أبو طه
08-30-2009, 09:26 PM
صدق حدسي يا طرابلسي،
ألم أقل لك أنه سيغير رأيه عندما يهدأ؟
أنا حاسة الشم عندي لا تخطئ :)
مع تحفظي على بعض ما ورد في المقالة
أبو طه.
بسم الله الرحمن الرحيم
نصيحة
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد ...
فقد نقل لنا الإخوة الكثير من التعليقات على المقالة الأخيرة "لماذا يا حماس" ، وكانت أكثر التعليقات عبارة عن اتهامات : إما بالشدة والقسوة على حماس ، أو باللين المذموم عند البعض !!
لا يبعد المرء إذا قال بأن أصل هذا الإتهامات – من الجهتين – مصدره الغلو : غلو في الحب وفي البغض على حد سواء .. فمِن أتباع حماس من أحبها حباً شديداً بحيث يُنكر أي خطأ يُنسب إليها ، ومن مخالفيها من يُبغضها بحيث يُنكر أي فضل يُنسب لها ، وكذلك من يُبغض ما يسمونه "السلفية الجهادية" [وهناك نظر في هذا المسمى لعله يأتي ذكره في غير هذا الموضع] فإنه يُنكر أي فضل لها ، ومن يحبها فإنه يُنكر أي خطأ يُنسب إليها !! وهذا عين الغلو .. والإنصاف عزيز ..
إن قادة حماس بشر ، وقادة "السلفية الجهادية" بشر ، وهؤلاء البشر يُخطؤون ويُصيبون ، فمن اجتهد وأخلص فأخطأ فهو مأجور ، وهذا الأجر من عند الله ، وليس لنا – كمسلمين – إقرار الخطأ بحجة النُّصرة ، فهذا ليس من النُّصرة ، وإنما من الغش ومن الظلم للمُناصَر ، لأنه يغتر بنفسه ويظن أنه فوق النقد مهما فعل ، وهذه طبيعة في النفس البشرية ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن مدح رجلاً أمامه "أهلكتم – أو قطعتم – ظهر الرجل" (متفق عليه) ، وفي حديث آخر "ويحَك ، قطعت عنق صاحبك" يقوله مراراً (متفق عليه) ، فطبيعة النفس البشرية أنها تغتر بالثناء الدائم ، حتى إذا أتاها نقد صحيح أنكرته وقالت : أنى هذا !! ولا يسلم من هذا العُجب إلا أقل القليل ..
لما فجّر المجاهدون مبنى الوزارة في الرياض ، أنكرنا عليهم ذلك ، وبيّنا بأنه خطأ في وقته ، وقد أنكر علينا هذا الإنكار أخونا الشيخ أبو أنس الشامي - رحمه الله وتقبله – بكل أدب واحترام ، ولما حدثت التفجيرات في لندن : تكلّم فيها أخونا الشيخ أبو بصير حفظه الله ، فأنكرنا عليه كلامه هذا بما يليق في حقه من أدب واحترام ، ولا زال الناس يختلفون ويُنكر بعضهم على بعض فيما يرون أنه تحقيق لمصالح الدين ..
إننا حينما ننكر على حماس فعلتها في رفح ، لا نفعل ذلك من منطلق بغض أو عداوة ، وإنما من منطلق المصلحة الشرعية التي نراها ، وقد كانت النفوس هائجة والألسنة ثائرة والعقول مُنكرة أشد الإنكار ، ولكن هذا لا يُخرجنا من طورنا ويجعلنا في حالة غضب يتلاعب بنا الشيطان كما يتلاعب باللعبة الصبيان ، وقد حذّرنا الإخوة من تكفير أعيان حماس ، ودعوناهم إلى الحكمة والأناة في ردّهم وجعل مصلحة الدين فوق كل اعتبار ..
لو عملنا إحصائية لهذه التعليقات والردود التي صدرت عن الإخوة في المنتديات والمجالس وبعض المجلات لرأينا بأن صوت الغلو من الطرفين هو الأعلى ، ولعله أكثر من ثلاثة أرباع الأصوات ، وغاب صوت الحق والإنصاف والحكمة وسط هذه الأصوات العالية !!
الغريب أن المطالبة بالتكفير جاءت من الجانبين : فمن تحمّس لحماس طالب بتكفير الإخوة في رفح ، ومن تحمّس للإخوة في رفح طالب بتكفير الإخوة في حماس !! وقد حمل بعض الشباب على عاتقهم مسؤولية الإجتهاد فأفتوا بكفر هذه الطائفة أو تلك !! وهذه مصيبة : أن يتصدّر للإفتاء في مثل هذه القضايا المصيرية من ليس عنده أدواتها ، وهذا من الجرأة على الله .. لقد كان في مجلسٍ سبعون صحابياً وردَ عليهم سؤال فتدافعهوه كلهم حتى رجع إلى الأوّل ، ولا شك أن ذلك السؤال كان أخف بكثير من هذه النازلة ..
أنكر البعض قولنا أن حكومة حماس "ليست إسلامية" ، مع أن هذا الأمر ليس من عندنا ، بل قادة حماس يُعلنون أن "حكومتهم" ليست إسلامية ، فنحن لم نأت بشيء جديد !! ولتوضيح هذا نقول : إن الحكومة التي تحكم بالنظام الرأسمالي – كأمريكا مثلاً – لا يمكن أن نقول عنها بأنها حكومة شيوعية !! والحكومة التي تحكم بالنظام الشيوعي – كما هو حال الصين – لا يمكن أن نقول عنها بأنها حكومة رأسمالية ديمقراطية ، فهذا من باب تسمية الأشياء بغير مسمياتها ، فالحكومة التي تحكم بغير شرع الله لا يمكن أن نقول عنها أنها حكومة إسلامية ، فشرط الحكومة الإسلامية أن تحكم بشريعة الله ، فالحكم – في هذا الباب - يكون على النظام المتّبع في البلد ، وهذا الأمر بديهي ومقرّر شرعاً وعقلاً ..
