تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مثل الحــــق والبــــاطل [ أبو قتادة الفلسطيني ] حفظه الله وفرج عنه



أبو حسن الحسن
10-08-2009, 06:25 AM
مثل الحق والباطل



http://www.historycommons.org/events-images/403_abu_qatada2050081722-10091.jpg




من أحسن الحديث



{ أنزل من السماء ماءً فسالت أوديةً بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحقّ والباطل فأمّا الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال }.


الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.


سورة الرعد امتلأت بذكر الآيات الكونيّة، فذكرت رفع السماء، وتسخير الشمس والقمر، ومدّ الأرض، وذكرت الجبال والأنهار، ونبّهت إ‌لى عظمة الله في تنوّع الخلق مع وحدة المصدر، وذلك في تنوّع الثمار مع أنّها تُسقى بماء واحد، وأقامت أمام ناظر الإ‌نسان شاهدي البرق والرعد فخوّفت بهما، ومنَّ الله عليه بالسحاب، وختمَتْ هذه الآيات الكونية بقوله { ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال }.


ولمّا كان الأمر القدريّ بالتكوين والخلق، والأمر الشرعي بالنهي والحضّ هما من مصدر واحد هو الله تعالى، كان لا بدّ من تذكير الإنسان بما غاب عنه أو جهله أو عاداه بما يراه ويحسّه ويشهده، ليكون له فيه العبرة، وليكون عليه شاهدا وحجّة.


فكان المثل القرآني العظيم: { أنزل من السماء ماء.. كذلك يضرب الله الأمثال }.


والمثل والأمثال:
"هي وشي الكلام، وجوهر اللفظ، وحلي المعاني" [1].


قال الإمام الجرجاني: (واعلم أنّ مما اتّفق العقلاء عليه: أنّ التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني، أو برزت هي باختصار في معرضه، ونقلت عن صورها الأصليّة إلى صورته، كساها أَبَّهَة، وأكسبها منقبة، ورفع من أقدارها، وشبّ من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب إليها، واستثار لها من أقاصي البلاد الأفئ‍دة صبابة وكلفا، وقسَرَ الطباع على أن تعطيها محبّة وشغفا.. وإن كان وعظا كان أشفى للصدر، وأدعى للفكر، وأبلغ في التنبيه والزجر، وأجدر بأن يجلي الغَيَايَة - أي الحجب - ويبصر الغاية، ويبرئ العليل ويشفي الغليل) [2].


وهذه الآية القرآنية درّة تتلألأ، أنّى جئتها وجدّت لها نورا وضياءً، ووالله لو مثلتْ خَلْقا في هذه الدنيا لأبصرها الناس جوهرة لاشية فيها، وجهها صاف، وكذا جوفها، لها ألف وجه، تبهرك كيف جئت إليها، ومن أي الوجوه نظرت إليها.


ولا أذكر أنّي وقفت في تمثّل المعاني مع أيّ كلام كما تمثّلت في هذه الآية وهذا المثال، فسبحانه ما أعظم كلامه وما أحسنه.


في الآية؛ دليل على حكمة الربّ في خلقه، وذلك بتنوّع الخلق من أجل الفتنة والابتلاء.


وفي الآية؛ دليل على جريان السّنن في هذه الدنيا سواء كان إسناد الفعل إلى الربّ {وأنزل} أو كان إسناد الفعل إلى الخلق {يوقدون} وفي قراءة مشهورة {توقدون} فسنّته لن تتخلّف.


وفي الآية؛ أنّ الخير لا يأتي بالشرّ، ولكن الشرّ هو قدر لا انفكاك لهذه الحياة عنه، ولا يتصوّر الحياة بدونه: { وأنزل من السماء ماء فاحتمل السيل زبدا رابيا }.


وفيها؛ أنّ هناك من المنافع للناس لا تقع على أساس الفطرة القدرية كما في أصل خلقتها، بل لا بدّ لعمل الإنسان فيها ليتحقّق له مقصوده { وممّا يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع }.


وما حادثة تأبير النخل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذاكرتنا ببعيدة.


وفيها؛أنّ وحدة الخلق تدلّ على وحدة الخالق، حتّى لو اختلف الخلق وتعدّد، فالمثل الأوّل: مائي، والثاني: ناري.


وفيها... وفيها.


ولكنّ أعظم ما فيها { كذلك يضرب الله الحقّ والباطل }.


موقع الحقّ من الباطل، وموقع الباطل من الحقّ، ومثل الحقّ مع الباطل.. ولمن الغلبة؟


الباطل هو زبد رابي: كان من قدر الله تعالى، وفتنته لخلقه، ابتلاء لهم وامتحانا، أن يكون الزبد رابيا (أي عاليا)، متعاظما في نفسه، منتفخا تنفّخا صوريّا، ويشمخر على غيره، مع أنّه فارغ الجوف، ساقط القيمة، لا روح له، ولا حياة، فبوضعه هذا يفتتن به أقوام، ويسرق عيونهم وأنظارهم، فيذلّون ويخضعون له، طمعا في أن يكون لهم الرفعة الظاهرة معه، ورجاء أن يعلوا بهم كما علا وربى.


