تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : «معركة المصحف» بلا مصحف



ابوخالد عبدالله
10-01-2009, 10:14 AM
ثمانون عاما وهي خاوية على عروشها!

«معركة المصحف» بلا مصحف
(5)


http://www.hisbah.net/images/statusicon/wol_error.gifنقره على هذا الشريط لتكبير الصورة
http://www.hisbah.net/imgcache/5578.imgcache.jpg


لم تعد الشريعة ولا أحكامها جزء من الخطاب السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي لـ «الإخوان المسلمين»، ولا لأي فرع آخر من فروع الجماعة وأحزابها حيثما كانت. بل أنها لم تعد تشكل همّاً يذكر، إلا للتملص منها، حتى بالنسبة لحركة «حماس»؛ لولا أنها تتعرض لهجمات مستمرة من قبل السلطة الفلسطينية على وجه التحديد التي تتهمها بالسعي لتطبيق الشريعة أو إقامة إمارة إسلامية أملا منها في عرقلة مساعيها في التقارب مع الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وكذا «أنصار» التيار الجهادي الذي لا يكل ولا يمل عن مطالبتها بتطبيق الشريعة ليس أملا منه في الاستجابة بقدر ما هو نوع من التعرية والتهكم والإحراج لحقيقة جماعة تزعم أنها إسلامية بينما هي في الواقع ذات أداء علماني صرف باعتراف الغرب ذاته الذي بات يمهد الطريق أمامها لتكون جزء من صميم المنظومة العلمانية ولو برداء إسلامي بلا محتوى. فالتجارب أثبتت، بالنسبة، أن التحالف مع «الإخوان» مثمر وذو جدوى أكثر من التحالف مع غيرها من القوى.


ولعلها من المفارقات العجيبة في تاريخ الإخوان أن يكتب الشيخ حسن البنا، في بدايات الجماعة، أربعة مقالات دارت حول «حاكمية الشريعة» ومنها
«معركة المصحف (1)» (http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F163655E-3844-4497-800E-94AA096F1303.htm)، وختمها بالقول: «ليس بعد النصيحة أو البيان إلا المفاصلة أو الجهاد». بينما تبدو الجماعة وأخواتها، بعد ستين عاما أخرى، وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، عقيدة ومنهجا، كلما انسلخت عن المعركة وآثرت السلامة بعيدا عن «مصحف صدنايا وإصبع سيد قطب وصدق مروان الحديد وثبات عبد القادر عودة ورفاقه»، وأملا في دور أو سلطة أو تسوية أو حتى تحالف ما مع الولايات المتحدة وإيران وغيرهما من القوى المعادية للأمة. فماذا بقي من «معركة المصحف»؟ بل ماذا بقي من المصحف كمرجعية يمكن لجماعة إسلامية أن تسترشد به؟


أولا: «معركة العلمانية»

تُعرَّف الشريعة لدى أهلالاختصاص (2) (http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=528)والعلم بكونها: «منظومة الأحكام الشرعية الواردة في الوحي المعصوم، والمتعلقة بجميع جوانب حياة الإنسان، في علاقته بربه، وفي علاقته بنفسه وبالناس، وفي علاقته بالكون، وما تقتضيه كل علاقة من هذه العلاقات من أحكام» على أن تكون هذه المنظومة: «على صلة بكل المنظومات الأخرى التي يشملها الدين، فهي على صلة بمنظومة العقائد وبمنظومة العبادات، وبمنظومة المعاملات وبمنظومة الأخلاق والآداب، (بحيث يمكن القول أن) هذا حكم شرعي عقدي، وهذا حكم شرعي عملي، وهذا حكم شرعي أخلاقي، … وهكذا. و (بالتالي) نجد أن هذه المنظومات تتكون من شقين أساسيين: (1) النصوص التي تعنى بجانب التصور للفعل وتبيان كيفية أداء الفعل المطلوب إتيانه، و (2) النصوص التي تتضمن الأحكام التكليفية التي تأمر بالفعل أو تنهى عنه ... لكن في كثير من الأحيان يمتزج الشقان، فيصعب التمييز بينهما». وفي تعريف أوجز فالشريعة هي: «اسم لكل الأحكام الشرعية، ولكل الأوامر والنواهي سواء كانت متعلقة بالعقيدة أو بالعبادات أو بالمعاملات أو بالأخلاق والآداب»، وفي معنى آخر هي: « ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق، ونظم الحياة في شُعّبِها المختلفة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة».

وفي القرآن الكريم ثمة العديد من الآيات التي تتحدث عن «حاكمية الله» في عباده أشهرها الآيات الثلاثة في سورة المائدة: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ - المائدة: 44 } ، { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ - المائدة: 45 } ، { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - المائدة: 47} ، كما وردت آيات في حكم الله، كما في ، سورة الأنعام (57 ، 62) ، و يوسف (40 ، 67) ، والقصص (70 ، 88) ، وغافر (12). أما فما يتعلق بإحالة تطبيق الشريعة إلى مجالس النواب، في واقعها الراهن، أو إلى إرادة الناس، كما ترى الجماعة فهذا ضرب من النكوص والبدع والزيف والضلال والكذب. فما ورد في سورة النساء يضع حدا فاصلا بين «إرادة الأمة» و«إرادة الله» فيما يتعلق بالكفر والإيمان: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً - النساء: 65 }

لكن، ومع كل هذا البيان، فإن أبرز ما يميز خطاب الجماعة منذ انتخابات العام 2005 وحتى الآن هو التخلي التام عن تطبيق الشريعة، سواء بموجب ما قدمه الشيخ المؤسس في «معركة المصحف»، أو بهذا المحتوى، أو حتى أقل منه، لا بالتدريج ولا بالديمقراطية، والاكتفاء، فقط، بالدولة المصرية باعتبارها «دولة إسلامية» بحاجة إلى بعض الترميمات من العطب والانحراف والفساد الذي لحق بها وفي سلوكها وأدائها السياسي والاقتصادي والإداري، بحسب أقوال د. عبد المنعم أبو الفتوح، رغم أن القضاء المصري ذاته لا يعترف بها كذلك. فمن يتابع الخطاب السياسي للجماعة الأم يدرك بالقطع أن لغته لا تستهدف الجماعة في الداخل ولا في الخارج. فهي دائمة التمسك في الحديث عن الدستور، الدولة المدنية، الحقوق، المواطنة، المساواة، العدل، ومصالح البشر والظلم والديمقراطية وصناديق الاقتراع وإرادة الناس وما إلى ذلك من مفردات العلمانية والوطنية. وفي المقابل هو خطاب يتنصل من كل مصطلح عقدي أو شرعي، ومن كل مضمون بيِّن للشريعة. أما لماذا تفعل ذلك؟ فلأن خطابها موجه بالدرجة الأساس إلى الغرب والطائفة القبطية وليس إلى الحكومة أو الأعضاء.

فما أن رفعت الولايات المتحدة والغرب عموما الحظر السياسي عما أسمته بـ «الإسلام المعتدل» حتى أعلنت الجماعة الأم عن نيتها الدخول في الانتخابات البرلمانية في مصر. ثم صعدت من مطالبها نحو تعديل القانون القاضي بمنع تكوين «الأحزاب الدينية» أملا في الحصول على ترخيص لإنشاء حزب «مدني»، كما هو الحال في بعض الدول العربية كالجزائر والمغرب والأردن. ومن هنا بالضبط بدأت بعض المصطلحات الغربية تنكشف عن الخطاب السياسي للجماعة لتحتل مكانها بديلا عن مصطلحات الخطاب الشرعي. والحقيقة أن القوى العلمانية والطائفية هي التي ما انفكت تثير الجدل حول مشاركة الإخوان في الانتخابات كـ «جماعة دينية» رغم أن هذه الأخيرة لم تدخلها بأيٍّ من شعاراتها التقليدية أو التاريخية. لكن الأداء الإعلامي للإخوان حول مسألة «الأحزاب الدينية» و «الدولة المدنية» و «دولة المدينة» كان من النوع البائس جدا وهو يضع الجماعة والشريعة في موقع المتهم الذي ينبغي عليه أن يبرئ نفسه، ويستوحي ردوده، بتخبط واضح، من وقائع الصراع الكَنَسِي في أوروبا، فما كان منه إلا أن انتصر للجماعة على حساب العقيدة. فهو من جهة يؤكد رفضه لأية مقارنة أو إسقاط لوقائع التاريخ الكنسي الأوروبي على الإسلام أو الجماعة، ومن جهة أخرى يستعير مصطلحاته في محاولة بائسة لطمأنة العلمانيين والأقباط على وجه الخصوص تجاه النوايا السياسية للجماعة.

فـ «الدولة المدنية»، مثلا، لم تكن في يوم ما مصطلحا أصيلا في التاريخ الإسلامي بقدر ما هي وليدة بيئة الصراع الأوروبي بين الكنيسة والمجتمعات الأوروبية أو بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية. فما الجدوى من استنكارد. أبو الفتوح (3) (http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=15975&IssueID=265)لمحاولات إسقاط هذا الصراع على التاريخ الإسلامي بينما تستعمل الجماعة مصطلحاته في تسويق نفسها؟ وبأية صيغة، سياسية أو شرعية أو أخلاقية أو تاريخية أو قيمية، تطالب الجماعة بإقامة «الدولة المدنية» بينما هي في الواقع نتاج بيئة صراعية ليست من الإسلام ولا من تاريخه؟ ألهذه الدرجة وصلت الجماعة في استغباء الأمة؟

وفي السياق يتصدر د. عبد المنعم أبو الفتوح، خاصة، واجهة وسائل الإعلام والفضائيات المحلية والعربية والغربية للتعبير عن الخيارات الجديدة للجماعة، وتسويقها بشكل محموم عبر سيل من التصريحات والكتابات واللقاءات والندوات.

