادته بلغة ألمانية جيدة ومن دون لكنة أجنبية.

لقد جاء عماز إلى مدينة دريسدن مع عائلته لمتابعة دراسة الطبّ في جامعة «ماكس ـــــ بلانك»، حيث يقوم بتحضير أطروحة دكتوراه في الطب، بينما كانت زوجته مروة قد أنهت دراستها لعلوم الصيدلة، حسبما ذكر في إفادته أول من أمس.

وبهدوء لافت، روى عماز قصة تلك الجريمة التي بدأت فصولها في أول الصيف، حين خرجت الضحية مع طفلها مصطفى (3 سنوات) إلى حديقة عامة ليس فيها سوى أرجوحتين فقط. وشاءت الصدف أن يكون القاتل أليكس (28 عاماً) مع ابن أخيه يلعبان معاً على الأرجوحتين، حين ركض مصطفى يطلب اللعب. عندها تقدمت الشربيني المحجّبة، وطلبت من أليكس، التنحّي عن أرجوحته لطفلها، لكنه رفض وبدأ يشتم العرب والمسلمين بكلمات قذرة، متهماً المرأة بأنها «إرهابية» و«إسلامية».

لكن صحيفة «دير شبيغل» ذكرت في عددها الصادر في الثاني من أيلول الماضي، أن المتهم قال للضحية، إنه لا يريد لابن أخيه رؤية إسلاميين. وتصاعدت نبرته ليبدأ بالسباب بصوت عال. عندها اتصل الشهود الذين كانوا في المكان بالشرطة، فيما وجّهت الشربيني اتهامها لألكس بالقذف.

ووصف الجاني المسلمين بأنهم وحوش، حسبما يقول كاتب تقرير الصحيفة، شتيفن فينتر، إذ تساءل الجاني «لماذا لم نطردهم من ألمانيا بعد 11 أيلول 2001 (أحداث نيويورك). وبدأ بإطلاق كلمات حول قضية العنصرية. وقال إنه صوّت للحزب الديموقراطي القومي اليميني المتطرف في الانتخابات، ولا يريد اندماج الألمان مع الأجانب.

المفارقة هنا، أن المرأة تريّثت ولم تردّ على الإهانات، لكن أحد المواطنين عرض عليها هاتفه النقال، طالباً منها الاتصال بالشرطة، ففعلت. وحضرت الشرطة، وأحيلت القضية إلى المحكمة، التي غرّمت المتهم بـ50 يورو. إلا أنه رفض الحكم وتقدم بطلب استئناف.

وفي جلسة الاستئناف مطلع تموز الماضي، سأل المتهم هيئة المحكمة «لماذا هي في ألمانيا؟». إلا أن القاضي رفض هذا السؤال. ثم سأله المتهم «لماذا لا تملك في منزلها أرجوحة؟»، حسبما ذكرت «دير شبيغل».

الجاني الروسي يكره المسلمين ويتمنّى عودة الحكم «النازي»
وذكر زوج الضحية، في شهادته، أنه بعد النقاش مع القاضي، فأجأ القاتل الجميع بإمساكه بمروة، التي كانت خلفه، وانهال عليها ضرباً بالسكين أمام عينيْ طفلها. فتدخل لحمايتها وأمسك بقبضة يده، ثم أمسك بنصل السكين ليمنعه من توجيه المزيد من الطعنات لها، وفي غضون ثوان، دخل الضابط الألماني، غونتر غريم، ليطلق رصاصتين استقرت إحداهما في فخذ زوج الضحية، ظنّاً منه أنه المهاجم.

لهذا كان كبير ممثلي الادعاء، فرانك هاينريش، واضحاً في مطالعته بأن المدعى عليه هاجم الشربيني وزوجها بهدف القتل، مضيفاً أن المهاجم تبادل طعن الزوجين بـ«كراهية محضة وعنف شديد».

وعلى عكس ما كان سائداً وقت الجريمة من تجاهل إعلامي ألماني للحدث، حين أرادت السلطات التعامل مع الواقعة كحادث فردي، أجبرت موجة الغضب التي عمّت العالمين العربي والإسلامي والمخاوف من ردة فعل الجالية الإسلامية في ألمانيا سلطات هذا البلد على التعامل بجدية وشفافية مع هذا الملف. ولوحظ في اليوم الأول لسير المحكمة اهتمام وكالات الأنباء ومراسلي الصحف بسير هذه المحكمة، التي وصفتها المحامية الألمانية سوزان شنايدر بأنها «أخطر محكمة في ألمانيا منذ تاريخ الوحدة الألمانية وهي تقع على أراضي أكثر المحافظات تشدداً وميلاً نحو العداء والكراهية للأجانب».

وشهدت قاعة المحكمة، التي ستتواصل فيها الجلسات 11 يوماً، حشداً صحافياً قلّ نظيره، فقد دخل القاعة 44 صحافياً. وسيجري خلال الجلسات الاستماع إلى أقوال نحو ثلاثين شاهداً، على أن يصدر الحكم يوم 11 تشرين الثاني المقبل.

في أي حال، لن ينال قاتل الشابة المصرية أكثر من عقوبة السجن، وهو أمر قد لا يستجيب لما يطالب به الشارع المصري. ففي هذا البلد، الذي أعلن وزير خارجيته، فرانك فالتر شتاينماير، إثر وقوع الجريمة، أنه «لا مكان لمعاداة الأجانب في ألمانيا»، لا مكان لعقوبة الإعدام.

لكن ما يبقى هو أن أرجوحة غير شاغرة في تلك الحديقة، كانت شاهدة على نقاش حامٍ بين مهاجرين، التقى كل منهما، على أرض لا يمتّ بجذوره إلى ترابها أو ثقافتها. ووسط كل وسائل الشحن السياسية والمعيشية، وفي ظل أزمة اقتصادية وثروات موزعة توزيعاً غير عادل، كانت الجريمة قد بدأت بإفراغ سموم العنصرية كلامياً. عنصرية جاءت على لسان مهاجر ضد مهاجرة، يختلفان من جهة المستوى العرقي والاجتماعي والثقافي والديني.