وكما أن المتحمسون لحماس يُنكرون هذا الأمر ويستهجنونه ، فالمتحمسون للطرف الآخر يطالبون بلازمه (في تصوّرهم) ، فيقولون بأن تكفير النظام يلزم منه تكفير أعيان الحكومة ، وهذا غير صحيح ، فالكفر المطلق لا يقتضي في كل الأحوال تكفير من وقع فيه ، وهذا أمر بحثه العلماء وقرروه وأشبعوه دراسات ، وصار عند كثير من طلبة العلم من البديهيات ، وهو مذهب أهل السنة على مر العصور ..
البعضهم وقع من باب حفظه لشروط وموانع التكفير ثم إنزالها على الواقع ، ولو نظر إلى أقوال العلماء في هذه الشروط والموانع لوجد اختلافهم فيها كبيراً إذا أرادوا إنزاله على الواقع ، فالموانع : كالجهل والتأويل والإكراه تحتاج إلى اجتهاد في إنزالها بعد تقريرها ، وإنزالها يحتاج إلى معرفة دقيقة بحيثياتها : فما هو الجهل الشرعي ، وما هو التأويل الشرعي ، وما هو الإكراه الشرعي ، وما يستساغ منها وما لا يُستساغ ، وهل يكون مثل هذا الشخص جاهلاً ، وهل هذا إكراه مُعتبر ، وهل هذا تأويل مُستساغ من جهة اللغة أو الأصول أو غيرها !! هذه التفاصيل اختلف عليها أئمة الدين على مر العصور ، حتى الصحابة اختلفوا في بعض هذه الأمور : فقد اختلفوا في أهل الردة الذين يقولون "لا إله إلا الله" ولكنهم امتنعوا عن بعض أمور الشريعة ، اختلف سائر الصحابة وعلى رأسهم عمر بن الخطاب مع : أبو بكر الصديق رضي الله عنهم ، فهل كان عمر جاهلاً بالكفر وشروطه وموانعه ؟ لا ، وإنما اجتهد في تنزيله على هؤلاء ، واجتهد أبو بكر رضي الله عنهما ، فكان الحق مع الصدّيق رضي الله عن صحابة نبينا أجمعين ، ثم اجتمع كلهم على رأيه لمّا عرفوا الحق ..
بعضهم يطالب بضرورة إصدار حكم حازم جازم صريح في كون حماس "طائفة ممتنعة ذات شوكة يجب قتالها" ، وهذه المطالبة في حد ذاتها جائرة ، فالمُطالب قد أصدر الحكم مسبقاً ثم طالب غيره بتقريره ليس إلا !! وقد رمانا بعضهم بالتهرّب والمداهنة والإنحياز وغيرها من التهم : إن لم نقرر في هذه المسألة قراراً لا لبس فيه !!
لعلي أريح هؤلاء بما تستقر به نفوسهم ويكون أبلغ من تهمهم ، فأقول : أنا أجبَن من أن أبحث في هذه المسألة ، فضلاً عن أن أفتي فيها" ، هذا ردي ، فليضيفوا على قائمة الألقاب : لقب "جبان" ..
إني إن لقيت الله جباناً متهرباً خير لي من أن ألقى الله مكفّراً لمسلم ، ولا يأتي هؤلاء وغيرهم يوم القيامة وقد سألهم الله : لم كفّرتم فلان ، فيقولون : كفّره فلان ونحن تبعناه !!
وما أدراني ، لعل من أكفِّر من أهل الثغور لا يكون كذلك ثم تأتيه رصاة تريده فيُكتب عن الله شهيداً ليأتي يوم القيامة وقد تعلّق برقبتي قائلاً : ربِّ سَلْ هذا فيما كفَّرني وأحلّ دمي !! فليلقى الله من شاء بهذا ، أما أنا : فجبان جبان ..
ومن الغريب أن يقول قائلهم بأن هذا من كتمان العلم ، مع أنه يجزم بقوله و"فتواه" !! !! فإن كان هو متأكِّد وجازم ويدّعي بأن الأمر واضح لا يحتاج إلى فتوى ، فكيف يكون أمر بهذا الوضوح مكتوماً لأن شخصاً واحداً لم يقل به !! هناك فرق بين كتم العلم والتوقّف في الفتوى ، وأنا لا أتوقف في مثل هذه الفتوى ، بل أتوقف في مجرد البحث في المسألة من أصلها ، لأني جبان ..
إن الله سبحانه وتعالى رزقنا قيادة حكيمة ، وهذه القيادة لم تفتي في المسألة بعد ، وآثرت الحكمة والأناة حتى تتضح الأمور وتهدأ النفوس ، فلم يصدر عن قائدنا أسامة ومن معه – حفظهم الله – أي شيء في الأمر رغم أهميته ، وهذا ما كنا نظن فيهم ، فأمر مثل هذا لا ينبني على ردود الأفعال ، بل على البحث والنظر في المصلحة الشرعية ، ولا حظ للنفوس وللإنتصار للجماعات في مثل هذا الأمر ، بل هو أمر دين ، والمصلحة الشرعية مقدّمة على كل شيء ، ومثل هذا الأمر له تبعات ومفاسد ينتظرها الأعداء على أحر من الجمر ..
من الغريب أن يتّهمك البعض بالجهل بالواقع ويبني على هذا : عدم تكفير حماس !! ونقول : هل كان الشيخ أبو النور المقدسي – رحمه الله – جاهلاً بقادة حماس !! هل إخواننا في رفح يجهلون حقيقة حماس !! الشيخ لم يكفّرهم ، ونفى هذه التهمة عن نفسه وعن أتباعه ، وقد رآه العالم وسمعوه يقول ذلك ، فهل نُكذّبه أو نجهّله !! معاذ الله ..
أما ما قاله بعض الإخوة من أننا صرّحنا بانقطاع الأخبار عنا وأننا نجهل الواقع ، فقد صرحنا في مقالة "لماذا يا حماس" بأن الأخبار أتتنا من مصادرها ، وتحققنا من الأمر وعرفنا الكثير من الحقائق ، ولذلك قلنا ما قلنا وعتبنا على حماس فعلها وأنكرناه كما أنكره كل مسلم ناصح للمسلمين ..