هذا الزبد هو حطام الشيء وفارغه، وأوساخ الأرض وقمامتها، وسقط المتاع المرذول المطروح.


هذا الزبد قشّ رخيص، ونتف الشيء الزائد، مما لا فائدة منه ولا قيمة له، زاد عن حوائج الناس فأَنِفُوا من قُنيَتِهِ فرموه في قارعة الطريق ينتظرون رحمة الله أن تخلّصهم منه.


إي والله هذا هو الباطل وهؤلاء أهله ورجاله.


ولكن أنّى للنفوس الجاهلة أن تبصر الحقائق، وتخرق بصيرتها حجب الظواهر الخادعة فتقف على حقيقة الوجود.


ألم يقل الناس: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظّ عظيم.


ما أضعف الخلق، وما أسرع سقوطهم أمام الظواهر الكاذبة.


في زماننا هذا؛ تعاظم الشرّ وانتفخ، وصار يملأ أماكن الأرض وزمن الحياة، وصوره تملأ أعين الناس وقلوبهم.


فالشر صار ملكا وحاكما، له سحرة يزيّنونه للناس ويملؤون قلوبهم خوفا منه ومحبّة له، يقولون:


حاكمنا - أبقى الله حاكمنا!! - لولاه ما ولدنا، فلنمت في سبيل حاكمنا.


وحاكمنا - أبقى الله حاكمنا!! - لولاه ما أكلنا ولا شربنا، ولا طابت مطاعمنا، ولا ساغت مشاربنا.


وحاكمنا - أبقى الله حاكمنا!! -: هو الذي وهبنا الحرّية والكرامة.


وحاكمنا - أبقى الله حاكمنا!! -: ببركته زاد نسل نسائنا.


وحاكمنا.. وحاكمنا.. ألا لعنة الله على حاكمنا... والله ما هو إلا {زبدا رابيا}.


والباطل صار عاهرة وقوّادا؛ ولكنّه علا فصار بطلا ونجما، وقدوة ومثلا، يحفظ الناس سيرته، وينقبّون عن شمائله وصفاته، ويقلّدونه حذو القذّة بالقذّة.. حتّى لو نبح كالكلاب لنبح عبيده مثله.


قلّب نظرك، واسرح بفكرك؛ فماذا ترى أخي الغريب... إنّها فقاعات الهواء التي تزداد تنفّخا يوما بعد يوم.


ولمّا تعلّق المسلمون بهذا الزبد، تعلّقوا بحقويه ماذا آل حالهم، وكيف انتهى أمرهم... "غثاء كغثاء السيل" .


نعم... إنّهم غثاء يتعلّقون بزبد رخيص مهين، يصرخون ويرطنون: نحن الأعلى... ألسنا فوق، ألسنا في الربى تجبى إلينا ثمرات كلّ شيء، ونأكل من خيرات الأرض، بأموالنا وبترولنا وذهبنا نشتري الخيرات من أي جهة شئنا، فها نحن نركب المركوب الهيّن، ونأكل الطعام الهنيء، ونلبس اللباس الناعم.


ولذلك فأنت لا ترى أقواما في جهنّم وهم يظنّون أنّهم في الجنّة كما هو حال أهل الإسلام هذه الأيّام، وهناك من السحرة - رجال إعلام، ودعاة زندقة، وعمائم شيوخ - يمارسون التزوير وإفساد العقول، فهم يصرخون ليل نهار: بلادنا بخير، وحالنا «ليس في الإمكان أبدع مما كان»، وحاكمنا مؤمن بصير إلى مشاشه، وبلادنا آمنة، فماذا تريدون غير هذا؟!!


الحقّ هو الأبقى والأقوى:


الله عزّ وجلّ { له دعوة الحقّ والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلاّ كباسط كفّيه إلى الماء ليبلغ فاه - وما هو ببالغه - وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}... وتابع الحقّ وصاحبه { وجد الله عنده فوفاه حسابه }... والله عزّ وجلّ {هو الحقّ المبين}.


