تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ما جرى في رفح (2)



أبو طه
08-18-2009, 01:45 PM
ما جرى في رفح (2)
د. عطالله أبو السبح




وللحقيقة، فإن لدروسه التي ذكر عددها فقال: (إنها تقرب من أربعين درساً في مادة العقيدة،


والتي علمنا فيه الناس ما تعلمناه من الكتاب والسنة لخير سلف الأمة) فائدة وجدها طلاب العلم حسب شهادتهم،


فحرصوا على متابعتها معه، وفي كل ذلك لم يعلن موقفاً عدائياً حدياً من حركة حماس، أو حكومتها،


وإن هجر الانتخابات، ودعا إلى عدم المشاركة فيها؛ ترشيحاً واختياراً،


لما بيّنه فيما بعد مخاطباً حماس (قد اتخذتم الديمقراطية شرعة ومنهاجاً، وأضفيتم عليها الشرعية،


ولبَّستم الأمر على الرعية، حسب الخطبة المسجلة) فالديمقراطية كفر،


ويفهم من عبارة النص أن من مارسها فقد اتخذها شرعة ومنهاجاً، وبالتالي فهو كافر،


ولمن ذهب إلى هذا الفهم فله الحق، فعبارته تدل عليه دلالة قطعية، خاصة إذا استمع له دارس للفقه وأصوله،


وقد قرن الديمقراطية بالعلمانية، وميزها إلى صنفين: علمانية ذكر، وعلمانية أنثى وهي (أي الأنثى)


التي مارستها (حسب خطبته) حماس سلوكاً، واتخذتها والديمقراطية شرعة ومنهاجاً.


بعد أحداث يونيو 2007 بين السلطة وحماس، والتي أدت إلى فرار أجهزة السلطة من قطاع غزة،


تردد اسم عبد اللطيف مع كل جمعة أو عيد، فلقد اعتمد المصلون من حركة فتح مسجد الشيخ ابن تيمية،


واحداً من ثلاثة مساجد في رفح لأداء صلاة الجمعة والعيدين، حتى أن اسم عبد اللطيف قد علا اسم ابن تيمية


الذي يزين واجهة المسجد، وكانت عبارة (أصلي الجمعة عند عبد اللطيف موسى)


جواباً في الغالب على: أين ستصلي؟؟


فانتفخ صدره، واتسعت عباءته، بعد أن تسلل إلى نفسه شعور فظيع بالأهمية، فتعاظمت في نظره ذاته،


فازداد تطاولاً على أساتذته ومعلميه، وحتى شيوخ السلفية،


فلا يكاد ينشأ لهم عمل هو فيه مشارك حتى ينفصل عنه، لاختلافه عليه وعلى العاملين معه،


وشدة خصومته لهم، فلا رأس يعلو رأسه، ولا صوت فوق صوته، ولا رأي صواب إلا رأيه..


. ولا كرامة لخصم ولا اعتبار.


إن انفراد عبد اللطيف بالمسجد، وما يؤمه من أنصار فتح، ملأه بالإحساس بالندية،



فضلاً عن التميز والتفرد، فقد عزز ذلك عزوف الخطباء والواعظين المنتسبين لحركة حماس عن مسجده،


فلطالما تحاشوا الاحتكاك به، ولو بإبداء الرغبة في اعتلاء منبر المسجد، أو إلقاء درس أو موعظة فيه،


ولكن هاجساً كان يخترق صدره بين الفترة والأخرى أن حماس تنوي الاستيلاء على المسجد؛


معللاً ذلك برؤيا رآها أو هاتف من السماء، قد أنبأه أو حدثه بأن فلاناً (الحمساوي) يخطط لذلك،


وإذا ما روجع هذا الفلان يثبت أنه أبعد خلق الله عن مجرد التفكير في ذلك، ولكن هل يقتنع عبد اللطيف؟؟ طبعاً لا،


فإن الرؤيا هي جزء من خمس وأربعين جزءاً من البنود ورؤياه في هذا لا تكذب أبداً، وبالتالي فهي بينته وهي دليله،