أما من صرّح بتصويب حماس في هذه الحادثة فإما أنه لم يعرف الحقيقة أو أنه متحيّز لحماس غالٍ فيها أو أنه مُبغض لمخالفيها أو غير ذلك ، ولا يمكن لمنصف أن يُقر حماس على هذه الفعلة .. هذا الشيخ الفاضل "حامد العلي" أنكر على حماس ، ومعلوم كلامه في الدفاع عن حماس ، ولكنه أنصف حماس ذاتها بإنكاره عليها ، وإن كنا نراه لم يُنصف الإخوة في رفح وأتى بعبارات مُجملة لا تليق في حقهم ، غفر الله لنا وله ..
ولنا عتاب على الإخوة الأحبة الذين يطعنون في الشيخ حامد ، فنقول لهم : الشيخ ليس فوق النقد ولكن بعض الرفق أولى ، خاصة مع أمثاله ، حفظ الله الجميع ، والشيخ اجتهد في نصحه وقال ما علم أنه مصلحة للدين ، نحسب ذلك ولا نزكيه على الله .. كما ننصح الشيخ حامد – حفظه الله – أن يحسن الظن بإخوانه المجاهدين في رفح وفي غيرها ، فلم يبلغنا عنهم إلا خيرا ، ولا يضرّه إن لم يرمهم بشيء ، ولكن إن رماهم بما ليس فيهم : يحاسبه الله ، نسأل الله أن يحفظه ..
إن المتضرر في هذه الأزمة هي : قضيتنا الإسلامية في فلسطين :
- فحماس فقدت الكثير من أنصارها ومؤيديها ، وفقدت الكثير من ثقة الناس بها ، وهذا يجعل موقفها ضعيفاً عند حكومات الدول العربية التي تتحكّم باقتصادها ومن ثم بقوت إخواننا في غزة ، فقد كانت أكبر ورقة ضغط على الحكومات عند حماس : تأييد الجموع العربية والإسلامية لها ، فإذا انفض عنها هؤلاء فستختلف معاملة الحكومات لها ، وربما عملوا على ورقة تجويع المسلمين في غزة الحبيبة ..
- وكذلك موقف الداعمين من المسلمين الذين لا يريدون لأموالهم أن تُستخدم في قتل المسلمين بعضهم البعض ، وإنما دفعوا هذه الأموال ليصمد المسلمون في غزة في مواجهة اليهود والمرتدين من فتح وغيرها ، فلعل كثير من هؤلاء يتردد قبل إعطاء حماس الأموال ، ونحن نقول لهؤلاء : لا تترددوا في دعم المسلمين في فلسطين ، واشترطوا على حماس أن لا تُستخدم أموالكم في قتال المسلمين ، ولكن : في قتال اليهود ، وسد حاجات المسلمين في غزة ، ومن لم يثق في حماس : لا يتوقف عن دعم الأرامل والأيتام والفقراء المسلمين في غزة ، وليبحث عن طرق أخرى لإيصال الدعم لهم ، وهذا من الجهاد بالمال ..
- أمر آخر يُضعف قضيتنا في فلسطين ، وهو : تأجيج الصراع بين حماس وغيرهم من المسلمين ، وإشغالهم ببعضهم ، فهذا هدف يهودي قديم ، من يوم ان جلس ذلك اليهودي في المدينة يُذكّر الأوس والخزرج بأيامهم في الجالهلية .. لهذا السبب أتى اليهود بياسر عرفات ليُقيم السلطة في غزة ليحارب الإنتفاظة ، ولذلك اختاروا عباس ودحلان لمحاربة حماس .. والآن وقد حدثت هذه الأحداث ، ظهر بعض من يريد إشعال النار في الوضع الداخلي لغزة حتى تضعف جميع الأطراف لينتهز عباس ودحلان الفرصة وينقضوا على غزة ويبيدوا ما فيها من مقاومة ، نسأل الله أن يخيّب ظن هؤلاء وأن يجعل مكرهم في نحورهم وأن يحفظ إخواننا المسلمين وأن يجمع كلمتهم ..
إن الخاسر الأكبر من هذا كله ، هم : أهلنا في غزة ، فهؤلاء لهم حق علينا ، وهذا الحق نحن مقصرون فيه ، بل لم نقم منه بشيء : فلا أموال أعطيناهم ، ولا سلاح موّلناهم ، ولا طعام ولا ماء ولا دواء أوصلنا إليهم ، ولم نخرج بأنفسنا لنغيثهم من براثن يهود وهذا كله فرض عين علينا كمسلمين ، ولم نستخلص نساء المسلمين من سجون بني صهيون ، وها هم الآن بين جوع وعطش ومرض وخوف على نفس وعرض ، ويريد البعض أن يزيد على هذه الطوام بتكفيرهم وإخراجهم من الدين بحجة أنهم من حماس !! بالله عليكم : أليس ما فيهم يكفيهم !! والله لو لم يكونوا مسلمين لكان من الواجب علينا تخليصهم مما هم فيه ، فيكف وهم مسلمون لهم حقوق شرعية علينا !!
إن ما فيه أهل فلسطين ليس بسبب حماس وسياساتها ، بل بسببنا نحن : نحن لم نعمل بشرع الله ، ولم ننفر للجهاد في سبيل الله .. حماس لا تبلغ الثلاثين سنة ، وفلسطين أُخذت من أيدي المسلمين قبل قرن ، فالمسلمون كلهم آثمون بترك إخوانهم تحت الحكم اليهودي البغيظ ، فلا يُخلي أحدنا نفسه من المسؤولية ويلقي باللوم على حماس وغيرها ، ليس هذا من الإنصاف ..