ففي 15/1/2005 نقل موقع «إخوان أون لاين(4)» (http://www.ikhwanonline.net/Article.asp?ArtID=25714&SecID=211)تصريحات له شدد فيها على أن: « الجماعةَ لا تسعى لإقامة أحزاب دينية ولا تؤيدها، وإنما تسعى لإقامةِ حزبٍ سياسي مدني تكون مرجعيته إسلامية». وفي تصريحات لاحقة له لقناة «العربية(5)» (http://www.alarabiya.net/articles/2005/11/16/18685.html) في 16/11/2005، بعد التقدم الملحوظ للجماعة في الانتخابات، حدد د. أبو الفتوح صفة الجماعة مؤكدا أنها: «لا تعبر عن حزب ديني بأي معنى، وأنها مثل الدولة ترفض تماما قيام أحزاب دينية». وجدد التأكيد على أن: «الإخوان لا يطالبون بحزب ديني أو دولة دينية، بل نريد أن نؤسس دولة مدنية على أساس من الشريعة»، لكن إذا قام حزب «الإخوان» و: « أيا كان اسمه؛ سيكون لكل المصريين مسلمين وأقباطا، وبرنامجه قائم على الحضارة الإسلامية التي لا تفرق بين الناس على أساس ديني أو عنصري». وهكذا يصبح لدى الجماعة أو الحزب مرجعيتين: «الشريعة» للتعامل مع المسلمين و «الحضارة» لاسترضاء العلمانيين والأقباط. ولكل منهما أحكامه وتشريعاته! لكن هل حقا ثمة أساس شرعي في دعوى الجماعة وتصريحاتها؟ لنرى.

خلال لقائه على قناة العربية في برنامج «نقطة نظام(6)» (http://www.alarabiya.net/programs/2005/12/11/19383.html) في 11/12/2005، سئل د. عبد المنعم أبو الفتوح عن نظام العقوبات في الإسلام. ومن عادة الإسلاميين نفيهم حصر تطبيق الشريعة في الحدود، لكن بماذا رد أبو الفتوح؟ لنتابع الحوار:

ابوخالد عبدالله
10-01-2009, 10:19 AM
حسن معوض:
... هناك سؤال مباشر يطرحه البعض: هل أنتم مع تطبيق الحدود في مصر؟ يعني لو ذهبتم إلى البرلمان ستطالبون بتطبيق الحدود؟
د. عبد المنعم أبو الفتوح:
« يا سيدي نظام العقوبات في أي قانون، في أي مجتمع، يعبر عن الحالة المجتمعية والثقافية لهذا المجتمع، فإذا مجتمع ما رضي بنظام معين للعقوبات وبإرادة شعبية ودون أن يفرض عليه هذا النظام رغم أنفه فنحن مع نظام العقوبات الذي يرتضيه شعبنا، وبالتالي مسألة إثارة شبهات حول نظام العقوبات الإسلامي الذي نفخر به ونعتز به هذا متروك للإرادة الشعبية، المهم ألا يفرض أي نظام من نظم العقوبات على أي شعب سواء في مصر أو خارجه ضد إرادته ..»، ( وسنرى كيف تتحدث حركة حماس لاحقا بنفس اللغة ونفس المفردات ونفس الموضوع).

حسن معوض:
دكتور أبو الفتوح حتى لو نُصّ عليه في الدين؟

د. عبد المنعم أبو الفتوح:
« نعم، حتى لو نُصّ عليه في الدين، هذا قاله الأستاذ البنا منذ سنة 1938، هذا ليس كلاماً حديثاً علينا، أن الشعب هو مصدر السلطات. نحن يا سيدي ضد فرض الدين نفسه أو الإسلام نفسه على أي شعب رغم إرادته، لأن ده سينشئ شعباً من المنافقين والمتملقين والخائفين والمرتجفين، إن الإسلام أعظم من أن يُفرض على أي شعب بالحديد والنار بل يفرض بالإقناع».(لكن ماذا يقول د. أبو الفتوح عن هوية الدولة في مصر؟):

حسن معوض:
أنتم تقولون بأن حزبكم ينادي بالحل هو الإسلام وما إلى ذلك، الآن: هل توافق على أن الدستور المصري يقول بأن دين الدولة في مصر هو الإسلام، وبأن المصدر الرئيسي للتشريع هو الشريعة الإسلامية، ماذا ستضيفون أنتم ... غير ما أضافته الدولة الآن؟

د. عبد المنعم أبو الفتوح:
« لا شيء ... نحن مع الدولة القائمة، ونعتبرها دولة إسلامية ولكن لحقها عطب وفساد وانحراف وضياع حريات وظلم للناس وبطالة، ... وإسلامنا يقول ... القاعدة الأصولية في الإسلام: «أينما تكون المصلحة فثم شرع الله» فنحن نناضل من أجل مصلحة الناس ومصلحة البشر وهذا هو صميم الإسلام العظيم».

بعض مضامين هذا الحوار، شكلا ومضمونا، أعاد د. أبو الفتوح عرض بعضه ثانية، وبصورة أوسع في 8/5/ 2006 خلال ندوة نظمتها «جمعية النداء الجديد» بعنوان: « مفهوم الحكومة المدنية لدي جماعة الإخوان المسلمين»، ونشرت ملخصا لها صحيفة «المصري اليوم (7) » (http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=15975&IssueID=265). وسنكتفي بإضافة ما لم يرد في مقابلته مع قناة «العربية».

أما تفسيره لحد الردة، وهو متروك للعلماء وطلبة العلم لمتابعته، فقد قرنه بالمجتمع وليس بالعقيدة. لذا فهو يتحدث عن « حد الردة في المجتمع». وردا على مخاوف البعض من نية الجماعة بتطبيقه نفى ذلك وقال: « هذا المفهوم غير صحيح فالمقصود بالمرتد هو الشخص الذي ينقلب علي النظام العام وليس المرتد عقائديا»، واستدل بتأويله بالآية 29 من سورة الكهف في قوله تعالي: { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ }، وبناء عليه فهو يعتبر: « قتال المرتدين بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم كان ضد الخارجين علي النظام العام»!

ولعل مثل هذا التفسير يلائم حماس تماما وخاصة مفتيها الذي أفتي في أعقاب أحداث قلقيلية في الضفة الغربية باعتبار السلطة الفلسطينية «أهل ردة» في تصريحات تناقلتها المنتديات الإلكترونية كموقع « الجزيرة توك (8)» (http://www.aljazeeratalk.net/forum/showthread.php?t=189295) بعد أن أدلى بها د. يونس الأسطل لشبكة « فلسطين الآن(9)» (http://www.paltimes.net/arabic/news.php?news_id=92332)، بوقت قصير، قبل أن يستدرك هذا ويقوم بحذف القسم الشرعي من التصريحات، كونها ستحرج الحركة التي تسعى للمصالحة مع السلطة في حوارات القاهرة، إذ حينها بماذا سيفتي د. الأسطل لو تصالح «المؤمنون» مع «أهل الردة»؟، لنتابع مع د. أبو الفتوح:

أما عن نظام العقوبات فقد كرر أقواله السابقة معتبرا أن: « العقوبات تعبير عن حالة اجتماعية فلا محل ولا مجال لنقض العقوبات المطبقة على المسلمين فهذه مسألة نعتز بها ونقدرها»، هكذا يتحدث وكأن العقوبات مطبقة. إلا أن الاعتزاز والتقدير بالنظام سيظلان موقوفين على إرادة الشعب، إذ، والكلام لأبي الفتوح: « لا يمكن تطبيق مثل هذه العقوبات كحد السرقة والقتل دون إرادة من الشعب».

وبطبيعة الحال كان عليه أن يوضح الكثير من المسائل مثل «الدولة المدنية» ونظام العقوبات ودور الأمة في الحكم. فعن «الدولة المدنية» قال بداية أنه: «لا توجد دولة دينية بالمفهوم الصحيح العلمي ... »، ثم قال بأن: « الدولة الدينية غير مطروحة لدى الإخوان»، أما لماذا؟ فلأن: « الإسلام لم يعرف في تاريخه الدولة الدينية بأن يحكم شخص باسم الإله ... فالدولة في الإسلام مدنية ». وعليه فإن: « مفهوم الدولة المدنية عند الإخوان هو أن الأمة مصدر السلطات من خلال برلمان منتخب يضع التشريعات في إطار دستوري، وهذا الدستور لابد أن يتفق عليه الشعب في إطار ثقافته ومرجعياته ، ... والذي وضعه الرسول في وثيقة المدينة كان شكل من أشكال الدساتير الوضعية ». أما عن دعائم الدولة (المدنية) فيقول بأنها تقوم على: « أربعة عبر عنها الشيخ القرضاوي والمستشار طارق البشري والدكتور محمد سليم العوا في كتاباتهم وهي: الحرية والعدالة والمساواة والشوري».

بطبيعة الحال لا تختلف أطروحة الجماعة الأم عن أطروحة الكثير من الفروع خاصة في الجزائر والأردن ولبنان والمغرب وتونس والسودان وفلسطين التي سننظر في وضعها لاحقا. لكن أكثرها قربا وتصريحا هو فرع الجماعة في سوريا التي تكاد تتطابق أطروحتها مع أطروحة الجماعة الأم بذات الصورة التي عبر عنها د. عبد المنعم أبو الفتوح. ففي مقابلة له مع صحيفة «إيلاف (10) » (http://www.elaph.com/Web/AkhbarKhasa/2006/3/135863.htm) الإلكترونية بتاريخ 18/3/2006 أجاب المراقب العام علي صدر الدين البيانوني على سؤال: «هل تريدون تشكيل حكومة إسلامية أم تقبلون بحكومة مدنية في سوريا كما يردد خدام؟» بالقول: « نحن في الأصل برنامجنا السياسي يسعى إلى إقامة دولة مدنية تعددية بالمرجعية الإسلامية، وهي مرجعية توفر للدولة المدنية كل مقومات الحضارة والنهوض وقيم الحرية والتعددية والمساواة وتكافؤ الفرص».

وفي برنامج « بصراحة (11) – 4/5/2008» (http://www.alarabiya.net/programs/2008/05/04/49356.html) على قناة «العربية» سئل «البيانوني» ثانية عن شكل النظام السياسي فيما إذا وصلت الجماعة إلى الحكم؟ فأجاب: « نحن في مشروعنا السياسي المُعلن والمنشور؛ وفي تحالفاتنا السياسية مع إعلان دمشق؛ ومع جبهة الخلاص الوطني؛ نؤكد على أننا نصرّ على الدولة المدنية ... القائمة على المؤسسات وعلى العدل والمساواة والتعددية والتداول السلمي للسلطة». ثم عاد في وقت لاحق (11/4/2009) ليؤكد للمرة الثالثة على الأقل على ذات الموقف في برنامج «بالعربي (12)» (http://www.alarabiya.net/programs/2009/04/11/70402.html#004)على قناة «العربية» قائلا: « أنا متفاءل أنه بإمكان المعارضة أن تنسق وأن تتعاون وأن توحد قواها للوصول بسوريا إلى ما يصبو إليه شعبنا من الحرية والكرامة، وأن تعود سوريا لكل أبنائها وطناً منيعاً دولة مؤسسات دولة مدنية حديثة».

