تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سوريا: القاعدة الصلبة في سيناريو التغيير



ابو الفضل ماضي
07-24-2009, 01:28 PM
مقدمة:


يتمتع النظام البعثي في سوريا، بمميّزات وأفضليّات، لم يحظَ بها نظامه الشقيق في العراق، أو أي نظام مماثل في المنطقة العربية، حتى لا يبدو مستغرَباً أن تتهمه واشنطن أثناء ولاية بوش الابن بتقديم التسهيلات لـ"المقاومة العراقية"، أو بغضّ النظر عنها على أقل تقدير، ولا تفعل شيئاً حقيقياً لردعه، سوى بعض كلمات الوعيد التقليدية، وبعض المطاردات الساخنة عبر الحدود. ثم لا تتوقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن تكرار الاتهامات بدعم سوريا لحزب الله وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية المناهضة لفتح، ولا تردّ الصاع صاعين، بل تكتفي ببعض الاستعراضات العسكرية المحدودة (غارات محدّدة أو اختراقات جوية معدودة)، وخصوصاً بعد حرب تموز (يوليو) 2006، وفيها انكشف حجم الأسلحة المتدفقة على حزب الله من طريق دمشق براً وجواً وبحراً، بل نوعية الأسلحة التي لا تتزوّد بها إلا الدول، ويشتريها حزب الله عن طريق النظام البعثي من الأسواق العالمية، كما يتبضّع تجار الجملة ما يحتاجون إليه وفق لوائح الأسعار، فلماذا؟
هل نظام بشار محظوظ إلى هذا الحدّ كما كان نظام أبيه حافظ: تتغيّر التحالفات وتسقط الدول العظمى، ولا يتأثّر وضع النظام الأقلّوي العلوي، ولا يتبدّل دوره في المنطقة؟
ولماذا تسعى إدارة باراك أوباما الآن للانفتاح على دمشق، وقد سبقها إليها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ممهّداً الطريق لعودة الدفء التقليدي بين سوريا والغرب، في وقت تتجه المحكمة الدولية في اغتيال رفيق الحريري إلى تبرئة سوريا واتهام حزب الله وإيران؟
بل لماذا تترافق هذه العودة إلى حضن النظام الدولي مع الحملة البعثية الجديدة على كل مكوّنات الساحة السنية في سوريا، وعلى الجماعات الدينية التقليدية (الخزنوية النقشبندية والقبيسيات مثالاً) وعلى المعاهد الشرعية (معهد الفتح ومعهد أبو النور خاصة)، وعلى كل من كان محسوباً على النظام ويعمل بكل قواه بوقاً لها (محمد حبش مثالاً)، فضلاً عن الحملة الأمنية الشرسة على التيار السلفي الجهادي، والتي تصاعدت في السنوات الأخيرة ابتداءً من خريف 2005، في وقتٍ تحظى به الحوزات الشيعية المتكاثرة بحماية أمنية خاصة إزاء قانون التعليم الديني؟
