تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التهدئة في الإسلام .... شروطها وضوابطها



أبو يونس العباسي
07-23-2009, 02:51 PM
التهدئة في الإسلام .... شروطها وضوابطها

أبو يونس العباسي

الحمد لله الذي جعل الانتماء لدينه شرفا , ومعاداة مناوئيه للتوحيد شرطا , وتحمل الأذى في سبيله علامة على صدق الإيمان والتقوى , والكفر بالعلمانية واجبا وفرضا , ونشهد أن لا إله إلا الله , وحده لا شريك له , أفلح من باع النفس والمال له بيعا , والصلاة السلام على سيدنا محمد طيب النسب أصلا وفصلا , الذي ما كان يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله هتكا.

ما هو المقصود بالتهدئة؟

وضع القتال أو ترك الحرب مدة مؤقتة بين جماعتين متحاربتين.

والتهدئة هي مصطلح حديث يساوي ما يسميه العلماء في كتب الفقه بالهدنة , والأولى التعبير عن الحقائق بألفاظها الشرعية , فإن هذا من أوجه الحفاظ على هويتنا الإسلامية وافتخارنا بها كما إنه من مظاهر الاتباع .

ما هو حكم التهدئة؟

التهدئة من حيث العموم جائزة بإجماع المسلمين بشروطها الشرعية.

وهكذا لا بد على المسلم أن يزن أموره , بإرجاعها إلى نصوص الشرع , وإلا فإن من لم يحكم الشرع في أموره ليس بمؤمن بالله ولا باليوم الآخر , قال الله تعالى:"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)"(النساء) , وقال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)"(النساء) , ولكن الأنظمة العربية إذا ما أرادت عقد مثل هذه المعاهدات كانت مرجعيتهم أهواؤهم ومصالح فروجهم وكروشهم , وأما الفلسطينيون فإن مرجعيتهم في عقد هذه الاتفاقيات بالإضافة إلى ما سبق موافقة الفصائل الفلسطينية , فإن وافقت الفصائل كان بها , وإن لم توافق فلا معاهدة , فصارت مرجعيتنا الوفاق الوطني والفصائلي , لا منهج الله العلي , قال الله تعالى:"وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)"(النساء)

فهل عقد الرسول معاهدات مع الكفار؟

نعم ومثاله ما جرى في صلح الحديبية , ومعاهدته مع بني مدلج , ومعاهدته مع بني ضمرة أيضا.

ولقد صالح الرسول يهود خيبر على أن يعملوا في الأراضي المفتوحة ولهم نصف الثمرة وللرسول – صلى الله عليه وسلم - ولمن يخلفه إخراجهم متى ما رأى ذلك.

فهذه معاهداته صلى الله عليه وسلم قائمة بيننا مبثوثة في كتب السيرة , فأين من يتنسم فقهها ويسير على هديها في معاهداته ؟ بدل ما نراه من الخبط خبط عشواء فيما يتعلق بهذا الأمر من قبل العلمانيين ومن يشتمل عباءة الإسلام من الإسلاميين , قال الله تعالى:"لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)"(الأحزاب"

ما هي العلاقة بين التهدئة والمصلحة؟

وقبل تبيين العلاقة بين الهدنة والمصلحة لا بد أن نعرف ما هي المصلحة؟

والمصلحة هي:جلب منفعة أو دفع مضرة مضبوطة بنصوص الشرع ومقاصده.

وعليه فلا بد أن تنطلق التهدئة أو الهدنة من منطلق المصلحة الشرعية , والمصلحة الشرعية هي: ما ليس فيها مخالفة لنصوص الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة – رضي الله عنهم -.