على كل حال، فإن هذه اللغة للسيد أبو الفتوح ومثلها في الفروع من شأنها حشر «الإخوان» في واحدة من اثنتين: فإما أنها «جماعة علمانية» أكثر من العلمانيين أنفسهم لاسيما وهي تستميت لإثبات هذا التوصيف، وإما أنها، كما قال الشيخ أبو بصير الطرطوسي (13) (http://www.abubaseer.bizland.com/articles/read/a%20124.doc)، من «الحركات الإسلامية المصابة بلوثة الزندقة» إذا ما احتفظت بلغتها الجديدة وأصرت، في نفس الوقت، على هويتها كجماعة إسلامية. فهذه اللغة، التي تتضمن فيها الجملة الواحدة عديد التناقضات والتمييع والخداع لم يسبق أن استعملها الأولون ولا الآخرون بعدْ، ولم يقل بها الشيخ حسن البنا ولا عبد القادر عودة ولا الغزالي ولا أي رمز من رموز الجماعة التاريخيين، ولا حتى القضاء المصري. فمن هو من المشايخ والعلماء جرؤ على القول بأن الدولة في مصر إسلامية وهي التي تحكم بموجب القوانين الوضعية ذات المصادر الشتى في التشريع؟ ومن هو الذي أحال الحكم بالشريعة إلى إرادة الشعب؟ وكيف يكون نظام العقوبات مصدر فخر واعتزاز ثم يجري ترحيل العمل به إلى إرادة الشعب؟ وهل نزلت الشريعة من فوق سبع سنوات لتكون إرادة البشر ومصالحهم هي صميم الإسلام؟ فما الجدوى من الرسالة النبوية برمتها إذن؟ أخيرا: ما هي لغة جهاز الدعوة في الجماعة؟ وما رأيه في اللغة الجديدة لها؟ وهل هي من صنعه؟ وهل ثمة لغة لكل جهة داخل الجماعة وخارجها؟

إنْ لم تكن الجماعة راغبة بتطبيق الشريعة فلا بأس! فلتناضل لتكون حزبا علمانيا أو مدنيا بالصورة التي ترتئيها مناسبة لمصالحها. لكن التلاعب بدين الله، وحصره بين التمييع والتحريف والكذب، ليس من حق د. عبد المنعم أبو الفتوح ولا من صلاحيات الجماعة ولا أي كائن آخر. أما تنزيه «الإسلام العظيم» والفخر به فلا يكون بتعليبه بانتظار النظر بأمره من مجلس النواب أو ريثما يوافق عليه الشعب أو لا يوافق، فهذه أطروحة علمانية صرفة لا علاقة لها بالشريعة ولا بالحكم الشرعي ولا بأي كتاب سماوي. ولعل د. أبو الفتوح يعلم أن المستشار عبد الغفار محمد هو، بإجماع الغالبية الساحقة من المصريين، أعظم قضاة مصر في التاريخ الراهن وأشدهم نزاهة ومسؤولية وإنصافا. لكنه لم يقل ما قاله د. أبو الفتوح أبدا وهو موظف في الدولة. وحبذا لو يشاركنا د. أبو الفتوح في قراءة بعض ما قرره في أكبر قضية رأي عام في تاريخ مصر لنرى أيا منهما يستحق أن يتحدث باسم الإسلام ويعبر عن صميمه.

ففي القضية رقم 462 لسنة 1981 المصنفة ضمن قضايا «أمن دولة عليا طوارئ» والمعروفة بـ « قضية الجهاد الكبرى»، بحضور 280 متهما من أصل 302، نص القاضي عبد الغفار محمد (14) (http://www.mohamoon-montada.com/Default.aspx?action=Display&ID=87342&Type=3) في حيثيات حكمه على الآتي:

«بخصوص الموضوع الثاني فالذي استقر في ضمير المحكمة أن أحكام الشريعة الإسلامية غير مطبقة في جمهورية مصر العربية وهذه حقيقة مستخلصة من الحقيقة الأولى وهي وجوب تطبيق الشريعة»، وبعد سرد المحكمة لجملة من الأدلة على غياب الشريعة مثل: « وجود مظاهر في المجتمع المصري لا تتفق مع أحكام الشريعة الغراء من ملاهٍ تُرتكب فيها الموبقات تُرخَّص بإدارتها من الدولة، إلى مصانع خمور ترخص بإنشائها من الدولة، إلى محال لبيع وتقديم الخمور ترخص بإدارتها من الدولة، إلى وسائل إعلام سمعية ومرئية ومقروءة تذيع وتنشر ما لا يتفق على أحكام الشريعة الإسلامية، إلى سفور للمرأة يخالف ما نص عليه دين الدولة الرسمي وهو الإسلام»؛ قرر حكم المحكمة في مسودة الحيثيات في موضع آخر ما يلي:

« حقيقة أن المادة الثانية من الدستور بعد تعديلها نصت على أن الإسلام دين الدولة الرسمي، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع؛ إلا أنه يكفي المحكمة تدليلا، على أن أحكام الدستور لا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ما قرره عمر أحمد عبد الرحمن ـ باعتباره من علماء المسلمين ـ أمام المحكمة بجلسة 3 سبتمبر سنة 1983م من أن الدستور يتصادم مع الشريعة الإسلامية ولا يتحاكم إليها فالمواد 86، 107، 108، 109، 112، 113، 189 تعطي لمجلس الشعب حق التشريع وسن القوانين، وهو في الإسلام لله وحده، كما أن المادة (75) من الدستور لا تشترط الإسلام والذكورة في رئيس الدولة. وهو أمر يخالف إجماع الفقهاء»؛

وفي معرض بيان حالة المجتمع المصري قبل وقوع أحداث القضية، قرر حكم المحكمة: «غياب شرع الله عن أرض جمهورية مصر العربية: وهو ما سبق للمحكمة أن دللت عليه بأدلة قاطعة ـ لا ترى حاجة لتكرارها، ولكنها تشير إلى أن السلطة التشريعية لم تنته بعد من تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، وكانت قد بدأت في هذا العمل منذ عام 1979م».

وخلال المحاكمة التاريخية غير المسبوقة في القضاء المصري، والتي كان بطلها القاضي عبد الجبار بلا منازع، ولم تتكرر ثانية، أُلقيت شهادات هامة جدا من الشيخ د. عمر عبد الرحمن الذي تحدث عن مشروعية: «مقاومة النظام والخروج عليه كأمر مستقر في الشريعة الإسلامية بإجماع فقهاء الأمة»، وكذا الشيخ صلاح أبو إسماعيل الذي تحدث عن: « بيان يأسه من محاولة إصلاح النظام بالحسنى خبث المؤامرات التي تعرض لها وتعرضت لها الدعوة لتطبيق الشريعة في مصر». بل أن قرار القاضي تضمن: «إقراره بوجوب تطبيق الشريعة ووجوب وقف تيار الفساد في وسائل الإعلام، و ... إقراره بالتعذيب البشع الذي وقع أثناء التحقيق وأدى إلى عاهات مستديمة لدى بعض المتهمين».

ببساطة: أين هي اللغة الشرعية في تصريحات أبو الفتوح وغيره من قادة الجماعة وحتى من الفروع إزاء هذه الحقائق الدامغة؟ أين تصريحات القوم من «معركة المصحف» للشيخ حسن البنا؟ أين الجماعة من قرار المحكمة التاريخي الذي كان بحق «معركة مصحف»؟ إذا ما قورنت بتصريحات «الإخوان» التي برزت على النقيض كـ «معركة علمانية» بامتياز؟ ولنتأمل الفارق الشاسع بين د. أبو الفتوح والقاضي عبد الجبار. ففي حيثيات قرار الحكم نقل موقع «الجماعة الإسلامية(15)» (http://www.egyig.com/Public/articles/interview/11/39275889.shtml)في مصر عن القاضي قوله: « قد يسأل البعض لماذا لم أحكم بالشريعة الإسلامية في هذه القضية؟» فقال: «لأنني في حكم المكره شرعاً والملزم قانوناً». فهل كان د. أبو الفتوح مكرها في تصريحاته؟ وهل كان القاضي الذي يواجه نيابة عامة تطالب بإعدام 300 موقوف في سعة أكثر منه؟ لا. كما أنه لم يكن مكرها بل مختارا ومستميتا في الدفاع عن الجماعة وتسويقها بأي ثمن حتى لو كان الطعن في الشريعة بشتى الوسائل بما فيها التحريف المسمى بالاجتهاد زورا.

بهذا الوضوح لأطروحات الجماعة؛ لم تعد تنفع محاولات التأويل والتماس الأعذار الواهية عند كل تصريح، ولا النفي أو التكذيب المستمر للأقوال، أو الزعم بتحريفها. فهذا أسلوب لم يعد يجدي مع فيض التصريحات المناوئة للشريعة والمداهنة للعلمانية. فحتى شعار الجماعة التاريخي: «الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا» بات في ذمة الله. فلم يكن كذبا ولا حتى تكتيكا استراتيجيا على حد قول أحد الخصوم وهو يرد على تصريح د. أبو الفتوح خلال الندوة التي عقدت في ذكرى مرور 50 عاماً على مشروع دستور 1954 الليبرالي، حين قال في تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط(16) » (http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=301429&issueno=9675) بتاريخ 25/5/2005: « إن شعار الجماعة هو شعار عاطفي وأدبي يعبر عن مرجعية الجماعة، ولكنه لا يعبر عن منهجها في العمل السياسي الذي تحترم فيه القانون والدستور الوضعي للدولة، مؤكداً أن الجماعة تؤمن بحقوق المواطنة وأن الأمة مصدر السلطات».