يأتي الجواب مبكّراً، من ساركوزي نفسه، قبل أكثر من عام، عندما برّر انفتاحه على بشار ومبارك والقذافي، قائلاً بكل صراحة ووقاحة: "علينا أن نختار: إما هؤلاء أو الإخوان المسلمون!"، فإذا كان بديل هذه الأنظمة الديكتاتورية هو حركة الإخوان، أو التيار الإسلامي عامة، فإن الغرب يفضّل بقاء الطغيان على مجيء الإخوان، أو ما هو أخطر منهم، علماً أن حركة الإخوان أثبتت في العراق المجاور أنها أمينة على المصالح الغربية، وضنينة بالتوازنات التي يرسمها الآخرون، وأنها مجرد حزب سياسي كغيره من الأحزاب العلمانية التي تسعى إلى السلطة بأي ثمن.
إن حفلة الانفتاح الغربي والعربي على النظام البعثي في سياقها الاستراتيجي الأعم، هي محاولة واضحة لفصل المسارين السوري والإيراني بعضهما عن بعض، فإذا كانت الضربة الأمريكية أو الإسرائيلية، قادمة عاجلاً أم آجلاً، بعد أيلول (سبتمبر) المقبل، فمن الأفضل أن تنأى سوريا بنفسها عن الآثار التي يهابها الغرب ومعه عملاؤه في العالم العربي، ليس حرصاً على سوريا بل خوفاً على نظامها من أن ينهار في تداعي الأحداث، فيسقط حجر الزاوية في استراتيجية السجن الكبير التي ينفذها نظام البعث هناك بكل اقتدار، منذ ما يقارب أربعين عاماً دون انقطاع.
لكن ما هي الرؤية الاستراتيجية للتيار الجهادي العالمي إزاء وضع سوريا في النظام الإقليمي وموقعها الجيوبوليتيكي الحساس؟ وهل تبقى سوريا ممراً محتملاً للإمدادات أم حان الوقت - أو اقترب -لتغيير استراتيجي جذري؟
إن قاعدة الجهاد لم تضرب النظام السوري مباشرة شرط أن يكفّ شرّه عن المجاهدين، وهو ما يمكن اعتباره عرض اتفاق غير معلن لوقف الاعتداءات المتبادلة[1] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn1)، لكن هل ارعوى هذا النظام وهو يستعد لتقديم ولاء الطاعة مجدداً لأسياده القدامى والجدد؟ بل هل تزحزح الدور التقليدي لهذا النظام حتى في ذروة التوتر بين دمشق وواشنطن بعد اغتيال رفيق الحريري في بيروت في 14 شباط (فبراير) 2005، بدليل أن الاستخبارات الأمريكية التي خطفت الشيخ المجاهد أبا مصعب السوري فرج الله عنه، من باكستان، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، قامت بتسليمه لاحقاً (حسب تقارير جديدة)[2] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn2) إلى الاستخبارات السورية لانتزاع المعلومات منه بالطريقة الوحشية المعهودة، وأبو مصعب السوري غير موضوع حتى على لائحة المعتقلين الأشباح، ولا هو في غوانتنامو من باب أولى؟
إن كل ما سبق من مؤشرات وقرائن، يدفع إلى محاولة استشراف سيناريو التغيير في المنطقة، والدور المركزي لسوريا في هذا التغيير، وموقع الجهاديين فيه، ودلالاته وانعكاساته على الاستقرار الصليبي واليهودي في دول الجوار. وبكلمة واحدة، هو سعيٌ أوليّ لتبيان أهمية التغيير في سوريا بالنسبة للمشروع الجهادي ككل.