بعضهم يقول : حماس لا تحكم بشرع الله ، وحماس تركت الجهاد في سبيل الله ، فنقول لهذا : من أي البلاد أنت ؟ هل حكومتك تحكم بشرع الله ؟ هل حكومتك تجاهد في سبيل الله ؟ إن كان الجواب بالنفي ، فلماذا لا تقاتل حكومتك وتجاهدها لتحكم بشرع الله وتجاهد الأعداء !! لماذا لا تجاهد أنت القواعد العسكرية الموجودة في كل الدول العربية !!
إن كنت تطالب الإخوة في غزة عامة - وفي حماس خاصة - بمطالبة حكومتهم بالتحكيم بشرع الله ، فمن حقهم أيظاً أن يُطالبوك بأن تُطالب حكومتك بتحكيم شرع الله .. وإن قلت بأن حكومة حماس تدعي بأنها إسلامية فحكومتك تدعي بأنها إسلامية ، فإن قلت بأنك لا تستطيع القيام ضد حكومتك لضعفك ، فقادة حماس يقولون لك بأنهم لا يستطيعون مخالفة الحكومات العربية والأجنبية والقوى الفلسطينة جملة واحدة لضعفهم عن هذا ، فإن عذرت نفسك فلماذا لا تعذر غيرك !! ليس هذا تبريراً ، ولكنه نقاش منطقي يحتاج إلى نظر ، فنحن دائماً نُبرئ أنفسنا ونتهم غيرنا ، وهذا ليس من الإنصاف ، فإن كنا عاجزين عن تغيير واقعنا فكيف نطالب بتغيير واقع غيرنا ونتّهم من لا يحقق مطالبنا بالعمالة والخيانة والردة ونحن جالسون في بيوتنا نأكل ونشرب وننام ونهنأ بملذات الدنيا من غير منغّصات ، ومن نتّهم : بين قتل وأسر وهتك عرض وجوع ومرض وخوف !!
نحن المسؤولون عن كل ما يجري في فلسطين ، وليست حماس أو الجهاد أو حتى عباس واليهود ، نحن الذين تقاعسنا عن الجهاد وتخاذلنا ورضينا أن نكون مع الخوالف ، فكيف نلوم غيرنا وننسى أنفسنا !! بدلاً من أن نعتذر لأهلنا في فلسطين ، ونعتذر لأخواتنا في سجون اليهود الغاصبين : نُعلن تكفيرهم وإخراجهم من الدين بحجة أنهم لم يقوموا بالواجب على الوجه المطلوب !! هل قمنا نحن بالواجب أو بعضه !!
بعض الناس يقول : هذه مسائل عقدية تمس التوحيد ، فنقول : أي توحيد يأمركم بخذلان المسلمين والتقاعس عن نصرتهم لمائة سنة !! أنت وأبوك وجدّك خذلتم المسلمين في فلسطين ، فأي توحيد هذا !! حكومتك سلّمت فلسطين لليهود ولم يفعل أبوك لا جدّك شيئاً ، فأي توحيد هذا وأي عقيدة !! إن العقيدة ليست أموراً قولية واعتقادات قلبية فقط .. العقيدة التي لا يترجمها أصحابها على أرض الواقع ليس لها أي قيمة في قلوبهم : الشيوعيون قُتل منهم مئات الآلاف في سبيل تثبيت عقيدتهم الفاسدة ، واليهود قُتل منهم مئات الآلاف في سبيل عقيدة الرجعة إلى أرض الميعاد ، فمن لم يبذل دمه في سبيل عقيدته : فلا قيمة لهذه العقيدة عنده ، وهذا صحيح في أي عقيدة أرضية ، فكيف بعقيدتنا الإسلامية التي العمل فيها جزء لا يتجزّأ من الإيمان !!
لقد سألت بعض الإخوة الذين خاضوا في هذه المسائل عن أخبار المجاهدين في الصومال وأين وصلوا ، وإخواننا في الشيشان وآخر عملياتهم ، وأخبار المجاهدين في أفغانستان وباكستان ، فوجدت أنهم انقطعوا عن أكثر أخبارهم لاشتغالهم بهذا الجدال ، ولا تسأل عن كشمير وتايلاند وتركستان الشرقية والفلبين ، فهذه ميادين منسية عفى عليها الزمن !! إن مثل هذا الجدال يُقسي القلب ، ومن أراد التأكد من الأمر فليمسك المصحف وليقرأ ليرى مدى حضور قلبه ، وليسأل نفسه بعد كل صلاة جهرية : ماذا قرأ الإمام !! فلا قلبٌ حاضر ، ولا همٌّ لمُصاب المسلمين !!
هذه نصيحة محب مشفق لجميع إخوانه المسلمين :
اتقوا الله في أنفسكم ، واتقوا الله في المسلمين ودمائهم ، وابتعدوا عن الغلو في الأفراد والجماعات ، والزموا العدل والإنصاف ، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، وليكن شغل أحدنا نفسه قبل غيره ، وليعرف أحدها مبلغ علمه وحده ، وليوقّر أحدنا الكبير ويعرف شرف العالم ومنزلته ، ولنبتعد عما يسيء إلينا – قبل غيرنا - من الألفاظ والأقوال ، ولنبتعد عن الخوض في تكفير المسلمين فإن الأمر أكبر مما يظن البعض ، ولا يكن أحدنا داعية فرقة وقد أمرنا الله بالإعتصام بحبله والإبتعاد عن النزاع والخلاف الذي يوصلنا إلى عواقب لا تُحمد ، ولنبتعد عن الجدال المنهي عنه ، والمراء الذي نصحنا نبينا بتركه ولو كنا محقّين ، ولنعالج أمورنا بحكمة وأناة ، ولنصدر عن رأي العقلاء وأهل العلم ، ولا يستخفنا عويل طائش ولا صراخ جاهل ، وليأخذ العاقل على يد السفيه ، فإن السفينة إذا خُرقت يغرق كل من عليها ..
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرحمنا برحمته ، وأن يحفظ إخواننا المسلمين في كل مكان ، وأن يجمع كلمة المجاهدين على كتابه وسنة نبيه ، وأن يوحّد صفوفهم وأن يجعل نكايتهم في عدوهم ، وأن يخذل كل من أراد تفريق شمل المسلمين وتشتيت رايتهم ، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
8 رمضان 1430هـ
ألم أقل لك أنه سيغير رأيه عندما يهدأ؟
أنا حاسة الشم عندي لا تخطئ :)
مع تحفظي على بعض ما ورد في المقالة
أبو طه.
