تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الجماعات الاسلامية



احمد عبد العزيز محمد
07-21-2009, 01:28 AM
الجماعات الإسلامية

ما يحزننا جميعا أننا نجد فى عصرنا هذا الكثير من التفريعات للمسلمين وتقسيمهم لأحزاب وجماعات منها ما نحكم عليه بالكفر أو الردة أو الفسق أو ننسبه إلى طوائف قديمة مثل المرجئة والمشبهة والمعطلة والخوارج والمعتزلة . ولعلنا نؤكد أن الجميع فى عصرنا هذا يهتم بالعلم أكثر من العمل ، وأننا نقرأ كثيرا عن الولاء والبراء وأحكام المنافقين وجهادهم ولا نهتم بكيفية الدعوة إلى الله ونشر الدين ومواجهة أعداء الدين من اليهود والصليبيين والعلمانيين ، فنحن أكثر حرصا على التشهير بالمسلمين بدعوى البدعة والردة أكثر من حرصنا على الأهم من فهم ونشر الدين ، ولو شاهدنا بعض الحلقات المصورة من جهاد المقاتلين الشيشان ومعهم العرب من الدول العربية والذين وردت أسماؤهم وصورهم وهم بعيدون عن بلادهم وأهلهم لعرفنا أننا جميعا نتصف بالدناءة والحقارة وسط المسلمين وأن ما نقوم به من هجوم على بعض الطوائف والاتجاهات هو مهزلة وتمثيلية نخدع بها أنفسنا ومن حولنا وندعى أننا ندافع عن الدين والإسلام ونحن أجبن بكثير من أن نتشرف بهذا الفضل فنكتفي بإضعاف الدين والتفريق بين أبنائه وتمزيق صفوفهم .
ما الذى جعل المسلمين فى السابق يتناولون قضية خلق القران وظهور فكر المشبهة والمعطلة وأصبحنا نسمع عمن يتكلم فى صفات الله تعالى وظهر قول البعض " قول السلف أسلم وقول الخلف أحكم " وأنه لماذا ننكر أن لله أعضاء ولكن ليس كأعضاء البشر ..... وغيرها من الأقوال ؟
ولقد حذرنا الرسول ص من إتباع خطوات الشيطان فى مثل هذا الأمر عندما أخبرنا الرسول ص أن الشيطان يستدرج الإنسان فيلقى فى نفسه أسئلة مثل من خلق الأرض ومن خلق السماء والكائنات حتى يصل به إلى : من خلق الله ؟ وأمرنا الرسول أن نستعيذ بالله من هذه النزغات والوساوس.
وأحيانا يكون العلم سببا فى هلاك صاحبه إذا اغتر بعلمه فدخل فى كل الأمور معتمدا على عقله وواثقا من قدرته فى التفكير فيبدأ بمقدمات خاطئة تؤدى لنتائج أكثر خطأ وقد يؤدى الاعتماد على العقل وحده إلى الإلحاد أو الكفر والردة وإنكار المعروف والصحيح من الدين إذا تعارض مع العقل القاصر مثل الحديث عن ميراث الفتيات والحديث عن الآخرة وكيفية وزن الأعمال
لقد دخل المسلمون فى السابق فى دوامات فكرية بنية حسنة وهى الدفاع عن الدين وإذا بهم يتناولون الموضوعات الخطيرة بما يوقعهم فى الخطر الشديد ، فلقد سمعنا قول الرسول ص للرجل وامرأته " لقد ضحك الله من فعلكما بضيفكما " ولم يسأل الرجل أو زوجته عن مضمون وكيفية ضحك الله تعالى ، ونسمع آيات القران تتحدث عن الله فهو السميع البصير ويد الله فوق أيديهم ولم يتدخل الرسول ص وصحابته فى شرح هذه الأوصاف ، فهل نحن أكثر علما من الرسول وصحابته ؟ أم أننا أكثر حرصا على فهم الدين منهم ؟
ما نعلمه أن البعض من المعتزلة والمتكلمين تناولوا تلك القضايا ومواجهة الآخرين دفاعا عن الدين ولكن انزلقت أقدامهم فى بعض الغيبيات التى لم يكن لهم ولا لغيرهم أن يدخلوا فيها . وهل يعيبنا كمسلمين أن نرفض الحديث فى بعض الأمور وأن نعترف بجهلنا بها مهما بلغ علمنا ، فلقد مدح الله تعالى عباده لإيمانهم بالغيب فنحن نؤمن بالجنة والنار والصراط والميزان ولا نشك فى ذلك ولا نسأل عن التفاصيل الخاصة به ، ولقد وصف القران العلماء بقوله "والراسخون فى العلم يقولون أمنا به كل من عند ربنا"وإذا كان هذا هو حال الراسخين فى العلم فلماذا نجادل نحن وندعى الفهم والعلم .
