تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : معركةُ بدرٍ الكـُبرى



التقوى اقوى
09-08-2009, 03:01 PM
معركةُ بدرٍ الكـُبرى

الحمدُ للهِ القائل: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{121} إِذْ هَمَّتْ طَائفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ{122}وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{123}).
أيُّها المُوحدون: مَع حلول ِالشهرِ المباركِ مِن كلِّ عام ٍ، يَذكـُرُ المسلمونَ فيما يَذكرونَ, أوَّلَ معركةٍ عسكريةٍ حاسمةٍ جَرت بينَ المسلمينَ بقيادةِ رسول ِاللهِ مُحمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وبينَ الكفار، وهيَ معركة ُبدرٍ الكـُبرى التي كانت في مثلِ هذا اليوم {الإثنين}ِ الأغرِّ من هذا الشهرِ الفضيل ِفي السَّنةِ الثانيةِ للهجرةِ.
وفي هذهِ المعركةِ انتصرَ المسلمونَ انتصاراً مُبـِيناً، فكانَ انتصارُهُم هذا تثبيتاً وتدعِيمَاً لأُسُس ِالدولةِ الإسلاميةِ الناشئةِ. وبذلكَ كانت هذهِ المعركة ُنـُقطة َتحَوُّل ٍفاصلةٍ في التاريخ. وقد سُمِّيت بدراً الكبرى, تمييزاً لها عن بدر ٍالصغرى أو بدر ٍالأولى.
ورُبَّ سائل ٍيسألُ؟ متى نصرُ الله ؟!
فيُجيبُ القرانُ الكريمُ على ذلكَ بقولِهِ تعالى: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ).
وقد علـَّقَ سيد قطب يرحَمهُ اللهُ على هذهِ الآيةِ الكريمةِ فقال: إن سُؤالـَهم مَتى نَصْرُ اللهِ ليُصورُ مَدى المِحنةِ التي تـُزلزلُ مثلَ هذهِ القلوبِ الموصولةِ, ولن تكونَ إلاَّ مِحنةٍ فوقَ الوصفِ, تـُلقي ظلالـَها على مثل ِتلكَ القلوبِ, فتـَبعثُ منها ذلكَ السُّؤالَ المكروبَ. مَتَى نَصْرُ اللهِ؟ وعندما تثبُتُ القلوبُ المُؤمنة ُعلى مثل ِهذهِ المحنةِ المُزلزِلـَةِ, عندئذٍ تـَتمُّ كلمة ُالله, ويَجيءُ النصرُ مَنَ اللهِ تعالى لقولِهِ: ( أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) إذاً هُو مُدَّخَرٌ لِمَن يَستحقونـَهُ, ولن يَستـَحِقـَّهُ إلاَّ الذينَ يَثبتونَ حتى النهاية. الذينَ يثبتونَ على البأساءِ والضَّراءِ, الذينَ يَصمِدُونَ للزلزلةِ حتى يأتيَ أمرُ اللهِ وهم كذلك. كما ثبتَ أصحابُ بدر رضيَ اللهُ تعالى عنهم أجمعين, ومن سارَ على نهجـِهم إلى يوم ِالدين.
نعم: سَيَأتِيَنا نصرُ الله تعالى ونحنُ ظَاهِرِونَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّنَا مَنْ خَذَلَنَا, ونحنُ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِونَ, لَعَدُوِّنَا قَاهِرِونَ, لَا يَضُرُّنَا مَنْ خَالَفَنَا, إِلَّا مَا أَصَابَنَا مِنْ لَأْوَاءَ, حَتَّى يَأْتِيَنَا أَمْرُ اللَّهِ وَنَحْنُ كَذَلِكَ إن شاءَ اللهُ تعالى بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بإذن الله رب العالمين.
ثـُمَّ إنَّ اللهَ تعالى يَمُدُّ للظالم ِمَدَّاً "قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا", وفي صحيح ِالبخاريِّ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى عليهِ وسلمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ, قَالَ ثُمَّ قَرَأَ " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ".
وفي القرآن ِالكريم ما يثبت أن الله تعالى يُمْهِلُ ولا يُهْمِلُ "فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا",
وفي الحديثِ الصحيح ِقولُ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ "التـَّأنـِّي مِن الله, والعجلة ُمِنَ الشيطان"
ولقد ذكرَ اللهُ لنا متى يَأخـُذُ الظـَّلمةِ, وبَيَّنَ أنه لا يأتيهم أمرُ اللهِ بالهلاكِ إلاَّ بعدَ أخذِ الأرض ِلزخرُفِهَا وتـَزيُّنِها, وظـَنِّ أهلِها أنهم قادرونَ عليها, ساعتـَها يأتيهم أمرُ اللهِ الذي لا يُرَدُّ!

وصدقَ اللهُ العليُّ العظيمُ إذ يقول: ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفـَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون"على مثل ِ هؤلاءِ القوم ِالذينَ لا يرقبونَ في المؤمنين إلاً ولا ذمَّة يأتي أمرُ اللهِ ليلاً أو نهاراً.
هؤلاء الذين قالوا "مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً" وقال غيرهم "نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ" وقال أولهم " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" وقال ثانيهم "أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ", وقال وزيره السيئ "إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي", هؤلاء جميعاً إنما أخذهم الله يوم تكبروا في الأرض "كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ", وها هي آيات الله تتلى إلى يوم القيامة تصور ساعات الحرج القاسية في حياة الرسل, قبيل اللحظة الحاسمة التي يتحقق فيها وعد الله, وتمضي فيها سنته التي لا تتخلف ولا تحيد "حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ".
إنها صورة رهيبة, ترسم مبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل, وهم يواجهون الكفر والإصرار والجحود. وتمر الأيام وهم يدعون فلا يستجيب لهم إلا قليل, إنها ساعات حرجة, والباطل يتمادى. والرسل ينتظرون الوعد فلا يتحقق بسرعة.. تراهم كُذِبوا؟ ترى نفوسهم كذبتهم في رجاء النصر في هذه الحياة الدنيا؟ في هذه اللحظة التي يستحكم فيها الكرب, ويأخذ فيها الضيق, ولا تبقى ذرة من الطاقة المدخرة.. في هذه اللحظة يجيء النصر كاملاً حاسماً فاصلاً "جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ"
نسالُ اللهَ العظيم, رب العرش الكريم أن ينصرنا نصرا مؤزراً كنصر بدرٍ, وأن يفتحَ لنا قريباً بإذنهِ كفتح ِمكة.