بسم الله الرحمن الرحيم
نصيحة
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد ...
فقد نقل لنا الإخوة الكثير من التعليقات على المقالة الأخيرة "لماذا يا حماس" ، وكانت أكثر التعليقات عبارة عن اتهامات : إما بالشدة والقسوة على حماس ، أو باللين المذموم عند البعض !!
لا يبعد المرء إذا قال بأن أصل هذا الإتهامات – من الجهتين – مصدره الغلو : غلو في الحب وفي البغض على حد سواء .. فمِن أتباع حماس من أحبها حباً شديداً بحيث يُنكر أي خطأ يُنسب إليها ، ومن مخالفيها من يُبغضها بحيث يُنكر أي فضل يُنسب لها ، وكذلك من يُبغض ما يسمونه "السلفية الجهادية" [وهناك نظر في هذا المسمى لعله يأتي ذكره في غير هذا الموضع] فإنه يُنكر أي فضل لها ، ومن يحبها فإنه يُنكر أي خطأ يُنسب إليها !! وهذا عين الغلو .. والإنصاف عزيز ..
إن قادة حماس بشر ، وقادة "السلفية الجهادية" بشر ، وهؤلاء البشر يُخطؤون ويُصيبون ، فمن اجتهد وأخلص فأخطأ فهو مأجور ، وهذا الأجر من عند الله ، وليس لنا – كمسلمين – إقرار الخطأ بحجة النُّصرة ، فهذا ليس من النُّصرة ، وإنما من الغش ومن الظلم للمُناصَر ، لأنه يغتر بنفسه ويظن أنه فوق النقد مهما فعل ، وهذه طبيعة في النفس البشرية ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن مدح رجلاً أمامه "أهلكتم – أو قطعتم – ظهر الرجل" (متفق عليه) ، وفي حديث آخر "ويحَك ، قطعت عنق صاحبك" يقوله مراراً (متفق عليه) ، فطبيعة النفس البشرية أنها تغتر بالثناء الدائم ، حتى إذا أتاها نقد صحيح أنكرته وقالت : أنى هذا !! ولا يسلم من هذا العُجب إلا أقل القليل ..
لما فجّر المجاهدون مبنى الوزارة في الرياض ، أنكرنا عليهم ذلك ، وبيّنا بأنه خطأ في وقته ، وقد أنكر علينا هذا الإنكار أخونا الشيخ أبو أنس الشامي - رحمه الله وتقبله – بكل أدب واحترام ، ولما حدثت التفجيرات في لندن : تكلّم فيها أخونا الشيخ أبو بصير حفظه الله ، فأنكرنا عليه كلامه هذا بما يليق في حقه من أدب واحترام ، ولا زال الناس يختلفون ويُنكر بعضهم على بعض فيما يرون أنه تحقيق لمصالح الدين ..
إننا حينما ننكر على حماس فعلتها في رفح ، لا نفعل ذلك من منطلق بغض أو عداوة ، وإنما من منطلق المصلحة الشرعية التي نراها ، وقد كانت النفوس هائجة والألسنة ثائرة والعقول مُنكرة أشد الإنكار ، ولكن هذا لا يُخرجنا من طورنا ويجعلنا في حالة غضب يتلاعب بنا الشيطان كما يتلاعب باللعبة الصبيان ، وقد حذّرنا الإخوة من تكفير أعيان حماس ، ودعوناهم إلى الحكمة والأناة في ردّهم وجعل مصلحة الدين فوق كل اعتبار ..
لو عملنا إحصائية لهذه التعليقات والردود التي صدرت عن الإخوة في المنتديات والمجالس وبعض المجلات لرأينا بأن صوت الغلو من الطرفين هو الأعلى ، ولعله أكثر من ثلاثة أرباع الأصوات ، وغاب صوت الحق والإنصاف والحكمة وسط هذه الأصوات العالية !!
الغريب أن المطالبة بالتكفير جاءت من الجانبين : فمن تحمّس لحماس طالب بتكفير الإخوة في رفح ، ومن تحمّس للإخوة في رفح طالب بتكفير الإخوة في حماس !! وقد حمل بعض الشباب على عاتقهم مسؤولية الإجتهاد فأفتوا بكفر هذه الطائفة أو تلك !! وهذه مصيبة : أن يتصدّر للإفتاء في مثل هذه القضايا المصيرية من ليس عنده أدواتها ، وهذا من الجرأة على الله .. لقد كان في مجلسٍ سبعون صحابياً وردَ عليهم سؤال فتدافعهوه كلهم حتى رجع إلى الأوّل ، ولا شك أن ذلك السؤال كان أخف بكثير من هذه النازلة ..
أنكر البعض قولنا أن حكومة حماس "ليست إسلامية" ، مع أن هذا الأمر ليس من عندنا ، بل قادة حماس يُعلنون أن "حكومتهم" ليست إسلامية ، فنحن لم نأت بشيء جديد !! ولتوضيح هذا نقول : إن الحكومة التي تحكم بالنظام الرأسمالي – كأمريكا مثلاً – لا يمكن أن نقول عنها بأنها حكومة شيوعية !! والحكومة التي تحكم بالنظام الشيوعي – كما هو حال الصين – لا يمكن أن نقول عنها بأنها حكومة رأسمالية ديمقراطية ، فهذا من باب تسمية الأشياء بغير مسمياتها ، فالحكومة التي تحكم بغير شرع الله لا يمكن أن نقول عنها أنها حكومة إسلامية ، فشرط الحكومة الإسلامية أن تحكم بشريعة الله ، فالحكم – في هذا الباب - يكون على النظام المتّبع في البلد ، وهذا الأمر بديهي ومقرّر شرعاً وعقلاً ..
