تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الاستعلاء الإيماني وأهميته في الصراع مع أهل الكفر والبغي



أبو يونس العباسي
08-01-2009, 09:15 AM
الاستعلاء الإيماني وأهميته في الصراع مع أهل الكفر والبغي



أبو يونس العباسي



الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذل الشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولا بعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته من الآل والصحب الميامين , إلى يوم الدين.



أعظم نعم الله علينا على الإطلاق



إنه الإسلام أعظم النعم على الإطلاق ...إنه الإيمان الذي لا نساوي بدونه شيئا .... إنه الدين الذي وحد الله به بيننا ... وبه أنقذنا من النار , قال الله تعالى:" وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"(آل عمران: من الآية103), إنه الدين الذي امتن الله علينا بأنه بعث إلينا رسولا ليعلمنا إياه , قال الله تعالى:" لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ" (آل عمران:164) " , إنه الدين الذي لما امتن الأعراب على رسول الله بالإسلام قال لهم الواحد العلام: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17) , إنه الدين الذي أمرنا بالإيمان به , قال الله تعالى:"(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً) (النساء:136) " , إنه الدين الذي نحتاجه وليس بحاجة لنا , قال الله تعالى:" (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت:6) " , إنه الدين الذي أنزله الله لمصلحتنا فهو سبحانه الغني عنا , قال الله تعالى :"(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (الحج:64) " .



ومرة أخرى أقول:



إنه الدين أعظم نعم الله علينا , فأين من يقدر هذه النعمة , وأين من يضع هذه النعمة في موضعها ولا ينساها ولا يتغافل عنها.



حقيقة الإيمان



إن الموضوع الذي نريد أن نتحدث عنه الآن هو:الاستعلاء الإيماني , ولذلك كان لزاما علينا أن نعرف ما هو الإيمان , والإيمان عند أهل السنة والجماعة اعتقاد وقول وعمل , اعتقاد يملأ القلب بحيث لا يتسع القلب لغيره من الاعتقاد , فيكون الإيمان والإيمان وحده هو الجالس على عرش القلب , والإيمان قول يجري على اللسان يوافق ما في القلب , فمن لم يجر الإيمان على لسانه فليس بمؤمن , وإذا جرى الإيمان على اللسان كان هذا دافعا أن تضبط جميع الأقوال بهذا الإيمان , أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة وضيافته ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه " , والإيمان عمل يظهر على الجوارح والأركان فتظهر آثار الطاعة على العين فلا ترى إلا ما يرضي الله , وعلى الأذن فلا تسمع إلا ما يرضي الله , وعلى اليد فلا تبطش إلا بما يحب الله , وعلى الرجل فلا تمشي إلا حيث يريد الله - جل في علاه -.



لكن أن يزعم أحدهم الإيمان ثم هو يعتقد علمانية أو ديمقراطية أو قومية أو اشتراكية مع الإيمان بالله , والله هذا لا ينفع , لأن الله لا يقبل إلا ما كان له خاصا وابتغي به وجهه , قال الله تعالى:" (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5) " .



ولا يصح أن يزعم أحد الإيمان ثم تراه يدعو إلى منهج وضعي ليس هو منهج الإسلام , أو أن يضبط كلامه بغير ميزان السنة والقرآن , والله هذا لا ينفع صاحبه في الدنيا ولا في الآخرة بل يضره , قال الله تعالى:" (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33) ".



ولا يصح لأحد أن يزعم الإيمان ثم هو لا يعمل بتعاليم الواحد الديان , بل تراه يعرض عنها , والأدهى من ذلك أن يحاربها ويعمل بما يضادها ويعاكسها , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , قال الله تعالى:" (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3)) (الصف)".



آثار الإيمان على صاحبه



إن الأيمان يؤثر على صاحبه على مستوى الحياة الدنيا وعلى مستوى الآخرة.