مشهد:


إن الشخصية الجغرافية السياسية (الجيوبوليتيكية) لسوريا المعاصرة، أي من دون امتدادتها الطبيعية في لبنان والأردن وفلسطين، هي التي صنعت الاستراتيجية البعثية الانتهازية التي أتقنها حافظ الأسد، في لعبه على خيوط القوى الإقليمية والدولية التي تصارعت طويلاً على سوريا منذ ما بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1943[3] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn3). وهي التي منحت سوريا على الدوام دوراً استراتيجياً أكبر بكثير من قوتها المادية الحقيقية، (اقتصادياً وعسكرياً). واستمر هذا الدور، رغم الهزائم الشنيعة التي تعرّض لها النظام، في الحرب مع إسرائيل، عامي 1967 و1973، ولولا النجدة العراقية المرتجلة في هاتين الحربين لسقطت دمشق دون مقاومة تُذكر.
ولو أمكننا تشخيص هذا الدور، لقلنا إنها الأهمية السلبية التي تتميز سوريا بها عن جيرانها الأقوياء: تركيا في الشمال، والعراق في الشرق، وإسرائيل في الجنوب. وإن تصارع الأضداد عليها أي على موقعها الاستراتيجي المهمّ لاعتبارات غير ذاتية، بل بالنظر إلى ما هو بجواره أو ما يفضي إليه، هو الذي منحها هامش الحركة. فهي وقفت بين تركيا وبين عودة نفوذها القديم إلى الشرق، بعد زوال الخلافة العثمانية، فتحالفت مع المعسكر الشيوعي عامة، بينما انضمت أنقرة إلى حلف شمال الأطلسي خلال الحرب الباردة. وهي كانت حجر عثرة أمام الحلم الهاشمي بالجمع بين العراق والأردن وبقية منطقة الهلال الخصيب في دولة واحدة، كان الإنكليز وعدوا بها الشريف حسين إبان ثورته على الآستانة، خلال الحرب العالمية الأولى، ولذلك نشأت العلاقة الخاصة بين حكام السعودية وسوريا، لأن آل سعود توجّسوا دائماً من يقظة المشروع الهاشمي الذي قد يفتح الباب على المطالبة باسترداد الحجاز. وسوريا على تماس جغرافي كبير مع إسرائيل، لذلك احتاجت إليها مصر بشدة أثناء الحروب الماضية، كي تضطر إسرائيل إلى شطر جيشها إلى نصفين وعلى جبهتين، في أي صراع مع مصر، لكن المفارقة تكمن في أن الجبهة الوهمية هي سوريا، مع أن هضبة الجولان كانت موقعاً استراتيجياً خطيراً ومهدّداً لإسرائيل، فيما كانت الجبهة الحقيقية مع مصر، رغم أن صحراء سيناء هي عائق جغرافي طبيعي يحمي إسرائيل من ناحية الجنوب، وظلّ لبنان كقطعة مسلوبة من سوريا، موضع ابتزاز دائم، وعليه تدور المقايضات مع دمشق: وقف التدخل السوري فيه مقابل الحصول على مكاسب من دول الغرب كما من بعض العرب!
فلما استؤنف المدّ الإسلامي مجدداً، عقب انكسار القومية العربية، في حرب حزيران (يونيو) عام 1967، وخصوصاً منتصف السبعينات. حصل نظام حافظ الأسد على مهمة جديدة، وهي قمع التيار الإسلامي بكل قسوة، مستفيداً من موقعه العلوي الأقلّوي، لتبرير ما يحدث في الداخل على أنه فتنة طائفية، وليحصل على تبريكات الغرب له، باعتباره متولياً للمهمة نيابة عنه، وعلى رأس الأنظمة العربية المعادية للإسلام.
ولما قامت ثورة الخميني عام 1979، نشأت علاقة خاصة بين إيران وسوريا، تقوم أساساً على القرابة المذهبية، الاثنا عشرية من جهة، والعلوية إحدى المشتقات الرافضية الأكثر تطرفاً من جهة أخرى، ودون أن تخالف هذه العلاقة، المبدأ الاستراتيجي الذي قام عليه النظام البعثي، وهو رعاية التوازنات بين القوى الإقليمية المتصارعة في سوريا وعليها. لذا، حين وقف معظم العرب بقوة وراء العراق أيام صدام حسين، ارتأى حافظ الأسد مساندة الخميني، حتى يمنع انهيار النظام الجديد من جهة، وكي يعرقل تضخم العراق كقوة عربية وإقليمية قادرة لاحقاً على دمج سوريا في فلكها، بوجود كتل سنية كبيرة مستعدة للتوحد مع العراق، من جهة أخرى.