وكما أن المتحمسون لحماس يُنكرون هذا الأمر ويستهجنونه ، فالمتحمسون للطرف الآخر يطالبون بلازمه (في تصوّرهم) ، فيقولون بأن تكفير النظام يلزم منه تكفير أعيان الحكومة ، وهذا غير صحيح ، فالكفر المطلق لا يقتضي في كل الأحوال تكفير من وقع فيه ، وهذا أمر بحثه العلماء وقرروه وأشبعوه دراسات ، وصار عند كثير من طلبة العلم من البديهيات ، وهو مذهب أهل السنة على مر العصور ..
البعضهم وقع من باب حفظه لشروط وموانع التكفير ثم إنزالها على الواقع ، ولو نظر إلى أقوال العلماء في هذه الشروط والموانع لوجد اختلافهم فيها كبيراً إذا أرادوا إنزاله على الواقع ، فالموانع : كالجهل والتأويل والإكراه تحتاج إلى اجتهاد في إنزالها بعد تقريرها ، وإنزالها يحتاج إلى معرفة دقيقة بحيثياتها : فما هو الجهل الشرعي ، وما هو التأويل الشرعي ، وما هو الإكراه الشرعي ، وما يستساغ منها وما لا يُستساغ ، وهل يكون مثل هذا الشخص جاهلاً ، وهل هذا إكراه مُعتبر ، وهل هذا تأويل مُستساغ من جهة اللغة أو الأصول أو غيرها !! هذه التفاصيل اختلف عليها أئمة الدين على مر العصور ، حتى الصحابة اختلفوا في بعض هذه الأمور : فقد اختلفوا في أهل الردة الذين يقولون "لا إله إلا الله" ولكنهم امتنعوا عن بعض أمور الشريعة ، اختلف سائر الصحابة وعلى رأسهم عمر بن الخطاب مع : أبو بكر الصديق رضي الله عنهم ، فهل كان عمر جاهلاً بالكفر وشروطه وموانعه ؟ لا ، وإنما اجتهد في تنزيله على هؤلاء ، واجتهد أبو بكر رضي الله عنهما ، فكان الحق مع الصدّيق رضي الله عن صحابة نبينا أجمعين ، ثم اجتمع كلهم على رأيه لمّا عرفوا الحق ..
بعضهم يطالب بضرورة إصدار حكم حازم جازم صريح في كون حماس "طائفة ممتنعة ذات شوكة يجب قتالها" ، وهذه المطالبة في حد ذاتها جائرة ، فالمُطالب قد أصدر الحكم مسبقاً ثم طالب غيره بتقريره ليس إلا !! وقد رمانا بعضهم بالتهرّب والمداهنة والإنحياز وغيرها من التهم : إن لم نقرر في هذه المسألة قراراً لا لبس فيه !!
لعلي أريح هؤلاء بما تستقر به نفوسهم ويكون أبلغ من تهمهم ، فأقول : أنا أجبَن من أن أبحث في هذه المسألة ، فضلاً عن أن أفتي فيها" ، هذا ردي ، فليضيفوا على قائمة الألقاب : لقب "جبان" ..
إني إن لقيت الله جباناً متهرباً خير لي من أن ألقى الله مكفّراً لمسلم ، ولا يأتي هؤلاء وغيرهم يوم القيامة وقد سألهم الله : لم كفّرتم فلان ، فيقولون : كفّره فلان ونحن تبعناه !!
وما أدراني ، لعل من أكفِّر من أهل الثغور لا يكون كذلك ثم تأتيه رصاة تريده فيُكتب عن الله شهيداً ليأتي يوم القيامة وقد تعلّق برقبتي قائلاً : ربِّ سَلْ هذا فيما كفَّرني وأحلّ دمي !! فليلقى الله من شاء بهذا ، أما أنا : فجبان جبان ..
ومن الغريب أن يقول قائلهم بأن هذا من كتمان العلم ، مع أنه يجزم بقوله و"فتواه" !! !! فإن كان هو متأكِّد وجازم ويدّعي بأن الأمر واضح لا يحتاج إلى فتوى ، فكيف يكون أمر بهذا الوضوح مكتوماً لأن شخصاً واحداً لم يقل به !! هناك فرق بين كتم العلم والتوقّف في الفتوى ، وأنا لا أتوقف في مثل هذه الفتوى ، بل أتوقف في مجرد البحث في المسألة من أصلها ، لأني جبان ..
إن الله سبحانه وتعالى رزقنا قيادة حكيمة ، وهذه القيادة لم تفتي في المسألة بعد ، وآثرت الحكمة والأناة حتى تتضح الأمور وتهدأ النفوس ، فلم يصدر عن قائدنا أسامة ومن معه – حفظهم الله – أي شيء في الأمر رغم أهميته ، وهذا ما كنا نظن فيهم ، فأمر مثل هذا لا ينبني على ردود الأفعال ، بل على البحث والنظر في المصلحة الشرعية ، ولا حظ للنفوس وللإنتصار للجماعات في مثل هذا الأمر ، بل هو أمر دين ، والمصلحة الشرعية مقدّمة على كل شيء ، ومثل هذا الأمر له تبعات ومفاسد ينتظرها الأعداء على أحر من الجمر ..
من الغريب أن يتّهمك البعض بالجهل بالواقع ويبني على هذا : عدم تكفير حماس !! ونقول : هل كان الشيخ أبو النور المقدسي – رحمه الله – جاهلاً بقادة حماس !! هل إخواننا في رفح يجهلون حقيقة حماس !! الشيخ لم يكفّرهم ، ونفى هذه التهمة عن نفسه وعن أتباعه ، وقد رآه العالم وسمعوه يقول ذلك ، فهل نُكذّبه أو نجهّله !! معاذ الله ..
أما ما قاله بعض الإخوة من أننا صرّحنا بانقطاع الأخبار عنا وأننا نجهل الواقع ، فقد صرحنا في مقالة "لماذا يا حماس" بأن الأخبار أتتنا من مصادرها ، وتحققنا من الأمر وعرفنا الكثير من الحقائق ، ولذلك قلنا ما قلنا وعتبنا على حماس فعلها وأنكرناه كما أنكره كل مسلم ناصح للمسلمين ..