أما في الدنيا فأهل الإيمان هم الأعلون بإيمانهم وتقواهم وإسلامهم والذلة والمهانة لغيرهم من أتباع المناهج الوضعية الدنيئة الدنية , قال الله تعالى:" (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:139) " , وقال الله لرسوله موسى – عليه السلام -:" (قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى) (طـه:68)"



والعزة التي سلبها المسلمون في هذه الأزمنة إنما سلبوها لما ضيعوا مفهوم الإيمان عقيدة ومنطقا وسلوكا , قال الله تعالى:" (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55) " , وقال أيضا:" (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(المجادلة: من الآية11) " , وقال أيضا:"ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون"(الصافات:173,172,171) وقال أيضا:" (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)" , وبالإضافة للعلو في الدنيا فإن المؤمن يعلو بإيمانه في الآخرة , فكما أن الدنيا درجات فالآخرة درجات كذلك , وعلى قدر إيمانك تعلو درجتك , قال الله تعالى:" (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (الاسراء:21) " , وقال أيضا:" (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97) " , وجاء في المعجم الكبير من حديث أبي مالك الأشعري أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :" إن الله أعد للمجاهدين في سبيله مئة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فلو كان عندي ما أتقوى به وأقوي المسلمين أو بأيديهم ما ينفقون به ما انطلقت سرية إلا كنت صاحبها ولكن ليس ذاك بيدي ولا بأيديهم ولو خرجت ما بقي أحد فيه خير إلا انطلق معي وذلك يشق علي فلوددت أن أغزو فأقتل ثم أحيى ثم أغزو فأقتل ثم أحيى فأقتل ".



والكرامة عند الله لبني الإنسان لا تتحدد بسلطان ولا بمال وإنما بتقوى ذي الجلال والكمال , قال الله تعالى:" (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) ".



فيا أهل الإيمان أنت الأعلون على كل حال ... فلم الحزن ولم الأسى ولم الجزع ولم القنوط ولم الانتكاس ؟!!! أخرج مسلم في صحيحه من حديث صهيب أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:" عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ".



واعلموا يا أهل الإيمان أن ما تلاقونه من مذلة وامتهان سوف يزول جميع آثاره بمجرد الانغماس مرة واحدة في الجنان ,أخرج ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يؤتي يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من الكفار , فيقال اغمسوه في النار غمسة , فيغمس فيها , ثم يقال له: أي فلان هل أصابك نعيم قط ؟ فيقول لا ما أصابني نعيم قط . ويؤتي بأشد المؤمنين ضرا وبلاء . فيقال اغمسوه غمسة في الجنة . فيغمس فيها غمسة . فيقال له أي فلان هل أصابك ضر قط أو بلاء ؟ فيقول ما أصابني قط ضر ولا بلاء) .



والله إن ما عند الله من نعيم وإكرام ورفعة لهو ما يصبر الإنسان على ما يلقاه من أولياء الشيطان , فالحمد لله الذي عرفنا على نفسه , وأعلمنا بما أعد لنا في جنته , وما أعده لعدونا في جهنم وساءت مصيرا.



آثار عدم الالتزام بالإيمان



إن الإنسان يوم لا يلتزم بالإيمان فإن حياته تتحول إلى جحيم وتعب وشقاء وضنك ونيران , قال الله تعالى:" (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طـه:124)" .



إن الإنسان يوم لا يلتزم بالإيمان تتحول حياته إلى مذلة وهوان من جميع من في الكون جماد وإنسان وجن وحيوان , قال الله تعالى:" (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18) , والله ما ضرب المذلة على بني إسرائيل إلا يوم كفروا وضد الإيمان فعلوا , قال الله تعالى:" (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (آل عمران:112) ".



الاستعلاء بالإيمان ليس فيه خضوع إلا للرحيم الرحمن



من كان بإيمانه مستعليا فإنه لا يخضع إلا لخالقه , وأما الخضوع لغير خالقه فلا , والخضوع هو: الائتمار بالأمر والانتهاء عن النهي , والخضوع هو العبادة , فعبادة الله الخضوع له مع الحب , والعبادة لا تصرف إلا لله , قال الله تعالى:" (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) " , فهو سبحانه وتعالى ما خلقنا إلا لعبادته وتوحيده , قال الله تعالى:" (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56)" , وقال أيضا:" (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31)".