وأما اليوم فالناس ينطلقون في إجازة مثل هذه المعاهدات على المصالح الذاتية التي تتوافق مع شهواتهم ونزواتهم ومكاسب أحزابهم وحركاتهم , ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولعل من المصالح الشرعية للمعاهدات والاتفاقيات مع الكفار أنها قد تكون فرصة من فرص الإعداد ووسيلة من وسائل الاهتمام بالدعوة وإيصالها للناس وترسيخها في قلوبهم , ولقد جاء عن بعض صحب الرسول – صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا:ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية , فلقد كان عدد المسلمين يوم الحديبية 1400 رجلا وكانوا يوم الفتح 10000 رجلا.

قال الإمام الزهري عن صلح الحديبية: "فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضاً والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالأسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيـه ، ولقد دخل في تلك السنين ما كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر".

وعقب عليه ابن هشام بقوله: "و الدليل على قول الزهري أن رسول الله خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة ، ثم خرج في عام الفتح بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف .

قال سيف الدين القفال:لا يجوز عقد الهدنة إلا أن يكون فيها مصلحة للمسلمين.

قال ابن قدامة:فمتى رأى الإمام المصلحة في عقد الهدنة , جاز له عقدها فترة معلومة وإن طالت.

ما هي شروط التهدئة؟

1ــــ أن يتولى كبرها ولي الأمر الشرعي أو من ينيبه.

وقال بذلك:ابن قدامة وأبو القاسم والشافعي والنووي.

قال القزويني:الإمام يجتهد ويحافظ على الأصلح من الإجابة والترك.

وتكون هذه الهدنة والمعاهدة ملزمة للمسلمين ممن هم تحت كنف الدولة الإسلامية أما من كان خارجا عن هذا الكنف فليس ملزما , والدليل قصة أبي بصير أبي جندل ، حيث شكلا كياناً سياسياً مستقلاً في منطقة سيف البحر ومعهم سبعون من المسلمين بعد صلح الحديبية ، حيث فروا من مكة بعد إعلان إسلامهم ولم يستطيعوا دخول المدينة بسبب شرط صلح الحديبية الذي يُلزم النبي بردهم ، فنزلوا نحو الساحل وأقاموا هناك ولم يلتزموا بصلح الحديبية ، كما لم يطلب مشركو مكة الدّية من رسول الله على قتلهم جماعة من أهل قريش ، فقد اعتبرهم أبوسفيان خارج سلطة الدولة الإسلامية ، كما أنهم لم يكونوا مواطنين في الدولة الإسلامية ، وقد دخلوا إلى الدولة الإسلامية وإلى المدينة المنورة بعد أن تنازل كفار قريش عن شرطهم في صلح الحديبية بوجوب ردّهم إليهم ، وهذا ما يُوافق القانون الدولي في عصرنا ، فالصلح الذي تعقده الدولة يشمل مواطنيها فقط .

ولكن أين هو الإمام أو ولي الأمر الشرعي الذي يمكنه أن يبرم مثل هذه الاتفاقيات , وإلا فهل يجوز لكافر يحكم بالقانون ويتحاكم إليه أو يرتكب أي ناقض من نواقض الإسلام أن يمثل المسلمين في مثل هذه الاتفاقيات , وعليه أقول:إن أي اتفاقية تبرمها حكومة كافرة لا يجب على المسلم أن يلتزم بها لأن طاعة ولي الأمر مشروطة بكونه مسلما يدير دفة الدولة بالكتاب والسنة عاملا بشروط التوحيد مجتنبا لنواقضه.

2ــ أن يكون للمسلمين في التهدئة مصلحة وحاجة راجحة.

قال الغزالي عن الهدنة: لا بد أن يكون للمسلمين بها حاجة.

3ــ الخلو من الشروط الفاسدة , وهي كل شرط خالف نصا شرعيا , أو فوت مصلحة عامة للمسلمين , وذلك كشرط معاونة الكفار مثلاً على المسلمين، وهذا لعله أن يكون موجودًا في عدد من المهادنات والمصالحات التي تعقد اليوم وأمس وغدًا.