أما من صرّح بتصويب حماس في هذه الحادثة فإما أنه لم يعرف الحقيقة أو أنه متحيّز لحماس غالٍ فيها أو أنه مُبغض لمخالفيها أو غير ذلك ، ولا يمكن لمنصف أن يُقر حماس على هذه الفعلة .. هذا الشيخ الفاضل "حامد العلي" أنكر على حماس ، ومعلوم كلامه في الدفاع عن حماس ، ولكنه أنصف حماس ذاتها بإنكاره عليها ، وإن كنا نراه لم يُنصف الإخوة في رفح وأتى بعبارات مُجملة لا تليق في حقهم ، غفر الله لنا وله ..
ولنا عتاب على الإخوة الأحبة الذين يطعنون في الشيخ حامد ، فنقول لهم : الشيخ ليس فوق النقد ولكن بعض الرفق أولى ، خاصة مع أمثاله ، حفظ الله الجميع ، والشيخ اجتهد في نصحه وقال ما علم أنه مصلحة للدين ، نحسب ذلك ولا نزكيه على الله .. كما ننصح الشيخ حامد – حفظه الله – أن يحسن الظن بإخوانه المجاهدين في رفح وفي غيرها ، فلم يبلغنا عنهم إلا خيرا ، ولا يضرّه إن لم يرمهم بشيء ، ولكن إن رماهم بما ليس فيهم : يحاسبه الله ، نسأل الله أن يحفظه ..
إن المتضرر في هذه الأزمة هي : قضيتنا الإسلامية في فلسطين :
- فحماس فقدت الكثير من أنصارها ومؤيديها ، وفقدت الكثير من ثقة الناس بها ، وهذا يجعل موقفها ضعيفاً عند حكومات الدول العربية التي تتحكّم باقتصادها ومن ثم بقوت إخواننا في غزة ، فقد كانت أكبر ورقة ضغط على الحكومات عند حماس : تأييد الجموع العربية والإسلامية لها ، فإذا انفض عنها هؤلاء فستختلف معاملة الحكومات لها ، وربما عملوا على ورقة تجويع المسلمين في غزة الحبيبة ..
- وكذلك موقف الداعمين من المسلمين الذين لا يريدون لأموالهم أن تُستخدم في قتل المسلمين بعضهم البعض ، وإنما دفعوا هذه الأموال ليصمد المسلمون في غزة في مواجهة اليهود والمرتدين من فتح وغيرها ، فلعل كثير من هؤلاء يتردد قبل إعطاء حماس الأموال ، ونحن نقول لهؤلاء : لا تترددوا في دعم المسلمين في فلسطين ، واشترطوا على حماس أن لا تُستخدم أموالكم في قتال المسلمين ، ولكن : في قتال اليهود ، وسد حاجات المسلمين في غزة ، ومن لم يثق في حماس : لا يتوقف عن دعم الأرامل والأيتام والفقراء المسلمين في غزة ، وليبحث عن طرق أخرى لإيصال الدعم لهم ، وهذا من الجهاد بالمال ..
- أمر آخر يُضعف قضيتنا في فلسطين ، وهو : تأجيج الصراع بين حماس وغيرهم من المسلمين ، وإشغالهم ببعضهم ، فهذا هدف يهودي قديم ، من يوم ان جلس ذلك اليهودي في المدينة يُذكّر الأوس والخزرج بأيامهم في الجالهلية .. لهذا السبب أتى اليهود بياسر عرفات ليُقيم السلطة في غزة ليحارب الإنتفاظة ، ولذلك اختاروا عباس ودحلان لمحاربة حماس .. والآن وقد حدثت هذه الأحداث ، ظهر بعض من يريد إشعال النار في الوضع الداخلي لغزة حتى تضعف جميع الأطراف لينتهز عباس ودحلان الفرصة وينقضوا على غزة ويبيدوا ما فيها من مقاومة ، نسأل الله أن يخيّب ظن هؤلاء وأن يجعل مكرهم في نحورهم وأن يحفظ إخواننا المسلمين وأن يجمع كلمتهم ..
إن الخاسر الأكبر من هذا كله ، هم : أهلنا في غزة ، فهؤلاء لهم حق علينا ، وهذا الحق نحن مقصرون فيه ، بل لم نقم منه بشيء : فلا أموال أعطيناهم ، ولا سلاح موّلناهم ، ولا طعام ولا ماء ولا دواء أوصلنا إليهم ، ولم نخرج بأنفسنا لنغيثهم من براثن يهود وهذا كله فرض عين علينا كمسلمين ، ولم نستخلص نساء المسلمين من سجون بني صهيون ، وها هم الآن بين جوع وعطش ومرض وخوف على نفس وعرض ، ويريد البعض أن يزيد على هذه الطوام بتكفيرهم وإخراجهم من الدين بحجة أنهم من حماس !! بالله عليكم : أليس ما فيهم يكفيهم !! والله لو لم يكونوا مسلمين لكان من الواجب علينا تخليصهم مما هم فيه ، فيكف وهم مسلمون لهم حقوق شرعية علينا !!
إن ما فيه أهل فلسطين ليس بسبب حماس وسياساتها ، بل بسببنا نحن : نحن لم نعمل بشرع الله ، ولم ننفر للجهاد في سبيل الله .. حماس لا تبلغ الثلاثين سنة ، وفلسطين أُخذت من أيدي المسلمين قبل قرن ، فالمسلمون كلهم آثمون بترك إخوانهم تحت الحكم اليهودي البغيظ ، فلا يُخلي أحدنا نفسه من المسؤولية ويلقي باللوم على حماس وغيرها ، ليس هذا من الإنصاف ..
بعضهم يقول : حماس لا تحكم بشرع الله ، وحماس تركت الجهاد في سبيل الله ، فنقول لهذا : من أي البلاد أنت ؟ هل حكومتك تحكم بشرع الله ؟ هل حكومتك تجاهد في سبيل الله ؟ إن كان الجواب بالنفي ، فلماذا لا تقاتل حكومتك وتجاهدها لتحكم بشرع الله وتجاهد الأعداء !! لماذا لا تجاهد أنت القواعد العسكرية الموجودة في كل الدول العربية !!