وهي حجته الداحضة، والتي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها،


مصدر من مصادر حكمه على الأمور وعلى ضوئها تتحدد مواقفه، وعلائقه، وخصومته، ورضاه، وحبه،


وبغضه، يقدمها على نصح الناصحين، ورأي الأحبة المخلصين، إذا لم يبادره شخص بالسلام،


رأى في منامه أنه يحترق بالنار؛ لأنه متآمر وحقود، وهيهات أن يقنع بخلاف ذلك، ولا بأس من أن يسقط عدالته،


ويدعو الآخرين لإسقاطها في الوقت الذي لا يعلم الشخص المقصود من ذلك شيئاً، وما كان عدم مبادرته بالسلام،


إلا لأنه لم يره، أو كان مشغول الذهن والفؤاد، ومخالفوه هم حُسَّاده، من الجهلة والمنافقين،


وهم من باعوا أنفسهم للشيطان وهو ما ابتدأ به خطبته


(أيها الأحباب قبل أيام قلائل فاجأنا من سلم رقبته للشيطان، وجعل مصلحة الحزب إلهاً يعبد من دون الله،


فاجأنا مفاجأة بعد أن أصابه الغيظ من الأعداد الكبيرة التي تقبل على مسجد شيخ الإسلام


(ابن تيمية قدس الله روحه) ويقصد وزير الأوقاف فهو (من سلم رقبته للشيطان) لكن ما الشيطان؟


وكيف سلم رقبته له؟ وما هي شروط وزير الأوقاف حتى لا يكون ممن يسلم رقبته للشيطان؟


وأي حزب هذا الذي جعل وزير الأوقاف مصلحته إلهاً يعبد من دون الله، طبعاً الحزب هو (حماس)


وكون وزير الأوقاف حمساوياً فقد اتخذ من مصلحتها إلهاً يعبد من دون الله!!


عبارات تكفيرية، ولهجة ساخرة مستهزئة تحتقر شأن الوزير وشأن هذا الإله الذي يعبد من دون الله،


وبالتالي لا بد من الإطاحة به وإزالته، لم يسبق لعبد اللطيف أن خطب الناس – فيما أعلم – من خلال ورقة،


إلا هذه، فقد أعدها وكتبها ودققها واطمأن إلى عباراتها، وقرأها على الناس صاعداً وهابطاً،


مؤكداً معيداً ومردداً...


لقد انتفش عبد اللطيف إلى الحد الذي لم تعد عباءته الفضفاضة تتسع له،


وهو متجه إلى مسجده تحيط به ثلة من الشبان الغض الذين تبين أنهم أقرب إلى الأمية منهم إلى المتعلمين،


وقد أحكموا اللثام إلا سواد عيونهم، يقبضون على المدافع الرشاشة والأحزمة الناسفة وقد تمنطقوا بأشرطة الرصاص،


وما أن اعتلى المنبر مزهواً منتشياً فرحاً، وشعور بأنه قادر على أن يخرق الأرض،


أو يبلغ الجبال طولاً، قد امتلك عليه قراره وحزمه وعزمه،


وكيف لا يكون كذلك وهو الذي يرى من البشريات التي بقيت بعد النبوة وقد اختصَّه الله بها


في رؤى لا تنخرم أبداً، وبناءً عليها قد تحدد موقفه من أفراد حماس وحكومتها فقدم لها (الوصية الذهبية)


المؤلفة من عشر نقاط لعلَّ أقصرها هي الوصية الأولى،


ولعلَّها أجرأها وأشدها وعيداً، كأنها المناط والهدف والمبتغى،


وهي الشحنة الهائلة من الغضب والرفض والحقد، من أين أتى بكل ذلك؟ ومتى بدأ؟ ولماذا؟



أسئلة حمل عبد اللطيف أجوبتها معه.


قال في وصيته هذه.






سأستأنف الحديث في الغد، إن عشت (أنا) لغد بمشيئة الله.






جريده فلسطين