ونسأل أنفسنا هل اهتم المسلمون الأوائل فى عهد الرسول ص وصحابته بتقسيم المسلمين إلى طوائف ؟ لا بل كان الاهتمام الأكبر عند الأوائل هو نشر الدين والقتال فى سبيله والاستشهاد دفاعا عنه ، ولكننا حاليا نسأل عن أشياء فى الدين لم يهتم الصحابة بإثارتها والحديث عنها لعدم أهميتها فى حياة المسلمين الحقيقية وأن الإسلام أحوج إلى الفعل وليس العلم الأجوف الذى يدل على تنطع و فلسفة مصطنعة ولهذا قال ص " هلك المتنطعون "
إن استمعت إلى شخص ما فوجدته يتناول الإسلام من الناحية الشكلية والمظهرية وأنها دلائل وعلامات تدل على الإيمان والطاعة لله ورسوله وأنه يرى فى أحكام اللحية والنقاب الأصل الذى يجب أن نتناوله وأن من لا يطلق اللحية نشك فى دينه وإخلاصه ، فعندما نسمع هذا الحوار نعلم أن المتكلم ينتمى إلى التيار السلفى وأنصار السنة ، وعندما نسمع شابا يتحدث عن إصلاح المجتمع وأنه لن يتم إلا بالجهاد ضد كل مظاهر الفساد فى المجتمع ومقاومة كل مفسد ومعتدى وأن الجهاد يكون ضد السلطة والشعوب التى تنجرف فى تيار الفساد والرذيلة نعلم أن هذا الشاب غالبا ينتمى إلى الفكر الجهادى وإن كان يسعى لهذا الجهاد بحجة كفر المجتمع من حكام ومحكومين فهو غالبا ينتمى إلى الفكر التكفيرى الذى يستحل دماء البعض ويختلف التكفيريون بين مكفر للحكام فقط داعيا إلى جهادهم وبين مكفر للشعوب مطالبا بالانتقام منهم لطاعتهم لهؤلاء الحكام ، ونشاهد آخرين يطالبون بالخطوات التدريجية من الدخول فى المجالس المحلية ومجالس الشعب والشورى والنقابات حتى يتسنى لهم الوصول الراسخ إلى مواقع صنع القرار ونشر الإسلام بما لا يضر الإسلام ولا يؤذى المسلمين ولا يؤدى لفتنة قد تكون أكثر ضررا من المفسدة القائمة ، وهؤلاء يواجهون من خصومهم بالاتهام أن هذا الطريق طويل وأنه من المستحيل أن يتنازل الظالمون عن قدراتهم بدون مقاومة حقيقية وأن هذا الطريق الطويل أشبه بأحلام اليقظة ولن يتمكنوا من تنفيذه وتحقيقه ، وهذا التيار هو الإخوان المسلمون .