ثانيا: حماس والشريعة

ما أن انطلقت حركة «حماس» رسميا ليلة الحادي عشر من كانون أول/ ديسمبر 1987، ومن ثم صدور ميثاقها بعد ثمانية شهور حتى عبرت عن أهدافها بشعارات مثل «الجهاد» و «التغيير» و «البعث الحضاري الشامل للأمة» كي تتحرر «أرض الوقف» من البحر إلى النهر. لكنها اليوم محاصرة في غزة تبحث عن التسوية، بعيدا عما نص عليه الميثاق وجاهد لأجله السابقون، وتستبشر بقرب القبول الأمريكي لها بعد أن حظيت بالقبول الأوروبي، وأثبتت جدارتها وتباهت في مسح جماعة «جند أنصار الله» في ساعتين!!! هذا هو السمت الجوهري لـ «حماس» منذ دخولها الانتخابات التشريعية وقبولها بالعملية السياسية القاضية بفض النزاع مع إسرائيل سلميا. ودون ذلك فهو خداع ورياء وجدل لا طائل من الدخول فيه. وفي المحصلة فإننا نجد خطابا سياسيا أكثر منه عقديا بما لا يقارن. بل هو خطاب مشابه في نواياه ونهاياته لما تسعى إليه الجماعة الأم، ولولا اختلاف الظروف لتطابقت المفردات والمصطلحات هنا وهناك.

والحقيقة أن الخلاف بين التيارات الجهادية في غزة مع حركة حماس، والذي بدأ يظهر بعد سيطرة حماس على غزة لا قبلها، ليس خلافا على إقامة الإمارة الإسلامية ولا على التطبيق الفوري للشريعة. فهاتان مسألتان يستعملهما أنصار التيار الجهادي لاستفزاز «حماس» أمام الأمة كي تعود إلى منطلقاتها وتوجهاتها التأسيسية التي حظيت بالتأييد الشعبي؛ أو لإحراجها تمهيدا لسحب الشرعية منها كجماعة « تزعم» أنها جهادية وذات مرجعية إسلامية. أما لماذا الاستفزاز وبهذه الصيغة؟ فلأن التيارات الجهاديةباتت تعتقد أن «حماس» تتنصل من تطبيق الشريعة بحجة التدرج وما إلى ذلك، كما أنها باتت على قناعة بأن «حماس»، الباحثة عن التسوية بصورة محمومة، أصبحت جزء من المشروع الغربي القادم، والرافعة المركزية للمشروع الصفوي في المنطقة، وبالتالي فهي غير مؤتمنة على القضية برمتها ولا على الجهاد في فلسطين. هذا هو جوهر الخلاف. ولأن «حماس»، المستهدفة بالتعرية، تبدو كذلك بأعين الكثيرين، حتى من غير التيار الجهادي الذي تتعامل معه كخصم، فهي تسابق الزمن وهي تخوض حربا على جبهتين:

الأولى: إقناع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بكل ما أوتيت من قوة، بجدوى اعتمادها كمفاوض رئيس في التسوية السياسية لاسيما وأنها تتجاوز « بنجاح» كافة مراحل التأهيل المطلوبة للعب هذا الدور؛
والثانية: اجتهادها الحثيث في الاحتفاظ بمكانتها وريادتها على مستوى الأمة بوصفها القوة الجهادية والإسلامية «الوحيدة» في الأمة التي تقاتل اليهود في فلسطين.

لكن الجمع بين الوجه والقفا، في صورة واحدة، مسألة مستحيلة في الواقع. ولأن خُطَى «حماس» في التقارب مع الغرب يسير بمعدل متوالية هندسية مقابل سرعة خُطاها في مجاهدة إسرائيل بمعدل متوالية حسابية فقد انكشف خطابها بذات السرعة سواء عبر الحرب الشعواء التي تشنها على التيار الجهادي الناقم على سياساتها المحلية وخياراتها السلمية أو عبر محاربة الدعوات المنادية لها بتطبيق الشريعة أو إقامة إمارة إسلامية بقطع النظر عن إمكانية ذلك من عدمه. وقد كنا في وقت سابق قد ناقشنا لغة حماس الجديدة وعلمانيتها وتوجهاتها السياسية والأمنية والعسكرية وعلاقتها بالمشروع الصفوي، أما الآن فسنعرض ونناقش أطروحاتها فيما يتعلق بتطبيق الشريعة.

1) الموقف من تطبيق الشريعة وإقامة الإمارة
من النادر أن نجد مسؤولا أو شيخا من «حماس» أو «الإخوان» في فلسطين أو خارجها لم يدل بدلوه أكثر من مرة حول مسائل تطبيق الشريعة أو إقامة إمارة إسلامية أو أسلمة المجتمع في غزة. فالجميع يقرّ بأنه لا وجود لنية مبيتة في هذا الاتجاه. لكن أغلب التصريحات المنسوبة تختم أقوالها بعبارة من نوع: « في الوقت الحالي» وبعضها الآخر يسقطها تماما. وبهذه الطريقة يجري تمييع هذه المسائل بحيث يصعب العثور على موقف قاطع. أما التصريحات فقدر تواترت، كأمثلة، على لسان د. محمود الزهار وأيمن طه وخالد مشعل و موسى أبو مرزوق وإسماعيل هنية وخليل الحية والشيخ حامد البيتاوي وعزيز دويك ود. مازن هنية المستشار الشرعي لحكومة غزة ود. وائل الزرد خلال ندوة الجامعة الإسلامية حول تطبيق الشريعة الإسلامية (13/10/2008) وفوزي برهوم وصالح الرقب وغيرهم.


حين التعرض لمسألة إقامة الإمارة الإسلامية يمكن القول، بلا ترد، أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر هي أول جماعة إسلامية وعدت بتطبيق الشريعة وكادت أن تفعل لولا إجهاض التجربة، وهي على عتبة الولادة، من طرف العسكر قبل انتهاء الدورة الثانية من الانتخابات النيابية سنة 1992. أما حركة طالبان في أفغانستان فقد أقامت حكما إسلاميا وطبقت الشريعة فعلا في الفترة ما بين 1996 – 2001 حيث سقطت «الإمارة» بفعل الغزو الأمريكي المباشر للبلاد في أعقاب هجمات 11/9/2001. والطريف في هاتين الجماعتين أنهما لم تتحدثا عن تدرج ولا عن أعذار ولا عن ضغوط خارجية أو داخلية وما شابه. فقد كانت النية لديهما معقودة وواضحة لا لبس فيها إطلاقا.

لكن فيما يتعلق بحركة «حماس» فالمسألة مختلفة تماما. فالتصريحات التلفزية والفضائية والصحفية والبيانات والوثائق الرسمية كلها، قبل السيطرة على غزة (14/6/2007) وبعدها، تؤكد على أنه ما من نية لدى قادة «حماس» في تطبيق الشريعة. وبالتالي فليس للتيار الجهادي أية علاقة بمواقف «حماس» في هاتين المسألتين. فسواء حضرت السلفية أو لم تحضر فالأمر كائن في خيارات الحركة وليس في خيارات غيرها ولا في الظروف. وبالتالي فهي المسؤولة الأولى والأخيرة عن هذا الأمر بالذات قبل أن يسائلها أحد. ولو تابعنا التصريحات المنسوبة لقادة الحركة منذ إعلانها عن عزمها دخول الانتخابات التشريعية سنة 2005 (جرت في 26/1/2006) سنكتشف أنه حتى 16/11/2007 على الأقل ( حتى الرقم التاسع أدناه) كانت تصريحات «حماس» موجهة للرد على اتهامات السلطة الفلسطينية لها بالسعي لتطبيق الشريعة. وخلال هذه الفترة من المرجح أن تعبير «الإمارة» أو «الدولة» الإسلامية لم يرِدْ، رسميا، على ألسنة قادة «حماس» إلا مرتين، وفي سياق الرد على السلطة. الأولى وردت على لسان د. موسى أبو مرزوق (التصريح السادس) والثانية على لسان د. محمود الزهار (التصريح التاسع).

ولا شك أن الدهشة والغضب تَملّكا الجميع، بعد مذبحة مسجد ابن تيمية، لَمّا أعلنت «حماس» عن علاقة جماعة «جند أنصار الله»، وخاصة الشيخ عبد اللطيف موسى إمام المسجد بحركة « فتح» أو بمحمد دحلان أو بالسلطة عموما، بينما الحقيقة أن الرجل ليس له علاقة بهذا ولا ذاك. لكن حين نتتبع تصريحات «حماس» في ردودها على اتهامات السلطة لها بالعمل على إقامة إمارة إسلامية والسعي لتطبيق الشريعة، ابتداء من التصريح الأول إلى التصريح التاسع على الأقل، سنلاحظ أن «حماس» أرادت أن تحقق ثلاثة أهداف كبرى دفعة واحدة من اتهاماتها:
• فمن جهة نجحت «حماس» في التخلص من خصومها بالقتل؛
• ومن جهة أخرى ردت على السلطة بالفعل لا بالقول، أملا في أن تُسقِط استراتيجياتها الإعلامية التي تجهد في إظهار «حماس» كساعية لتطبيق الشريعة أو إقامة إمارة إسلامية، أو مشجعة على تحويل غزة إلى مأوى للجماعات «المتطرفة»، بل وأحالت التهمة برمتها إليها عبر توصيف الضحايا بأنهم عملاء ذوي روابط بالسلطة في رام الله وحتى الموساد الإسرائيلي؛
• ومن جهة ثالثة بعثت برسالة واضحة إلى الغرب (عامة) والولايات المتحدة (خاصة) تثبت فيها أنها قادرة أكثر من غيرها على ضبط الأمن و «مكافحة الإرهاب»، وأنها لا تقل عن غيرها في هذا الشأن إنْ لم تكن الأهم.

حزمة التصريحات المناهضة للإمارة وتطبيق الشريعة
مبدئيا سنورد ثَبَتا ببعض التصريحات مع بعض التعليق والتوضيح قبل مناقشة بعض القضايا التي تطرحها:

(1) نقطة نظام مع محمود الزهار - قناة «العربية (17)» (http://www.alarabiya.net/programs/2005/12/18/19580.html)- 16/12/2005.
سئل د. الزهار عشية الانتخابات التشريعية الفلسطينية عما إذا كان البرنامج الإصلاحي للحركة، بنظر البعض، سيستند إلى معايير دينية أم دنيوية؟ فقال:« في الأساس سيستند على معايير دينية 100% ... ، وبالتالي كل برنامج وضعناه يتحدث عن الاقتصاد، عن الزراعة، عن التعليم، عن الصحة، عن الثقافة، عن كل أشكال العلاقات الاجتماعية بما فيها العمل العسكري والسياسي هو مستند على واقع ديني، وحتى في انتخابنا للمواطن الفلسطيني المسيحي عندنا المستند الشرعي». بطبيعة الحال سيكون ثمة مستندات شرعية كلما لزم الأمر، تماما مثلما تَطلَّبت المشاركة في السلطة استدعاء «قصة النبي يوسف» عليه السلام وتأويلها بما يتلاءم والمرحلة، وكذا استدعاء «صلح الحديبية» بالنسبة لعقد الهدنة الأمنية والسياسية مع إسرائيل!!! علما أن مثل هذه الأسانيد لم تكن قد استعملت من قبل ولا بأية مناسبة.