أخرج البخاري من حديث عائشة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:"مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ." , وهنا أتساءل : هل إخراج الضفة من هذه الهدنة أمرا يقره الشرع ؟

وتخيلوا لو أن المشركين قالوا للرسول – صلى الله عليه وسلم - :نحن معك في هدنة , وأما فلان وفلان وفلان من أصحابك فلا تشملهم هذه الهدنة أكان سيوافق؟!!! .

أليس فصل الضفة عن غزة من تكريس الفرقة وتقزيم القضية , وتضييع مفهوم الولاء الذي يعد من أسس العقيدة , حقا:إن من يرضى أن تكون التهدئة لغزة دون الضفة محتاج إلى أن يراجع قول الله تعالى:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (10) "(الحجرات) , وليراجع أيضا ما جاء في صحيح مسلم من حديث النعمان ان الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال" مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"

4ــ أن تكون مدتها محدودة بزمن، حتى قال كثير من الفقهاء: لا يجوز عقد هدنة أكثر من عشر سنوات؛ لأنها أقصى مدة عقد النبي - صلى الله عليه وسلم- فيها صلحًا مع قريش في الحديبية، وهو اختيار الشافعي.

وقيل : يجوز بأكثر من عشر سنين وهو قول أبي حنيفة، وذكر ابن قدامة:أن عقد الصلح المطلق يفضي إلى إبطال الجهاد.

وقال الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه – :لا يجوز في الهدنة أكثر من عشر سنين ، فان زاد على عشر بطل في الزيادة وإن هادنهم مطلقاً لم يصح.

ونحن الآن في غزة يقولون لنا هناك وقف لإطلاق النار , ويمنع المجاهدون من الجهاد بناء على هذا ونحن لا ندري والله متى سينتهي هذا الوقف , أتكون لعبة إطلاق وقف النار من جانب واحد لعبة إبطال الجهاد الذي بات يضر اللعبة السياسية الوضعية للكثيرين؟ اللهم لا تقبضنا إلا وأنت راض عنا.

ثم إن هذا الذي يطرح في المعاهدات مع اليهود الآن هو الاعتراف الحقيقي بالوجود الدائم لليهود، وأنهم جزء من هذه المنطقة، وأن لهم الحق في البقاء فيها، وأنهم ينبغي أن يكوِّنوا مع العرب والمسلمين تكاملاً ثقافيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، إلى غير ذلك....

5ــ أن تكون شروط هذه المعاهدة واضحة لعموم المسلمين , وهذا توفر في عهود النبي – صلى الله عليه وسلم - إن كان مع اليهود في المدينة أو مع الوثنيين من أهل قريش في صلح الحديبية المشهور.

وهذا ما ليس موجودا فنحن لا نعلم عن شروط الاتفاقيات فهي تبرم في خفاء وتجدد في خفاء.

وأن تكون المعاهدة بحد ذاتها بينة الأهداف، واضحة المعالم، تحدد الالتزامات والحقوق تحديدًا ما يدع مجالًا للتأويل والتخريج واللعب بالألفاظ، وما أُصيبت معاهدات الدول المتحضرة التي تزعم أنها تسعى إلى السلم وحقوق الإنسان بالإخفاق والفشل، وكان سببًا في لنكبات العالمية المتتابعة إلَّا عن هذا الطريق، طريق الغموض والالتواء في صوغ المعاهدات وتحديد أهدافها، وفي التحذير من هذه المعاهدات يقول الله تعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [النحل: 94]، والدخل: هو الغش الخفي يدخل في الشيء فيفسده).

وإن من يتواصل مع اليهود في الخفاء يحق لنا أن نخاف على دينه ومبادئه وثوابته , ولا يلومننا إذا ما شككنا فيه , فرحم الله امرءا جب الغيبة عن نفسه , ولنعلم جميعا أن بني علمان أتباع حركة فتح ما كانوا خونة في بادئ الأمر حتى استدرجوا إلى مستنقع الخيانة عبر غرف المفاوضات السرية , فالحذر الحذر من الشيطان وخطواته , قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)"(النور) , ولا يثقن أحد بنفسه ثقة تتجاوز الحدود فإن الله قال لنبيه وهو هو :"وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)"(الإسراء)

فإن كان ولا بد من المفاوضات فلتكن أولا بطريقة غير مباشرة , وثانيا أن يضطلع الشعب المسلم على أسسها وأركانها والهدف منها , وذلك حتى لا نقع في حبائل الشيطان.

