تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الفوز والخسارة في ميزان الله تعالى



أبو يونس العباسي
07-29-2009, 06:23 AM
الفوز والخسارة في ميزان الله تعالى
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي جعل الانتماء لدينه شرفا , ومعاداة مناوئيه للتوحيد شرطا , وتحمل الأذى في سبيله علامة على صدق الإيمان والتقوى , والكفر بالعلمانية واجبا وفرضا , ونشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , أفلح من باع النفس والمال له بيعا , والصلاة السلام على سيدنا محمد طيب النسب أصلا وفصلا , الذي ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله هتكا.
سبب المقال
إن نتائج الثانوية العامة لها طابع غريب على نفس الإنسان يختلف عن غيرها من النتائج , بل إن سعادة الإنسان بالنجاح في هذه المرحلة أعظم من النجاح في مراحل أخرى , وحزنهم بسبب الرسوب في هذه المرحلة أعظم من حزنهم في مراحل أخرى , وكلما تكرر عليّ هذا الحدث أتذكر الآخرة والجنة والنار والفوز بما عند الله أو الخسارة , فتعالوا نغوص في معنى الفوز والخسارة في ميزان الله تعالى.
المعركة الأم التي يدور عليها الفوز أو الخسارة
إن مصطلح الفوز والخسارة مربوط دائما بالمعارك , فطالب الثانوية يخوض معركة مع نفسه في إلزامها بالجلوس الساعات تتلوها الساعات في دراسة منهجه الدراسي , والذي يريد أن يفوز في معركة عسكرية ضد أعدائه فلا بد عليه أن يعد بدنه إعدادا جيدا ويحضر ما يحتاج من عدة مناسبة , قال الله تعالى:"وَأَعِدُّوالَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) "(الأنفال) والذي يريد أن يفوز بالجنة لا بد عليه أن يدخل في معركة مع الشيطان يصبر فيها على أوامر الله ونواهيه , حتى يقتل أو يموت فيفوز بما عند الله , وهذه المعركة الدائرة بين الإنسان والشيطان قائمة منذ خلق الله آدم وزوجه حواء , قال الله تعالى:" قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)"(الأعراف) , وليعلم الجميع أن المعارك مع الكافرين والمشركين هي في حقيقتها تابعة للمعركة مع الشيطان فكل كافر يعمل في خدمة أجندة الشيطان ,قال الله تعالى:"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)"(المجادلة) وكل موحد يعمل في خدمة منهج الرحمن – سبحانه وتعالى - , قال الله تعالى:"لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(22)"(المجادلة) , وعلى هذا فليعلم كل موحد أن أعداء الله إنما يقاتلوننا أصالة من أجل أننا بالله آمنا وبالطاغوت كفرنا , قال الله تعالى:" وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)"(البقرة) , وأعداؤنا يكفيهم هذا المبرر لقتالنا , اللهم ثبتنا على دينك ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا , اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور ومن الغواية بعد الهداية , اللهم آميين.
أنواع المعارك في مرحلة ما قبل الفوز
ونحن الآن نتساءل : ما هي المعارك التي لا بد أن يخوضها المسلم ليفوز بما عند الله تبارك وتعالى ؟
أولا:لا بد للإنسان حتى يفوز بما عند الله أن يخوض معركة مع الشيطان , وذلك بالثبات على طاعة الله واجتناب نواهيه وعدم الدخول في طاعته , قال الله تعالى:" إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)"(فاطر)
ثانيا:لا بد للإنسان أن يخوض معركة مع نفسه بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وأطرها على ما يحب الله , وصرفها عما يغضب الله تعالى , قال الله تعالى:"إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)"(يوسف) , وقال أيضا:"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)"(الشمس).
ثالثا:ومن أنواع المعارك التي يخوضها الإنسان مع نفسه معركة التعلم لما أوجب الله علينا تعلمه , قال الله تعالى:"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)"(محمد) , وقال أيضا:" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)"(الزمر) , وقال أيضا:"وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّزِدْنِي عِلْمًا (114)"(طه) , وجاء في السنن أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"طلب العلم فريضة على كل مسلم"
رابعا: ومن أنواع المعارك التي يخوضها الإنسان مع نفسه بعد معركة التعلم معركة العمل فإن علما بدون عمل ضر وما نفع , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)"(الصف) , وقال أيضا:" وَقُلِ اعْمَلُوافَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)"(التوبة) , قال على بن أبي طالب – رضي الله عنه - :"هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل" , وليعلم أن العلم وسيلة لغاية وهي العمل , فعجبا لمن اشتغل بالوسيلة وأهمل الغاية.