ثم سئل ثانية عن نظام العقوبات: « هل ... ستعملون على تطبيق الشريعة الإسلامية ومن بينها تطبيق الحدود أو العقوبات الشرعية الإسلامية حتى نكون دقيقين؟» فأجاب: «إذا أردنا أن نصور أن الحدود هي ستكون قطع اليد وقطع الرقبة فأعتقد أن في التاريخ الإسلامي عُطلت هذه الأشياء لأسباب موضوعية، وبالتالي نقول أن المجتمع الفلسطيني ليس مجتمعاً علمانياً وليس مجتمعاً غربياً سنفرض عليه بالقوة، هو يلتزم أصلاً .. أقول لك أن الدين الإسلامي يسيطر على حياة الفرد طواعية وبدون إكراه وهو ثقافة المسيحي وتاريخه ومركز اعتزازه».

(2) الشيخ حامد البيتاوي عضو المجلس التشريعي عن حماس في حوار مع جريدة «الغد (18)» (http://www.alghad.jo/index.php?news=74896) الأردنية 20/2/2006.
يقول: «أما مخاوف البعض من الرجعية وفرض الحجاب وتقييد الحريات ومنها حرية المرأة مخاوف غير حقيقية»، وبعد أن ذكّر بأن حماس ليست: «حركة ناشئة ولا حركة غوغائية، بل لنا امتداد تاريخي عبر جماعة الإخوان المسلمين المعروفة بفكرها المعتدل»، ألقى بما لديه قائلا: «نحن لن نطبق الشريعة الإسلامية، ولكننا سنعمل قدر الإمكان على الالتزام بمبادئ الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة». وللتأكيد على سلامة التغيير السلمي وجدواه فقد عارضت الجماعة: «افتتاح كازينو أريحا» و «إقامة المهرجانات على أرضنا المحتلة بلا عنف»، و «وقفنا في وجه إقرار قانون عقوبات وتدريس كتب تتناقض مع جوهر الدين الحنيف»!!!

وكأن الشيخ لا يدرك أن معارضة الباطل أو المنكر مع بقائه يؤكد عدم جدوى المنهج. فمن يقول بأن كازينوا أريحا مغلق؟ وماذا نسمي العنف الذي وقع في مهرجان فتح في الذكرى الثالثة لوفاة ياسر عرفات؟ ومن الذي تسبب فيه؟ ولماذا؟ ولماذا عارضت حماس مسودة قانون العقوبات في المجلس التشريعي؟ ألِأَن صحيفة «الحياة» اللندنية قالت أن نسخة النظام تضمنت: «عقوبات من بينها الجلد وقطع الأيدي والصلب والإعدام »، وقدمته بصورة استهدفت بحسب، رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني د. أحمد أبو حلبية،: « تخويف القارئ من حركة حماس، وإظهارها بصورة مشينة»؟ ربما! فسمعة الحركة أهم وأولى بالرعاية من غيرها حتى لو كانت حقا. هذا كل ما استطاعت الحركة السلمية العريقة أن تفعله طوال امتدادها التاريخي؟ المعارضة!!!؟

(3) سميرة الحلايقة، «البيان (19) » (http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1140326531731&pagename=Albayan%2FArticle%2FFullDe tail) الإماراتية - 26/2/2006.
أكدت سميرة الحلايقة وهي زوجة لمعتقل على أن «حماس» لن تفرض الحجاب: « لأنها تؤمن بأنه لا يجوز استخدام العنف لفرض أحكام الشريعة الإسلامية ».

(4) عزيز دويك، «البيان (20)» (http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1140326520264&pagename=Albayan%2FArticle%2FFullDe tail) الإماراتية - 25/2/2006.
في أعقاب فوز حماس في انتخابات 2006 أجرت وكالة الأنباء البريطانية « رويترز» قي 23/2/2006 مقابلة مع رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك في رام الله، قال فيها:« أن الحكومة الفلسطينية الجديدة تحت قيادة حماس لن تجبر الفلسطينيين على تبني مبادئ الشريعة الإسلامية في حياتهم اليومية، ولن تعمل على إغلاق دور العرض السينمائي والمطاعم التي تقدم مشروبات روحية»، وأضاف: « إن حماس ... ستلجأ إلى أسلوب الموعظة الحسنة والإقناع لجعل الفلسطينيين يتجنبون المشروبات الروحية». وأوضح: «لا أحد في حركة حماس لديه النية في تطبيق الشريعة بالقوة. هذا أمر غير وارد في برنامجنا ولن نُقْدم على فعله». وزاد في الإيضاح: « سوف يتبع شعبنا ما يراه مناسبا، فالناس أحرار فيما ينوون فعله»؛ فما الذي ستفعله إذن «حماس» في المجلس التشريعي بحسب السيد الرئيس طالما أنها أوكلت أمر الشريعة والمشروبات الروحية وأوكار الفساد والإفساد إلى الرباعي «الناس، الحكمة، الموعظة، الإقناع»؟ إنه والكلام لـ د. دويك: « ... تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء والمساواة بين المرأة والرجل وتحقيق العدالة الاجتماعية».
لولا أن النص مقتبس لقلنا أن محرر الخبر في الوكالة هو الذي سمى الخمور «مشروبات روحية»، ويا له من لطف!! فإذا كان رب العالمين سماها خمورا، فأي «حكمة وموعظة حسنة» وقفت خلف هذا الكرم الحاتمي كي تتمتع الخمور بكل هذا اللطف واللين؟ ألِِأَن شعبية الحركة مرشحة للارتفاع حتى بين صفوف المخمورين؟

(5) خالد مشعل – رئيس المكتب السياسي لحركة حماس– محطة « tv » الفضائية - 15/3/2006
« حماس لا تفرض برنامجها الاجتماعي والديني على الآخرين. هي تعرض ما لديها دون أن تلزمهم دون أن تكرههم، لا تلزم الناس، لا تلزم النساء بالحجاب، ولا تلزم الناس بمظاهر معينة، حماس لأن لديها قاعدة معينة: \"لا إكراه في الدين\"الدين اختيار وليس إجبار\"».

(6) أبو مرزوق، « البيان (21)» (http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1182859986476&pagename=Albayan%2FArticle%2FFullDe tail)الإماراتية - 28/6/2007.
في حوار أجرته الصحيفة مع د. موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لـ « حماس» سئل عن: «اللبس الذي نشأ بعد أحداث غزة حول الدولة الإسلامية في القطاع وموقف «حماس» الحقيقي من هذا الموضوع»؟ فاعتبر أن: « كل التصريحات بصياغة مستقبل قطاع غزة بمعزل عن الضفة الغربية، تندرج في إطار خطة إسرائيلية هدفها الوصول إلى فصل غزة عن الضفة، ... وفي هذا السياق تأتي الحرب الدعائية حول ما سمي «حماسستان» أو الإمارة الإسلامية والهرطقات الأخرى التي لا أساس لها من الصحة». والأرجح أنها المرة الأولى التي يذكر فيها مسؤول من « حماس»، رسميا، عبارة «الإمارة الإسلامية».

(7) خالد مشعل – خلال مؤتمر صحفي في العاصمة السورية – دمشق في 16/7/2007، محطة الـ « بي. بي . سي (22) (http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_6758000/6758873.stm) ».

« إن حماس ليست «بعبعا»، ولا تشكل مشروع أصولية إسلامية» مضيفا: « نحن حركة تحرير وطني لا نهدف إلى أسلمة المجتمع، ولن نفرض فكرنا على أحد».

(8) فوزي برهوم «القدس العربي (23)» (http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=200777-2724x85.htm)-27/7/2007.
في مقابلة مع صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية؛ أبدى الشاعر الفلسطيني محمود درويش خشيته من أصولية حماس الثقافية. ومن جهتها طلبت صحيفة القدس العربي تعليقا من فوزي برهوم على مخاوف درويش فقال:
« حركة حماس أعلنت بكل وضوح نحن لا نسعى إلى تطبيق الأصولية ولا إلى إقامة إمارة إسلامية، وللتذكير فقط: كانت معنا الحكومة بالكامل ولم نطبق الشريعة ولا الإمارة الإسلامية، وأن أخلاقنا الإسلامية تأمرنا باحترام الكل واحترام الحريات وإقامة علاقات طيبة مع القوي الفاعلة على الساحة الفلسطينية والعربية والإسلامية ... على محمود درويش وغيره ألاّ يخافوا من حماس، فلن تكون تيارا متشددا كما توصف من قبل أمريكا وإسرائيل، حماس هي تيار وطني فلسطيني معتدل، حركة تحررية تسعى إلى تحرير فلسطين، أطمئن الجميع أنه لا خشية من حماس ولا من برنامجها». لو صبر برهوم قليلا ما كان بحاجة لهذا التطمين، لكنه الآن ربما يكون أحوج لمن يطمئنه.

(9) د. محمود الزهار - مقابلة خاصة على موقع «الجزيرة توك (24)» (http://www.aljazeeratalk.net/node/1633) 6/11/2007.
سئل د. الزهار عن تصريح نقلته على لسانه صحيفة «دير شبيغل» الألمانية قال فيه: «أنه يمكن لنا إقامة إمارة إسلامية في غزة لاحقا, هل لا زلتم على موقفكم»؟ فأجاب بما يدعو للعجب حقا: «لسنا في حاجة لإمارة إسلامية, نحن نعيش في واقع إسلامي , والمجلة لم تنقل الصورة واضحة , وحرفت الأقوال, ونحن نعيش الإسلام منذ قرون , وليس هذا انقلاب على العلمانية لنقيم الإسلام, وحتى المسيحيين».

