تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خروج عن النص... ما جرى في رفح (4)



أبو طه
08-27-2009, 05:12 PM
خروج عن النص...ما جرى في رفح (4)



بقلم: د. عطالله أبو السبح



مما أدهشني في خطبة الرجل تساؤلاته في وصيته الثانية التي طرحها بتوتر وعصبية وصراخ مدوٍّ... (يا حكومة حماس ممن تخافون؟) ويذكر أربع جهات كأنها هي التي تقف بالمرصاد لمن يطبق شرع الله.. أو يزمع على ذلك وهي أمريكا، بريطانيا، فرنسا، الدول الأوروبية (حسب التسجيل) التي تشكل (الناتو) ولم يذكر الكيان الصهيوني الذي يمثل ناب الأفعى ورأس الكوبرا المتحفز دوماً لكل حركة مقاومة في العالم!!! وما الجهات الأربعة التي ذكرها إلا مأمورة ومذعنة لأهواء ذلك الكيان، والملاحظ أنه في خطبته لم يأت على ذكر يهود، ولا على ذكر (اسرائيل) أبداً، حتى في التحريض عليها، لم يتطرق إلى مقاومتها، ولا إلى تحرير فلسطين، ولم يدعُ حماس ألَّا تفرط فيها، لم يتطرق إلى القدس، ولا إلى الأقصى، لم يتطرق إلى الوضع الفلسطيني. وكل همه فقط هو الإلحاح على حركة حماس أن تطبق شرع الله، وإلا فهي أمام مستجوب صارم (فلماذا جعلتم الله – عز وجل- أهون الناظرين إليكم؟ أما سمعتم قول الله عز وجل 'وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً' (حسب التسجيل) وكأن الرجل قد شق على صدور (الحمساوية) فوجد فيها نفاقاً!! وأنهم جعلوا الله أهون الناظرين إليهم!! إن لم يكن هذا هو أساس التكفير فما هو إذن؟



وأما الشرط الثالث للخروج، فأن يكون للخارج إقليم يخرج منه، وينحاز إليه.. له قواعد وثكنات ومعسكرات، وطرق إمداد، إقليم فيه مزارع ومصانع، وفيه عوائل، فالوغى: كر وفر، فلا يبتلع الجيش الخارج التيه، أو رؤوس الجبال، وإلا كانوا قطاع طريق، أو حربيين، أو قتلة ولصوصاً، وإلا فالخروج حرام.... حرام... حتى لا تهدر طاقات، ويكونوا فرائس الحر والبرد، فتكريم الله للآدمى منصوص عليه (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات..) فأين هذا لعبد اللطيف ولمن خرج معه.. أين معسكره؟ وإقليمه؟ أمسجد ابن تيمية مقر قيادته العسكرية؟ عجيب!! عجيب!! لقد أعطى عبد اللطيف ظهره لفقهاء السياسة الشرعية، وركن إلى رؤاه وهواتفه التي أنبأته أنه منصور لا محالة، خاصة بعد أن فجَّ النور من الغرب ففرت الكلاب (حماس) حسب رؤيته التي رواها في خطبته المسجلة، فما أغنى عنه المسجد، فهو ليس بالإقليم الذي اشترطه الفقهاء, وما أغنى عنه بيته الذي آوى إليه بعد أن حصد الرصاص أرواحاً من الفريقين، وممن لا شأن له بهما؛ من المدنيين، فأصرت حماس على وأد الفتنة، وقطع دابرها.



وإذا سلمنا بوجود الإمام، وهو الشرط الرابع، لجواز الخروج ممثلاً يشخص عبد اللطيف، والملقب كما ذكر بأبي النور المقدسي، فهل يا ترى توفرت لعبد اللطيف من الشروط التي تجعله إماماً، هل بلغ رتبة الاجتهاد؟ وإن لم يكن كذلك ولا أحسب أن شروط الاجتهاد المطلق تحققت في عصرنا لرجل، إذن هل لديه من أهل الحل والعقد من يتحقق بمجموعهم هذا الشرط؟ أي هل لديه خبراء عسكريون واقتصاديون وأطباء ومهندسون.... ما تقوم بهم الحياة، ودورة الحياة بحدها الأدنى؟ جواب كل ذلك بالقطع: لا فإذا كان عبد اللطيف (الإمام) يجهل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، فكيف بالأتباع الذين هم إلى الأمية أقرب؟ إذن، يعود للأذهان أنه استدرج!! والسؤال من الذي استدرج؟ وكيف؟ وما الثمن؟ وهل فعلاً أن حكم حماس كما يقول عبد اللطيف ظالم متجبر، يحول دون إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة؟ هل هي حكومة جبرية طاغوتية مستبدة؟ هل تعمل على نشر الفساد والفواحش والخمور والزنا؟ وهل هي فعلاً أكلت أموال الناس بالباطل؟ وهل قابلت حاخامات يهود فعلاً؟ وفرطت بالحقوق؟ وهل أعلنت معاداتها للشريعة؟ هل نقضت العهود والمواثيق حتى يتحقق الشرط الخامس للخروج عليها؟ وإذا ما سألنا: ماذا عن حكم السلطة وهذه المآخذ؟ وماذا سيقول لحماس في الضفة، ولكل المسلمين في كل بلاد الإسلام؟ أيكون عدم الخروج على هذه الأنظمة (وهي الأنظمة الشمولية المستبدة) كفراً؟ أم إيماناً وجهاداً؟ً