وفي هذا السياق الاستراتيجي نفسه، برزت مسألة التشييع في سوريا، كأداة من أدوات التقارب السوري مع إيران وشيعة لبنان، وكوسيلة من وسائل الحفاظ على الهيمنة العلوية في وسط سني أكثري، ومن أجل تعزيز دور العلويين وإحياء كيانهم الديني. ولكن حافظ الأسد، أخضع عملية تشييع العلويين، أو استرداد العلويين النصيريين إلى المنظومة الاثني عشرية، لحسابات دقيقة من التوازنات الإقليمية وتوازن العلاقة بين الشرق والغرب، إلى أن سقط الاتحاد السوفياتي رسمياً عام 1991. وكان حافظ قد وضع نفسه بتصرف الولايات المتحدة في حرب الخليج، مشاركاً فيها ضد صدام في الكويت، كإشارة إلى التبدّل الجذري في العلاقات الدولية، واستباقاً منه للتغيير الآتي لا محالة. وعليه، توسعت عملية التشييع، كماً ونوعاً، فتكثّف بناء الحوزات والسيطرة على الأضرحة والمقامات، ولم يعد العلويون وحدهم هدف الحملة المبرمجة، بل صار أهل السنة تحت المجهر أيضاً بتسهيل رسمي. وما أن مات حافظ عام 2000 وخلفه بشار، حتى دخلت سوريا مرحلة مختلفة، حين اختار بشار الانحياز تماماً إلى المشروع الإيراني في سوريا ولبنان، ومعه تفاقمت حملة التشييع السياسي والديني، واختفت في عهده استراتيجية التوازن القلق بين المتصارعين على سوريا[4] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn4). وعليه، انفرط عِقْد ما كان يسمى خلال عهد حافظ، بالمحور السوري المصري السعودي، الذي حكم العالم العربي منذ حرب الخليج عام 1991. وإذا كان هذا المحور يمثّل المصالح المتقاطعة للأنظمة الثلاثة، والهدف منه تعظيم دور السعودية وتطويق العراق، وتعزيز دور سوريا إقليمياً وتجاوز الأردن، وإيجاد موطأ قدم لمصر شرقاً رغم الصلح مع إسرائيل، فإن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، غيّر تلكم المعادلة وباعد بين المصالح، فاقتربت سوريا من إيران إلى أقصى درجة ممكنة حدّ التزام المصير الواحد. نشأ محور الاعتدال، حيث احتلت الأردن مكان سوريا. وقام مشروع مضاد سماه الملك الأردني مطلع عام 2005، "الهلال الشيعي"، ويضم إيران والعراق ما بعد صدام وسوريا ممتداً إلى لبنان وفلسطين، ومهدّداً بطريقه دول الخليج والأردن ومصر. وكانت نقاط الصدام الساخن بين هذين المحورين، العراق ولبنان وفلسطين. ففي العراق، هيمنت الميليشيات الشيعية على مقاليد الحكم، بدعم من واشنطن وطهران، وهُمّش أهل السنة في كل المجالات، فتولت السعودية والأردن مهمة تطويع بعض العشائر والفصائل السنية لإقامة بعض التوازن، واستبعاد الجهاديين من المعادلة. وفي لبنان بلغ حزب الله نفوذاً غير مسبوق، فسقط الرجل الأول للسعودية رفيق الحريري في عملية اغتيال معقدة، من حيث التخطيط لا التنفيذ، وتولى محور الاعتدال دعم قوى 14 آذار، وتسويقها لدى إدارة جورج بوش. وفي فلسطين، تمكنت حماس من الاستقلال بقطاع غزة، بعد عملية عسكرية منسّقة ضد أجهزة فتح عام 2007، فتآلفت جهود محور الاعتدال وقوى الغرب قاطبة إضافة إلى إسرائيل، لدعم سلطة أبو مازن في الضفة الغربية، ووقف انهيار الأجهزة الأمنية.
أما الحصيلة الراهنة لست سنوات من تصادم المحورين، فتبادل الضربات المؤلمة، والتعادل التقريبي في الفشل، فلم يتمكن الهلال الشيعي بعد من تثبيت أقدامه في مناطق النفوذ رغم أرجحيته في العراق وسوريا ولبنان، ولم ينجح محور الاعتدال مدعوماً بإسرائيل والولايات المتحدة من استئصال نفوذ المحور الآخر في مناطق الصدام، من خلال حرب تموز (يوليو) 2006 في لبنان، وحرب غزة أواخر عام 2008. أما العامل المجهول الذي يعقّد الحسابات الاستراتيجية المتضاربة، وهو قادر في لحظة مؤاتية على أن يقلب المشهد كله، فهو التيار الجهادي النابض بقوة في العراق رغم الضربات القاسية، والجهاد الكامن في بلاد الشام، والذي لم يكشف عن قوته بعد، رغم ملحمة نهر البارد، عام 2007. والسؤال هو عن الخطوة المقبلة؟


