تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ما وراء تغييب النائب العراقي محمد الدايني



أحمد الظرافي
09-09-2009, 10:10 PM
ما وراء تغييب النائب العراقي محمد الدايني
أحمد الظرافي

كان احد الشخصيات العراقية المحسوبة على أهل السنة، التي قبلت بالعملية السياسية تحت حراب المحتل، ودخلت مجلس النواب - الذي يهيمن عليه الشيعة أصلا ، فضلا عن هيمنتهم على الحكومة وقوات الجيش والأمن، وسائر مرافق الدولة بالتواطىء مع الاحتلال الأمريكي- وذلك في إطار ما تسمى بـ " جبهة الحوار الوطني" الداخلة في ائتلاف " جبهة التوافق "، التي فعلت ذلك بدعوى الحرص على مصلحة أهل السنة والرغبة في خدمة الوطن، والحيلولة دون انفراد الشيعة بحكم العراق الجديد – زعموا -، إلا انه كان واحدا من القلة القليلة جدا من بين أعضاء هذه الجبهة الذين كانوا صادقين مع أنفسهم، وأوفياء للمبدأ الذي دخلوا من أجله مجلس النواب. لكن هذا قد أوقعه في مأزق، وكان أحد الأسباب الرئيسية التي قادت حكومة الشيعي نوري المالكي للتخلص منه وتغييبه جسديا وسياسيا، في أواخر شهر فبراير 2009. إنه النائب السني محمد الديني، عضو البرلمان العراقي عن محافظة ديالى. فما هي قصة هذا النائب ؟ وكيف حدثت عملية التغييب؟

أبرز مواقف محمد الدايني
وحتى لو كان الوفاء للمبدأ، لا يبرر الخطأ الذي أرتكبه الدايني، ابتداء ، والمتمثل في القبول بالمشاركة في اللعبة السياسية تحت حراب المحتل، والتي رسم هذا المحتل أسسها وجعلها قائمة على المحاصصة الطائفية والعرقية، وعدم الانخراط في إحدى فصائل المقاومة الشريفة، فيمكن القول أن هذا الرجل، حاول أن يفعل شيئا للعراق وللطائفة السنية، إزاء ما يحدث بحق هذه الأخيرة، من ممارسات عدوانية وحشية ومنظمة، قتلا.. واعتقالا.. وتهجيرا جماعيا.. ومداهمات.. واغتصابات..ومحاولات محمومة ومتعمدة للإقصاء والتهميش، واستبعاد من القرار السياسي، من قبل الحكومة العراقية التي تهيمن عليها الأحزاب الشيعة التابعة لإيران، وبماركة أميركية ، فضلا عن الانتهاكات والممارسات الظالمة التي تتعرض لها من قبل قوات الاحتلال الأمريكي.
عرف محمد الدايني بمهاجمته المستمرة لإيران، الشريك الثاني الفاعل في احتلال العراق، والمتدخل في أدق شئونه الداخلية، وكشف عبر الإعلام عن ملفات تورط الساسة العراقيين في التبعية لها، ووجود أعضاء في مجلس النواب يأتمرون بأمرها ويدافعون عنها، وكل ذلك على حساب العراق وأهله. وغير ذلك من الملفات، التي لا يروق لحكومة المالكي كشفها. وانخرط الدايني في كشف فضائح التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان - وبصفة خاصة ضد أهل السنة العرب- في المعتقلات والأقٌبية التابعة لوزارات العدل والداخلية والدفاع، فضلا عن الانتهاكات في سجون المحتل. وقام بكشف العديد من المعتقلات والأقبية السرية التابعة للحكومة العراقية والمخصصة للمعتقلين من أهل السنة، والأوضاع المزرية للمساجين فيها والانتهاكات الهمجية التي تتم بحقهم، دون وازع من خلق أو ضمير.
ومن ذلك كشفه لسجن بعقوبة سيء الصيت، ولقاءه بالمعتقلين هناك، وكشفه لسجني العدالة، ومغاوير الداخلية في ساحة النسور، والتي أحرجت الحكومة العراقية، وفضحت ممارساتها الطائفية ضد أهل السنة أمام الرأي العام بالصور. ونقل الدايني تلك الممارسات بعد توثيقها لجمعيات حقوق الإنسان، كما قدم شهادته أمام الكونجرس الأمريكي، في حزيران (يونيو) عام 2007، حول مصاب المعتقلين العراقيين، وتعذيبهم في غياهب سجون الاحتلال والحكومة العراقية، وذلك بغض النظر عن جدوى هذه الشهادة، وفيما إذا كان قد ترتب عليها اثر في الحد من الاعتقالات، وفي تغيير أوضاع المعتقلين من عدمه.
ومن ذلك أيضا اتهام الدايني للسلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، بالانقلاب على السلطة التشريعية التيأنجبتها، من خلال الخطة الأمنية التي تنفذها حكومة المالكي. وأوضح الدايني في إحدى تصريحاته "أنه بالرغم من الشعارات التي أطلقت قبيل انطلاق الخطة الأمنية ،على إنها خطة لفرض القانون، سوف تطبق على كل الخارجين عنه، ولكن ما حدث فعليا هواقتصارها على فئة دون أخرى". في إشارة واضحة أن المستهدف من الخطة الأمنية هم أهل السنة دون غيرهم.. الخ.
وهذا بالإضافة إلى موقفه الرافض للاتفاقية الأمنية مع الاحتلال الأمريكي، ودفاعه عن شرعية وجود معسكر أشرف التابع لحركة " مجاهدي خلق" المعارضة لنظام الآيات في طهران.
فالرجل لم يمش جنب الحيط، ويقول نفسي نفسي، ولم يعتبر الراتب المغري الذي يتقاضاه في نهاية كل شهر هو نهاية المطاف لدخوله البرلمان العراقي، وثمنا لسكوته على الجرائم المروعة التي تتم بحق أبناء شعبه بشكل عام، والطائفة السنية بشكل خاص، والمؤامرة الأمريكية – الإيرانية الجارية على بلده العراق، وعمليات النهب الشامل التي يمارسها الطرفان لموارد العراق.
أقول أن الرجل لم يمش جنب الحيط.ويهتم بمصالحه الخاصة فقط، كما فعل إخوانه من بقية أعضاء جبهة التوافق، وجبهة الحوار الوطني، والحزب الإسلامي، فالدايني لم تثبط همته التهديدات التي كانت تكال له سرا وعلانية. ولم تثنه المضايقات والاتهامات التي كانت تطارده أين ما ذهب. ولم تفت في عضده الاعتقالات والاغتيالات في صفوف أهله وأفراد أسرته وعناصر حمايته. لقد ظل محمد الدايني حاملا رأسه على راحة يده، وحاول قدر الإمكان أن يقف في وجه الممارسات الطائفية الظالمة ضد أهل السنة، التي تقوم بها حكومة المالكي التي تأتمر بأمر الحرس الثوري ، والسفارة الإيرانية في بغداد.