(10) أيمن طه – قيادي وأحد الناطقين باسم «حماس» – صحيفة «القدس (25)» (http://web.alquds.com/node/120895)الفلسطينية - 4/12/2008.
في إطار الحوار الفلسطيني الدائر في العاصمة المصرية – القاهرة، وموقف حماس من المصالحة الفلسطينية، وردا على تصريحات رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري مصطفى الفقي، والذي اتهم «حماس» بأنها تخدم الاحتلال في استيلائها على القطاع، وأن مصر لن تسمح بإقامة إمارة إسلامية على حدودها الشرقية مع قطاع غزة، أدلى أيمن طه بتصريح لوكالة « معا» الفلسطينية أكد فيه أن:
« حماس معنية بالمصالحة والحوار الفلسطيني وأنها تدعم جهود مصر من أجل إنجاحه ... وأنه لن يكون هناك إمارة إسلامية في القطاع، ولن تسعى حركته لذلك قائلا: لو كان كذلك لأعلناها منذ الرابع عشر من حزيران العام الماضي».

(11) خالد مشعل - « وكالات، فضائية الأقصى (26) « (http://www.aqsatv.ps/arabic/news.php?action=view&id=2054) - 16/8/2009.
«نفى ... سعي حركته إلى تحويل قطاع غزة إلى إمارة إسلامية، عبر محاولة فرض الشريعة الإسلامية، مشددا على أنه ليس من سياسة حركته فرض التدين على أحد، لأن التدين يأتي بالقناعة وليس بالإكراه، مشيرا إلى أن فرض زِىّ إسلامي موحد على المحاميات خطوة قام بها رئيس مجلس العدل ورئيس المحكمة العليا في غزة، باجتهاد منه، وليس بقرار من حماس أو من حكومة هنية».

(12) د. أحد حلبية و د. أحمد بحر - « إسلام أون لاين (27) » (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1230121213452&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout) 24/12/2008.
« نفى رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني د. أحمد أبو حلبية «بشدة» ما أوردته صحيفة «الحياة» اللندنية في عددها الصادر في (24/12/2008) من أن كتلة «التغيير والإصلاح» التي تمثل حركة «حماس» بالمجلس قد أقرت «قانونا إسلاميا» ينص على تطبيق الحدود الشرعية، مشيرا إلى أن: «الوضع الحالي يمنع إقرار قانون كهذا» كما أن « تطبيق الشريعة يتم وفق مراحل»، على حد قوله. وفي موضع آخر قال: « نحن نرفع شعار الإسلام هو الحل، وقلنا من أول يوم فازت فيه حركة حماس إننا سنسعى إلى أسلمة القوانين، ولكن أكدنا في ذات الوقت أن تطبيق الشريعة يتم وفق مراحل». وفي معرض نفيه لما أثارته زوبعة قانون العقوبات قال رئيس المجلس التشريعي بالإنابة د. أحمد بحر: « في أكثر من مناسبة نفت حركة حماس ما تروجه بعض وسائل الإعلام بأنها تسعى لإقامة إمارة إسلامية في قطاع غزة».

2) مناقشة التصريحات
لسنا ندري إنْ كانت مسألة عدم القدرة على تطبيق الشريعة عند «حماس» أسيرة لبرنامجها الانتخابي ومشاركتها في السلطة أو بالحصار المفروض على غزة أو حتى بماض تليد سبق وأن عبّر عنه الشيخ أحمد ياسين في أكثر من مناسبة، وعلى منابر إعلامية عدة، فضلا عن توثيقه في الكتب والصحف والكراسات. فقد سئل الشيخ من قِبَل صحيفة «النهار» المقدسية (30/4/1989 – عدد 797) عن أن: « الشعب الفلسطيني يريد دولة ديمقراطية, وأنت؟؟ لماذا تعانده؟»، فأجاب: « وأنا أيضاً أريد دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب, والسلطة فيها لمن يفوز في الانتخابات»، ثم استفسر منه ثانية: « لو فاز الحزب الشيوعي, فماذا سيكون موقفك؟» فقال: « حتى لو فاز الحزب الشيوعي فسأحترم رغبة الشعب الفلسطيني».

الحقيقة أن أطرف ما في تصريحات «حماس»، كحركة إسلامية، أنها جاءت أشبه ما تكون برد الصائل! فتارة بدت وكأنها تدفع عن نفسها « عدوانا غاشما» كلما اتهمتها السلطة أو غيرها بالسعي لتطبيق الشريعة، وفي حين آخر ظهرت وكأنها في قفص اتهام تواجه «تهمة جنائية ظالمة» تَجْهد في التبرؤ منها!

لا شك أن التهيئة لتطبيق الشريعة أمر واجب إذا كانت هناك نوايا فعلية في هذا الاتجاه. لكن التعلل بالتدرج والمرحلية فهذه مصطلحات عفا عليها الزمن ولم تعد تتمتع بأية مصداقية لمن يتمسك بها ويعتقد أنها سلاحه الفتاك في ردع الخصوم، فهي لم تُستعمل أصلا إلا للتهرب من استحقاقات الانتساب إلى الإسلام والمسلمين وتمييعها. فالذي يقرأ تاريخ الحركات الإسلامية في صراعها مع العلمانية وقوى اليسار يعلم حق العلم أن هذه المصطلحات هي ذاتها التي كانت تستعمل منذ خمسينات القرن العشرين. والذي يطلع على وثائق الجماعات الجهادية في مصر السبعينات سيرى المطارحات التي خيضت والردود الكثيفة التي حفظتها متون الكتب والصحف على اختلافها، وحتى مضامين الندوات الرسمية والأكاديمية لم تخل منها. لست هنا معنيا في الرد الشرعي على هكذا مصطلحات، حيث للأمر أهله، لكني كمسلم يدرك بعض دينه أحسب أن محمد سلى الله عليه وسلك طان آخر الأنبياء، وأن الدين برفاته اكتمل، والوحي انقطع والقرآن محفوظ، والأحكام موجودة، والسنة قائمة، والمجتمع مسلم وليس بكافر. وحتى لو كان كافرا فالدعوة إلى الله له بالحكمة والموعظة الحسنة لا تتطلب استشارته أو إرادته وإلا ما كان هناك في التاريخ الإسلامي فتوحات صلح أو عنوة، ولما يكون هذا حال المجتمع الكافر فما بال المجتمع المسلم؟

يمكن القول حقا بأن «حماس» غير قادرة فعلا على تطبيق الشريعة إلا بحدود معينة بالكاد يمكن ملاحظتها لأكثر من سبب وسبب، ولست أدري إن كان هذا عذرا شرعيا أم لا، لكن بأي حق يترك أمر تطبيق الشريعة إلى اختيار العامة من الناس وحريتهم ليقرروا إذا ما كانت تناسبهم أو لا ؟؟!!! فهل بعث الله الرسل والأنبياء ليستشيروا الناس فيما قرره رب العزة في خلقه؟ واضح أن المسألة هنا لم تعد تدرجا ولا إقناعا. إذ كيف يكون فرض الحجاب، مثلا، بالحكمة والموعظة الحسنة والإقناع!؟ فإذا لم يقتنع الشعب بالحجاب خاصة وأن الناس مدفوعة وراء شهواتها وملذات الحياة إلا من رحم الله؛ وإذا ما استنفذ الإقناع والحكمة والموعظة؛ فهل سيترك الناس على ما تشتهي أنفسهم؟ أم أنهم يستحقون، حينها، سفك دمائهم كما سُفكت في المساجد والأحياء؟ ألم يكن الذين قُتلوا في مسجد ابن تيمية برفح يستحقون صبرا وقليلا من الحكمة والموعظة الحسنة أكثر مما هو متاح لـ «المشروبات الروحية»؟ أم أنهم استنفذوها فاستحقوا القتل؟؟!! أم أن سفك الدماء أسهل من فرض الحجاب وحظر الخمور؟

إذن فلتفعل «حماس» ما تشاء. فنجن هنا، فقط، نناقش نصوص وردت على ألسنة القادة من «حماس» و «الإخوان». وهذه النصوص اشتملت على الكثير من التناقضات والتخبطات، وكل ما في الأمر أن تحظى التساؤلات بإجابة منطقية لا شرعية. لاحظ، مثلا، تصريح خالد مشعل (7) الذي يقول فيه أن: «حماس لا تهدف إلى أسلمة المجتمع» بينما يعاكسه في الاتجاه د. أحمد أبو حلبية (12) الذي يقول: «من أول يوم فازت فيه حركة حماس إننا سنسعى إلى أسلمة القوانين»! فمن هو الصادق؟ ومن هو الكاذب؟

لاحظ أيضا تصريح خالد مشعل لمحطة (tv » (5» وهو يقول: « حماس لا تفرض برنامجها الاجتماعي والديني على الآخرين. هي تعرض ما لديها دون أن تلزمهم دون أن تكرههم، لا تلزم الناس، لا تلزم النساء بالحجاب، ولا تلزم الناس بمظاهر معينة ... الدين اختيار وليس إجبار»، وقارنه بتصريح د. الزهار (9) وهو يقول: « لسنا في حاجة لإمارة إسلامية... نحن نعيش في واقع إسلامي , ... ونحن نعيش الإسلام منذ قرون ... ». فالأول يتعامل مع الفلسطينيين وكأنهم شعبا بوذيا وليس مسلما ويستدل بالآية الكريمة: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ - البقرة : 256 } ، تماما كما سبق واستدل د. أبو الفتوح على «حد الردة» بقوله تعالى: { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ - الكهف : 29}! والثاني يتعامل معهم وكأنهم في عصر الصحابة. وفي كلا الحالتين ما هي الجدوى من وجود جماعات إسلامية أو جهادية، في فلسطين أو غير فلسطين، إذا كان الدين اختيارا حتى على المسلمين؟ وما هو المميز في خطاب «حماس» ومن ورائها «الإخوان»؟ وما هي وظيفة هذه الجماعات حيث كانت؟ ولماذا اختارت أن تكون مرجعيتها إسلامية؟ العجيب أن الخطاب السياسي الرسمي كان يتهم هذه الجماعات بالتستر في الدين لتحقيق أغراض سياسية كالوصول إلى السلطة! وأحسب أن هذه الجماعات تفسح الطريق لهذه التهمة بإرادتها، خاصة الجيل الجديد من «الإخوان» أكثر من غيرهم.