رؤية:


- ركّز التيار الجهادي جهده الرئيسي في جبهة العراق، منذ عام 2003، وقد وضع فيها طاقات وإمكانيات كبيرة. وطوّر مشروعه السياسي الاستراتيجي من خلال إعلان دولة العراق الإسلامية، لكن الموقع الجغرافي الحساس للعراق، وضخامة المصالح الاستراتيجية فيه بالنسبة لقوى دولية وإقليمية، (النفط خاصة)، دفع أعداء المشروع من كلا المحورين الآنف ذكرهما، إلى محاولة تطويق الجهاد واختراقه وتطويعه كلّ بطريقته وأسلوبه وعملائه. وعليه، سمحت الامتدادات العشائرية التقليدية بين العراق وكلٍّ من الأردن والسعودية، إضافة إلى العلاقات التي تربط سوريا ببعض القوى البعثية والقومية المتلبّسة بالإسلام في العراق، بحصول اختراقات كبيرة في الوسط السني، ما أتاح قيام ظاهرة الصحوات، والتي قامت بإلهاء الدولة الإسلامية وتبديد جهودها، بمعنى شراء الوقت للاحتلال الأمريكي كي يرتّب أوراقه، ولحكومة المالكي كي تجهّز قواتها، ولإيران وسوريا حتى يعزّزا نفوذهما الإقليمي.
- وعليه، تحولت طبيعة الصراع بين المجاهدين والصليبيين وأعوانهم في العراق، من معركة تقرير مصير المنطقة، إلى حرب استنزاف متبادل، وذلك منذ مطلع عام 2007، فيما استفادت إيران وسوريا من المأزق الأمريكي لتحقيق مكاسب إضافية في مناطق النفوذ الطَرَفية، في أفغانستان شرقاً، وفي إمارات الخليج جنوباً، وفي لبنان وفلسطين، على امتداد الهلال الشيعي. ومع احتدام المعركة في باكستان وأفغانستان، عادت إيران لتعرض على الولايات المتحدة التعاون مجدداً ضد طالبان والقاعدة، فيما جدّدت سوريا استعدادها للإسهام في استقرار العراق، بمقابل تحسين وضعها التفاوضي مع إسرائيل، وفي مواجهة المحكمة الدولية بخصوص اغتيال الحريري. ومع انفتاح باراك أوباما، خليفة بوش، على الحلول الدبلوماسية مع إيران قبل اللجوء إلى الحرب، وتغييره الاستراتيجية العامة عبر سحب القوات الأمريكية من العراق تدريجياً والتركيز على أفغانستان، بدأ التقارب الجادّ بين محور الاعتدال وسوريا، على أمل الفصل بين دمشق وطهران، استعداداً للحظة الحقيقة، حين تنفجر الحرب المتوقعة.
- والتطور الأبرز في السياق الآنف ذكره، هو تقرير صحيفة دير شبيغل الألمانية، الذي يدّعي الإلمام بتحقيقات المحكمة الدولية، وفيه أن المجموعة التي اغتالت الحريري، تابعة لوحدة خاصة في حزب الله، وأن لواء القدس التابع للحرس الثوري هو الذي تولى عملية الإشراف على الاغتيال[5] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn5). وجاء ذلك، بعد إطلاق سراح الضباط الأربعة، مسؤولي الأجهزة الأمنية اللبنانية خلال فترة اغتيال الحريري، دون توجيه اتهام لهم. وكان اعتقالهم حجر الزاوية لاتهام مرتقب ضد نظام بشار، ما دلّ على قرب صدور القرار الظني ضد عناصر من حزب الله بارتكاب العملية (وإيران ضمناً)، مع ما يترتب عليه من تداعيات خطرة في لبنان وسوريا معاً، بالنظر إلى التحالف الإيراني السوري الوثيق، وعلاقة حزب الله المميزة مع السلطات السورية والتي لا يمكن فكّها بسهولة.
- وسواء كانت سوريا متورطة رسمياً باغتيال الحريري أم لا، أو كان التيار الشيعي الإيراني في النظام العلوي متواطئاً بالضرورة مع حزب الله والحرس الثوري، فإن حرص الغرب ومحور الاعتدال على إخراج بشار من دائرة الاتهام، حتى قبل صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية، يؤكد أهمية سوريا الآن ومستقبلاً. وهذا يرجّح الرأي بأن سوريا حالياً هي مركز الثقل في الإقليم، في أي مشروع استراتيجي. فلسوريا دور حاسم في منظومة الاستقرار، كما لها دور أساسي في مشروع التغيير حين يأتي وقته. وقد أثبتت الأحداث في العراق، أن الصراع هناك بوجود