خامسا: ومن أنواع المعارك التي يخوضها الإنسان مع نفسه معركة الدعوة إلى ما تعلمه وعمل به , فإن كل مسلم مأمور بالدعوة إلى الإسلام على قدر علمه ووسعه , قال الله تعالى:"وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًامِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)"(فصلت) , وقال أيضا:"قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)"(يوسف) , وأخرج مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمروا أن الرسول قال:"بلغوا عني ولو آية" , وعند أبي داوود من حديث زيد بن ثابت أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:" نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ" , وإن من أعظم الأسباب التي شرع من أجلها الجهاد العسكري الدعوة إلى دين الإسلام , وقال الله تعالى:"قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)"(التوبة) , وقال أيضا:"وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)"(الأنفال).
سادسا: ومن أنواع المعارك التي يخوضها الإنسان مع نفسه معركة الصبر على العلم والعمل والدعوة , فإن من يعمل لهذا الدين لا بد أن يبتلى , ولن يكتمل لك أجر ما سبق من معارك حتى تصبر , قال الله تعالى على لسان لقمان:"يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) "(لقمان) , فإذا ما سأل أحدكم:ما هي المناسبة بين إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين الصبر , فنقول:العلاقة أن كل ما تقدم لا يجدي نفعا إلا بالصبر , وإلا فإنك عند أول مضايقة من الناس بسبب الدين سترفع الرايات البيض وستتوقف عن الطاعات فالصبر هو السبيل للاستمرار في الطاعة وإن عظم الأذى , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُواوَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)"(آل عمران).
سابعا:و لا بد للإنسان أن يخوض معركة مع الهوى , والهوى هو:ما تشتهيه النفس في معصية الله تعالى , فإن كثيرا من الناس اتخذوا من أهوائهم آلهة لهم من دون الله تبارك وتعالى , قال الله تعالى:"أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(23)"(الجاثية) , وجعل الله جنات النعيم لمن أشعل معركة مع هواه وثبت حتى انتصر , قال الله تعالى:"وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)"(النازعات).
ثامنا:ولا بد للإنسان أن يخوض معركة مع المنافقين والزنادقة الذين يريدون النيل من هذا الدين , فنجاهدهم بالحجة والبيان , فإذا ما أظهروا نفاقهم جاهدناهم بالسيف والسنان إذا كانت المصلحة الشرعية تتحقق بذلك , قال الله لمحمد – صلى الله عليه وسلم - في شأن مجاهدة المنافقين :" وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَوَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) "(الفرقان) , وقال أيضا:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)"(التوبة)
تاسعا:" ولا بد للإنسان أن يخوض معركة مع أعداء الدين والملة , الذين يريدون القضاء على الدين وإراقة الدماء وتضييع العقول وهتك الأعراض , والفتك بالذرية وسرقة الخيرات والمقدسات , قال الله تعالى:"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)"(البقرة) , وقال أيضا:"وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)"(النساء), وقال أيضا:" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)"(الحج).
فمن نجح في هذه المعارك جميعا فقد أحرز الفوز الذي ما بعده فوز , قال الله تعالى:"وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)"(النساء)

فاز من باع النفس لله وخسر من بخل بها واتبع هواه
يا أيها الإنسان خلقت لتكون عبدا لله وفقط فلماذا تبخل بنفسك أن تبذلها لربك , قال الله تعالى:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)"(الذاريات) , وكيفية بيع النفس لله بأن يجعل الإنسان حياته بما فيها محراب عبادة لله – سبحانه وتعالى - , وألا يتأخر عن الذب عن هذا الدين , فإذا ثبت على ذلك في خضم الحياة فلا بد وأن توافيه المنية في أثناء عبادته وطاعته وقربه من الله رب العالمين , قال الله تعالى:"قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِيوَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)"(الأنعام) , وحق على من باع نفسه لله أن يفوز بما أعده الله لأصفيائه وأوليائه , قال الله تعالى:"إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىمِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)"(التوبة) , وقال أيضا في حق صهيب الرومي الذي تنازل عن ماله للكافرين مقابل أن يفر بدينه إلى المدينة بجوار إمام المرسلين محمد – صلى الله عليه وسلم - :" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) "(البقرة) .