أما مسألة إقامة الحدود فما من أحد يتصور إقامتها اعتباطيا. فهي أولا جزء من المنظومة الإسلامية، ولعلها من أطرف المفارقات حقا أن ترمي «حماس» خصومها من الجماعات الجهادية بالجهل في الإسلام والشريعة معتبرة أن تطبيق الشريعة ليس فقط مجرد حدود، وهي التهمة التي لطالما رُميت بها كافة الجماعات الإسلامية سابقا وفي مقدمتها «الإخوان المسلمين» أنفسهم الذين يتعرضون، منذ دخولهم الانتخابات سنة 2005، لذات المساءلة أو التهمة!!! لكن تطبيق حدٍّ واحد، لمن يطالب بتطبيق الشريعة، سيكون بمثابة مؤشر جدي على بلوغ مسألة تطبيق الشريعة ذروتها. وبما أنه لم يطبق حتى حد التعزير، على الأقل، فهذا يعني أن مسألة التدرج بعيدة جدا عن الحقيقة إنْ لم تكن مجرد تَعِلَّة بيد أصحاب الشأن. ولعل في تصريحات الشيخ حامد البيتاوي (2) لجريدة «الغد» ما ينفي كل زعم أو جدوى بأن «حماس» ماضية في أسلمة المجتمع أو القوانين. فإذا كان التدرج بالحكمة والإقناع وحرية الاختيار تعني مجرد المعارضة فسيكون حال الشريعة كحال الفرزدق ومربع! زعم الفرزدق أنْ سيقتل مربعاً ... أبشر بطول سلامة يا مِربعُ.

فأي تدرج هذا الذي يبدأ برفض قرار محكمة يُلزم المحاميات بارتداء الحجاب؟ وأي تدرج هذا الذي يسمح بتسمية الخمور بالمشروبات الروحية؟ وأي تدرج هذا الذي يسمح بكل هذا الكم الهائل من التصريحات المعادية لأية دعوة تتعلق بالشريعة أو حتى بالمظهر الإسلامي؟ وأي تدرج هذا الذي يسمح لـ «حماس» بأن تدافع عن نفسها أمام الشريعة وكأنها الخصم (الباطل) وهي الأصل (الحق)؟ وأي تدرج هذا الذي يسمح بحشد آلاف المقاتلين لإنقاذ صحفي أجنبي ويهدد بارتكاب مجزرة بجموع المسلمين إذا لم يُطلق سراحه؟ وأي تدرج هذا الذي يسمح بتكسير الأرجل وإطلاق النار عليها وبترها وسفك دماء الناس في المساجد والشوارع والأحياء ثم تُشوه سمعة الضحايا ويُفترى عليهم دون أن يجرؤ أحد على محاسبة الجناة أو مساءلة الحكومة؟ وأي تدرج هذا الذي تظهر فيه أخلاق الغطرسة والعزة بالإثم على جماعة من المفترض أنها ذات أخلاق إسلامية رفيعة ونموذج يحتذى حتى للخصوم؟ أي تدرج هذا الذي يبيح الكذب بصورة تقشعر لها الأبدان، ويتخذه نهجا ويصر عليه حتى بعد فضحه على الملأ، وبالأدلة القاطعة؟

لكن يبقى السؤال الأول: أليست «حماس» أولى في الالتزام بشرع الله قبل غيرها؟ أم أنها فوق الحكم الشرعي والمساءلة؟ وكم من الوقت ستحتاج «حماس» بمثل هذه التصريحات لتبدو على المجتمع مظاهر الإسلام؟ والسؤال الأهم: هل يمكن تصنيف تصريحات «حماس»، فيما يتعلق بتطبيق الشريعة، والتسوية والتحالف مع الشيعة والكذب والتشويه وارتكاب المجاز وغيرها من الممارسات ضمن «معركة المصحف»؟ لكن ما هي قصة «معركة المصحف»؟

ثالثا: «معركة المصحف»

قبل اغتياله بتسعة شهور تقريبا كتب الشيخ حسن البنا في جريدة «الإخوان المسلمون» اليومية (العدد 627 السنة الثالثة بتاريخ الأحد 7 رجب 1367، 16 مايو سنة 1948) مقالة عن «حاكمية الشريعة» بعنوان: «معركة المصحف – أين حكم الله؟». ولو كتبها في أيامنا هذه لاستحق لقب «تكفيري» بامتياز حتى من داخل الجماعة قبل غيرها! ولسنا ندري إن كانت مثل هذه الأفكار والتوجيهات لدى المرشد قد تسببت فعلا باغتياله في 12/2/1949 بعد بضعة شهور من كتابته لها والمجاهرة في التعبير عنها، خاصة وأن هذه المقالة بالذات جاءت بعد يومين من الانسحاب البريطاني وإعلان قيام دولة لليهود في فلسطين.

ويبدو أن الكاتب إبراهيم العسعس كان محقا في مقالته: «الإخوان والرهان الخاسر» لما قال: « توفي المؤسس رحمه الله فجأة قبل أن يقول لهم ما يريد على وجه التحديد«. ففي سياق مناقشته لشروط قيام «القاعدة المسلمة» التي تتولى تطبيق «حاكمية الشريعة» أو حمايتها ، يميز المفكر الإسلامي محمد قطب في كتابه «واقعنا المعاصر» بين فكر «البنا» في بداية تأسيس الجماعة وفكرها في أواخر أيامه خاصة فيما يتعلق بتطبيق الشريعة قائلا:« لئن كان هذا لم يكن واضحاً تماماً في مبدأ الطريق، أو كان خافياً وراء الحماسة العاطفية للجماهير، فقد اتضح في حس الإمام الشهيد في أيامه الأخيرة على ضوء الخبرة الواقعية كما يبدو ذلك واضحاً متبلوراً» في مقالة: «معركة المصحف» والتي ننقلها فيما بعد بنصها كما وردت في « واقعنا المعاصر».

إذن، فقد كان فكر «البنا» قد تبلور بصورة أكثر وضوحا من ذي قبل. وبلغة الشيخ محمد قطب،: «نعم، لقد اتضح الأمر في حس الإمام الشهيد في أيامه الأخيرة»، ولكنه « لم يُمهَل حتى يرسِّخ هذا المعنى في قلوب أتباعه ... ، فظل ... غير واضح في نفوسهم، ولا تبدو آثاره في تخطيهم وتحركهم وأفكارهم». لكن ما لم يكمله «البنا» ويعمل عليه تصدى له سيد قطب ومحمد قطب وغيرهما من كبار المفكرين الإسلاميين بينما كانت الجماعة تتنصل منه بالتدريج وتتخلى عن دعاته ورموزه تباعا حتى انقلبت عليه وعليهم وارتمت في أحضان الدساتير والدولة المدنية. فما الذي قاله «البنا» في مقالته؟ لنقرأ النص:

« معركة المصحف – أين حكم الله؟»

{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً (105)} [سورة النساء 4/105]
{وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [سورة المائدة 5/49-51]
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [سورة النــور 24/51]
الإسلام دين ودولة ما في ذلك شك. ومعنى هذا التعبير بالقول الواضح أن الإسلام شريعة ربانية جاءت بتعاليم إنسانية وأحكام اجتماعية، وكلت حمايتها ونشرها والإشراف على تنفيذها بين المؤمنين بها، وتبليغها للذين لم يؤمنوا بها إلى الدولة، أي إلى الحاكم الذي يرأس جماعة المسلمين ويحكم أمتهم. وإذا قصر الحاكم في حماية هذه الأحكام لم يعد حاكماً إسلامياً. وإذا أهملت الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية. وإذا رضيت الجماعة أو الأمة الإسلامية بهذا الإهمال ووافقت عليه لم تعد هي الأخرى إسلامية….، ومهما ادعت ذلك بلسانها. وإن من شرائط الحاكم المسلم أن يكون في نفسه متمسكاً بفرائض الإسلام بعيداً عن محارم الله غير مرتكب للكبائر.

وهذا وحده لا يكفي في اعتباره حاكماً مسلماً حتى تكون شرائط دولته ملزمة إياه بحماية أحكام الإسلام بين المسلمين، وتحديد موقف الدولة منهم بناء على موقفهم هم من دعوة الإسلام. هذا الكلام لا نقاش فيه ولا جدل، وهو ما تفرضه هذه الآيات المحكمة من كتاب الله. ولقد كانت آيات النور صريحة كل الصراحة، واضحة كل الوضوح في الرد على الذين يتهربون من الحكم بما أنزل الله، وإخراجهم من زمرة المؤمنين، فالله تبارك وتعالى يقول فيهم:

{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (51)} [سورة النــور 24/47-51]

كما جاءت آيات المائدة تصف المهملين لأحكام الله بالكفر والظلم والفسق فتقول: {لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)} [سورة المائدة 5/44] {الظَّالِمُونَ (45)} [سورة المائدة 5/45] {الْفَاسِقُونَ (47)} [سورة المائدة 5/47] ثم تقول: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [سورة المائدة 5/50]

ولا يكفي في تحقيق الحكم بما أنزل الله أن تعلن الدولة في دستورها أنها دولة مسلمة، وأن دينها الرسمي الإسلام، أو أن تحكم بأحكام الله في الأحوال الشخصية وتحكم بما يصطدم بأحكام الله في الدماء والأموال والأعراض، أو يقول رجال الحكم فيها إنهم مسلمون سواء أكانت أعمالهم الشخصية توافق هذا القول أم تخالفه. لا يكفي هذا بحال. ولكن المقصود بحكم الله في الدولة أن تكون دولة دعوة، وأن يستغرق هذا الشعور الحاكمين مهما علت درجاتهم والمحكومين مهما تنوعت أعمالهم. وأن يكون هذا المظهر صبغة ثابتة للدولة توصف بها بين الناس، وتعرف بها في المجامع الدولية، وتصدر عنها في كل التصرفات، وترتبط بها في القول والعمل.