الدايني و"مجاهدي خلق"
كل ذلك وغيره قد أثار انزعاج طهران، وحكومة المالكي، صنيعة الاحتلال الأمريكي في بغداد ، والموالية في الوقت نفسه لطهران، من هذا الرجل.
وربما كانت القشة التي قصمت ظهر البعير – إن جاز التعبير – هي إعلان الرجل تضامنه مع منظمة مجاهدي خلق، أكبر تيارات المعارضة الإيرانية في المنفى والموجودة في العراق من أيام الرئيس صدام حسين، قبل أن تحتمي بالجيش الأمريكي بعد سقوط بغداد 2003. وذلك ردا على التقارب اللافت بين الإدارة الأمريكية الجديدة وطهران، وتلويح الساسة الأمريكيين بما يفيد أمكانية تقديم رءوس الجماعة كعربون صداقة من أوباما لإيران، مقابل قيام هذه الأخيرة بمساعدة أوباما في ضرب حركة طالبان الأفغانية التي استعادت السيطرة على أجزاء واسعة من أفغانستان، وباتت تهدد العاصمة كابول، وبما ينذر بهزيمة باتت شبه مؤكدة للقوات الأمريكية التي تخوض في مستنقع هذا البلد منذ العام 2001 . وأيضا بعد التصريحات العنيفة التي أطلقتها الحكومة العراقية بشأن طرد عناصر هذه الجماعة، على لسان رئيس مجلس الأمن القومي العراقي، كريم شهبور ذي الأصل الفارسي، والمعروف باسم " موفق الربيعي ".
وقد صراح الدايني بأن " تواجد مجاهدي خلق في العراق هو في أطار القوانين الدولية والحكومة العراقية لا دخل( لها )فيها". واستهجن سعي الحكومة العراقية لطرد هذه الجماعة من على شاشة القناة التابعة للمنظمة، والتي مقرها في أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة. وكان ذلك تحديا سافرا لطهران ولحكومة الطائفي العنيد نوري المالكي الموالية لها، لما يمثله ملف هذه الجماعة من أهمية كبرى بالنسبة لطهران، ورغبتها - من ثم - في سرعة التخلص منها بدون ضوضاء، وبدون إعاقة، وبعيدا عن تدخل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي. وكان الدايني يعي ما يقول في هذا الشأن، ولم يكن يتحدث عشوائيا أو بدون علم ، بل هو كان يعلم أن ما يقوله يتوافق مع القوانين الدولية "حيث تنص اتفاقية جنيف لعام 1949 على مسئولية دولة الاحتلال في حماية أرواح وأموال وأعراض جميع القاطنين في إقليم الدولة المحتلة، وبالتالي فإن الأفراد المتواجدين في معسكر أشرف لا يزالون تحت مسئولية القوات الأمريكية مباشرة وتتحمل هيئة الأمم المتحدة مسئولية تفعيل الاتفاقية لضمان حياتهم وعدم المساس بهم وعدم ترحيلهم إلى أية دولة ".