وعليه فليسمعها الجميع:إنني خضعت لله وكفرت بالخضوع لمن سواه.



كفرت بالخضوع للقانون الذي يحكم بدل شريعة الله , كفرت به وبمن شرعه وبمن حكمه وبمن التزم به وبمن دافع عنه , قال الله تعالى:" (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء:60) " ,.



والطاغوت:هو كل ما عبد من دون الله وهو راض , والقانون الذي يتحاكم إليه فقد عبد من دون الله , ولا يخفى أن من شروط التوحيد الكفر بالطاغوت ويليه أيمان بالله.



كفرت بالخضوع للدنيا وتقديمها على الآخرة , قال الله تعالى:" (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:24)" , وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع) "



كفرت بالخضوع للهوى وهو:ما تشتهيه النفس في معصية الله , وكم من إنسان اتخذ من هواه إلها له؟!!! , قال الله تعالى:" (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (الفرقان:43) "



كفرت بالخضوع للشيطان ولكل من يطاع في معصية الله , قال الله تعالى:" (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يّـس:60) " ,وعبادة الشيطان هي طاعته , وهو لا يأمر إلا بمعصية الله .



كفرت بالخضوع لكل من يحب كحب الله أو أشد حبا , كفرت بالخضوع لكل من خيف منه كالخوف من الله أو أشد , كفرت بالطاغوت وآمنت بالله , قال الله تعالى:" (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256)" , وقال أيضا:" (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) (الزمر:17)".



الاستعلاء الإيماني لا يكون إلا بتطبيق شرع الرب العلي



ومن صور الاستعلاء بالإيمان تطبيق شريعة الواحد الديان , فإن من ترك تطبيق الشرع وطبق القانون يكفر ويذل ويهون , فكيف يستعلي بالإيمان كافر مرتد؟!!! , قال الله تعالى:" (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)" , وقال أيضا:" (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59)" .



قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - :"نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".



وإن من سنن الله فيمن ترك تطبيق شرعه , أن يسلط عليه عدوه , ليهينه وينتهك عرضه , ويسلبه ماله ويسلب خيراته , ويستولي على مقدراته ومقدساته , فهل عقلت " الحكومة الراشدة " وغيرها من حكومات طواغيت العرب ذلك ؟!!! , هاأنذا أذكر عساهم يكونون من أهل الذكرى , أخرج البيهقي في سننه وقال الألباني صحيح لغيره من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال - :" ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط الله عليهم عدوهم , فاستنقذوا بعضا مما في أيديهم " , إخوتاه : سمعت هذا الحديث , وعقلته , ثم نظرت إلى واقع المسلمين اليوم وقلت : حقا , صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم , قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - : " لاتحسبن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض " .



الاستعلاء الإيماني يعني أن تهتم بحكم الله فيك لا بحكم غيره



وإن المستعلي بإيمانه لا يهتم برأي ولا بقول ولا بحكم يصدر من غير كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -, فليقل السفهاء ما يريدون ... فالكلاب تعوي والقافلة تسير , قال الله تعالى:"(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:142)" , والواجب تجاه ما يصدر من أعداء الدعوة من أيذاء قولي أو بدني أن نصبر عليه خاصة في وقت الاستضعاف , قال الله تعالى:" (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (آل عمران:186)" , وقال أيضا:" (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ) (الأنعام:34)" , فالمهم في النهاية أن يرضى الله فرضاه هو المبتغى , قال الله تعالى:" (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) (التوبة:62)" , ولقد جعل الله رضوانه أعظم من أعظم نعيم في الجنة , قال الله تعالى:" (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:72) " , فرضى الله وبنص الآية أعظم من أكبر نعيم في الجنة .