من الأسباب التي تجعل أهل الجهل من الناس يُعرضون عن الحقّ ولا يتّبعوه ظنّهم أن الحقّ ضعيف، وأنّه قليل غناؤه، ومن تعلّق به لم يكن له إلا طريق الخسارة والبوار، فيستعظمون تبعة الأخذ به، والتعلّق بواجباته، ويقبلون على ما ظاهره الكثرة والقوّة، والارتفاع والعلوّ، لأنّ من جهل النفوس التعلّق بالعاجلة، والاغترار بالظاهر، وعدم الغوص إلى المعاني والحقائق الباطنة، فما هي إلا لحظات حتّى تنجلي الحقيقة فيكتشفون أنّ باطلهم لا روح له، زاهق ضعيف، وأن كثرته ما هي إلا فقاعات ماء، وتجلّى الحقّ بقوّته الهادرة يكتسح سدود الباطل كالطوفان، ويرتفع بعزّة الانتساب إلى الله تعالى، وبوفاء المؤمنين به، ويزداد قوّة بتجذّره في قلوب أهله، فلا يتخلّون عنه حتّى لو رماهم الناس عن قوس واحدة، فلا يذهب من قلوبهم حتّى يذهبوا هم إلى أجداثهم، ولا يزالون عنه حتّى تزول أرواحهم من أجسادهم، اختلط بهم وفي حشاشة قلوبهم حتّى صار منهم موضع الروح من الجسد، فهو متجذّر في صدورهم وعقولهم.


والحق سيل جارف هادر لا يعيقه شيء، إذا أقبل فهو كسيف الفجر ضياء، يفلق هامة الظلمة وينحرها، وما يملك الباطل إلا تلك المحاولة أن يغطّي النور بغرباله { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون }.


فالحقّ هو الضياء الذي ينير الحياة، وهو الماء الذي يسقي الأرض، فتنبت خيراتها، ويحيي النفوس، ويشفي أمراضها، فالحقّ هو الذي له البقاء { وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } فلا ينبغي لأهل الحقّ أن يحتقروا شأنه، أو يستصغروا أمره لقلّة التابع وضعفه، بل عليهم أن يعتزّوا به، ويرتفعوا عن الباطل، فإنّ القليل مع الحقّ هو الكثير، كما قال تعالى: { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}، وقال: { ‌فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائ‍تين }، وها هنا نقطة مهمّة لا ينبغي لأهل البصيرة إغفالها، وهي أنّ الشيطان وجنده يحاولون أن ينفخوا في مظاهرهم الكاذبة وزبدهم العالي وذلك لشغل الناس به عن طريق سِحَاليّ الإنس - أي الخطباء والبلغاء - من رجال الإعلام حتى يلتبس على أهل الحقّ حقّهم، فها أنت ترى الإعلام المقروء والمرئيّ يملأ أعين الناس وآذانهم وعقولهم وقلوبهم بالأحداث الباطلة، والتي لا قيمة لها؛ فموت فاجرة يشغل الناس ويملأ الدنيا، وولادة قطّة أو كلب تكون على صفحات الصحف، وتزوّج عاهر وعاهرة يدخل خبره إلى بيوت الناس وخدرهم...


أمّا إن جئت إلى الأخبار الجليلة العظيمة، والأحداث الإيمانية العالية، سواء كانت من أخبار الجهاد والمجاهدين، أو موت العلماء والصالحين، أو سجن الدعاة والمؤمنين، فإنّك قلّما تجد من يحسّ لهم خبرا، أو يسمع لهم أنينا، حتّى أنّك تجد إعراض المسلمين عن هذه الأخبار بل استصغارها لأنّها ليست بالأخبار العالمية كما يزعمون، ولم تتلقّفها صحف وشاشات الغرب، وكأنّ مقياس العالمية والقوة هو ما يشغل أهل الزندقة والشرك.


فحسبنا الله ونعم الوكيل.


فالواجب على المسلم أن لا ينشغل إلا بأهل الحقّ وأعمالهم وأخبارهم ولا يقيم شأنا لموت فرعون { فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا مُنظَرين }.


فانظر بالله عليك إلى قيمة فرعون هذا!! وهذا كلّه أدب قرآني وسبيل إيماني، فإبراهيم عليه السلام كان أمّة وحده، وليس على الأرض مؤمن سواه مع زوجه عليهما السلام، ومع ذلك هو أمّة وحده، وبقيّة الناس غثاء وزبد لا قيمة له ولا أهمّية.


هذا هو قدر الله تعالى، وهذا سبيله، فمن تعلّق بالحقّ كان ثقيلا في ميزان الله، ومن تركه كان ميتا لا قيمة له، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( مثل الذي يذكر ربّه والذي لا يذكره مثل الحيّ والميّت).



والحمد لله ربّ العالمين




-------------
[1] العقد الفريد لابن عبد ربّه، 3/63
[2] أسرار البلاغة، 92-96
صفحة الشيخ -فرج الله عنه- على منبر التوحيد والجهاد
http://tawhed.ws/a?a=aheed274 (http://tawhed.ws/a?a=aheed274)
صورة الشيخ مع زوجتة -نادرة-
http://keeptonyblairforpm.files.wordpress. com/2009/02/abuqatadawife_ithink.jpg (http://keeptonyblairforpm.files.wordpress. com/2009/02/abuqatadawife_ithink.jpg)

الزبير الطرابلسي
10-08-2009, 09:20 PM
اللهم فك أسر الشيخ المجاهد العلامة ابي قتادة الفلسطيني
واجعله للأسلام وأهله ذخرا ونصيرا