من أطاع أعداء الملة والأمة ولا يفوز يخسر
كثيرا ما نسمع من بني جلدتنا أنهم يريدون الفوز والنصر والتحضر والتقدم والرقي , في نفس الوقت تراهم داخلين في طاعة التحالف الصهيوصليبي , فليسمعوها مني جيدا:والله لن تفلحوا وأنتم تطيعون أعداء الدين , كيف يفلح من لا يحدث حركة أو سكنة إلا بالرجوع إلى أرباب التحالف الصهيوصليبي؟!!!!
كيف يفلح من نحى شرع الله عن الحكم واستجلب قوانين أرباب التحالف الصهيوصليبي ليحكم بها ويأمر الناس بالالتزام بها والدخول في طاعتها؟!!!
·فإن كان الله أمر نبيه بتقوى الله ونهاه عن طاعة المشركين فبنو جلدتنا أولى بما لا يحصى من المرات بمثل هذا التوجيه والإرشاد , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)"(الأحزاب) , بل إن الله جعل من أسباب الخسارة في الدنيا والآخرة طاعة المشركين فقال::"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوايَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)"(آل عمران) , وقال أيضا:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)"(آل عمران) , ولا بأس من التعرض لسبب نزول هذه الآية ليتضح لنا المعنى المراد منها جيدا:يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا } ، الخطاب عامٌ ، والمراد : نفر من الأوس والخزرج ، { إن تُطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب } ، وهو شاسُ بن قيس اليهودي ، كان شيخاً كبيراً ، وكان عظيمَ الكفر شديد الضغن على المسلمين ، مرَّ بنفر من الأوس والخزرج ، جلوساً يتحدثون ، وكان بينهما عداوة في الجاهلية ، فغاظه تآلفهم واجتماعهم، وقال : قد اجتمع ملأ بني قَيْلَة بهذه البلاد ، فما لنا معهم قرار ، فأمر شاباً من اليهود أن يجلس بينهم ويُذكِّرهم يوم بعاث - وهو يوم حرب كان بينهم في الجاهلية - ويُنشدهم بعض ما قيل فيه ، وكان الظفرُ في ذلك اليوم للأوس ، ففعل ، وتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا ، وقالوا : السلاحَ السلاحَ ، واجتمع من القبيلتين خلق عظيم ، فتوجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال : « أبدعْوَى الجَاهِليةِ وأنا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ، بعدَ إذ أكْرَمَكْم اللّهُ بالإسْلام ، وقَطَعَ به عَنْكُم أمْرَ الجَاهِلِية ، وألْفَ بَينكُم؟ » فعلموا أنها نزغة ٌ من الشيطان وكيدٌ من عدوهم ، فَأَلَقَوا السِّلاحَ ، واستغفروا وعانق بعضهم بعضاً ، وانصرفوا مع الرسول - صلوات الله عليه وسلامه - فنزلت الآية .
من اتبع منهج السلف فقد فاز ومن أعرض عنه فقد خسر
ومنهج السلف هو:منهج محمد وآله وصحبه , ذلكم المنهج الكامل ... منهج التوحيد والجهاد والسياسة والاقتصاد والاجتماع والسلم والحرب , منهج الدين والدولة , قال الله تعالى:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)"(المائدة) , فمن اتبع هذا المنهج فاز ومن أعرض عنه فقد خسر.
قال الله تعالى:"وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) "(التوبة).
ومن الأمثلة على من أعرض: أتباع المناهج البشرية كالديمقراطية والعلمانية والاشتراكية وغيرها من المناهج الوطنية أو المناهج التي انتسبت بهتانا وزورا إلى الدين وقد قامت على البدع الخزعبلات والإحداث في الدين وطلب الدنيا به .
فيا أتباع منهج السلف صبرا وإن أوذيتم فإن مآلكم فوز .... صبرا وإن ضربتم فإن مصيركم فوز ... صبرا وإن سجنتم فإن العاقبة فوز ... صبرا وإن أريقت دماؤكم فالخاتمة فوز ونصر وعزة وسؤدد ... يسؤلونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا.