في العالم دولة اسمها الاتحاد السوفيتي، لها مبدأ معروف ولون معروف ومذهب معروف، نحن لا نأخذ به ولا ندعو إليه، ولكنا نقول إن هذه الدولة عرفت بلونها هذا بين الناس وفي المجامع الدولية، وهي ترتبط بمقتضياته في كل تصرفاتها وأقوالها وأعمالها. وقد أرادت إنجلترا وأمريكا تقليدها فادعتا أنهما تصطبغان بالدعوة إلى شئ اسمه الديمقراطية، وإن اختلف مدلوله بمختلف المصالح والمطامع والظروف والحوادث. فلماذا لا تكون مصر – وهي دولة مستقلة وذات سيادة – معروفة في المجامع الدولية بتمسكها بهذه الصبغة الإسلامية وحرصها عليها ودعوتها إليها وارتباطها بها في كل قول أو عمل؟ ذلك هو أساس الحكم بما أنزل الله. ومتى وجد هذا المعنى، وارتبطت الدولة بهذا الاعتبار، واصطبغت بهذه الصبغة، فستكون النتيجة ولا شك تمسك الحاكمين بفرائض الإسلام واتصافهم بآدابه وكمالاته، فيتحقق حكم الله فردياً واجتماعياً ودولياً وهو المطلوب.
أين نحن من هذا كله؟
الحق أننا لسنا منه في شيء. وكل حظنا منه نص المادة 149 من الدستور، ثم ما بقى في نفوس هذا الشعب من مشاعر وعواطف وتقدير وأعمال وعبادات. أما الحكومة والدولة ففي واد آخر.

يا دولة رئيس الحكومة أنت المسئول بالأصالة.
ويا معالي وزير العدل أنت المسئول بالاختصاص.
ويا نواب الأمة وشيوخها أنتم المسئولون باسم أمانة العلم و التبليغ التي أخذ الله عليكم ميثاقها.
« ويا أيتها الأمة أنت المسئولة عن الرضا بهذا الخروج عن حكم الله، لأنك مصدر السلطات». « فناضلي حكامك وألزميهم النزول على حكم الله، وخوضي معهم معركة المصحف، ولك النصر بإذن الله».
حسن البنا

ابوخالد عبدالله
10-01-2009, 10:23 AM
أخيرا

إذا كان الظاهر من «الإخوان المسلمين» البحث عن الدولة المدنية كهدف وبديل عن الحل الإسلامي فإن الظاهر من «حماس» هو البحث عن التسوية والاندراج في المنظومة الدولية مهما كانت النتائج التي لم تدركها بعد. وعليه فإن قصة التدرج في تطبيق الشريعة ليس لها أصل ولا فصل إلا التملص من كل استحقاق شرعي. أما الجماعة الأم وفروعها، فقد استراحت من الأمر، ولم تعد تتحدث، اعتقادا أو سلوكا، لا عن شريعة ولا عن تدرج في تطبيقها. والأوضح في توجهاتهما أنهما أقرب إلى التدرج في تطبيق العلمانية من التدرج في تطبيق الشريعة، وإلا ما كان «الآخر الإسلامي» قد تحوّل بالنسبة إليهما إلى خصم خلافا لما أوصى به الشيخ حسن البنا (28) (http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F163655E-3844-4497-800E-94AA096F1303.htm)حين قال بأن «الإخوان»: « لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله ».

وفي المحصلة؛ فلا «حماس» التزمت ولا هي شذت عن «الأم» بصيغتها الجديدة. وكذلك هو حال الجماعة، فلا هي التزمت ولا هي شذت عن فروعها. لكنها الظروف التي يتكيف فيها كل فرع بحسب احتياجاته وإمكانياته. وكل ما في الأمر أن لكل فرع مصالحه لكن تحت سقف الجماعة ذات المصلحة العليا التي تعلو مصلحة الفرد.

مسؤول «إخواني» في دولة عربية، أُثر عنه تمسكه بالحكم الشرعي، أفتى بعدم جواز المشاركة في الانتخابات البرلمانية باعتبار البرلمان مؤسسة تشرع بغير ما أنزل الله. لكنه دخل الانتخابات وفاز بمقعد برلماني! ولما سئل عن سبب مشاركته خلافا لما سبق وأفتى به قال بأن مشاركته جاءت بقرار من الجماعة!!!

هذا نموذج مثالي تُصنَّف فيه كافة المسائل الكبرى والصغرى في خانة واحدة من التبريرات هي خانة الاجتهاد، بشرط أن تحتفظ الجماعة باجتهادها الذي لا يعلو عليه أي اجتهاد مهما كان موضوع الاجتهاد. وفي المحصلة النهائية؛ فإن مسألة تطبيق الشريعة ليست فوق الاجتهاد لا هي ولا غيرها من المسائل. لكن الأسوأ أنها على المستوى السياسي مثلها مثل الديمقراطية أو الدولة المدنية أو التسوية السياسية مع اليهود، وعلى المستوى العقدي لا تمانع من القول بجواز التعبد بالمذهب الشيعي، وعلى مستوى العلاقات فلا بأس من التحالف مع الأعداء إلى الدرجة التي تحظى بها بموافقة أمريكا والغرب والنصارى على تطبيقها. بل هي أدنى منزلة من أية أطروحة أخرى. فهل يمكن لجماعة من هذا النوع أن تطالَب بتطبيق الشريعة في غزة أو خارج غزة؟ أو تخوض «معركة المصحف» وهي غارقة حتى ناصيتها مع تحالفات، باجتهادات شرعية، مع الشياطين والكفرة في مشارق الأرض ومغاربها!!!؟؟ حبذا لو يدلي القاضي عبد الجبار محمد برأيه!!!


د. أكرم حجازي
1/10/2009
*********************************** **

روابط ذات صله

(1) منهج حركة الإخوان المسلمين ورؤاها الفكرية (http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F163655E-3844-4497-800E-94AA096F1303.htm)
(2) الشريعة الإسلامية؛ المفهوم والمضامين (1/2) (http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=528)
(3) عبد المنعم أبو الفتوح: الإسلام الوهابي البدوي أشاع مناخ التطرف بجلابية قصيرة ومظاهر كاذبة (http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=15975&IssueID=265)
(4) أبو الفتوح: لا نسعى لإنشاء أحزاب دينية ولكننا نريد حزبًا سياسيًّا مدنيًّا (http://www.ikhwanonline.net/Article.asp?ArtID=25714&SecID=211)
(5) أبو الفتوح يؤكد إمكانية قيام حزب لجماعة الإخوان لا يحمل اسمها (http://www.alarabiya.net/articles/2005/11/16/18685.html)
(6) نقطة نظام: مع د. عبد المنعم أبو الفتوح (http://www.alarabiya.net/programs/2005/12/11/19383.html)
(7) عبد المنعم أبو الفتوح: الإسلام الوهابي البدوي أشاع مناخ التطرف بجلابية قصيرة ومظاهر كاذبة (http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=15975&IssueID=265)
(8) أجهزة محمود رضا عباس دايتون هم (أهل ردة) !!! (http://www.aljazeeratalk.net/forum/showthread.php?t=189295)
(9) الأسطل يدعو المجاهدين إلى عدم تسليم أنفسهم (http://www.paltimes.net/arabic/news.php?news_id=92332)
(10) خدام: لن نشرك الجيش (http://www.elaph.com/Web/AkhbarKhasa/2006/3/135863.htm)
(11) بصراحة: مع المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا (http://www.alarabiya.net/programs/2008/05/04/49356.html)
(12) بالعربي: هل آن أوان العودة إلى دمشق؟ (http://www.alarabiya.net/programs/2009/04/11/70402.html#004)
(13) الحركاتُ الإسلاميَّةُ المُصابَة بِلوثَةِ الزَّندقَة! (http://www.abubaseer.bizland.com/articles/read/a%20124.doc)
(14) عبد الغفار محمد القاضي وقضية مقتل السادات (http://www.mohamoon-montada.com/Default.aspx?action=Display&ID=87342&Type=3)
(15) المستشار عبد الغفار أعظم قضاة مصر وأزهدهم ـ ج2ـ من حوارنا مع أبو المعارك أ. يوسف صقر (http://www.egyig.com/Public/articles/interview/11/39275889.shtml)
(16) قيادي إخواني: «القرآن دستورنا» شعار عاطفي لا يعبر عن منهجنا للعمل السياسي (http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=301429&issueno=9675)
(17) نقطة نظام: مع د. محمود الزهار (http://www.alarabiya.net/programs/2005/12/18/19580.html)
(18) البيتاوي: حماس لا تفكر أبدا في إقامة دولة إسلامية أو تطبيق الشريعة (http://www.alghad.jo/index.php?news=74896)
(19) اغتيال مقاوم في بيت حانون (http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1140326531731&pagename=Albayan%2FArticle%2FFullDe tail)
(20) دويك يرفض إجبار الفلسطينيين على تبني مبادئ الشريعة (http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1140326520264&pagename=Albayan%2FArticle%2FFullDe tail)
(21) أبو مرزوق لـــ « البيان »: إمارة غزة الإسلامية دعاية إسرائيلية (http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?c=Article&cid=1182859986476&pagename=Albayan%2FArticle%2FFullDe tail)
(22) مشعل: عباس لا يزال الرئيس الشرعي (http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_6758000/6758873.stm)
(23) فوزي برهوم لـ «القدس العربي» : اطمئن محمود درويش وغيره إن حماس لا تسعي (http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=200777-2724x85.htm)
لتطبيق الشريعة أو إقامة إمارة (http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=200777-2724x85.htm)
(24) د. محمود الزهار في مقابلة خاصة للجزيرة توك (http://www.aljazeeratalk.net/node/1633)
(25) أيمن طه: "حماس" معنية بالمصالحة والحوار ولا تسعى لإقامة إمارة إسلامية في القطاع (http://web.alquds.com/node/120895)
(26) مشعل : لا نسعى لإقامة إمارة إسلامية في غزة, والانقسام فرض علينا (http://www.aqsatv.ps/arabic/news.php?action=view&id=2054)
(27) حماس: الوضع الحالي لا يسمح بتطبيق الشريعة (http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1230121213452&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout)
(28) منهج حركة الإخوان المسلمين ورؤاها الفكرية (http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F163655E-3844-4497-800E-94AA096F1303.htm)

*********************************** **************
الحلقات السابقة

1) الإخوان والغياب الطويل عن الساحة (http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-208.htm)
2) الإخوان وإدانة الجهاد العالمي (http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-209.htm)
3) الإخوان وحماس والمشاريع الخادعة (http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-210.htm)
4) تحالفات «الإخوان» و «حماس» بين الخطر والعجب (http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-212.htm)