تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أحزان اليمن السعيد



عزام
07-23-2009, 06:44 AM
هل ما ورد في المقال صحيح؟
عزام

أحزان اليمن السعيد
يمنيون يتظاهرون ضدّ مقتل مواطن في جنوب البلاد في 8 تموز الجاري (رويترز)في ذروة نهوض فكرة القوميّة العربية، كانت صفة «السعيد» لصيقة باليمن. لكن واقع الحال تغيّر منذ سنوات، وحلّ «الحزن» بديلاً، بفعل الأزمات المتعاقبة التي يعيشها هذا البلد. وبعد خفوت أحداث صعدة، علت صرخة الجنوب الذي يعيش وحدة قسرية مع الشمال، الذي يجهد بدوره لترويض معارضي تفرّد حزب المؤتمر بالحكم
مي الصايغ
الجنوب متمسّك بفكّ الارتباط مع الشمال
رغم مرور خمس عشرة سنة على حرب الانفصال التي شهدها اليمن عام 1994، لا تزال المحافظات الجنوبية تعيش الأمرّين، وتغلي على جمر التظاهرات التي تحولت منذ آذار 2006 إلى قوت شبه يومي للجنوبيين الذين يبدو أنهم حسموا وجهة سيرهم باتجاه «فك الارتباط» عن نظام صنعاء.
ويسود لدى اليمنيين الجنوبيين شعور بأنهم تحملوا ظلماً لا مبرر لاستمراره، وقُمعوا بعنف مراراً. وتُرجع إحدى فاعليات الحراك الجنوبي، الدكتور صالح محسن، جذور الأزمة إلى عام 1994، حين «احتلّ منطقتهم الجيش الشمالي بذريعة الحفاظ على الوحدة».
ويضيف محسن، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «نظام علي عبد الله صالح لم يكتف بذلك، بل سرّح مئات الآلاف من أبناء الجنوب الموظفين في المؤسسات العسكرية والمدنية والأمنية، وأحالهم جميعاً على رصيف البطالة، واستولى على آلاف الكيلومترات من الأراضي العامة والخاصة، وخصّص ما لا يقل عن 55 مؤسسة اقتصادية عامة وناجحة في الجنوب وباعها للمتنفذين من أنصاره، وعبث بالثروات النفطية والمعدنية وجعلها استقطاعات لأركان النظام. كذلك أصبح القتل والسجن والمنفى مصير كل من قاوم أو رفض تلك الممارسات».
أمام هذا الواقع المرير، بات أهل المحافظات الجنوبية يترحمون على أيام الاحتلال البريطاني الذي خاضوا حرباً ضده، وأجبروه على الرحيل في 30 تشرين الثاني من عام 1967. فالبريطانيون برأي محسن «ليسوا بقسوة الرئيس اليمني. ولم يستخدموا الأساليب الجشعة التي لجأ إليها صالح لخفت صوت كل معارض له، إذ أمعن في سياسات التصفية والاعتقال».
وسط كل ذلك، يتساءل محسن: «عن أي وحدة يتحدثون؟ فالوحدة كانت مطلبنا بالأساس. لقد وقعنا وثيقة الوحدة الاندماجية بين جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في 22 ايار 1990 بروح قومية تتطلع لانتقال نحو مستقبل أفضل. كانت الآمال كبيرة، فبعد مراجعة مستفيضة ومعمّقة لمشاكلنا، رأى رئيس جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية السابق، علي سالم البيض، أنّ الوقت قد حان باتجاه السير في مشروع الوحدة. نحن ذهبنا في هذا الخيار على أن تترافق هذه الوحدة مع ديموقراطية قوية ويفتح الباب لكل القوى السياسية لأن تشارك في ذلك».
لكنّ محسن يرى أن نظام صالح «لم يكن ينظر إلى الجنوب على أنه شريك أساسي، بل عدّه فرعاً يجب أن يعود إلى الأصل، كما صرحوا بذلك علناً من دون مواربة. فكانت الأزمة التي انتهت بتوقيع وثيقة العهد والاتفاق في العاصمة الأردنية عمّان في 2 شباط 1994». لكنه يضيف أن الاتفاق لم يدم، إذ «في 27 نيسان كان لدى صالح خطة مجهزة لضرب الجنوب. ولم تفلح الوساطات العربية أو الدولية في إيقاف الحرب، فكان الإعلان السياسي يوم 21 أيار 1994 بفك الارتباط مع نظام صنعاء. وأصبح الجنوب تحت الاحتلال بعد إتمام اجتياحه عسكرياً في 7 تموز، وبذلك تكون صنعاء قد قضت على الوحدة وأنهتها تماماً».
ويشير المدير الأسبق لمكتب علي سالم البيض إلى أنه بعد عام 1994 بدأ الشمال «ينظر إلى الجنوب باعتباره غنيمة وأرضاً وثروات من دون شعب. من حقه أن يستثمرها ويستفيد منها». ويتابع: «لم يقف الأمر عند هذا الحد، فجماعة صنعاء ترى أنّ أصل العروبة هو الشمال، والجنوب فرع شيطاني، فأضحى هناك تمييز فاضح بين الشمال والجنوب».