من قدم الدنيا على الآخرة خاسر وليس بفائز
إن المرض الذي تسبب في حصول الهوان والذل للمسلمين هو حبهم للدنيا وتقديمها على الآخرة , أخرج أحمد في مسنده من حديث ثوبان أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:" يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَىعَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" , والله إن كثيرا ممن قعد عن الجهاد ما قعدوا إلا لأنهم أحبوا الدنيا وقدموها على الآخرة , كثير من حملة العلم ما سكتوا عن كفر الحكام بل ومالئوهم بل ونصروهم على أهل التوحيد والجهاد إلا لأنهم تعلقوا بالدنيا وقدموها على الآخرة , الحكام المرتدون ما دخلوا في طاعة التحالف الصهيوصليبي وحاربوا الإسلام إلا لأنهم قدموا الدنيا وحبها على الآخرة , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)"(المائدة) , الكفرة الفجرة ممن بلغتهم دعوة الإسلام ما صدهم عن الإسلام والإيمان إلا حبهم للدنيا وتقديمهم لها على الآخرة , قال الله تعالى:"وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) "(القصص) , ولذلك كله ولغيره كان من قدم حب الدنيا على حب الآخرة خاسر , قال الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)"(المنافقون) وقال أيضا:" قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْوَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)"(التوبة)
من هو صاحب الحكم على الأشخاص والأقوال والأفعال؟
إن الحكم الحكيم صاحب الحكم هو الله ... والله وحده هو الذي يحق له أن يحكم على أي شيء في هذا الكون , قال الله تعالى:" إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)"(يوسف) , ومن استشرف للحكم من المخلوقات فهو ومن أطاعه ودخل في سرباله مشركون , قال الله تعالى:" وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)"(الكهف) , وعليه:فصاحب الحق في الحكم على شخص ما بأنه فائز أم خاسر هو الله والله وحده , والله قد حكم على من أطاعه ولم يتعد حدوده وآمن بالله وعمل صالحا بأنه فائز , قال الله تعالى:" تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)"(النساء) , وقال أيضا:"إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)"(البروج) .
وجاء كما في السلسلة الصحيحة أن رجلا قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -:إن مدحي زين وذمي شين , فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - :"ذاك هو الله" .
ولا يزال الكافرون ومن دخل في حلفهم يتهمون الموحدين بالخسارة وغيرها من التهم الدنيئة , ومثال ذلك اتهام الوثنيين للمؤمنين من أتباع شعيب – عليه السلام – بالخسارة , قال الله تعالى على لساهم:"وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)"(شعيب) , وقال قوم نوح لبعضهم عن نوح:"وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34)"(المنؤمنون) وهذا ما نلمسه في واقعنا من الافتراءات المتتالية ضد الموحدين , ولا عجب فالظاهر أننا في السنين الخداعات ,أخرج ابن ماجه في سننهعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ " , ولا حول ولا حول ولا قوة إلا بالله , وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ضابط الفوز والخسارة عند الله تعالى
وضابط الفوز والخسارة عند الله تعالى أن من دخل الجنة فقد فاز ومن دخل النار فقد خسر , بل إن من زحزح عن النار زحزحة فقد فاز , فكيف بمن تبوأ المنازل العلا منها , قال الله تعالى:"فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) "(آل عمران), وقال أيضا:" قَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)"(الشورى) , وقال أيضا:" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)"(الأحزاب) , وقال أيضا:" قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)"(الأنعام)
ملامح وجوه الفائزين والخاسرين يوم القيامة
لو قدر لكم أن تشاهدوا طلاب الثانوية يوم يعرف كل منهم نتيجته بين طالب قد بدت معالم الفرحة والسرور على وجهه وبين آخر قد اسود وجهه وبدت عليه ملامح الحزن , وهذا تماما وبشكل أبلغ ما يحدث لمن بشر بالجنة ولمن أعلم بأنه من أهل النار , قال الله تعالى:"يوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)"(آل عمران) , وقال أيضا:"يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)"(هود) , وقال أيضا:"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍمُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)"(عبس)
فوز أبدي أو خسارة أبدية
يستطيع من رسب في الثانوية العامة أن يعيدها ومع بعض الجد والاجتهاد ينجح ويفوز , وقد يدخل من نجح وفاز في الثانوية الجامعة فيرسب , ولكن الأمر يوم القيامة يختلف فمن مات على الكفر والشرك والمعصية يخسر خسارة لا يمكن تداركها , قال الله تعالى:"حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)"(المؤمنون) , وقال أيضا:"وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)"(المنافقون) , وقال الله تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ(8)"(البينة)
اللهم إنا نسألك عيشة أبدية في الجنة ونعوذ بك من عيشة سرمدية في النار .
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محبكم:أبو يونس العباسي
6شعبان
1430هـ