اتهامه بتفجير البرلمان
وأخيرا وبعد فترة طويلة من الملاحقات والترصدات، والاتهامات والشتائم، لفقوا له عملية تفجير مجلس النواب العراقي التي حدثت في 14أبريل 2007- وهي العملية التي سبق لتنظيم " دولة العراق الإسلامية " أن اعترفت بها في وقته - زاعمين أن بعض عناصر حمايته قد أعترف عليه بذلك-. ذكرت ذلك الفضائية العراقية التابعة لحكومة المالكي التي بثت تسجيلات لابن شقيقه، ومسؤول حمايته اعترفا فيها بارتكابه العديد من الجرائم ، ومنها الحادثة المذكورة.
وقد وصف الدكتور محمد بشار الفيضي نائب الأمين العام لهيئة علماء المسلمين، في سياق مقابلة أجرتها معه مجلة الوطن العربي، عدد 18/3/2009، وصف اتهام الحكومة العراقية للدايني بتفجير البرلمان بأنه يثير الدهشة، وبأنه " أمر يصعب تصديقه. لأن الرجل كان داخل البرلمان أثناء التفجير.." وقال: أما بالنسبة لاعترافات ابن شقيقه ، فالذي سمع عن أساليب التعذيب التي مارستها أجهزة الحكومة في معتقلاتها يتأكد لديه أن المعذب بين أيديها لو طلب منه أن يشهد بأن الأرض فوقنا والسماء تحتنا لما تردد لحظة في ذلك، فماذا نريد من شخص وقع بين يدي هؤلاء لينتزعوا منه مبررا لاعتقال عمه".
والمهم أنه بعد تلك التسجيلات المشبوهة بيوم واحد، وبالتحديد في يوم 25/2/2009، كما أشار المراقبون المعنيون - أعادت حكومة المالكي طائرة تابعة للخطوط الجوية العراقية كانت متوجهة إلى عمان، تقل خمسة نواب، بينهم الدايني، أعادتها إلى مطار بغداد الدولي بعد حوالي نصف ساعة من إقلاعها، حسب ما أكد نواب كانوا مع الدايني على متن الطائرة، ولم يكن الهدف من ذلك سوى رأس النائب محمد الدايني.