عناصر تأثير مضادة من دول الجوار، لا يمكن أن يكون حاسماً في عملية التغيير، بل إن تنافس الأضداد يؤدي إلى المراوحة، في حين أن سوريا بموقعها الجغرافي المميز، يمكن أن تكون دون سواها ممراً للتغيير، دون أن تكون بالقدر نفسه مركز جذب للتأثيرات الخارجية المضادة. فالمصالح المادية ليست متوافرة في سوريا، كما هي موجودة في العراق، وهي نقطة الجذب الرئيسية لأي غزو عسكري مكلف. وأهل السنة هم الأغلبية المهضوم حقها في سوريا، ومجموع الرافضة فيها من علويين وشيعة ومتشيعين، لا يزيد عن الربع في أسوأ الاحتمالات[6] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn6)، حتى لو كانت الأقلية هي المسلحة والأكثرية دون سلاح، ما يعني أن مخطط التغيير يستند إلى قاعدة شعبية صلبة، لم تتوفر في أي وقت في العراق. كما سيكون لسقوط النظام أو تهاويه في الفوضى، أثر مباشر على الكتلة السنية المجاورة في العراق ولبنان، والتي ستتحرّر من القيود التي تكبّل حركتها، وستجد في سوريا الحرة، مجالاً مهماً للحركة والإمداد، بحيث تتحقق الغلبة ديموغرافياً بشكل حاسم على شيعة العراق وسوريا ولبنان معاً.
- كما أن سقوط سوريا، وهي الحلقة الوسيطة للهلال الشيعي الإيراني الممتد إلى لبنان وفلسطين، وهي كذلك الباحة الخلفية للعراق حيث يستمر المشروع الأمريكي في صراعه الطويل مع القاعدة، كفيل بتوجيه ضربة ماحقة للمشروعين معاً. فمن ناحية، ينقطع الإمداد البري من إيران إلى حزب الله في لبنان، وهي الطريق الأكثر حيوية، من المواصلات الجوية أو البحرية، فتتراجع تدريجياً قوة حزب الله إزاء القوة السنية المتعادلة مع الشيعة ديموغرافياً، مع تفوق بسيط بالآلاف. ومن ناحية أخرى، يصيب الأمريكيين في العراق ما أصابهم في أفغانستان، حين امتدت الجبهة إلى باكستان ما وراء الحدود، وصارت النار تأتيهم من خلفهم، فتضيع خططهم والجهود. والأهم من ذلك، أن المشروع الجهادي سيحصل على تماس مباشر مع إسرائيل، وفي منطقة مثالية لحرب العصابات وهي هضبة الجولان المحتلة، ومن دون الاضطرار لخوض صراع مكلف لتجاوز المعاقل الشيعية في جنوبي لبنان.
- وما يدعو بإلحاح إلى ما سبق، أن كلا المحورين يستفيدان من تجميد الكتلة السنية السورية، سواء في السماح لشيعة العراق ولبنان بالتحكّم بمصائر هذين البلدين، أو تجنيب إسرائيل خطر الجبهة الشرقية الهادئة بإشراف الحكم العلوي. كما أن وجود غالبية سنية الآن في سوريا، لا يجب أن يبرّر السكون. فرغم أن مجموع المتشيعين من العلويين والإسماعيليين والسنة في سوريا، يبلغ 75 ألفاً فقط، ما بين 1919 و2007، منهم 16 ألفاً من أهل السنة في الفترة نفسها، إلا أن وتيرة التشييع تسارعت أيام حافظ (89 مرة عما قبله)، وتفاقمت في عهد بشار (1,6 مرة عما هو في عهد أبيه). وإذا استمر معدل التشييع سنوياً عما هو عليه، فسيبلغ عدد الشيعة في سوريا خلال عشرين سنة، 550000 ألفاً من أصل 30 مليوناً. والأخطر أن الحملة في عهد بشار تستهدف - إضافة إلى الساحل السوري حيث الأقلية العلوية - منطقة الجزيرة بنسبة 55%، بعدما كانت النسبة 6%، في عهد حافظ. وإذا علمنا أن معظم الجنود والضباط الذين ارتكبوا مجزرة حماة وسواها في فترة الثمانينات، ينتميان إلى تلك المنطقتين، وأن ثمة روابط قربى بين سكان الجزيرة السورية والقبائل الشيعية في الجانب العراقي، لتبين أن المخطط الإيراني يهدف إلى تكوين قاعدة شعبية منظمة لحماية النظام العلوي، وإلى استكمال الهلال الشيعي[7] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn7). وهو ما يعني بالإجمال، أن الوقت ما زال متاحاً لإحباط المشروع قبل استفحاله، وعلى أن لا تتكرر تجربة العراق.


