تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حكاية الإمارة الإسلامية والقاعدة في قطاع غزة / ياسر الزعاترة



أبو طه
08-19-2009, 05:27 AM
حكاية الإمارة الإسلامية والقاعدة في قطاع غزة
ياسر الزعاترة
2009-08-19
كأن قطاع غزة لا تكفيه المصائب التي يعيشها في ظل الحصار الإسرائيلي العربي، حتى تُعلن فيه إمارة إسلامية من رفح تكفّر حماس ومن يشاركون في الانتخابات، وتطالب كتائبها وشرطتها بمبايعة الأمير الشيخ عبداللطيف موسى، عليه وعلى من قتلوا في الاشتباكات من الطرفين رحمة الله.

عندما دخلت حماس الانتخابات توقعنا شيئا كهذا، لكن الموقف يبدو أكثر سوءاً في واقع الحال، ففي حين توقعنا أن تميل قطاعات من الشبان إلى رفض العملية السياسية وأي شكل من أشكال التهدئة وتصر على العمل المسلح ضد الاحتلال، مع ميل بعضها إلى نموذج القاعدة، ها إننا نفاجأ بمجموعات أكثر تطرفا، تمارس أعمالا تخل بالأمن الداخلي، وتتوجه نحو الناس باستهداف حفل زفاف ومقاهي إنترنت وصالونات حلاقة نسائية ومدارس أجنبية، أو اختطاف صحافي أجنبي، في حين لم تقم سوى بعملية واحدة ضد الاحتلال لم يصب فيها أحد من جنوده.
مجموعات السلفية الجهادية في قطاع غزة هي الأكثر تشددا على ما يبدو بين تجليات التيار، وفي حين كان عليها التركيز على حرب الاحتلال من أجل الحصول على «الوكالة» الفلسطينية لتنظيم القاعدة الذي يعيش أزمة الغياب عن هذه الساحة الأكثر أهمية، بحسب ما اعترف (منظر التيار) الشيخ أبومحمد المقدسي حين انتقد التقصير على هذا الصعيد، ها هو يذهب في اتجاهات سيئة تزعزع الاستقرار الداخلي وتخدم الاحتلال. طبعاً لم تقصر بعض المواقع الجهادية في تتبع الحدث وهجاء حماس، مع أن الضحايا كانوا من الطرفين، ومع أن مجموعة الشيخ عبداللطيف كانت البادئة بقتلها الوسطاء الذين أرسلتهم حماس، لكن بعض العقلاء كان لهم رأي آخر، كما هو حال الشيخ حامد العلي أحد منظري السلفية الجهادية في الكويت، بينما كان موقف الشيخ أبومحمد المقدسي حاداً حيال حماس، خلافا للمتوقع منه بعد مراجعاته الأخيرة التي رفض فيها الكثير من الأعمال التي تنسب للتيار، وإن بقي على موقفه من الأنظمة والديمقراطية.

مجموعة عبداللطيف موسى ليست الوحيدة في القطاع (ليس للرجل أي تاريخ في مقارعة الاحتلال، إذ كان سلفيا تقليديا يشتغل في طلب العلم الشرعي وله عيادة لتخريج الجن ومعالجة السحر)، بل ثمة مجموعات عدة تتنافس للحصول على «وكالة» القاعدة، من بينها جيش الأمة، جيش الإسلام، سيوف الحق، ومسميات أخرى.
المهم أن أكثر هذه المجموعات تعاني خللاً في البوصلة، ولذلك فهي سهلة الاختراق من قبل جهات تريد استهداف حماس وشطب أهم إنجاز لها ممثلا في الاستقرار الأمني، مع أن الكثير من شبان تلك المجموعات لا ينقصهم الإخلاص. ولو ركزوا على استهداف الاحتلال لما كان ثمة مشكلة معهم، لكنهم، ربما لصعوبة ذلك بسبب السياج الأمني، وربما لاعتبارات تتعلق بارتباطات قياداتهم وليسوا جميعا مرتبطين بجهات مشبوهة، يفجرون طاقاتهم في الداخل، سواء بعمليات كالتي أشرنا إليها، أم عبر المزايدة على حماس التي لا تطبق برأيهم الشريعة والحدود الإسلامية (فهمهم للتطبيق المذكور قاصر إلى حد كبير، ولا يأخذ في الاعتبار طبيعة الظروف المحيطة، وهو لا يتجاوز الشكليات الخارجية مثل فرض اللباس وتطبيق الحدود إلى غير ذلك مما عرف في أفغانستان على سبيل المثال، فضلا عن ممارسات دولة العراق الإسلامية في منطقة الأنبار في العراق).

هي مشكلة كبيرة بالنسبة لحماس، إذ إن التعامل الأمني مع الظاهرة ليس كافياً، بل لا ينبغي أن يعطى الأولوية، وطريقة التصدي للحدث الأخير لم تكن صائبة، حتى لو قيل إن الحوار الفكري لم يجدِ نفعا طوال الشهور الماضية، ومن الأفضل للحركة أن تستعين ببعض العلماء من خارج فلسطين، ممن يمكن أن يسمع لهم هؤلاء، وأظن أن هناك كثيرين يمكن أن يتواصلوا معهم ويقنعوا المخلصين منهم بخطأ ما يفعلون في وضع مثل وضع غزة، مع تذكيرهم بأن تجربة دولة العراق الإسلامية (مع الفارق الكبير) لم تنجح وتسببت في تراجع القاعدة بعد الصدام مع فعاليات المجتمع العراقي.

المجتمع الغزي، وإن انطوى بعض تدينه على قدر من التشدد، إلا أنه لا يحتمل هذا المستوى من التطرف، لاسيما إذا أراد فرض رؤيته بالقوة على الناس، وإذا كانت بعض الممارسات الهامشية ذات العلاقة بالحرية الشخصية من جانب حكومة حماس قد لاقت كل تلك الأصداء السيئة، فكيف بمن يريد فرض منطق طالبان على الناس في القطاع، مع احترامنا لهذه الأخيرة كتعبير عن واقع اجتماعي في أفغانستان كان قابلا للتطور بمرور الوقت لو منح الفرصة؟

هذا المأزق هو واحد من المآزق الكثيرة التي واجهتها وستواجهها حماس بعد تورطها في انتخابات سلطة تحت الاحتلال، وما ترتب عليها بعد ذلك، ما يعني حاجتها إلى الكثير من الحكمة حتى تخرج منها بأقل الخسائر