النهاية الغامضة
وهكذا وقع محمد الدايني، في أيدي زبانية الأجهزة الأمنية العراقية التي يشرف عليها رئيس الحكومة نوري المالكي الطائفي، عبد إيران الذليل في العراق. وقع في أيديها بتلك الطريقة الخسيسة الغادرة . وقع محمد الدايني في أيدي جلادين خبثاء حقراء، مشبعين بالحقد والضغينه له ولأمثاله من الشرفاء، ومجردين من كل القيم.. وقع في أيديهم فغيبوه وأخفوه من فوق الأرض، وزعموا في بياناتهم أنه آخر مرة شوهد في مطار بغداد وبعدها هرب إلى جهة مجهولة. فيا للكذب !! يا للدجل !! يا للتضليل !! يا للاستخفاف بالعقول!! وكأن أرضية المطار قد انشقت وابتلعت محمد الدايني، أو كأن محمد الدايني فص ملح وذاب، أو أنه وضع على رأسه طاقية الإخفاء، وغادر بوابة المطار دون أن يراه أحد.
والحقيقة أنهم غيبوه – كما غيبوا غيره من أئمة وزعماء أهل السنة، وفي مقدمتهم أعضاء هيئة علماء المسلمين، وكثير غيرهم من الزعماء السنة الذين لا يروقون لهم- غيبوه في خطة أعدت سلفا، خاصة، وأنه تم تلفيق قرارا برفع الحصانة عنه متزامنا مع فترة عودة الطائرة، في إجراء وصف بأنه " أسرع إجراء عرفه تاريخ البرلمانات في العالم". وهناك من يشير إلى أن أوامر مباشرة صدرت من طهران لحكومة المالكي للقبض على هذا النائب. ولهذا فقد لا يستبعد أن يكون قد تم ترحيل الدايني، إلى إيران ليتولى الحرس الثوري عملية التحقيق معه وتعذيبه.
ومهما يكن فإن ذلك التغييب المتعمد والمقصود للدايني ليس إلا لكي يصفوا حسابهم معه، ولينتقموا منه شر انتقام بأساليبهم الوحشية الهمجية التي لم يعرف التاريخ مثيلا لها من قبل، وليأخذوا راحتهم في شوي جسده على نار هادئه. فإن حقد هؤلاء القوم ليس له مثيل، وليس كأي حقد، وخبثهم ليس كأي خبث، وانتقامهم ليس كأي انتقام، ويا ويل، يا سواد ليل من يقع في أيديهم من خصومهم – وخاصة من أمثال محمد الدايني، - وهذا في الواقع – أحد العوامل الذي جعلني أتعاطف مع الرجل، رغم كوني لا أعرفه إلا من خلال وسائل الإعلام. وقد تزامن ذلك مع قيام الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة بحملة اعتقالات واسعة طالت العديد من أفراد عائلة الدايني، من ضمنهم والده وأشقاؤه، وأبناء عمومته. والمغزى واضح من ذلك وهو إرهابهم، حتى لا يفكروا في البحث عنه أو إثارة قضيته أمام الرأي العام.

رد فعل جبهة الحوار الوطني
والغريب أن جبهة التوافق لم تحرك ساكنا، ولم تفعل شيئا، ولو حتى من قبيل تحريك القضية. وكأن مصير محمد الدايني حجرا سقطت في بئر . وما أكثر الجرائم والانتهاكات التي سكتت عليها جبهة التوافق في حق أهلها!! وفيما يبدو أنها لن تحرك ساكنا أبدا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. هذا إن كان لا زال يوجد ائتلاف سياسي اسمه "جبهة التوافق" .
والمخزي أن نوابا من جماعة السيد الدايني نفسه ( جبهة الحوار الوطني )، قد صوتوا لصالح رفع الحصانة عنه. بل نقل عن رئسها صالح المطلك – قبيل أيام من تغييب الدايني - أنه تبرأ من الدايني، وطالب بإقالته من البرلمان واستبداله. وبعد عملية الاختفاء بأيام قال المطلك: ان الدايني قد انسحب من مجلس الحوار الوطني منذ أكثر من عام، إلا أن ذلك لا يعني التخلي عنه إلا إذا كان فعلاً متورطا بما قيل عنه، مضيفا 'كنا نتمنى من الدايني أن يواجه القضاء ولم نكن نتمنى هذا الاختفاء'. وواضح أن المطلك يتبنى وجهة نظر قريبة مما قاله الناطق باسم الحكومة، حول اختفاء الدايني. وما ذلك إلا لخوفه من بطش هذه الحكومة، التي جعلت تهمة الأرهاب والبعثية سيفا مصلتا على رقاب الأعضاء السنة في البرلمان والحكومة، وخشية من أن يكون الدور عليه غدا أو بعد غد.
بل أن الدايني نفسه لا يعفى من المسئولية عن ما جرى له.فقد أعتقد انه يمكن أن يلعب على حبلين أو عدة حبال في وقت واحد: رفض الاحتلال، والمشاركة السياسية تحت حراب المحتل، وكشف انتهاكات قوات الاحتلال والحكومة الطائفية العميلة، لأبناء بلده.
والحقيقة أن النائب محمد الدايني أكل يوم قبل بالمشاركة في هذه اللعبة السياسية القائمة على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية، وآثرها على حساب الانخراط في إحدى فصائل المقاومة المسلحة الشريفة للاحتلال وأزلامه.
وهكذا سيكون مصير كل نائب ومسئول سني، يرفض الاحتلال، ويحاول أن يرفع رأسه في العراق الجديد. فهل من معتبر ؟!!