فنحن نستمع إلى لفظ الجماعات الإسلامية فيظن البعض أن الإسلام له أكثر من شكل وأكثر من ممثل له ولعل مما يقوى هذا الظن أن أعضاء هذه الجماعات أنفسهم يظنون أن الاختلاف بينهم كبير للدرجة التى تجعلهم يتنافرون ويتعادون رغم أننا نرى انه يوجد الكثير من أوجه التشابه بين الجماعات وان الاختلاف بين أعضائهم لا يتم إلا بين صغار السن أو حديثي العهد بالدخول فى صفوف الجماعات فيغالى فى انتمائه لجماعة بالمبالغة فى الهجوم على الجماعات الأخرى وان اغلب هؤلاء أغبياء لم يحصلوا على القدر الكافى من العلم الديني الذى يؤهلهم للحديث عن الدين أو المقارنة بين اتجاهات المسلمين فنجد الكثيرين يتحدثون عن أمر واحد من أمور الدين وكأن الدين لا يهتم إلا بهذا الأمر والحقيقة هى أنهم لم يقرأوا إلا فى هذا الأمر ولرغبتهم فى الظهور فلابد أن يتحدثوا فيما فيه خلاف بين المسلمين لتتاح لهم الفرصة فى الحديث والكلام بينما نجد الفاهمين للدين لا يتحدثون إلا فى المفيد من القول الذى لا تدور حوله الخلافات الفرعية من أمور الدين .
ولعلنا نعلم أن أعضاء بعض الجماعات قد تشترك صفاتهم بين أكثر من جماعة فمن يقرأ للعلامة الفذ "سعيد حوى" يتعجب من كتابه " تربيتنا الروحية " وكتابه " فى منازل الصديقين والربانيين " فيظن أنه رجل من الصوفية قد غالى فى منهجه ولكن من يقرأ كتابه "جند الله ثقافة وأخلاق " يظنه من أعضاء الجهاد أو التكفير لما يلاحظه من شدة فى الحكم والفتوى على من خالف منهج الإسلام وطريقة مقاومته ، ونذكر قوله فى كتابه " جند الله ثقافة وأخلاق " : ( المسلمون فى العالم الإسلامي فى حالة ردة أو ترك قليل أو كثير لهذا الدين إلا قليلا ومع وجود مسلمين لم يرتدوا فان طابع الردة هو الذى صبغ حياة العالم الاسلامى على اعتبار أن أجهزة الحكم كلها تقريبا آلت إلى يد مرتدين أو منافقين أو كافرين أصليين ) ، ومن يقرأ له كتب " الإسلام " و " الله " و " الرسول " يعلم مقدار هذا الشخص فى العلم والفهم . ومن يقرأ للأستاذ "سيد قطب " يتعجب هل نصف هذا الرجل بالتشدد أم بالروحانية والتصوف أم الفقه والعلم من خلال التجول فى كتبه " الظلال " ومشاهد القيامة فى القران " و " معالم فى الطريق " " والعدالة الاجتماعية فى الإسلام "
ولعنا نقرأ الحديث الذى اخبرنا فيه الرسول ص أن الأمة سوف تفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلهم فى النار إلا فرقة واحدة هى الناجية فتظن كل جماعة أنها هى الناجية ولكن ما يؤكده الكثيرون أن الجماعات الموجودة حاليا يمكن أن ينطبق عليها جميعا الجماعة الناجية لأنهم يختلفون فى أمور فرعية وليست كلها من أسس الدين وان كانت الاختلافات تأخذ مظهرا جادا وحادا فيخيل للكثيرين أن الخلاف بين الجماعات عميق وان التناقض بينها كبير ولكن المتأمل بهدوء ورفق يكتشف أن الخلاف عادة يكون بين السفهاء والحمقى وان الأغبياء هم الذين يتسببون دائما فى المشاكل بين المسلمين ، ونعلم أن الأزهر وبعض المجامع الفقهية المحترمة من عموم المسلمين حكمت بكفر بعض الطوائف وأن فكرها يتعارض مع أصول الدين مثل البابية والبهائية والقاديانية وبعض الشيعة المغالين فى تطرفهم تجاه الإمام على أو الأئمة الخاصين بهم أو المغالين فى كراهيتهم للصحابة واختلاق أمور مكذوبة عليهم ) ولعلنا نتعجب عندما نسمع أن الإمام الشافعى قد أتى إلى مصر واعترض على بعض الآراء التى يتداولها الناس عن الإمام مالك فكان جزاء الشافعى أن تعرض له بعض أتباع مالك بالضرب الشديد فلبث فى بيته فترة طويلة يعالج وتوفى بعدها بفترة قليلة .