6ــ ويشترط في مثل هذه المعاهدات أن يطلبها العدو الكافر , لا أن نستجديها نحن منه , قال الله تعالى:" وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)"(ألأنفال) , وقال أيضا:" فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)"(محمد) , وما حدث أن طلب الرسول – صلى الله عليه وسلم – مسالمة عدوه , إلا ما حدث في الأحزاب عندما أراد – صلى الله عليه وسلم – أن يعطي غطفان شطر تمر المدينة مقابل أن ينفضوا عن حلف قريش الذي هاجم المدينة .

جاء في كتاب (المغازي النبوية) لابن شهاب الزهري ما نصـه:

"أرسل النبي إلى عيَينـه بن حِصن بن بدر الفزاري ، وهو يومئذ رأسُ المشركين من غطفان، وهو مع أبي سفيان: أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمار الأنصار ، أترجعُ بمن معك من غطفان، وتخذل بين الأحزاب؟" , وقال النبي للأنصار معللأً هذا التصرف بقوله:

(ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوسٍ واحدة ، وكالبوكُم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلى أمرٍ ما ..) وقال الأنصار: (ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ...".

هذا ، ولم تتم المعاهدة ، وصمد المسلمون ، وانفك الحصار عن المدينة بعون الله تعالى .

ويستفاد من خبـر هذه الغزوة ـيما يل:

أ – أنه يجوز للدولة الإسلامية – عند الحاجة أو الضرورة – أن تبذل المال للأعداء لدفع ضرر عن المسلمين هو أكبر من ضررِ ما يُدفع من المال للكفار ، وذلك استناداً إلى مفاوضة النبي لغطفان في الصلح ، بناءً على ذلك ، وإن لم يقع ذلك الصلح ، لأن المفاوضة حول هذا الأمر دليل الجواز – كما صرح بذلك فقهاء المذاهب. وعلى كل لو طلب المسلم مسالمة عدوه لكان قد تخلى عن موقف القوة إلى الضعف والله يقول:" وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)"(المنافقون) , ومن كان عبدا لله فإنه يأوي لركن متين ولقد علق الرسول على قول لوط لقومه:"قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ" , لقد كان يأوي إلى ركن شديد ألا وهو الله .

وقال ابن قدامة الحنبلي: "وأما إن صالحهم – أي صالح الإمام الكفار – على مالٍ نبذله لهم ، فقط أطلق أحمد القول بالمنع منه ، وهو مذهب الشافعي لأن فيه صغاراً للمسلمين ، وهو محمول على غير حال الضرورة ، فأما إن دعت إليه ضرورة وهو أن يخاف على المسلمين الهلاك أو الأسر فيجوز"
ولا ننسى هنا الهدنة التي عرضها الإمام ابن لادن على التحالف الصهيو صليبي ولكنهم رفضوها لأنهم يريدون معاهدات هم من يبرمون شرةطها لا الطرف المسلم.


ما هو واجب المسلمين نحو المعاهدات والمواثيق؟

والواجب على المسلم في مجال المعاهدات الالتزام بها وعدم الغدر , قال الله تعالى:"وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)"(الإسراء) , وقال أيضا:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)"(المائدة) , وهذا في حالة استيفائها للشروط الشرعية فإن لم تستوف الشروط فواجب المسلم نحوها ما يلي:

1- الواجب الأول: هو اعتقاد بطلانها وأنها لم تضمنته من الشروط الباطلة وقعت باطلة، وولدت يوم ولدت ميتة، لأن المسلم لا يجوز أن يشارط الكفار على ترك الجهاد وإسقاط فرضه، ولا على ترك عداوة اليهود، وإيجاب محبتهم ومودتهم.