إن كنت تطالب الإخوة في غزة عامة - وفي حماس خاصة - بمطالبة حكومتهم بالتحكيم بشرع الله ، فمن حقهم أيظاً أن يُطالبوك بأن تُطالب حكومتك بتحكيم شرع الله .. وإن قلت بأن حكومة حماس تدعي بأنها إسلامية فحكومتك تدعي بأنها إسلامية ، فإن قلت بأنك لا تستطيع القيام ضد حكومتك لضعفك ، فقادة حماس يقولون لك بأنهم لا يستطيعون مخالفة الحكومات العربية والأجنبية والقوى الفلسطينة جملة واحدة لضعفهم عن هذا ، فإن عذرت نفسك فلماذا لا تعذر غيرك !! ليس هذا تبريراً ، ولكنه نقاش منطقي يحتاج إلى نظر ، فنحن دائماً نُبرئ أنفسنا ونتهم غيرنا ، وهذا ليس من الإنصاف ، فإن كنا عاجزين عن تغيير واقعنا فكيف نطالب بتغيير واقع غيرنا ونتّهم من لا يحقق مطالبنا بالعمالة والخيانة والردة ونحن جالسون في بيوتنا نأكل ونشرب وننام ونهنأ بملذات الدنيا من غير منغّصات ، ومن نتّهم : بين قتل وأسر وهتك عرض وجوع ومرض وخوف !!
نحن المسؤولون عن كل ما يجري في فلسطين ، وليست حماس أو الجهاد أو حتى عباس واليهود ، نحن الذين تقاعسنا عن الجهاد وتخاذلنا ورضينا أن نكون مع الخوالف ، فكيف نلوم غيرنا وننسى أنفسنا !! بدلاً من أن نعتذر لأهلنا في فلسطين ، ونعتذر لأخواتنا في سجون اليهود الغاصبين : نُعلن تكفيرهم وإخراجهم من الدين بحجة أنهم لم يقوموا بالواجب على الوجه المطلوب !! هل قمنا نحن بالواجب أو بعضه !!
بعض الناس يقول : هذه مسائل عقدية تمس التوحيد ، فنقول : أي توحيد يأمركم بخذلان المسلمين والتقاعس عن نصرتهم لمائة سنة !! أنت وأبوك وجدّك خذلتم المسلمين في فلسطين ، فأي توحيد هذا !! حكومتك سلّمت فلسطين لليهود ولم يفعل أبوك لا جدّك شيئاً ، فأي توحيد هذا وأي عقيدة !! إن العقيدة ليست أموراً قولية واعتقادات قلبية فقط .. العقيدة التي لا يترجمها أصحابها على أرض الواقع ليس لها أي قيمة في قلوبهم : الشيوعيون قُتل منهم مئات الآلاف في سبيل تثبيت عقيدتهم الفاسدة ، واليهود قُتل منهم مئات الآلاف في سبيل عقيدة الرجعة إلى أرض الميعاد ، فمن لم يبذل دمه في سبيل عقيدته : فلا قيمة لهذه العقيدة عنده ، وهذا صحيح في أي عقيدة أرضية ، فكيف بعقيدتنا الإسلامية التي العمل فيها جزء لا يتجزّأ من الإيمان !!
لقد سألت بعض الإخوة الذين خاضوا في هذه المسائل عن أخبار المجاهدين في الصومال وأين وصلوا ، وإخواننا في الشيشان وآخر عملياتهم ، وأخبار المجاهدين في أفغانستان وباكستان ، فوجدت أنهم انقطعوا عن أكثر أخبارهم لاشتغالهم بهذا الجدال ، ولا تسأل عن كشمير وتايلاند وتركستان الشرقية والفلبين ، فهذه ميادين منسية عفى عليها الزمن !! إن مثل هذا الجدال يُقسي القلب ، ومن أراد التأكد من الأمر فليمسك المصحف وليقرأ ليرى مدى حضور قلبه ، وليسأل نفسه بعد كل صلاة جهرية : ماذا قرأ الإمام !! فلا قلبٌ حاضر ، ولا همٌّ لمُصاب المسلمين !!
هذه نصيحة محب مشفق لجميع إخوانه المسلمين :
اتقوا الله في أنفسكم ، واتقوا الله في المسلمين ودمائهم ، وابتعدوا عن الغلو في الأفراد والجماعات ، والزموا العدل والإنصاف ، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ، وليكن شغل أحدنا نفسه قبل غيره ، وليعرف أحدها مبلغ علمه وحده ، وليوقّر أحدنا الكبير ويعرف شرف العالم ومنزلته ، ولنبتعد عما يسيء إلينا – قبل غيرنا - من الألفاظ والأقوال ، ولنبتعد عن الخوض في تكفير المسلمين فإن الأمر أكبر مما يظن البعض ، ولا يكن أحدنا داعية فرقة وقد أمرنا الله بالإعتصام بحبله والإبتعاد عن النزاع والخلاف الذي يوصلنا إلى عواقب لا تُحمد ، ولنبتعد عن الجدال المنهي عنه ، والمراء الذي نصحنا نبينا بتركه ولو كنا محقّين ، ولنعالج أمورنا بحكمة وأناة ، ولنصدر عن رأي العقلاء وأهل العلم ، ولا يستخفنا عويل طائش ولا صراخ جاهل ، وليأخذ العاقل على يد السفيه ، فإن السفينة إذا خُرقت يغرق كل من عليها ..
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرحمنا برحمته ، وأن يحفظ إخواننا المسلمين في كل مكان ، وأن يجمع كلمة المجاهدين على كتابه وسنة نبيه ، وأن يوحّد صفوفهم وأن يجعل نكايتهم في عدوهم ، وأن يخذل كل من أراد تفريق شمل المسلمين وتشتيت رايتهم ، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
8 رمضان 1430هـ