وأنه من غباء أتباع بعض المذاهب أن غالى بعضهم فى الالتزام بمذهب واحد حتى امتنع بعضهم من الزواج بمن تخالفه فى المذهب فلا يتزوج الشافعي من حنيفية أو المالكي من حنبلية ، نعم إلى هذا الحد وإلى هذه الدرجة من السفاهة والتفاهة وصل المسلمون فى العصور السابقة مع العلم أنه لا دخل للأئمة الأربعة فى هذه الخلاف فكل منهم له آراء يلتزم بها من يشاء ويمتنع من يشاء ولا يجوز لأحد إرغام الآخرين عليها. فلقد رفض الإمام مالك اقتراح أبو جعفر المنصور بجعل مذهب مالك هو المذهب الوحيد فى البلاد وان الشافعي تتلمذ على يد مالك عشر سنوات ثم جاء مصر ليقابل الليث بن سعد فقيه مصر ولكنه علم بوفاته فحصل على بعض العلم من تلامذته ، وبعدها اعترف بمكانة الليث حتى قال " الليث أفقه من مالك إلا أن طلبته أضاعوا علمه بعدم النقل والتدوين" ونعلم أن الإمام ابن حزم الأندلسى شهد له الكثيرون بالعبقرية المفرطة وأنه ألف كتابا ضم فيه كل الأحكام الفقهية المتوارثة عن المسلمين إلا أن هذا الكتاب ضاع مع ما ضاع من كتبه لاختلافه مع علماء عصره فى الكثير من الأمور . وهذا ما نتعجب منه أن الكثيرين عندما يسمعون رأيا لا يعجبهم من أحد العلماء يتبارون إلى هذا العالم بالسب والشتم فنجد البعض يتعرض لابن حزم بالإهانة لأنه أباح الغناء وقال بضعف كل الأحاديث الواردة بهذا الباب ، وكأنه أباح الرقص والخلاعة مع العلم أنه لم يعترض على ضرورة موافقة الأغاني مع الشرع من حيث المعنى وأسلوب الكلام وانه من البديهيات لأى عالم أن يعلم أن الأغاني إن دعت إلى رذيلة أو تم عرضها بما لا يتناسب مع ديننا فى القول والفعل والملبس فهى ممنوعة لدرجة الكراهة أو الحرمة وفقا لنوع المعروض ومدى مخالفته للشرع ، وعندما قال الشيخ محمد الغزالى أنه يشاهد السينما أو يستمع إلى الأغاني وعندما اعترض الشيخ الشعراوى على التبرع بالأعضاء أو غرفة الإنعاش بعد توقف القلب وآراء الشيخ طنطاوى مفتى مصر السابق عن فوائد البنوك والكثير من الفتاوى التى يخالف فيها جمهور العلماء أو فتوى بعض العلماء بأنه لا ضرورة للاهتمام بغشاء البكارة عند الزواج وفتوى البعض حول زواج المسيار وزواج الفرند والزواج العرفي ، كل ما سبق أدى للكثير من الأقوال والاختلافات بين المهتمين بالفقه والدين والدفاع عنه .