2- الواجب الثاني: أن يعتقد المسلم أن هذه المعاهدات لا تلزمه، ولا يجوز له تنفيذ شيء من محتواها إلا إجباراً وضرورة فيما يجوز فيه الاضطرار..

3- الواجب الثالث: هو العمل على إسقاطها، وشأنها في ذلك شأن كل منكر وجد على أرض الإسلام يجب إنكاره وفق شروط وضوابط إنكار المنكر من الاستطاعة، وألا يترتب على ذلك منكر أكبر منه، وألا تنكر منكراً بمنكر.

متى يجوز نقض العهود والمواثيق؟

وتنقض المعاهدة بأمور:

1ــ انتهاء مدتها: قال الله تعالى:"فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)"(التوبة)

2ــ إذا شعرنا بخيانة من قبل الطرف الآخر من المعاهدين , قال الله تعالى:" وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) "(الأنفال).

قال ابن قدامة: "فصل وإن خاف الإمام نقض العهد منهم ، جاز أن ينبذ إليهم عهدهم ، لقوله تعالى: "وإما تخافن من قومٍ خيانة فانبذ إليهم على سواء" – الأنفال ، يعني أعلمهم بنقض العهد ، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم ، ولا يكتفي بمجرد الخوف". وقد ربط الإمام الشافعي هذه الآية بآية سورة النساء (واللاتي تخافون نشوزهن) فدل الخوف على اليقين بحصول إمارة على الخيانة ونقض العهد .

ويقول الدكتور عبد الله الأهدل: "إذا ظهرت إمارات الخيانة من العدو فعلى المسلمين أن يطرحوا إليهم عهودهم بوضوح تام حتى يكونوا على علم مساوٍ لعلم المسلمين ، بأنهم لم يعودوا في حالة سلم ، بل أصبحوا في حالة حرب ، كما كانوا قبل المهادنة ، وهذا من محاسن الإسلام والمسلمين ، فالإسلام دين أمانة لا خيانة ، وصدق لا كذب ، ووفاء لا غـدر ، بخلاف أعدائهم في ذلك كله.

وقال ابن العربي – رحمه الله: ": إن قيل: كيف يجوز نقض العهد مع خوف الخيانة ، والخوف ظن لا يقين معه ، فكيف يسقط يقين العهد بظن الخيانة؟

فعنه جوابان: أحدهما: أن الخوف هاهنا بمعنى اليقين ، كما يأتي الرجاء بمعنى العلم ، كقوله: (لا ترجون لله وقاراً). الثاني: أنه إذا ظهرت آثار الخيانة ، وثبتت دلائلها وجب نبذ العهد ، لئلا يوقع التمادي عليه في الهلكة ، وجاز إسقاط اليقين هاهنا بالظن للضرورة ، وإذا كان العهد قد وقع فهذا الشرط عادة ، وإن لم يُصرح به لفظا ، إذا لا يمكن أكثر من هذا ".

3ــ وتنتهي كذلك بنقض الطرف الآخر من المعاهدين للمعاهدة فعلا , قال الجمهور: تُنتقض الهدنة إذا نقضها العدو بقتال أو بمناصرة عدو آخر أو قتل مسلم، أو أخذ مال، أو بسبِّ الله تعالى أو القرآن الكريم أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو التجسس على المسلمين، أو الزنا بمسلمة ونحوها , قال الله تعالى:"الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57)"(التوبة) , وأنا أشهد أن الاحتلال الصهيوني قد خرق التهدئة التي كانت قبل الحرب , ومع ذلك تمسك بنو جلدتي بهذه التهدئة المذلة , وأذكر أن هذه التهدئة قتل قبيل إبرامها عدد من أفراد جيش الإسلام وكان على رأسهم أخونا الشهيد بإذن الله ومشيئته معتز دغمش , والآن ونحن نعيش وقف إطلاق النار فيما بعد الحرب نرى ويرى كل غزي كيف يخرق اليهود وقف إطلاق النار ولكم طالعنا الإعلام عن إطلاق اليهود النار على مراكب الصياديين وغيرها , ومع ذلك نحن مستمسكون بوقف إطلاق النار المتبادل بيننا وبين اليهود , أمثل هذه المواقف موافقة لشروط المعاهدات سمها هدنة أو تهدئة أو ما شئت , فإن الأسماء لا تغير الحقائق.