[1] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref1) - طالع الجزء الثاني من أجوبة أسد الجهاد2 تحت عنوان "بشائر للمؤمنين وزلزلة للطواغيت والكفار والمنافقين" في 7 شباط (فبراير) 2009.


[2] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref2) - أول إشارة ظهرت عن مكان اعتقال أبي مصعب السوري، جاءت في خبر لوكالة رويترز في 10 حزيران (يونيو) العام الحالي، نقلاً عن محامي الدفاع وناشطين في حقوق الدفاع.


[3] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref3) - للمزيد، يمكن الاطلاع على كتاب "الحرب الخفية في الشرق الأوسط، (الصراع السري على سورية، 1949-1961)، لأندرو راثميل، ترجمة عبد الكريم محفوض، دار سلمية للكتاب، الطبعة الأولى عام 1997.
http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=017404.pdf (http://al-mostafa.info/data/arabic/depot3/gap.php?file=017404.pdf)



[4] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref4) - أنظر الدراسة القيمة الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات السورية، تحت عنوان "البعث الشيعي في سورية، 1919-2007"، http://forsyria.org/newsletterpdf/ShiiasmInSyria.pdf (http://forsyria.org/newsletterpdf/ShiiasmInSyria.pdf)


[5] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref5)- http://www.spiegel.de/international/world/0,1518,626412,00.html (http://www.spiegel.de/international/world/0,1518,626412,00.html)


[6] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref6) - بعض الإحصاءات تجعل أهل السنة حوالي 80% فيما يحاول العلويون خفض هذا الرقم وتضخيم عددهم.


[7] (http://www.al-faloja.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftnref7) - البعث الشيعي في سورية، ص 120، 130، 131، 132، 133.