إذن الفقهاء يذكرون الحكم الفقهى الذى يستريحون إليه فقد يبيح الفقيه الكوكاكولا فهل هذا يعنى أنه يحبها ويداوم عليها ؟ بالطبع لا لكنه لا يرى الدليل الواضح والقوى على حرمتها . ولكن عند التحريم لابد من الأدلة المؤيدة لذلك من قران وسنة وقياس وإجماع مما اتفق عليه الفقهاء .
كل ما ذكرناه نقصد به كثرة الآراء التى تروى عن علماء ويحدث بسببها جدل عند عموم الناس والذى نخلص إليه هو انه يجب علينا احترام علماء الدين مهما اختلفنا معهم فى الآراء وان هؤلاء العلماء لديهم من العلم بالدين ما يبيح لهم الفتوى فى الدين .
فكل العلماء مثل القرضاوى وابن باز والعثيمين وعطية صقر وحسين يعقوب والألباني وطنطاوى لهم علم بالقران وسبب نزول الآيات ومعانى الكلمات والمكي والمدني وترتيب الآيات والسور فى النزول والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ولهم جميعا العلم الكامل بالحديث وعلومه من علم الرجال والجرح والتعديل والصحيح المتواتر والصحيح فقط والمشهور والضعيف والموضوع وكيفية المقارنة بين الأحاديث وأي الأحاديث نفضله إذا اختلفت فى المعنى والمضمون ولهم العلم الكافى بالمذاهب الإسلامية على تنوعها واختلافها فنرى الشيخ جاد الحق يستدل فى فتاويه دائما بالمذاهب الأربعة ثم المذهب الظاهري ثم الشيعة الزيدية والجعفرية.
ثانيا : انه لا يجوز لنا أن نقلل من شأن كل عالم نختلف معه فى الراى فهم علماء الأمة وحماة الدين وعلينا حمايتهم من الجميع بما فيهم نحن عند الاختلاف فى الرأى وان حدث من احدهم خطأ فعلينا الاعتراض بأدب وتوقير نظرا لما يحملونه فى صدورهم من أحكام الشرع وتعاليم الدين .
ثالثا : أننا لسنا مرغمين على الالتزام برأى أي عالم نختلف معه فى الراى طالما انه يخالف عموم علماء المسلمين مع عدم الخوض فى مكانته بما يتسبب فى ضياع مكانة العلماء بين الناس فلقد تناول الدكتور يوسف القرضاوى فى مذكراته أن الشيخ أبو زهرة وهو عالم عبقرى فذ أعلن فى احد المؤتمرات أن حكم الرجم منسوخ وانه لا يليق برحمة الإسلام ، وان الاعتراض على هذا الرأى كان شديدا من الحاضرين .وانه لا ينكر أحد أن هذا الرأى خطأ لأدلة كثيرة أوردها الدكتور القرضاوى عند ذكره لهذه الحادثة ، ولكن مع هذا الخطأ من الشيخ محمد أبو زهرة هل ننسى له إنجازاته الضخمة فى الكتابات الفقهية والتاريخية الرائعة وهل نقتل الرجل بهجومنا عليه ونمنع ظهوره فى المحافل العلمية والفقهية ؟!!
رابعا: نحن لا ننكر وقوع بعض العلماء فى أخطاء فقهية بعمد وقصد كامل رغبة فى إرضاء ذوى السلطان والنفوذ وهؤلاء دورنا تجاههم أن نوضح للناس خطأهم دون تشهير بهم حتى لا نشوه صورة العلماء أمام العوام وكثيرا من الخبثاء وأعداء الإسلام يتحينون الفرص للإيقاع بين العلماء ليظهروا أمام الناس بمظهر سيء يقلل من شأنهم أمام الناس .