قال الشاعر يخاطب ربه:



ليتك حلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب



وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب



إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب



من استعلى بإيمانه وإن نيل من جسده فلا ينال من نفسيته ومشاعره



إن الإيمان إذا رسخ في قلب ثبته فاطمأن فلا تجد فيه اضطرابا ولا قلقلة ولا زعزعة ولا شكا ولا ترددا , قال الله تعالى:" (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)" , إن الإيمان يرزق صاحبه الصبر أمام المدلهمات , فتمر النكبات على المؤمن والابتلاءات وهو ثابت ثبات الجبال الرواسي , تهتز الجبال ولا يهتز , قال الله تعالى:" (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران:120)" .



وها هو شيخ الإسلام ابن تيمية لما آذاه أعدائه بسبب جهره بالحق فقال:"ما يصنع بي اعدائي ...إن سجني خلوة وقتلي شهادة ونفيي سياحة" , ونختم بخير الكلام كلام الله وقد جاء في وصف الربانيين السابقين ممن هم على شاكلة شيخ الإسلام والمسلمين ابن تيمية , قال الله تعالى:" (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146) " , واستمع كيف يصف الله المؤمنين لما نزل بهم البلاء في معركة الأحزاب:" ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما (22)"(الأحزاب) , وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس أخبره قال أخبرني أبو سفيان:" أن هرقل قال له سألتك هل يزيدون أم ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم . وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فزعمت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد".



فيا أيها المسلمون تأملوا ما سيلي من قول ربكم:" (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214) ".



المبادئ الأساسية لكل من استعلى بإيمانه



*النصر من عند الله في كل ظرف وعلى أي حال



قال الله تعالى:(وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران:126).



*واجبنا أن نعمل للدين ونبلغه للعالمين ونجاهد دونه والنتائج بيد الله



قال الله تعالى:" وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين (18)"(العنكبوت)



أخرج أحمد في مسنده من حديث ابن عباسعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" عرضت على الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلين والنبي وليس معه أحد."



*ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن



قال الله تعالى:"(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير:29)



*النافع والنافع وحده هو الله والضار والضار وحده هو الله



قال الله تعالى:(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنعام:17)



*الله هو الغني ونحن إليه فقراء



قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15)



*اليقين بالقرآن والسنة وبوعد الله ووعيده



قال الله تعالى:(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24) , وقال أيضا: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2).



*سؤال الله والاستعفاف عن سؤال من سواه



أخرج مسلم في صحيحه من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال



: ألا تبايعون رسول الله ؟ وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا قد بايعناك يا رسول الله ثم قال ألا تبايعون رسول الله ؟ فقلنا قد بايعناك يا رسول الله ثم قال ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك ؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا والصلوات الخمس وتطيعوا ( وأسر كلمة خفية ) ولا تسألوا الناس شيئا فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه.



*الشيطان ومن والاه كيدهم ضعيف ومكرهم رهيف



قال الله تعالى:(الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) (النساء:76).



*إن الله إذا أراد شيئا هيأ له أسبابه



قال الله تعالى:( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(يوسف: من الآية21).



*ما اتبع رجل محمدا ودينه إلا أوذي



قال الله تعالى:" الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين"(العنكبوت).



*الدنيا دار تعب والراحة عندما تضع قدمك في الجنة



قال الله تعالى:" لقد خلقنا الإنسان في كبد (4)"(البينة)



من استعلى بإيمانه كانت الآخرة هدفه فسخر لخدمتها الدنيا



والناس في الدنيا يعملون كل له هدف فمنهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الآخرة , قال الله تعالى:" (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (القصص:79) " , والله خلق الإنسان للآخرة لا للدنيا , فقد هُجِّر أبوانا من الجنة بسبب المعاصي والذنوب ونحن في امتحان إن نجحنا فيه فعما قريب سنرجع إلى ديارنا التي خلق فيها من كانوا سببا في وجودنا , فإياكم والدنيا ... لا تلهينكم عن الآخرة وما عند الله , فإن لها بريقا غريبا وهي فتنة لا يأمن منها أحد , كيف وقد قص الله علينا في القرآن أن بعض الصحب الكرام وقعوا في شباكها وحبالها , فكان هذا سببا من أسباب الفشل في معركة أحد قال الله تعالى:" (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:152)".