ويشير محسن إلى أن «هذا التمييز وضع الجنوبيين، من اشتراكيين وناصريين وإسلاميين، في خندق واحد، فبات فك الارتباط مطلب الجميع». ويضيف أنّ أبناء الحراك الجنوبي «هم جيل الوحدة، هم لم يحصلوا على فرص عمل، وبات الأفق أمامهم مسدوداً. ينظرون إلى التمييز الذي لحق بهم، يستفزهم كيف أنّ النظام حوّل الدولة إلى شركة خاصة، وأقل ما يمكن أن يقال أنّ صالح حوّل عائلته إلى عائلة حاكمة، فابنه أحمد يتولى قيادة الحرس الجنوبي، فضلاً عن توزيع أرفع المناصب الرسمية في الدولة بين أبنائه وإخوته وأولاد عمه».
وفق هذه الأجواء، يقول محسن إن «أبناء الجنوب لم يعد باستطاعتهم تحمل أنّ الدولة تستفيد من ثروات أرضهم، فيما نصيبهم صفر من هذه العائدات. لذا خرجوا للمطالبة بحقوقهم، داعين علي سالم البيض، الذي اختار سلطنة عمان منفى له، إلى التحرّك». ويتابع: «عندها وجد البيض، الذي رأت فيه قوى الحراك الرئيس الشرعي للجنوب، نفسه مرغماً على مدّ يده لشعبه، مؤكداً أنه سيقود المساعي المؤدية إلى انفصال الجنوب، فانتقل إلى أوروبا لاستئناف العمل السياسي، طالباً إلى مجلس الأمن مناقشة ما يدور في جنوب اليمن».
وعن انضمام الشيخ طارق الفضلي (جهادي سابق وحليف للسلطة في حرب 1994) إلى التحرك الجنوبي الجنوبي، يقول محسن «إنّ الفضلي انضم إلى مساندة قضيتنا. نحن نفتح الباب أمام كل من يتفق معنا. فالحراك الجنوبي ليس منظمة حزبية أو إطاراً تنظيمياً، بل هو فعاليات جماهيرية ميدانية».
وعن الخطوات الإصلاحية التي يعتزم صالح إجراءها لمعالجة المشكلة الجنوبية، يقول محسن بحسرة كبيرة: «لم نعد نأمل أي شيء. قدموا لنا وعوداً كثيرة، لكنّ السنوات مرت ولم يتحقق أي شيء. كانت هناك فرص عديدة أمام النظام، ولم يستغلها». ويوضح قائلاً: «قدم حيدر العطاس، أول رئيس للوزراء بعد الوحدة، مشروع إصلاح شامل. رفضه صالح بحجة أنّ لديه الغالبية، ورفض دمج الجيش وبناء مؤسسات الدولة، ومشاركة الأحزاب والإصلاح المالي».
ويشير محسن إلى أنه «منذ فترة ليست ببعيدة، تألفت لجنة وطنية برئاسة مستشار رئيس الجمهورية سالم صالح، لإعادة قراءة كل ما يدور في الجنوب. لجنة ضمت شخصيات من الشمال والجنوب للوقوف عند كل التظلمات التي حصلت، لكنّها لم تجتمع، ولا سُمح لها بعمل شيء. هي ضحك على اللحى».
ويختتم القيادي الجنوبي حديثه بالتشديد على أنّ «فك الارتباط حق لن يُتراجَع عنه مطلقاً». ويضيف: «حركتنا حركة سلمية، ولن نلجأ إلى العنف، لأن المعاناة حررتنا من الخوف. مشكلتنا ليست شخصية مع النظام، فبإمكاننا العودة وتحصيل حقوقنا أفراداً، لكننا لا نستطيع أن نتنكر لجلدنا. وعلى النظام أن يراجع حساباته وأن يجلس إلى طاولة الحوار، والقبول بفك الارتباط مع الجنوب سلمياً».
هل ينجح صالح في استيعاب خطاب المعارضة؟
جنود يحرسون محكمة في صنعاء (أ ف ب)أزمة الجنوب ليست الوحيدة في اليمن، فحكم الشمال يعاني أيضاً مع قيادات المعارضة، التي لا تنفك تحتج بالسياسة أو التظاهرات على استفراد حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالسلطة
في الذكرى الحادية والثلاثين لتوليه السلطة على رأس الجمهورية اليمنية، بداية الشمالية ثم الوحدة، كتب الرئيس علي عبد الله صالح مقالاً افتتاحياً في صحيفة «الثورة» اليمنية، بعنوان «دعوة إلى التصالح والتسامح والحوار» خصصه لإطلاق دعوة للأطياف اليمنية إلى الحوار في الوقت الذي كان فيه تجمع أحزاب اللقاء المشترك يوجه رسالة لنائب رئيس مؤتمر الشعب العام، عبد الكريم الإرياني، يحدد فيه شروط الحوار المقبولة بالنسبة إليه.
