تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التعددية الى اين (د. فتحي يكن)



عزام
08-20-2009, 07:41 AM
الساحة الاسلامية تشهد ولادة حركات و تنظيمات و جمعيات و فرق اسلامية على نطاق واسع، و ان كان البعض يعتبر ذلك ظاهرة صحية فإنني من خلال المفهوم الشرعي للعمل الإسلامي - ومن خلال التقدير الصحيح للمصلحة الإسلامية، ومن خلال متابعة ما يجري عليها - اعتبره ظاهرة مرضية وخطيرة وتنذر بعواقب وخيمة لا يعلم مداها إلا الله . . فلو برئت التعددية من التعصب وسادت روح الأخوة بين الفئات المتعددة، وحلت أجواء التعاون والتفاهم والتنسيق بينهم، لهان الخطب، وخف المصاب، ولكن الأمر يجري بعكس ذلك تماما. . فالتعدديات لم تفرز إلا مزيدا من الصراعات، ولم تتسبب إلا بإشاعة الأحقاد والضغائن بين المسلمين ، مما شغلهم بالجدل عن العمل، وبالتنقيب عن السقطات والعيوب بدل التماس العذر والحرص على الستر. والتعددية باتت اليوم مرتعا خصبا ومناخا مناسبا يمكن أن يدلف منه أعداء الإسلام إلى الساحة الإسلامية، وتحت عناوين وشعارات إسلامية في ظاهرها، وباطنها فيه الشر المستطير. والمسلمون، أمام هذا السيل العرم والأرقام المتزايدة من الحركات والتنظيمات والمؤسسات، أصبحوا في حيرة . . ترى من يصدقون، وبمن يثقون، ومع من يسيرون؟ وكان المراد هو بلوغ هذه النتيجة لأنها الأخطر والأدهى والأمر!. فالتعددية من شأنها أن ترسم علامة استفهام عريضة على كل الحركات الإسلامية، الأصيلة منها والدخيلة، الصادقة منها والعميلة، السليمة منها والسقيمة، وحين يتحقق ذلك يصبح العمل الإسلامي بدون قاعدة، وبدون أساس وبدون رصيد، وبدون ظهر، كما تصبح صورة الجميع مشوهة ومهزوزة. والتعددية مناخ مناسب لتوالد كل التناقضات على الساحة الإسلامية، وهذا كذلك مطلوب لأن أعداء الإسلام إن كانوا حريصين على شيء فعلى إحداث المتناقضات المسلمين واللعب عليها، والاستفادة منها فى ترتيب المعادلات والتوازنات ورسم السياسات والمؤامرات . .
التعددية إلى أين؟
ثم إن التعددية خرجت عن المالوف وتجاوزت ما معروف . . فهنالك حركات وتنظيمات قامت وتقوم و ليس لقيامها من مبرر. . فإن اختلف ثلاثة مع جماعة شكلوا جماعة أخرى، وإذا فصل خمسة من تنظيم أنشاوا تنظيما جديدا، وإن طردت مجموعة من حركة كونت حركة تصحيحية! و مرض الانفصام و الانفصال هذا يشبه في علم الحساب الكسر الذي يتوالد عن تجزئة الوحدة العددية، مما يتوالد عنه أعداد من الجزئيات و كسر الكسر مما لا عد له و لا حصر.. كان للتعدديات في الماضي مبررات قد تكون محل نظر و تفكير، و قد يكون لدى اصحابها أدلة شرعية معتبرة و إجتهادات مبررة، و مع هذا فقد كان هؤلاء مختلقين بأدب الخلاف وعلمية الاختلاف لا يخرجون عنها قيد أنملة. .
أما اليوم فقد باتت التعدديات على الساحة الإسلامية خلافا بلا أدب، واختلافا بدون علم ، وتكاثرا من غير مبرر، باتت تعدديات اليوم تنافسا على المغانم، وتنصلاوهروبا من المغارم وتهافتا على الدعاية والأضواء و إقبالا على الأخذ وأدبارا على عن العطاء..
فكيف يمكن -والحالة هذه - أن تكون التعددية مقبولة بل كيف يمكن أن تكون ظاهرة صحية؟ فعندما يصبح التيار الواحد تيارات ، والسيارة التي تسير على أربع، سيارات تسير كل واحدة منها على دولاب. . وعندما ينقسم التيار السلفي إلى معتدل ومتطرف، وينقسم المعتدل إلى تيارات متفاوتة الأعتدال والتطرف إلى نحو من ذلك كذلك . .
وعندما ينقسم التيار الخلفي إلى متوسط في الاعتماد على العقل ، أومبالغ فى امتهان النقل، ومابين هذا و ذاك من مراتب ذات نسب متفاوتة في التوسط والمبالغة! و عندما يصبح العمل الإسلامي تربويا بلا سياسة، أو سياسيا بلا تربية، أو عسكريا بلا ضوابط أو حدود، أو ما بين هذه وتلك من صيغ واجتهادات !!وعندما يبرز على الساحة الإسلامية فريق متخصص بتكفير المسلمين وإخراجهم من الملة، وآخر بمحاربة بدعة الموالد، والتسابيح في صلاة التراويح، وإتقان نطق حرف الضاد، وتعطيل العمل وانتظار المهدي !!.