وإن سبب ما حل بالأمة أنها قدمت حب الدنيا على حب الآخرة فدفعها هذا أن تقدم الضلالة على الهداية , قال الله تعالى:" (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة:86) " , وقال أيضا:" (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (البقرة:16) " , وأخرج أحمد في مسنده من حديث ثوبان أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:" يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الآكلة على قصعتها قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت" .



ولذا أقول: اللهم ارزقنا حب لقائك حتى تحب لقاءنا.



من استعلى بإيمانه بذل دمه وما يملك في سبيله



إن الاستعلاء بالإيمان ليس كلمة تقال بل لا بد أن تتبعها فعال , فهذا زمان الصدق فأين أين الصادقون؟!!!



أين من يحمل ماله وروحه على كفيه ويقول لربه:بعتك واشتر يا رب , قال الله تعالى:" (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111) ".



أين من يفر بدينه ولو كلفه ذلك أن يترك الدنيا بأسرها وراءه , قال الله تعالى:" (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة:207) "



أين من يفضلوا القتل على أن يعبدوا مع الله غيره أيا كانت صورة هذه العبادة كما فعل غلام لأخدود وقومه , قال الله تعالى:" (قتل أصحاب الأخدود (4) النار ذات الوقود (5) إذ هم عليها قعود (6) وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود (7) وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد (8) الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد (9) إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق (10) (البروج)



أين من تبين له الهدى فقبل بعذاب الدنيا وتقطيع الأرجل والأيدي والصلب على جذوع النخل على أن يدخل في سلك الطاغوت وزمرته كما فعل سحرة فرعون لما تبين لهم الحق الذي جاء به موسى , قال الله تعالى:" (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى (71) قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا (72) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى (73)) (طـه)".



إن من استعلى بإيمانه أيقن أن دينه هو لحمه ودمه , أيقن أن المسلم الحقيقي يرضى بالمنية ولا يقبل الدنية , وأنه يرضى بأن يُصلى بالنار ولا يلحقه العار , فهو لا يقبل بالضعف ولا يهادن أعداءه على حساب دينه , قال الله تعالى:" (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد:35)".



فيا طواغيت الأرض مهما فعلتم بنا فوالله لن نلين ولن نستكين حتى ننال إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة , قال الله تعالى:" قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون (52)"(التوبة).



فرحم الله من أرى التحالف الصهيوصليبي وأعوانه من نفسه قوة وشدة وغلظة وعنفوان , فقد اعتدى التحالف وأعوانه على كل مقدس عندنا لا, قال الله تعالى:" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود(29)"(الفتح) , وقال أيضا:" يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير (9)"(التحريم)



اللهم ثبتنا على دينك إلى أن نلقاك واختم لنا بشهادة في سبيلك إنك ولي ذلك والقادر عليه.



والحمد لله رب العالمين



والسلام عليكم ورجمة الله وبركاته



أبو يونس العباسي



9 شعبان


1430هـ

طرابلسي
08-01-2009, 06:33 PM
بارك الله فيك أبا يونس وأثابك الحسنى وزيادة
قمت بنقله لموقع آخر مع الإحالة

الزبير الطرابلسي
08-01-2009, 07:28 PM
جزاك الله كل خير ابا يونس

شيركوه
08-02-2009, 10:29 PM
لدي سؤال
نوعا ما خراج عن الموضوع

كيف نوفق بين الاستعلاء ... وبين قوله سبحانه "وكذلك كنتم من قبل"؟؟