ما هو نوع التهدئة التي يريدها اليهود؟

والتهدئة التي يريدها اليهود هي تهدئة من طرف واحد وأعني بالطرف الواحد نحن المسلمون في فلسطين , وأود أن أنبه أن اليهود ليسوا بحاجة لمبرر لكي يقاتلونا ويقتلونا فالمبرر موجود وهو أننا مسلمون , قال الله تعالى:"وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)"(البقرة) , وهم من حدثنا الله عنهم بحبهم للحروب وإشعالها , قال الله تعالى:"وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)"(المائدة)

ما هو موقف اليهود من المعاهدات؟

ثم ونحن نعقد مع اليهود معاهدات على فرض اسيفائها للشروط الشرعية لا بد أن نعتقد أنهم قوم لا يحترمون عهدا ولا ميثاقا ولا التزاما , قال الله تعالى:" أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)" (البقرة) , فلا تعولوا كثيرا إذن على ما تعقدون من معاهدات مع اليهود , وتأملوا قول الله تعالى:"أوكلما".

ملحق:موقف جيش الإسلام من الهدنة مع اليهود

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله معزّ المؤمنين ومذلّ المشركين , الحمد لله وحده , نصر عباده , وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده , الحمد لله والصّلاة والسّلام على عبده ورسوله إمام المجاهدين وقائد الغرّ المحجلين , نبيّ الرّحمة و الملحمة , المبعوث بالسّيف بين يدي السّاعة حتّى يُعبد الله وحده لا شريك له, فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الغرّ الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :

"فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا"

أطلّت علينا رؤوس السياسة اللاشرعيّة اليوم بإعلان جديد عن هدنة مع بني يهود فنقول والله الموفق :

- إنَّ العدوّ اليهوديّ ليس عدواً مستقراً في بلاده الأصلية محارباً من الخارج حتى يجوز الصلح معه , بل هو عدو صائلٌ مفسدٌ للدين والدنيا فينطبق عليه قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " والعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم" (الاختيارات الفقهية ص309)

- إنّ كلمة "التهدئة" لفظ رديف للهدنة فلا فرق بينهما , إنما قالها أصحابها احتيالاً على الموقف الشرعيّ من الهدنة , كما لو سمينا الخمر بغير اسمه لا يلغي الحكم بحرمته, ومعنى الهدنة في الاصطلاح : "أن يعقد الإمام أو نائبه عقدا على ترك القتال مدة، ويسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة" (الإنصاف للمرداوي (4/211) المغني لابن قدامة) إذا لا فرق بين الهدنة والتهدئة التي اتفق عليها البعض مع اليهود.

- لم نسمع عن تحديد مدة هذه الهدنة , بل إن الدلائل تشير على أن هناك اتفاقات من تحت الطاولة تقضي باستئناف عملية السلام البائدة وفك الحصار عن السلطة الحاليّة , وهذا لا يخفى على من عنده أقل العلم الموقف الشرعيّ منه.

- أن من قام بهذه الهدنة على فرض أنها جائزة شرعاً لا يملك أن يلزم أحداً غير جماعته بها.

لذلك فأننا في جيش الإسلام لا التزام لنا بهذه الهدنة بل لا نعترف بوجودها أصلاً , ونحذر أياً من كان بأن يقف بيننا وبين قتال اليهود .

"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"

جيش الإسلام

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات

والحمد لله رب العالمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أبو يونس العباسي

21 رجب

1430هـ