وعلينا أخيرا أن نرى اى الآراء ينال إجماع علماء المسلمين دون شبهة ضغط من اى جهة خارجية . وإذا اختلف العلماء فى أمر وما اقل الأمور التى لم يحدث فيها إجماع من علماء المسلمين فعلينا ا نبحث عن الدليل الأقوى والأكثر إقناعا ونلتزم به ، فقد سمعنا أن أحد المذاهب أجاز الزواج العرفي وأنه يجوز للفتاة أن تزوج نفسها مع أننا نعلم حديث رسول الله " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " وقوله ص " أيما امرأة نكحت نفسها بدون إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل " أى أن الحديث الصحيح جاء صريحا فى عدم جواز أن تتزوج الفتاة دون رضا أهلها وشهود عدول يشهدون عقد الزواج ، وإن كنا نظن أن هذا المذهب قصد أنه يجوز للفتاة أن تتزوج بدون رضا أهلها ولم يقصد بدون علمهم أيضا ، ولكن الآراء المتداولة لهذا الأمر بجهل منها أو غباء وبعمد أو بدون قصد لووا وحرفوا الأمر ليبدوا كأن العالم الفقيه ومذهبه يجيز الزواج العرفى وأن تتزوج الفتاة سرا بدون علم أهلها ، ولو صرح الفقيه بهذا لما جاز لنا أن نتبعه فى هذا الأمر لمخالفته الصريحة للحديث الصحيح الصريح الذى سبق ذكره

ونرجع ثانية إلى موضوع الجماعات الإسلامية فكل منهم له علماء علينا احترامهم ، والاختلاف بينهم لا يجوز أن يترتب عليه عداوة بين العلماء أو بين أفراد هذه الجماعات بما يؤدى لحدوث الشقاق بين المسلمين وكسر شوكتهم أمام أعدائهم .

قد يكون الاختلاف فى ترتيب خطوات التحرك لإصلاح المجتمع وليس فى الإصلاح نفسه ، وقد يكون الاختلاف فى وسيلة الإصلاح وهذا لا يجب أن يؤدى إلى التشكيك فى عقيدة الآخرين وتوجيه التهم إليهم وان نرجوا من الله جميعا الإخلاص فى العمل وان يتقبله الله منا ، فان شرط قبول العمل نية فاعله وموافقة العمل لأحكام الشرع مهما كان انتماؤه الحزبي .
ولعلنا فى تعاملنا مع المنتمين إلى أعضاء الجماعات المختلفة نلاحظ أنهم قد تتفاوت طرق تعاملهم مع الناس وفهمهم للدين تطبيقهم له والالتزام بأحكامه فمنهم الورع التقى ومنهم المتهاون فى الدين ومنهم المتعامل بالربا والمحتكر للسلع ومنهم الحقير الدنيء الذى ينتهك حرمات الله متى أتيح له ذلك . وما أذكره عن علم وتعامل مع أصناف من جميع الجماعات فمنهم من وصل إلى الذروة فى الأدب والدين الملتزم بالدين فرضا ونفلا ومنهم من يتبع جماعته هيئة وشكلا وهو من المفرطين كلية فى دينه .ونذكر أن الله يحاسب الناس فرادى كل منهم يأتي وحده ليحاسب على عمله هل يوافق ما أتى به الدين من قران وسنة وإجماع علماء الإسلام أم أنه اتبع هواه واتبع علماء السوء إرضاءا لنفسه ورغباته الذاتية ونسى قوله ص " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "

وأخيرا يجب أن نعلم انه من الضروري عند الإصلاح لمجتمعنا أن نبتعد عن الإضرار بمصالح المجتمع وأفراده ، ولا يجوز لنا أن نتبادل التهم بالتقصير فى الاهتمام بأصول الدين والوقوع فى البدع وان هؤلاء يتساهلون فى الدين فتتميع أحكامه وان أولئك يتشددون فى الدين فينفرون الناس منه. وانه لا يجوز لنا التقليل من شأن أى جماعة تعمل للإسلام وأن نرد النوايا إلى الله تعالى طالما لم يتعارض الفعل مع الشرع الصريح تعارضا واضحا وطالما قبل فعل البعض التأويل المقبول وطالما لم يتفق علماء المسلمين على أمر واحد فى هذا الشأن . ولكن لا يجوز أيضا أن نبرر ما لا يتفق مع الشرع ونحاول تزيينه والتوفيق بينه وبين أحكام الدين فهذه صفات المنافقين الذين يبررون فسقهم أنهم لم يريدوا إلا إحسانا وتوفيقا أى يريدون التوفيق بين الآراء المتناقضة ، وهذه الوسيلة لا تفلح فى أغلب الأحوال فلا يمكن دوما أن تجمع بين المتناقضات بل من الضروري أحيانا أن يظهر تميزك عن الآخرين ووضوح اختلافك عنهم والتزامك بمنهج معين لن تحيد عنه مهما حدث ومهما عارضك الآخرون .