ويضم تجمع أحزاب اللقاء المشترك كلاً من «التجمع اليمني للإصلاح»، و«الحزب الاشتراكي اليمني»، و«التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري»، و«حزب البعث العربي الاشتراكي»، و«اتحاد القوى» و«حزب الحق».
ويمكن اكتشاف نقاط تلاقٍ مشتركة بين دعوة صالح إلى الحوار ومطالبة اللقاء به. فالطرفان اعترفا بوجود أحداث وتحديات تواجه اليمن على مختلف الصعد، وتلحق الضرر بمصالحه.
كذلك فإن الطرفين اتفقا على أهمية البدء بالحوار، وإن اختلفا على كيفية إطلاقه. فصالح وجه الدعوة «للجميع في الوطن ومن كل أطياف العمل السياسي في السلطة والمعارضة أحزاباً وعلماء ومشايخ وشخصياتٍ اجتماعيةً وثقافيةً ومنظمات مجتمعٍ مدني وغيرها»، إلى التحاور والتفاهم تحت سقف الدستور والقوانين والثوابت الوطنية.
بدوره، اعترف «اللقاء» بأن «مشاكل البلاد التي تراكمت بعد ذلك لتنتج هذه الأزمة الوطنية التي استفحلت ولم تعد تسمح بمزيد من ضياع الفرص»، واضعة البلاد أمام خيارات مجهولة، ودعا إلى «إطلاق حوار وطني شامل يشمل جميع أطياف المجتمع اليمني وقواه السياسية في الداخل والخارج بدون استثناء»، لكنه اشترط اتخاذ السلطات اليمنية مجموعة من الخطوات التي تهيئ لنجاح الحوار، اختصرها بثلاثة شروط.
وتمحورت هذه الشروط حول «تهيئة المناخات السياسية بوقف الحملات العسكرية والاعتقالات والمطاردات للنشطاء السياسيين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو من هم على ذمة أي قضايا سياسية، ودفع رواتب كل من اتخذ قرار تعسفي بقطع راتبه من النشطاء السياسيين، وإطلاق الصحف الموقوفة».
أما الشرط الثاني، فيتمثل في «البدء ببحث آلية مناسبة لإشراك كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الحوار الوطني...»، فيما الشرط الثالث يطالب بوضع «كل قضايا البلاد على طاولة الحوار، بحيث لا يسمح بحوارات جانبية في القضايا الملتهبة كصعدة والجنوب وغيرها، دون مشاركة فعالة من القوى السياسية التي ستشارك في الحوار، على أن تتوافر الظروف المناسبة لمشاركة جميع القوى من دون تحفّظ أو استثناء، بما في ذلك قوى الحراك في الجنوب، والحوثيون والقوى السياسية في المنفى وغيرهم».
ولعل الأبرز في رسالة «اللقاء المشترك» الاعتراف بأهمية وقف التعبئة الممزقة للوحدة الوطنية وإثارة العنصرية والمناطقية، وذلك في أعقاب الأحداث الأمنية التي شهدتها المحافظات الجنوبية وتلك المرتبطة تحديداً بحوادث القتل المتعمد التي تعرض لها بعض المواطنين.
ولم يطل رد الإرياني على أحزاب المشترك، وقبل يوم واحد من موعد الحوار المقرر، عرض برسالة رؤية المؤتمر في عناصر الحوار والمدد الزمنية اللازمة لذلك، ولمّح إلى أن «مطالب اللقاء المشترك لا تمتّ إلى ما سبق واتُّفق عليه في شهر شباط الماضي». اتفاق قضى في حينه بتأجيل الانتخابات عامين لإتاحة فرصة للحوار حول تطوير النظامين السياسي والانتخابي، وهو ما يطرح سؤالاً عن جدية كل من «اللقاء المشترك» وحزب المؤتمر الحاكم في إجراء حوار فعال، هذا بالإضافة إلى قدرة هذا الحوار في التوصل إلى نتائج تضع حداً للأزمات السياسية التي بات اليمن يتخبط فيها، وخصوصاً أن «اللقاء المشترك» متهم بأنه تحول إلى مجرد «معلق سياسي»، يؤدي في كثير من الأحيان دور الكابح لجماح «الحزب الاشتراكي» في التأثير في المسألة الجنوبية التي انبثق من بين رحاها.
فالوحدة اليمنية التي تحققت عام 1990 انبثقت من الديموقراطية التمثيلية بين حزبي الاشتراكي والمؤتمر، وعادت لتنهار بعد محاولات الاستئثار على حساب الآخرين من خلال مجموعة من الممارسات غير الديموقراطية، ثم أجبر الجنوب على البقاء موحداً مع الشمال عام 1994، ما أدى إلى تلاشي الولاء الوطني خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، مستفيداً من تراكمات أخطاء السلطة اليمنية وعجزها عن إرساء دولة القانون والمؤسسات. لذلك فإن الحل الوحيد لمشاكل اليمن، اعترف به صالح بقوله: «لا خيار سوى خيار الديموقراطية» الذي يسمح من خلاله للشعب بالتعبير «عن إرادته الحرة من خلال صناديق الاقتراع لحكم نفسه بنفسه وتجسيد مبدأ التداول السلمي للسلطة».