مما سبق، ماذا تحقق لعبد اللطيف من شروط، والتي لا بد من توافرها مجتمعة حتى يقول له الشرع: يجب أن تخرج بالسيف على هذه الحكومة وعلى هذه الحركة، هل توفرت له (أولاً) الشوكة، أي القوة المكافئة وزيادة لقوة حماس، وإن كانت أقل فليس أقل كثيراً، بالطبع: لا. إذن، فيم الخروج؟ وهل توفرت له ثانياً المفسدة التي ترتبت على الخروج الأقل من المفسدة التي ترتبت على بقاء حكم حماس؟ بالطبع: لا، فلقد ذهب عبد اللطيف وأنصاره في ساعة من نهار!!! إذن، فيم الخروج؟ وهل توفر له (ثالثاً) الإقليم؟ أيضاً، بالطبع: لا. إذن، فيم الخروج؟ وهل توفرت له شروط الإمامة بنفسه أو بأهل الحل والعقد؟ وأيضاً هنا بالقطع لا!! إذن، فيم الخروج؟؟ وهل توفرت له البيّنة القاطعة على فساد حماس وظلمها ومعاداتها للشرع ومنعها الناس من أداء عبادتهم؟ وأيضاً، بالقطع لا، وليس أدل على ذلك من مائتي خطبة خطبها وأربعين درساً درَّسها (حسب التسجيل) ولم يذكر أنه تعرض له أحد من حماس!! وهو الحاضن الأهم لمعارضي حماس السياسيين، وهذه الآلاف من حفظة القرآن الكريم، وهل هذا تلبيس على الناس في دينهم؟ أليس من الظلم غَمط الناس حقوقهم؟ أليس شر أهون من شر؟ وإذا قورنت غزة بالضفة، فماذا هو قائل؟ ماذا يقول؟ ولماذا سكت؟ ولماذا هو ساكت؟ لماذا لم يقل كلمة (عن قبلات) عباس (لكوندا) و(أولمرت) والأحضان الدافئة المخزية لشارون، التي يحرص عليها عباس؟ لماذا لم يعلن الجهاد على يهود، وحماس تعلنه موقفاً ومبدأ وعقيدة؟ لماذا يعادي من يعادي المحتل المغتصب؟

ألا يثير ذلك اللوم والعتب، مع استصحاب البراءة الأصلية، وحسن الظن؟ يعود إلى الأذهان – فعلاً – أنه قد استدرج، لكن من الذي استدرج؟ وكيف؟ وما الثمن؟ أما كان يكفي الحوار، ثم الانتظار، ثم التدبر، فالصبر، فالاحتساب حال عدم توفر الشروط مجتمعة؟ بلى، كان يكفي وزيادة! أليست المساجد بيوت الله؟ فلماذا التحشيد، والتجييش، والتحريض، ثم القتل، وتعمده؟ أما كان يكفي الجدال بالتي هي أحسن؟ أين هو من عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، وهو من هو، فقهاً وعلماً وتقوى وورعاً، واقتداءً برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد وسعه بيته ولم يناصر علياً على معاوية، ولا ناصر معاوية على علي رضي الله عنهم أجمعين؟ ثم لما سئل أجاب: تلك فتنة طهر الله منها سيوفنا فلا ندنس بها ألسنتنا؟

ما قرأنا عن علي، ولا سمعنا، أن هناك من سمعه يصف معاوية وجيشه (بالكلاب)، ولكن سمعناه يقول: إخواننا بغوا علينا، وأثنى عليهم ثناءً عطراً، فما تناقض مع نفسه ولا مع أخلاق القرآن الكريم (وإن طائفتان من المؤمنين...) لكن عبد اللطيف وصف حماس بالكلاب، وبالجراد، ووصف حكومتها بحكومة الكلاب، ووصف الوسطاء بالحيات، ثم قال عن حماس: إخواننا بغوا علينا!! فكيف يقع له هذا التناقض وهو (أبو النور المقدسي) الذي يدعو إلى تطبيق الشريعة حدوداً، وجنايات، وتوزيع الفيء، وتأمين السبل، وإقامة العدل، والله يقول: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) كيف؟ كيف؟... كيف غاب عنه أن المسلم ليس بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء؟ وكيف يكون إخوانه من الكلاب والجراد والحيات؟ كيف يكون إخوانه من المنافقين والكفار والملبسين على الناس أمر دينهم؟ عجيب!! في تقديري لو أن الرجل كان على النصف أو الثلث أو الربع من عقله ما فعل ما فعل، وما تكلم بما تكلم، وما وقع في هذه التناقضات، التي لا تقع إلا لمن أغلق عليه، وغلب على عقله الغضب، وعصفت به الأهواء والانفعالات.. خسارة!! حقيقة خسارة.. غفرانك اللهم......



سأعود بمشيئة الله إلى الحديث (ماذا جرى في رفح).