عندمايحدث كل هذاوذاك، ويكون من نتيجته تفكك البنية الإسلامية، ووصول الفتنة إلى المساجد، ركن المسلمين الأقوى والأخير، وينسى هؤلاء أن عدوا شرسا يتهددهم جميعا ويتآمر عليهم جميعا ويريد تصفيتهم جميعا، وأنهم بتعدديتهم واختلافهم ييسرون عليه الأمر ويسهلون الطريق . . عندما يحدث هذا وأكثر من هذا تصبح التعددية على الساحة الإسلامية جريمة نكراء وظاهرة شنيعة وصفحة سوداء، وعامل هدم وتخريب. وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم "من فرق ليس منا، يد الله مع الجماعة، وإنما ياكل الذئب الغنم القاصية". وعندما يحدث هذا، وأبشع من هذا، كان من واجبنا أن نبحث عن السبب ونفتش عن الخلفية وندرس الظاهرة دراسة عملية وموضوعية ليس بعفوية او عاطفية.. فالساحة الإسلامية باتت اليوم مهددة من داخلها و هذا هو الاخطر و الله اعلم..
عصبية نكراء.
وتتوالد عن ظاهرة التعددية آفات كثيرة وخطيرة أبرزها: آفة التعصب للتنظيم أو الحزب أو الجماعة أو الحركة وقد تتفاقم هذه الآفة فتعمي وتصم! وبدل أن يكون التعصب للحق والنزول عند حكم الشرع هو الأساس، يحل محله التعصب للتنظيم ولأشخاص التنظيم ولسياسة التنظيم ، وبدل أن تكون الدعوة للإسلام تصبغ الدعوة للتظيم ولو من غير إسلام وبدون التزام !
إن ظاهرة التعصب لهذهالفئة أوتلك، بدعة خطيرة وانحراف مريع في التفكير والتصور والسلوك والتربية!! إن هذا لا يعني رفض الانتماء إلى التنظيمات و الحركات، إنما المطلوب أن يكون الانتماء للإسلام قبل التنظيمات، وأن يكون الولاء لله قبل الأشخاص ، وأن يكون الالتزام بشرع الله قبل الالتزام بالنظم والدساتير الإدارية. إن من واجب العاملين للإسلام أن يكونوا مسلمين أولا. . فإن كانوا كذلك بحق كانوا إخوة ومتحابين على اختلاف مناهجهم وتصوراتهم للعمل الإسلامي . . أما إن سبق هذا ذاك، وطغى الحس الفئوي على الحس الإسلامي . . وقوي الشعور الحزبي وضعف الشعور الإيماني ، وقع الخلل ، وتقطعت أوصال المسلمين ، وتحقق فيهم قول الله تعالى : "ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، كل حزب بما لديهم فرحون" (الروم)
العصبية الحزبية نقيض الإسلام .
والعصبية الحزبية نقيض الإسلام والإيمان، فالمسلم ينتمي في الأساس إلى أمته، "إن هذه أمتكم أمة واحدة ربكم فاعبدون". والأخوة الإسلامية هي الآصرة التي تشد المسلمين جميعا إلى بعضهم البعض "إنما المؤمنون إخوة" بل إن الإسلام يحض الناس كل الناس على التعارف والتآلف في إطار التنافس أو التسابق على الخير والهدى والتقوى "يا إيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكمعند الله أتقاكم" (الحجرات). والتعصب والعصبية خصال يمقتها الإسلام ويبغضها رسول الله صلى الله عليه و سلم . . فالقرآن دعا إلى التجرد والانعتاق من أسر كل العصبيات - العائلية والعشائرية والفئوية - فقال تعالى "قل إن كان أباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بامره والله لا يهدي القوم الفاسقين" (التوبة) وقال الله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان" (التوبة)
ورسول الله صلى الله عليه و سلم حذر من التعصب والعصبية فقال : "ليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية" رواه أبو داود وقال صلى الله عليه و سلم : "دعوها فإنها منتنة".
العصبية نقيض الوحدة:
والعصبية نقيض الوحدة لأنها تمزق الساحة الإسلامية، وتقيم السدود بين المسلمين . فهل يتفق هذا مع قوله تعال : "واذكروا إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" (ال عمران). وهل يتفق هذا مع قوله صلى الله عليه و سلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري ومسلم.وقوله : "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" رواه البخاري ومسلم . . وهل يتفق هذا مع قوله صلى الله عليه و سلم : "لا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تحادسوا وكونوا عباد الله أخوانا" رواه مالك والبخاري وغيرهما. وقوله : "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري ومسلم .