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز:
بعد السؤال التالي: الجماعات والفرق الموجودة الآن -اقصد بها جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وجماعة أنصار السنة المحمدية.. الخ، هل ينطبق عليها حديث حذيفه فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"؟
والجواب:
"كل من هذه الفرق فيها حق وباطل وخطأ وصواب وبعضها أقرب إلى الحـق والصواب وأكثر خيرا وأعم نفعا من بعض فعليك أن تتعاون على ما معها من الحق وتنصح لها فيما تراه خطأ، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ووقع على الفتوى أيضا المشايخ عبد الرزاق عفيفي وعبد الله بن غديان وعبد الله بن قعود.
* وجاء في إجابة اللجنة الدائمة للإفتاء حول السؤال الآتي:
"في العالم الإسلامي اليوم عدة فرق وطرق صوفية مثلا هناك جماعة التبليغ، الإخوان المسلمين، السنيين فما هي الجماعة التي تطبق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟
فأجابت اللجنة:
"أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه أهل السنة وهم أهل الحديث وجماعة أنصار السنة ثم الإخوان المسلمون وبالجملة فكل فرقة من هؤلاء فيها خطأ وصواب فعليك " بالتعاون " معها فيما عندها من الصواب واجتناب ما وقعت فيه من أخطاء مع التناصح والتعاون على البر والتقوى ".
* وجاء في الفتوى رقم (1674) ما نصه:
"على كل جماعة من الجماعات الإسلامية التبليغ، اتحاد الطلبة المسلمين، الإخوان المسلمين و الشبان المسلمين، أنصار السنة المحمدية و الجمعية الشرعية الخ. أن تتعاون مع الأخرى فيما اتفقـوا عليه من الحق وأن تتفاهم معها فيما اختلفوا عسى الله أن يهدي الجميع إلى سواء السبيل وعلى كل طائفة من هذه الجماعات أن تنصح للأخرى فتثني عليها بما فيها من خير وترشدها إلى ما فيها من خطأ في الأحكام أو انحراف في العقيدة أو الأخلاق أو تقصير في العلم أو البلاغ قصدا للإصلاح وطلبا لاستدراك ما فات لا ذما لها وتعبيرا عسى أن تستجيب لما دعيت إليه فتستكمل نقصها وتصلح شأنها وتجتمع القلوب على الحق وتنهض بنصرته".
* وقول سماحة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز -حفظه الله ورعاه- وقد سئل: هل تعتبر قيـام جماعات إسلامية في البلدان الإسلامية لاحتضان الشباب وتربيتهم على الإسلام من إيجابيات هذا العصر؟
فأجاب -وفقه الله-:
"وجـود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله وألا تتنافر بعضها البعض وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها وأن تحب إحداها الأخرى وتنصح لها وتنشر محاسنها وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها.
ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعليهم أن يترسموا طريق الحق ويطلبوه وأن يسألوا أهل العلم فيما أشكل عليهم وأن يتعاونوا مع الجماعات فيما ينفع المسلمين بالأدلة الشرعية لا بالعنف ولا بالسخرية ولكن بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن وأن يكون السلف الصالح قدوتهم والحق دليلهم وأن يهتموا بالعقيدة الصحيحة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم