تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الزواج في الإسلام



عكرمه المقدسي
07-10-2009, 11:33 AM
الزواج في الإسلام
قال تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} [الذاريات: 49]، وقال: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون} [يس: 36].
كم هي رائعة السنة الشرعية التي سنها الله في مخلوقاته حتى لكأن الكون كله يعزف نغمًا مزدوجًا. والزواج على الجانب الإنساني رباط وثيق يجمع بين الرجل والمرأة، وتتحقق به السعادة، وتقر به الأعين، إذا روعيت فيه الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية. قال تعالى: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا} [الفرقان: 74].
وهو السبيل الشرعي لتكوين الأسرة الصالحة، التي هي نواة الأمة الكبيرة، فالزواج في الشريعة الإسلامية: عقد يجمع بين الرجل والمرأة، يفيد إباحة العشرة بينهما، وتعاونهما في مودة ورحمة، ويبين ما لكليهما من حقوق وما عليهما من واجبات.
الحثَّ على النكاح:
وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج، وحثَّ عليه، وأمر به عند القدرة عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة (أي: القدرة على تحمل واجبات الزواج) فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء (أي: وقاية وحماية) [متفق عليه]. كما أن الزواج سنة من سنن الأنبياء والصالحين، فقد كان لمعظم الأنبياء والصالحين زوجات.
وقد عنَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ترك الزواج وهو قادر عليه، ونبه إلى أن هذا مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم، عن أنس -رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخْبِرُوا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا، فإني أصلي الليل أبدًا وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر . وقال آخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوَّج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) _[متفق عليه].
حكم الزواج:
المسلمون والمسلمات أمام النكاح ثلاثة أصناف:
*صنف توافرت له أسباب النكاح، وعنده الرغبة المعتدلة في الزواج، بحيث يأمن على نفسه -إن لم يتزوج- من أن يقع في محظور شرعي؛ لأن غريزته لا تلح عليه بصورة تدفعه إلى الحرام. وفي نفس الوقت يعتقد هذا الصنف -أو يغلب على ظنه- أنه إن تزوج فسوف يقوم بحقوق الزوجية قيامًا مناسبًا، دون أن يظلم الطرف الآخر، ودون أن ينقصه حقًّا من حقوقه. والزواج في حق هذا الصنف سنَّة مؤكدة، مندوب إليه شرعًا، ومثاب عليه عند الله -تعالى- وإلى هذا الصنف تشير النصوص السابقة.
*والصنف الثاني أولئك الذين توافرت لهم أسباب الزواج، مع رغبة شديدة فيه، وتيقنه -غلبه الظن- أنه يقع في محظور شرعي إن لم يتزوج، فهذا الصنف يجب عليه الزواج لتحصيل العفاف والبعد عن أسباب الحرام، وذلك مع اشتراط أن يكون قادرًا على القيام بحقوق الزوجية، دون ظلم للطرف الآخر. فإن تيقن من أنه سيظلم الطرف الآخر بسوء خلق أو غير ذلك، وجب عليه أن يجتهد في تحسين خلقه وتدريب نفسه على حسن معاشرة شريك حياته.
*والصنف الثالث من لا شهوة له، سواء كان ذلك من أصل خلقته، أو كان بسبب كبر أو مرض أو حادثة. فإنه يتحدد حكم نكاحه بناء على ما يمكن أن يتحقق من مقاصد النكاح الأخرى، التي لا تقتصر على إشباع الغريزة الجنسية، كأن يتحقق الأنس النفسي والإلف الروحي به، مع مراعاة ما قد يحدث من ضرر للطرف الآخر، ولذا يجب المصارحة بين الطرفين منذ البداية في مثل هذا الأمر؛ ليختار كل من الطرفين شريكه على بينة.
وقد تبدو المصلحة الاجتماعية ظاهرة من زواج الصنف الثالث في بعض الحالات المتكافئة، كأن يتزوج رجل وامرأة كلاهما قد تقدم به السن، ولا حاجة لهما في إشباع رغبات جنسية بقدر حاجتهما إلى من يؤنس وحشتهما ويشبع عاطفة الأنس والسكن. أو نحو ذلك من الحالات المتكافئة، فهؤلاء يستحب لهم الزواج لما فيه من مقاصد شرعية طيبة، ولا ضرر حادث على الطرفين.
فوائد الزواج وثمراته:
والزواج باب للخيرات، ومدخل للمكاسب العديدة للفرد والمجتمع، ولذلك فإن من يشرع في الزواج طاعة لله واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجد العون من الله، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)
[الترمذي، وأحمد، والحاكم]. وبذلك يصبح الزواج عبادة خالصة لله يثاب المقبل عليها .
أما عن ثمراته فهي كثيرة، فالزواج طريق شرعي لاستمتاع كل من الزوجين بالآخر، وإشباع الغريزة الجنسية، بصورة يرضاها الله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: (حُبِّب إليَّ من دنياكم: النساء والطيب، وجُعلتْ قرَّة عيني في الصلاة) [أحمد، والنسائى، والحاكم].
والزواج منهل عذب لكسب الحسنات. قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بُضْع (كناية عن الجماع) أحدكم صدقة). قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم، لو وضعها في حرام، أكان عليه وِزْر؟). قالوا: بلى. قال: (فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم -أيضًا-: (وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في (فم) امرأتك) [متفق عليه].
والزواج يوفر للمسلم أسباب العفاف، ويعينه على البعد عن الفاحشة، ويصونه من وساوس الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان (أي أن الشيطان يزينها لمن يراها ويغريه بها) فإذا رأى أحدكم من امرأة (يعني: أجنبية) ما يعجبه، فلْيَأتِ أهله، فإن ذلك يردُّ ما في نفسه) [مسلم].
وهو وسيلة لحفظ النسل، وبقاء الجنس البشرى، واستمرار الوجود الإنساني، قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء} [النساء: 1]. فهو وسيلة -أيضًا- لاستمرار الحياة، وطريق لتعمير الأرض، وتحقيق التكافل بين الآباء والأبناء، حيث يقوم الآباء بالإنفاق على الأبناء وتربيتهم، ثم يقوم الأبناء برعاية الآباء، والإحسان إليهم عند عجزهم، وكبر سِنِّهم.
والولد الصالح امتداد لعمل الزوجين بعد وفاتهما، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنْتفَع به، أو ولد صالح يدعو له) [مسلم].
والزواج سبيل للتعاون، فالمرأة تكفي زوجها تدبير أمور المنزل، وتهيئة أسباب المعيشة، والزوج يكفيها أعباء الكسب، وتدبير شئون الحياة، قال تعالى: {وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم: 21].
والزواج علاقة شرعية، تحفظ الحقوق والأنساب لأصحابها، وتصون الأعراض والحرمات، وتطهر النفس من الفساد، وتنشر الفضيلة والأخلاق، قال تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المعارج: 29-31].
وقال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم راع ومسئول عن رعيته) [متفق عليه].
كما يساهم الزواج في تقوية أواصر المحبة والتعاون من خلال المصاهرة، واتساع دائرة الأقارب، فهو لبنة قوية في تماسك المجتمع وقوته، قال تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربك قديرًا} [الفرقان: 54].
ولما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق في غزوة المريسيع، وأسر منهم خلقًا كثيرًا، تزوج السيدة جويرية بنت الحارث - وكانت من بين الأسرى- فأطلق الصحابة ما كان بأيديهم من الأسرى؛ إكرامًا للرسول صلى الله عليه وسلم وأصهاره، فكان زواجها أعظم بركة على قومها.
كان هذا بعضًا من فوائد الزواج الكثيرة، وقد حرص الإسلام أن ينال كل رجل وامرأة نصيبًا من تلك الفوائد، فرغب في الزواج وحث عليه، وأمر ولى المرأة أن يزوجها، قال تعالى: {وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم} [النور: 32]. واعتبر الإسلام من يرفض تزويج ابنته أو موكلته - إذا وجد الزوج المناسب لها - مفسدًا في الأرض. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد) [الترمذي].
النية في النكاح:
عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللَّه ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) [متفق عليه].
وبالنية الصالحة التي يبتغى بها وجه اللَّه، تتحول العادة إلى عبادة. فالناس عندما يتزوجون منهم من يسعى للغنى والثراء، ومنهم من يسعى لتحصين نفسه، فالنية أمر مهم في كل ذلك.
فإذا أقبل المسلم على الزواج، فعليه أن يضع في اعتباره أنه مقدم على تكوين بيت مسلم جديد، وإنشاء أسرة؛ ليخرج للعالم الإسلامي رجالا ونساءً أكفاءً، وليعلم أن في الزواج صلاحًا لدينه ودنياه، كما أن فيه إحصانًا له وإعفافًا.
الزواج نصف الدين:
الزواج يحصن الرجل والمرأة، فيوجهان طاقاتهما إلى الميدان الصحيح؛ لخدمة الدين؛ وتعمير الأرض، وعلى كل منهما أن يدرك دوره الخطير والكبير في إصلاح شريك حياته وتمسكه بدينه، وأن يكون له دور إيجابي في دعوته إلى الخير، ودفعه إلى الطاعات، ومساعدته عليها، وأن يهيِّئ له الجو المناسب للتقرب إلى اللَّه، ولا يكون فتنة له في دينه، ولا يلهيه عن مسارعته في عمل الخيرات، فالزوجة الصالحة نصف دين زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: (من رزقه اللَّه امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتَّق اللَّه في الشطر الباقي) [الحاكم].
الحُبُّ والزواج:
تنمو عاطفة الحب الحقيقي بين الزوجين حينما تحسن العشرة بينهما، وقد نبتت بذوره قبل ذلك أثناء مرحلة الخطبة، وقد نمت المودة والرحمة بينهما وهما ينميان هذا الحب، ويزكيان مشاعر الألفة، وليس صحيحًا قول من قال: إن الزواج يقتل الحب ويميت العواطف. بل إن الزواج المتكافئ الصحيح الذي بني على التفاهم والتعاون والمودة، هو الوسيلة الحيوية والطريق الطيب الطاهر للحفاظ على المشاعر النبيلة بين الرجل والمرأة، حتى قيل فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم يُرَ للمتحابَيْن مثل النكاح) [ابن ماجه، والحاكم].
والزواج ليس وسيلة إلى الامتزاج البدني الحسي بين الرجل والمرأة فحسب، بل هو الطريق الطبيعي لأصحاب الفطر السليمة إلى الامتزاج العاطفي والإشباع النفسي والتكامل الشعوري، حتى لكأن كل من الزوجين لباسًا للآخر، يستره ويحميه ويدفئه، قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187].
وتبادل مشاعر الحب بين الزوجين يقوِّي رابطتهما، فالحب أمر فطر الله الناس عليه، وهو رباط قوي بين الرجل وزوجته، فهو السلاح الذي يشقان به طريقهما في الحياة، وهو الذي يساعدهما على تحمُّل مشاقَّ الحياة ومتاعبها.
ولقد اهتمَّ الإسلام بعلاقة الرجل والمرأة قبل الزواج وبعده وكان حريصًا على أن يجعل بينهما حدًّا معقولاً من التعارف، يهيئ الفرصة المناسبة لإيجاد نوع من المودة، تنمو مع الأيام بعد الزواج، فأباح للخاطب أن يرى مخطوبته ليكون ذلك سببًا في إدامة المودة بينهما، فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يخطب امرأة: (انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) [الترمذي والنسائى
وابن ماجه].
ومع ذلك كان حريصًا على وضع الضوابط الشرعية الواضحة الصريحة؛ لتظل علاقة خير وبركة.. وشدَّد في النهي عن كل ما يهوى بهذه العلاقة إلى الحضيض، ونهي عن كل ما يقرب من الفاحشة والفجور؛ فمنع الاختلاط الفاسد والخلوة، وغير ذلك.
ونتيجة للغزو الفكري للمجتمعات الإسلامية؛ بدأت تنتشر العلاقات غير الشرعية بين الشباب والفتيات قبل الزواج، تحت شعارات كاذبة مضللة، وبدعوى الحب والتعارف، وأن هذا هو الطريق الصحيح للزواج الناجح، وهذا الأمر باطل. ومن دقق النَّظر فيما يحدث حولنا يجد أن خسائر هذه العلاقات فادحة، وعواقبها وخيمة، وكم من الزيجات فشلت؛ لأنها بدأتْ بمثل هذه العلاقات، وكم من الأسر تحطمت؛ لأنها نشأت في ظلال الغواية واتباع الهوى.
تأخُّر سِنِّ الزواج:
بدأتْ ظاهرة تأخُّر سن الزواج تنتشر في بعض البلاد الإسلامية، فارتفع متوسط سن الزواج لدى الشباب، وارتفع متوسط سنِّ زواج الفتيات بشكل غير طبيعي.
ومن المعروف أن الوصول إلى السن الذي يكتمل فيه بلوغ الشباب والفتيات نفسيًّا وعقليًّا وبدنيًّا، يجعلهم أكثر قدرة على تحمل واجبات الزواج، ولكنَّ تأخر الزواج إلى مثل هذه السن يعطِّل الطاقات، وينجرف بها إلى طريق غير صحيح، وربما ساعد على انتشار الفاحشة، كما أن التأخر في الزواج يرهق الشباب والفتيات من أجل حفظ أعراضهم، وردع النفس عن اتباع الهوى.
ويرجع تأخُّر سن الزواج إلى أسباب عديدة، منها ما هو مادي، ومنها ما هو اجتماعي، ومن هذه الأسباب:
- رغبة الفتاة في الزواج من رجل غني، فترفض هي أو وليها كل خاطب فقير أو متوسط الحال، لأنها تحلم بأن تمتلك بيتًا، أو تركب سيارة فارهة، أو تلبس الأزياء الراقية.
- المغالاة في المهر المعجل منه والمؤجل.
- إرهاق الزوج باشتراط فخامة الأثاث وغيره.
- تنازل الزوج عن كل ما جمعه في بيت الزوجية، فالوليُّ يكتبُ قائمة بمحتويات المنزل الذي أعده الزوج؛ ليوقع بالتنازل عنه، فإذا ترك زوجته، ترك المنزل بما فيه، وخرج بمفرده. مع ملاحظة أنه يتنازل عن أثاث البيت بموجب توقيعه على القائمة في مقابل المهر الذي لم يدفعه لها قبل الزواج.
- فقر الشباب، فهناك الكثير من الشباب الذي لا يمتلك مالا، ولا وظيفة، ولا ميراثًا، ولا غير ذلك من مصادر الدخل، فينتظر حتى تتهيأ له سُبُل الزواج.
- انتشار الاعتقاد بضرورة إتمام الفتاة أو الفتى مراحل التعليم؛ فلا يتزوج أحدهما حتى يتم المرحلة الجامعية، وقد يؤخر البعض التفكير في الزواج حتى يحصل على درجة الماجستير أو الدكتوراه.
- ظروف الدولة الاقتصادية، ومدى توفيرها لفرص العمل، فإذا انتشرتْ البطالة في الدولة أحجم الشباب عن الزواج؛ لعجزهم عن الوفاء بتكاليفه.
- انتشار الرذيلة والفساد؛ حيث يلجأ بعض الشباب في المجتمعات الفاسدة إلى تصريف شهواتهم بطريق غير مشروع، ويترتب على هذا زهدهم في الزواج؛ نتيجة لفهمهم الخاطئ لأهداف الزواج السامية.


الحقوق محفوظة لكل مسلم

عكرمه المقدسي
07-10-2009, 11:35 AM
لخطبة
الخِطبة طلب الزواج، وهي اتفاق مبدئي عليه، ووعد يجب على الجميع احترامه، وتعتبر الخطبة أولى خطوات الزواج. وكل عقد من العقود ذات الشأن والأهمية لها مقدمات تمهد لها وتهيئ الطريق إلى إتمامها على خير وجه، ولأن الزواج من الأمور الهامة فقد نظم الشارع الحكيم -سبحانه- مقدماته، واختصها ببعض الأحكام الشرعية الضابطة لحركة المقْدمين عليه سواء في ذلك الرجل أو المرأة. والخطبة هي تلك المقدمة الطبيعية للزواج.
ومن السنة إخفاء الخطبة، لأن الخاطب قد يرجع عن خطبته للمرأة فلا يزهد فيها الخطاب فلا يكون هناك إساءة إلى هذه المخطوبة، قال صلى الله عليه وسلم: (أظهروا النكاح، وأخفوا الخطبة). _[الديلمي، وصححه السيوطي].
والأصل في الخطبة أن تكون من الرجل، وهذا ما جاء في القرآن والسنَّة، في قوله تعالى مخاطبًا الرجال: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم} [البقرة: 235]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فليفعل) [أحمد، وأبو داود، والحاكم، والبيهقي] وفي ذلك حفظ لحياء المرأة، ورفع لمكانتها، وصون لكرامتها، كما أنه أسلم لئلا تخدع المرأة في رجل غير صالح وهي لا تدري.
ويجوز للمرأة أن تخطب إلى نفسها رجلاً ارتضته، وذلك بأن تحدث وليها في ذلك، أو ترسل إلى من اختارته رسولا أمينًا، فقد خطبتْ السيدة خديجة بنت خويلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز للولي أن يعرض من يلي أمرها على رجل صالح، ويحرص على أن يضعها في يد أمينة.
فقد ورد أنه لما توفي زوج حفصة بنت عمر بن الخطاب عرضها عمر على عثمان بن عفان، وقال له: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال عثمان: سأنظر في أمري. فمرت أيام، ثم قابله عمر، فقال: بدا لي ألا أتزوج يومي هذا. فقابل عمر أبا بكر، فقال له: إن شئت أنكحتك حفصة. فصمت أبو بكر ولم يقل شيئًا. ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم (طلب خِطبتها) بعد ذلك، فأنكحها إياه، ثم قابل أبو بكر عمرَ فيما بعد، وأعلمه أنه كان يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيخطبها. [البخاري].
شروط جواز الخطبة:
يشترط لجواز الخطبة شرطان:
الشرط الأول: أن تكون المرأة صالحة لأن يعقد عليها عند الخطبة، ولذا فإنه لا تجوز خطبة المرأة في بعض الأحوال، ومن ذلك:
خطبة المرأة المطلَّقة طلاقًا رجعيًّا (وهي التي طُلِّقَتْ مرّة أو مرّتين) في فترة العدة، فلا يجوز التصريح أو التعريض لها بالخطبة، (والتعريض: ذكر الخطبة بلفظ يحتملها ويحتمل غيرها)؛ وذلك لأن المطلقة طلاقًا رجعيًّا زواجها قائم، وحقوق الزوج عليها ثابتة مادامتْ في العدة، فله مراجعتها من غير تراض، مادامت في وقت العدَّة، فخطبتها كخطبة المتزوِّجة تمامًا.
أما المرأة التي توفي عنها زوجها وهي في فترة العدة؛ فيجوز التعريض لها بالخطبة، لقوله تعالى:{ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم} [البقرة: 235]، وذلك لعدم إمكان العقد في الحال، ولأنَّ التصريح قد يوغر صدور أولياء الميت، أو يجرح مشاعر المرأة، فلا يليق.
يُرَوْى أن سُكينة بنت حنظلة قالتْ: استأذن علَي محمد بن علي زين العابدين، ولم تَنْقَضِ عدتي من مهلك زوجي. فقال: قد عرفتِ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرابتي من علي، وموضعي في العرب. قلتُ: غفر الله لك يا أباجعفر، إنك رجل يؤخذ عنك، تخطبني في عِدَّتي؟! قال: إنما أخبرتُكِ بقرابتي من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن علي. فقد التزم التعريض ولم يخرج عنه إلى التصريح.
ولا يجوز خطبة المعتدة من طلاق بائن، وهي التي طلقتْ ثلاث مرات قبل انتهاء عدتها، لا بالتصريح ولا بالتعريض. ولا أن تطمع بسبب التعريض بالخطبة في الزواج، فتعلن أن عدتها قد انتهتْ، وهي لم تنتهِ، وليس لأحد تكذيبها؛ لأن عدتها ثلاث حيضات، فالله وحده هو المطلع عليها، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وقد أجاز الشارع التعريض بالخطبة للمعتدة من وفاة؛ لأن عدتها مقدرة بالأيام، لا بالحيضات، فهي: أربعة أشهر وعشرة أيام، قال تعالى: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234]. هذا ما لم تكن المعتدة من الوفاة حاملا، فإن كانت حاملا فعدتها حينئذ أن تضع حملها، قال تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}
[الطلاق: 4].
الشرط الثاني: ألا تُخْطَب المرأة وقد خطبها شخص آخر: فالإسلام دين يحرص على أن تظل العلاقات الاجتماعية بين المسلمين طيبة حسنة، ويرعى مشاعر الأُخُوَّة والمودة والمحبة بينهم؛ ولذا فإنه إذا خُطِبت المرأة لرجل، لا يحل لرجل آخر أن يخطبها، ولايحلُّ لها ولا لوليها قبول خطبته مادامت الخطبة الأولى قائمة.
والعلة في تحريم الخطبة على خطبة الغير أنه لا يجوز لمسلم أن يطمع فيما بين يدي أخيه، أو أن يُلحق الضرر به، أو يؤذي مشاعره وأحاسيسه، وحتى لا يكون للفتاة حق في ترك الخطيب الأول، إذا وقعت تحت إغراء خطيب آخر، أو فتنتْ به. قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل له أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر (يترك المخطوبة).
[أحمد ومسلم]. أما إذا تركها الخاطب الأول، جاز لغيره أن يتقدم لخطبتها، قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب) [متفق عليه].
خطبة الصغير والصغيرة:
أجاز جمهور العلماء لولي الصغيرة أن يقبل خطبتها، أو أن يخطب لها رجلا كُفْئًا؛ فقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة عائشة -رضي اللَّه عنها- وهي بنت ست سنين وقيل: سبع، وبني بها، وهي بنت تسع، فإذا كبرتْ هذه الصغيرة، وأصبحتْ فتاة بالغة رشيدة، فلها حق الاختيار بين الإبقاء على هذه الخطبة أو رفضها، فلابد أن تتلاقى إرادتها مع إرادة الولي في ذلك.
وفي بعض المجتمعات يتفق الآباء على تزويج صغير وصغيرة عندما يكبران، فإذا بلغا وأيدا هذا الاتفاق، فلا مانع من إتمام هذا الزواج على بركة اللَّه.
المفاضلة والاختيار بين عدد من الخطاب: إذا تقدم للفتاة أكثر من خاطب في وقت واحد، فإن لها ولوليها اختيار أفضلهم دينًا وأحسنهم سيرة، ويسترشد في ذلك باستخارة اللَّه -تعالى-، واستشارة عباده الصالحين، فقد تقدَّم
معاوية بن أبى سفيان، وأبو الجهم لخطبة فاطمة بنت قيس في وقت واحد، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستشيره، فقال: (أما معاوية فهو رجل تَرِبُ (شديد الفقر) لا مال له، وأما أبوالجهم فرجل ضَرَّاب (كثير الضرب) للنساء، ولكن أسامة (يريد أن يرغبها في أسامة بن زيد) [فأشارت بيدها] وقالت: أسامة. أسامة.. كأنها كرهت الزواج منه. فقال لها صلى الله عليه وسلم: (طاعة الله، وطاعة رسوله خير لك). فقالت: فرضيتُ بأسامة، وتزوجته فاغتبطتُ به. [مسلم].
الاستخارة في الخطبة:
تُسَنُّ في الزواج الاستخارة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخير ليعلم أصحابه الاستخارة في كل شيء، فعلى كل إنسان أن يستخير
اللَّه -عز وجل- في زواجه، ويطلب العون والرِّضا منه.
فعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: لمّا انقضتْ عِدَّة زينب بنت جحش -رضي اللَّه عنها-، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: (اذكرْها عليَّ). قال زيد: فانطلقتُ، فقلتُ: يا زينبُ. أَبْشِرِي، أرسلني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكُرك. فقالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أستأمر ربِّي. فقامت إلى مسجدها (أي: لتصلي) وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل بغير أمر. [النسائي].
وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كُلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: (إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقُدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تَقْدِر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنتَ تعلم أن هذا الأمر (ويذكر الأمر الذي يستخير فيه) خيرٌ لى في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (أو قال: عاجل أمري وآجله)، فاقْدِرْه لي، ويَسِّرْه لي، ثم باركْ لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويذكر الأمر الذي يستخير فيه) شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (أو قال: عاجل أمري وآجله)، فاصرفه عني، واصرفْني عنه، واقْدِرْ لِيَ الخير حيث كان، ثُمَّ ارضني به) [البخاري].
الاستشارة في الزواج:
إذا كان الإسلام يطلب من المرأة ووليها اختيار الرجل الصالح ذي الخلق الحسن، الكفء، فلابُدَّ من التحقق والتدقيق في التعرُّف على الخاطب، ومعرفة كل ما يتعلَّق به.. والسبيل في ذلك: السؤال عنه بين أهله، أوفي مكان عمله، أو بين أصدقائه.
وكذلك على الفتاة ووليها استشارة الصالحين وأهل الخبرة قبل الموافقة، فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار. فمن الصواب- إذا جاء خاطب - أن يأخذ ولي الأمر مهلة من الزمن؛ ليسأل عنه، ويستوثق منه؛ تفاديًا لحدوث التغرير، وصونًا للمرأة، وحفظًا لحقوقها.
الشفاعة في التَّزويج:
من المستحب أن يسعى المسلم لتزويج اثنين، ويوفق بينهما، إذا رأى صلاحهما، وعلم توافقهما وتماثلهما؛ طلبًا لإعفافهما، ففي ذلك طاعة لله، وله بذلك أجر. قال صلى الله عليه وسلم: (من أفضل الشفاعة أن يشفع بين اثنين في النكاح) [ابن ماجه]، على أن يلتزم في كل ذلك بكل ما أمر الشرع من صدق وأمانة وغير ذلك. ولذا فقد أرسلتْ السيدة خديجة -رضي اللَّه عنها- نفيسة بنت مُنبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم -قبل بعثته- لتشفع في زواجهما، وكانت امرأة فطنة تجيد الكلام، وتحسن التصرف، فقالتْ له: يا محمد، ما يمنعك من الزواج، فيجيبها قائلا: (ما عندي ما أتزَّوج به) فردت عليه قائلة: فإن كفيت ذلك، ودعيتَ إلى المال والجمال والشرف. فيسألها أن تفصح له عمن تقصد، فتخبره أنها خديجة، فتزوجها صلى الله عليه وسلم، فكانت له نعم الزوجة، وكان لها نعم الزوج.
وهناك جانب سلبي للشفاعة، ويحدث عندما يلجأ الخاطب إلى اصطحاب من يشفع له من أهل التقوى، أو من أصحاب الجاه والنفوذ. وكثيرًا ما يقبل وليُّ الأمر تزويج من يلي أمرها مجاملة لهؤلاء الشفعاء والوسطاء دون العودة إليها، وفي ذلك ظلم للمرأة يجب الحذر منه، فلا يبدى الولي رأيه إلا بعد رأي مولاته، فإذا تشفَّع شافع لخاطب ليس أهلا للقبول، فليعتذر إليه، ولا يقبل، فالله سبحانه سائل كل راعٍ عما استرعاه، أحفظ أم ضيَّع.
وقد شفع النبي صلى الله عليه وسلم لمغيث عند بريرة أن تُبقى على رباط زواجهما؛ لعلمه بحبه لها. فقد تزوج مغيث بريرة وكانا عبدين، وكان مغيث أسود، وكان يحبها حُبًّا شديدًا، فلما أُعتقتْ بريرة، هام على وجهه يستغيث بمن يقربها منه، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم يمشي خلفها، ودموعه تجري على خديه، من فرط حبه لها، قال لها صلى الله عليه وسلم: (لو راجعتيه فإنه
أبو ولدك) فقالت: أتأمرني يا رسول اللَّه؟ فقال: (لا، إنما أشفع) فقالت: لا حاجة لي به. فقال لعمه: (يا عباس. ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغضها له) [البخاري].

النظر إلى المخطوبة:
حرص الإسلام على دوام العشرة بين الزوجين وحصول المودة والمحبة بينهما، وكذلك حصول السكن النفسي لكل منهما؛ ولذلك أباح نظر كل من الطرفين للآخر؛ حتى يطمئن إلى من سيختاره، على الرغم من تحريم النظر لغير حاجة، والأمر بغض البصر فيما سوى ذلك.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) قال جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-: فخطبتُ امرأة من بني سلمة فكنتُ أختبئ لها تحت الكُرَب (أي: بين النخيل)؛ حتى رأيتُ منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها. [أحمد، وأبوداود].
ويجوز للرجل أن ينظر إلى من يريد خطبتها بإذن من وليها في حضور محرم، فإن تعذر ذلك، فإنه لا يشترط في النظر الإذن والسماح به. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن ينظر إلى من يرغب في خطبتها، فقال: (اذهب فانظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما (أي: تحصل الموافقة والملاءمة بينكما) [النسائي، والترمذي].
ويجوز للخاطب أن يرسل إلى المرأة من ينظر إليها- بغرض خطبتها- ثم يعود إليه بالخبر، فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أم سليم تنظر إلى جارية، فقال صلى الله عليه وسلم: (شُمِّي عوارضها (فمها)، وانظري إلى عرقوبها (أسفل ساقيها مع القدم) [أحمد].
وكما يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة، فإنه يجوز للمرأة -أيضًا- أن تنظر إلى المتقدم لخطبتها، ولها أن تنظر إليه فيما عدا عورته، وينظر الرجل إلى وجه المرأة (وهو مجمع الحسن فيها)، وكفيها (ومنهما تبدو نَحَافة الجسم أو سَمَانته). ولهما أن يكررا النظر؛ حتى تستقرّ صورة كل منهما في ذهن الآخر، ويطمئن إليه.
ويجب أن لا يكون ذلك مبررًا لتعدى حدود اللَّه، واتباع الشهوات، بحجة الخطبة، فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وعليهما أن يتحليا بالأخلاق الفاضلة، فلا ينطق أحدهما بكلمة تسيء إلى الآخر؛ كأن يتحدث الخاطب عن الدمامة والقبح، إذا كانت مخطوبته غير جميلة.
ما يترتب على الخطبة:
الإسلام دين القصْد والاعتدال، فهو يحافظ على الأعراض، وفي نفس الوقت يعطي للزواج مقدماته التي تساعد على إنجاحه اجتماعيًّا، ولذلك شرع الخطبة بوصفها مقدمة للنكاح؛ ليتعرف كل من الطرفين بالآخر في إطار من الحفظ والصيانة، وليستعد كل من الطرفين لاستقبال الحياة الجديدة في ضوء معرفته بشريك حياته.
ولأن الخطبة مجرد وعد بالزواج قد يتم وقد لا يتم، فإن الإسلام احتاط لذلك، وكان هذا في مصلحة المرأة؛ صيانة لها، وإبعادًا عن مواطن الشك والريبة فيها، فلا يحل للرجل من مخطوبته شيء، كما لا يحل للمرأة شيء من خطيبها، فكلاهما لم يزل أجنبيًّا عن الآخر، فيحرم عليهما كل ما يحرم على الرجل والمرأة الأجنبيين، فلا يحل النظر، لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النور: 30-31].
كما لا يحل اللمس في جميع صوره، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لأن يطْعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسَّ امرأة لا تحل له)
[الطبراني، والبيهقي]. ولا يحل الخضوع بالقول أو ميوعة الكلام بينهما؛ لقوله تعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} [الأحزاب: 32]
ولا يجوز للمخطوبة إبداء زينتها، أو إظهار شيء من جسدها للخاطب، ولا تحل الخلوة بينهما، ويجوز جلوسها في حشمة ووقار مع الخاطب في وجود مَحْرَم. قال صلى الله عليه وسلم: (لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) [البخاري]. فالخطبة في شريعتنا الإسلامية الغرَّاء لا تحل أمرًا كان محظورًا قبلها.
علاقة الخاطب بالمخطوبة وأهلها:
الخطبة فترة تعارف وتقارب بين الخاطب وأهل مخطوبته؛ حتى يتم التواصل والمودة بينهما، فتتآلف القلوب، وتتقارب النفوس، وينشأ جو من العلاقات الطيبة التي ستصبح بحق مودة ورحمة بعد الزواج إن شاء اللَّه.
وفترة الخطبة فترة حساسة، وإذا غاب الجانب الشرعي، ولم يراعَ من كلا الطرفين، أصبحت الخطورة ماثلة أمام الجميع، ومن الناس مَنْ يترخَّصون في علاقاتهم في هذه الفترة، ومن ذلك:
- دخول الخاطب بيت خطيبته، كأنه فرد من أفراده بمجرد الخطبة.
- جلوس الخاطب مع خطيبته، منفردًا بها، في بيتها أو غيره.
- خروجها معه للتنزه، أو الذهاب إلى بيته.
- تبادل الرسائل الغرامية والصور.
فكل هذا مرفوض ولا يليق بالمسلم ولا المسلمة، وعلى الخاطب أن يتعامل مع خطيبته، وأهلها بصورة يرضاها اللَّه ورسوله، ومن ذلك:
- أن يزورها في بيت أهلها في وجود محرم وهي ملتزمة بزيِّها الشرعي.
- أن يهديها بعض الهدايا.
- أن يسأل عنها، ويزور أهلها ويصلهم.
- أن يقبل دعوة أهلها إلى الطعام.
وعلى الخطيبين أن يتحدثا معًا -في وجود محرم- بما يحقق الود والطمأنينة، دون خوض في الأسرار، أو كشف للعورات، فكثيرًا ما يخطئ الخطيبان، فيبوح كل منهما للآخر بأسراره، وهذا خطأ كبير، فقد يحدث ما لا تُحمد عقباه، فيختلفان، ويفترقان، وقد يكون الخاطب على غير وازعٍ من الدين يمنعه من ظلم الآخرين، فيهدِّد خطيبته السابقة بما يحمل من وثائقَ قد تدينها.
وعلى الخطيبين أن يجتهدا لتكون فترة الخطبة وسطًا بين القصر والطول؛ بحيث يتمكن كل منهما من الاطمئنان للآخر، وكلما قصرت المدة كان أفضل. ومن الخطأ أن تكون فترة الخطبة طويلة بغير ضرورة أو بدون سبب قاهر، فمتى توافرت ظروف البناء فالأولى تعجيله.
فسْخ الخطبة:
الخطبة وعد بالزواج بين طرفين، وليست عقدًا ملزمًا، والرجوع عنها لغير مبرر شرعي إخلاف للوعد، والشرع لم يحكم على من أخلف الوعد بعقوبة مادية، وإنما وكل أمره إلى الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، فإذا قدم الخاطب المهر بعد الخطبة، ثم عدل عنها فله الحق في استرداده كاملا، أما الهدية فهي كالهبة، لا يحق للخاطب التارك لمخطوبته أن يستردها، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لأحد يعطى عطيَّةً، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد يعطي ولده) [أصحاب السنن].
وعند الأحناف أن للخاطب استرداد هداياه إن لم تتغير عن حالتها، فيسترد الإسورة والخاتم والعقد والساعة، ونحو ذلك، فإن لم تكن قائمة على حالتها؛ كأن تتغير بالزيادة أو النقصان؛ كالطعام أو القماش ونحوها، فليس للخاطب الحق في استردادها.
أما المالكية فقد أقاموا الحكم تبعًا لمن كان سببًا في العدول عن الخطبة، فإن كان العدول من جهة الخاطب فليس له شيء مما أهداه إليها، وإن كان العدول من جهتها فله الحق أن يسترد كل ما أهداه سواء كان باقيًا على حاله أو تغير أو هلك، فيعوض بدلاً منه. وعند الشافعية ترد الهدية سواء كانت قائمة أو هالكة. فإن كانت قائمة رُدَّت بذاتها، وإن كانت هالكة رُدَّتْ قيمتها.


الحقوق محفوظة لكل مسلم

عكرمه المقدسي
07-10-2009, 11:36 AM
المهر
المهر (أو الصداق): حق مالي للمرأة على الرجل الذي يتزوجها بعقد زواج صحيح، ليس لأبيها ولا لأقرب الناس إليها أن يأخذ شيئًا من مهرها إلا بإذنها ورضاها، قال تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} [النساء: 4]. (أي: آتوا النساء مهورهن عطاءً مفروضًا). وقال تعالى: {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف} [النساء: 25] والمهر يُطيِّب نفس المرأة،، وهو دليل على الحب والصدق، والرغبة في التعاون والمشاركة في الحياة الزوجية.
ولم يضع الشرع حدًّا لأقل المهر وأكثره. والمعيار في ذلك قدرة كل رجل واستطاعته، فيجوز للرجل أن يجعل مهر زوجته قنطارًا من ذهب، ولعل هذا ما أشارت إليه الآية الكريمة على وجه الإباحة. قال تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا} [النساء: 20].
وذات يوم قام الخليفة عمر -رضي الله عنه- في الناس خطيبًا، فقال: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية من فضة، فمن زاد أوقية جعلت الزيادة في بيت المال. فقالت امرأة: ما ذاك لك. قال: ولِمَ؟ فقالت: لأن الله تعالى يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارًا} [النساء: 20] فقال عمر: اللهم عفوًا، كل الناس أفقه من عمر. [أبو يعلي].
لكن الإسلام رغب في تيسير المهور، واعتبر أكثر النساء يمنًا وبركة، أقلهن مهرًا. فلا يحسن بالمرأة أو وليها أن يفرض على الراغب في الزواج مهرًا كبيرًا يعجز عن أدائه، وقد أرشد الشرع الحنيف إلى التيسير في المهور، ليرغب الشباب في الزواج، فيحصنوا أنفسهم، وتعف نساء المسلمين، ولتكوين البيت الذي هو أساس المجتمع. والمغالاة في المهور عواقبها وخيمة؛ فهي تؤدِّي لانتشار العنوسة بين النساء، وحرمانهن من الزواج، كما تؤدي إلى تعطيل زواج الشباب، وهذا وذاك يؤدي إلى انحلال الأخلاق، وانتشار الفساد في المجتمع.
وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يرغب دائمًا في تخفيف المهور على الراغبين في الزواج، فقال: لا تغالوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، كان أولاكم وأحقكم بها محمد صلى الله عليه وسلم. ما أصْدَقَ امرأة من نسائه، ولا أُصْدِقَتْ امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية (والأوقية: عشرون درهمًا). [ابن ماجه].
ولحرص النبي صلى الله عليه وسلم على تخفيف المهور، زوج رجلاً بما يحفظه من القرآن. فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله. إني وهبتُ نفسي لك. فقامتْ قيامًا طويلا، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، زوجني بها إن لم يكن لك بها حاجة. فقال صلى الله عليه وسلم: (هل عندك من شيء تُصْدقُهَا إياه؟). فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئًا). فقال: ما أجد شيئًا، فقال: (التمس ولو خاتمًا من حديد)، فالتمس فلم يجد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هل معك من القرآن شيء؟) قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسور يسميها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(قد زوجتكما بما معك من القرآن) [متفق عليه].
ومن النساء من رضيتْ بإسلام زوجها مهرًا لها، فعن أنس -رضي الله عنه- أن أبا طلحة خطب أُمَّ سُلَيْم -رضي الله عنها- فقالت: والله ما مثلك يُرَدّ، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجَك، فإن تُسْلِم فذلك مَهْرِي، ولا أسألك غيره، فأسلم. فكان ذلك مهرها.
وللمهر أحكام تختلف حسب توقيت البناء بالزوجة، وتسمية المهر، وذلك على النحو التالي:
1- يجب المهر المسمى على الرجل إذا دخل بزوجته دخولا شرعيًّا قال تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا. وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا} [النساء: 20-21].
فإذا مات الزوج قبل البناء، وكانا قد اتفقا على مقدار المهر، فيجب المهر المسمى -أيضًا- فإذا بنى الرجل بامرأة، ثم تبين له فساد عقد الزواج لسبب أو لآخر، فقد وجب عليه المهر كله. فقد تزوج (بصرة بن أكثم) بكْرًا فوجدها حبلى، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (لها الصداق بما استحلْلت من فرجها)، وفرَّق بينهما. [أبوداود].
2- وإذا عقد الرجل على امرأة، وقد سمَّى لها المهر، ثم طلقها قبل الدخول بها، فلها نصف المهر، ويستحب لكل من الرجل والمرأة أن يعفو عن حقه أو جزء منه؛ ذكرًا للفضل الذي كان بينهما. قال تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وإن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير} [البقرة: 237] (أن يعفون: أي النساء، والذي بيده عقدة النكاح: هو الزوج).
3- أما إذا عقد رجل على امرأة، ثم طلقها قبل الدخول بها، ولم يفرض لها مهرًا، فقد وجب عليه أن يمتِّعها؛ تعويضًا لها عما فاتها، وتطييبًا لنفسها عن ألم الفراق. قال تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًا على المحسنين} [البقرة: 236]. والمتعة: ليس لها حدٌّ معين، فهي تختلف باختلاف غنى الرجل أو فقره.
4- وإذا بنى الرجل بزوجته، ولم يحدِّدْ لها مقدار المهر، فللزوجة مهر المثل وهو مهر من يماثلها من النساء.
وإذا عقد الرجل على امرأة، ولم يدخل بها، ولم يتفقا على مقدار المهر، ثم مات عنها، فلها مهر المثل والميراث، ويقدر مهر المثل عند الأحناف والشافعية تبعًا لما يُدفع لنساء أسرة الأب؛ كالأخت والعمة، مع مراعاة التماثل في الجمال والبكارة، والثقافة، والخلق والدين، وما يراعى من صفات تقدير المرأة بوجه عام. وعند مالك: يكفي التماثل في الصفات ولو من غير القرابة. وعند
ابن حنبل روايتان: الأولى أنه اعتبار قرابتها للأب، والأخرى اعتبار قرابتها للأم.
5- وإذا اشترط في العقد ألا يكون هناك مهر، فينعقد العقد، ويبطل الشرط، وللمرأة حق في مهر مثيلاتها، وذلك عند جمهور الفقهاء أيضًا.
6- ويسقط المهر عن الرجل إذا وهبته له المرأة، أو كانت المرأة سببًا في حدوث الفرقة؛ كأن وجد بها عيبًا يمنعه من تمام الاستمتاع بها.
7- وللزوجة أن تأخذ مهرها معجلا -في وقت العقد- أو مؤجلا فيما بعد، أو تأخذ بعضه وتؤخر بعضه. وعلى الزوج أن يعلم أن مهر زوجته دَيْن عليه، يحسن أن يؤديه إليها متى استطاع، ويجب أداؤه عند حلول أحد الأجلين الموت أو الطلاق.
الشبكة
جرتْ الأعراف على أن يقدِّم الرجل (الشبكة) لمن يرغب في خطبتها، تقديرًا لها، وتعبيرًا عن مشاعره الطيبة نحوها، وقد يقَدمها في صورة ذَهَب أو غيره مما غلا ثمنه، وتعتبر الشبكة هدية أو جزءًا من المهر تبعًا لاتِّفاق الزوجين، فإذا قدمها، وقال: هذه هدية مني إليك عرفانًا بالحب والتقدير، فهي هبة وليست مهرًا. أما إذا قدمها، وقال: هذه جزء من المهر فله ذلك، والأفضل إشهاد رجلين على تقديم الشبكة؛ حتى لا ينكر أحد الطرفين ما اتفقا عليه، وتجري على الشبكة أحكام المهر إذا كانت جزءًا منه، فإذا لم يتفقا على ذلك جرتْ عليها أحكام الهدية.
ومن كرم المرأة وأهلها ألا تشترط على الخاطب أن يقدم الشبكة بمقدار
معيَّن. ولا مانع أن يقدِّم الرجل الشبكة لمن يريد الزواج بها في حضور أهله وأهلها، في حفل صغير، يتعارف فيه أهل الزوجين ويتقاربان، وتتوطِّد العلاقات بينهما على أن يلتزم الجميع في هذا اللقاء بالآداب الشرعية الخاصَّة بالاختلاط والزِّي.
وكثيرًا ما نرى الخاطب يقوم بإلباس الشبكة لمخطوبته في حضور الأهل والأقارب، وفي هذا مخالفة شرعية؛ حيث إنه لا يجوز للخاطب أن يلمس جسم مخطوبته، ويمكن أن تقوم بذلك أمُّه أو أخته، أو يكتفي بتقديمها، ثم يُلبسها مخطوبته بعد ذلك. وفي بعض الأحيان تُقدَّم الشبكة بعد العقد، ولا مانع حينئذ من أن يلبس الرجل المرأة الشبكة. والمرأة لا تشترط على الرجل أن يلبس خاتمًا (أو ما يسمى دْبِلَةَ الخُطُوبة) ذهبيًّا، ولو اشترطت فشرطها باطل، ولا اعتبار له، فهذا مخالف للشريعة قال صلى الله عليه وسلم: (الذهب والحرير حلٌّ لإناث أمتي، وحرام على ذكورها) [الطبراني].
تأثيث البيت:
الرجل هو المسئول عن إعداد بيت الزوجية، وتجهيزه بالأثاث المناسب، ولأهل المرأة أن يتعاونوا مع الرجل في تحمل بعض النفقات، وليس ذلك واجبًا مفروضًا عليهم، وإنما هو إعلانٌ عن حبهم له، وكسبٌ لمودته، فعن علي -رضي اللَّه عنه- قال : (جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل (ثوب له وبر؛ كالقطيفة)، وقِرْبَة، ووسادة حَشْوُها إذْخَر (نبات طيِّب الرائحة)._[النسائي].
وفي بعض الحالات يدفع الزوج المهر لأهل العروس؛ ليقوموا بتجهيز منزل الزوجية من هذا المهر، مع ما يضيفونه إليه من مالهم الخاص، وبهذا يكون الجهاز مِلْكًا للزوجة وحدها، وإنما يستعمله الزوج بإذنها. فإذا دفع الزوج المهر للعروس، ثم قام بإعداد منزل الزوجية وتأثيثه، فإن الجهاز يكون ملْكًا له. فإن اشترك كل من الزوجين في إعداده، كانا شريكين في ملكيته على قدر مشاركة كل منهما.
وفي بعض المجتمعات، يتفق الرجل مع ولي المرأة على تأثيث بيت الزوجية بشرط أن لا يدفع لها مهرًا مقابل تجهيزه لبيتها، وكأنه قدم لها المهر في صورة أثاث وأجهزة للبيت، وفي هذه الحالة يكون أثاث البيت مِلْكًا للمرأة؛ عِوَضًا عن المهر، وفي بعض الحالات تقسم المسؤوليات عند الزواج بتوزيع النفقات على الطرفين، وهذا ليس واجبًا على المرأة، أما إن تم بالتراضي فلا بأس.




الحقوق محفوظة لكل مسلم

عكرمه المقدسي
07-10-2009, 11:38 AM
لعقد والبناء
إنما جعلتْ العقود في الشريعة الإسلامية لضبط العلاقات بين الناس، وحفظ الحقوق المترتبة عليها، وحتى يكون هناك يقين من تحقق الرضا، وانتفاء الغش والغرور والخداع، وعلى هذا فإن عقد الزواج هو اتفاق بين رجل وولي المرأة على الزواج، وبه يحل لكل من الرجل والمرأة كل ما كان محرمًا
عليهما -مما يتعلق بالزواج- من قبل.
وللعقد ركنان أساسيان يجب توافرهما لصحة الزواج، وهما: الإيجاب والقبول. والإيجاب: هو تعبير الطرف الأول عن رغبته في إنشاء الصلة الزوجية. والقبول: هو موافقة الطرف الآخر على هذا الزواج. فالزواج ينعقد بلفظين يعبر بهما عن الماضي والمستقبل، كأن يقول الرجل: زوجني ابنتك فلانة. فيقول الولي: زوجتك إياها، أو يقول الولي: زوجتك ابنتي فلانة، فيقول الآخر: قبلتُ زواجها.
ولأن الإسلام دين عالمي، يراعي كل البيئات والأجناس والأحوال، فإن العقد ينعقد بأية لغة مادام يفهمها كل من المتعاقدين والشهود. كما أن الذي لا يستطيع الكلام يمكنه الكتابة أو حتى التعبير بالإشارة المفهومة، وحفاظًا على طرفي العقد (الرجل والمرأة)، وحرصًا على حقوق كل منهما، فقد اشترطت الشريعة الإسلامية بعض الشروط لصحة عقد الزواج، هي:
1- ولي المرأة: وهو من يتولى شأنها وشأن تزويجها، وقد يكون الوالد أو الأخ أو من في حكمهما من الأقارب، (من ناحية الأب، إذا لم يوجد الأب أو الأخ) ممن يسعى لمصلحة موكلته، ويحرص على سعادتها. قال صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي، وأيما امرأة تزوجتْ بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن لم يكن لها ولي، فالسلطان ولي من لا ولي له) [أبو داود].
وفي اشتراط الولي إعزاز للمرأة، وتقدير لها، وصون لحيائها عن مباشرة عقد الزواج بنفسها، وقد تحكِّم المرأة عاطفتها في أمر الزواج بمن يعرض عليها حبه والرغبة فيها، أما الولي فإنه يفحص الرجل، ويتحقق من حاله، ويتأكد من كفاءته لموكلته، ولذلك فقد رأى بعض الفقهاء أنه يحق للولي أن ينقض عقد الزواج إذا زوجت المرأة نفسها بغير كفء.
2- رضا كل من الرجل والمرأة بالزواج والارتباط: فلا يصح العقد بإكراه أي منهما على الزواج، ولذا فلا يجوز للولي أن يُكره موكِّلته على الزواج، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولاالبكر حتى تُستأذن) قالوا: يا رسول الله. وكيف إذنها ؟ قال: (أن تسكتْ) [الجماعة].
وعن بريدة -رضي الله عنه- قال: جاءتْ فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبى زوَّجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمر إليها. فقالت: قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن أُعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء [ابن ماجه]. وهكذا يكرم الإسلام المرأة ويرفض إكراهها على الزواج.
3- الإشهاد على الزواج: وتتحقق الشهادة برجلين مسلمين عاقلين بالغين يتصفان بالعدالة والأمانة، ولا تجوز شهادة النساء عند بعض الفقهاء. قال صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل)_[الترمذي]. وعلى الشاهدين أن يستمعا إلى كلام العاقدين، ويتحققا من صحته. وفي الشهادة تكريم للزواج، وتفرقة بين الحلال والحرام، ودفع لمقالات السوء عن هذه الحياة الزوجية الناشئة.
وهذا نوع من توثيق الحقوق وحفظها، وأما كتابة عقد الزواج، وتوثيقه في المحكمة، فهذا مما استحدث لتأكيد حقوق الزوجية؛ حتى لا يأتي الزوج يومًا وينكر زواجه؛ رغبة في كيد زوجته والتخلي عنها، فمن الناس من انعدمت الأخلاق عنده، ومنهم من لا دين له.
4- أن تكون صيغة العقد مؤبدة: غير مؤقتة بزمن، وهذا التأبيد فيه قيام مصلحة الحياة الاجتماعية، فالأسرة التي ستنشأ تحتاج إلى استقرار العيش وديمومته، أما تأقيت العقد فيجعل كلا الطرفين غير مستقر، فلا تدوم العشرة بينهما،ولهذا فإن نكاح المتعة باطل، ومحرم شرعًا؛ لأنه مؤقت بزمن معين. كما يشترط في صيغة العقد أن تكون مُنجزة غير معلَّقة على شرط يمنع انعقاد العقد، كأن يقول الولي: زوجتك ابنتي، فيقول الآخر: قبلت زواجها إذا تسلمتُ وظيفتي، فذلك يبطل العقد.
5- ألا تكون المرأة مُحرََّمة على الرجل .
الشروط المقترنة بالعقد:
يجوز للمرأة أن تشترط على زوجها شروطًا في العقد، وعليه الوفاء بها، فالمسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالا. قال صلى الله عليه وسلم: (أحق الشروط أن يُوفى به ما استحللتم به الفروج) [متفق عليه]. فلها أن تشترط عليه أن يهيئ لها بيتًا مناسبًا. بينما لا يجوز لها أن تشترط شرطًا يسقط حقًّا من حقوق الزوج، كأن تشترط عليه ألا يجامعها، فترهقه، وتحرمه من الولد.
إعلان النكاح وما يباح فيه من الغناء:
رغَّب الشرع في إعلان الزواج؛ ليختلف عن نكاح السر المحرم، وحتى يعلم القريب والبعيد، وليكون ترغيبًا لسائر الشباب في الزواج. قال صلى الله عليه وسلم: (أعلنوا النكاح) [أحمد، والحاكم].
وفي بعض المجتمعات يتم العقد في المساجد عقب إحدى الصلوات؛ حيث يكون الناس متوضئين، ولعل دعواتهم للزوجين تقبل عند الله -عز وجل- ويجب ألا يسيء ذلك إلى المسجد ووقاره وآدابه؛ كأن ترتفع الأصوات أو غير ذلك. ويجوز الغناء للعروسين، بشرط ألا يكون الغناء مثيرًا للغرائز والشهوات، وأن لا يختلط الرجال بالنساء، فتغنى المرأة للنساء، والرجل للرجال، وأن لا يكون في المقام ما حُرِّم، كشرب الخمر، أو ميوعة المغنى، فعن عامر بن سعد -رضي الله عنه- قال: دخلتُ على قرظة بن كعب، وأبى مسعود الأنصاري في عرس، وإذا جوارٍ يغنين، فقلتُ: أنتما صاحبا رسول الله ومن أهل بدر يُفعل هذا عندكما؟! فقالا: إن شئت فاسمع معنا، وإن شئتَ فاذهب. قد رُخِّص لنا في اللهو عند العرس. [النسائي، والحاكم ].
الزَّفَّاف:
حفلة الزفاف إظهار للسعادة والفرح بالعرس، وفيها زيادة إعلان بالزواج، ويجوز الغناء واللهو المباح فيها. فقد زفَّت السيدة عائشة -رضي الله عنها- الفارعة بنت أسعد -رضي الله عنها- وسارت معها في زفافها إلى بيت زوجها نبيط بن جابر الأنصاري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(يا عائشة، ما كان معكم لهو؟! فإن الأنصار يعجبهم اللهو)_[البخاري].
وفي رواية أنه قال: (فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف، وتغني؟) قالت عائشة: تقول ماذا يا رسول الله ؟ قال: تقول:
أتيناكـم أتيناكـــم فحيونـــا نحييكــــم
ولولا الذهب الأحمــر ما حلَّتْ بواديكــــــم
ولولا الحنطة السمــراء ما سمنت عذاريكـــــم
وقد أباح الشرع استخدام الدف في العُرس، قال صلى الله عليه وسلم: (فصل ما بين الحلال والحرام: ضرب الدف، و الصوت في النكاح)
[الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم].
أما ما يفعله بعض الناس من إقامة السرادقات، وجلب المطربين والراقصات، وشرب المسكرات، واختلاط الرجال بالنساء، والفتيات بالفتيان اختلاطًا فاحشًا، وجلوس الرجل بجوار عروسه المزينة، والناس ينظرون إليها، فتلك أمور لا يقرها الشرع، ولا يعترف بها، وحرمها، وأمر بالبعد عنها. وعلى من يحضر عرسًا كهذا أن ينكر على أهله هذا الأمر بالحكمة والموعظة، فإن رأى أنه سَيَعْجَزُ عن إنكار المنكر، فليعتزل هذا العرس.
دعوة الأهل والإخوان لحضور العرس والوليمة:
على المسلمة أن تحرص على دعوة الأهل والأصدقاء لحضور عرسها، لما في ذلك من تقوية أواصر الصداقة والمحبة، ودعم روح الألفة والتعاون بين أفراد المجتمع. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بإجابة الدعوة إلى العُرْس، فيقول صلى الله عليه وسلم: (أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتُم لها)_متفق عليه] .كما أمر بإجابة الدعوة إلى الوليمة، فقال: (إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها) [البخاري]. ووليمة العرس سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها إظهار لروح السعادة والبهجة بالزواج، وتستحب الوليمة قبل البناء أو بعده. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أن يعد وليمة لإخوانه لما علم بزواجه، فقال له: (أوْلِمْ ولو بشاة). [مسلم].
ويجب على المسلم أن لا يهمل دعوة الفقراء إلى وليمته التي دعا إليها الأغنياء؛ دعمًا لروح التعاون والأخوة في المجتمع المسلم، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من دعوة الأغنياء دون الفقراء، فعن أبى هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: (شرُّ الطعام طعام الوليمة، يُدْعَى لها الأغنياء، ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم ) [البخاري].
وقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى عُرْس أبي أسيد الساعدي، وشرب منقوع التمر. [البخاري]. ويستحب ذهاب النساء والصبيان إلى العُرْس، على أن تجتنب النساء الاختلاط الفاسد بالرجال؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيانًا مُقبلين من عُرْس، فقام مُمثلا (قائمًا)، فقال: (اللهم أنتم من أحبِّ الناس إِلَيَّ.. اللهم أنتم من أحب الناس إليَّ (يعني الأنصار)) [مسلم].
التزيٌّن ليلة العُرْس:
يحسن بالمرأة أن تتزين ليلة عرسها، إظهارًا للسعادة، وترغيبًا لزوجها فيها، فقد ورد أن أم السيدة عائشة زينتها ليلة زفافها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعهدتْ بها إلى بعض نساء الأنصار فغسَّلْنَ رأسها [مسلم]. وعن عائشة
وأم سلمة -رضي الله عنهما- قالتا: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجهز فاطمة حتى يُدخلها على عَلِيّ)_[ابن ماجه].
ويجوز للمرأة أن تستعير من أخواتها المسلمات ما تتخذه للزينة، كالثياب والحليّ، فقد استعارت السيدة عائشة -يوم عرسها- قلادة (عقدًا) من أختها أسماء -رضي الله عنهما- [البخاري]. على أن يراعى أن لا تظهر العروس زينتها إلا لذي محرم عند الزفاف، وعلى الرجل -أيضًا- أن يتزين لزوجته، ليظهر في يوم عرسه نظيفًا جميلاً متعطرًا، حسن الهيئة والثياب. قال ابن عباس
-رضي الله عنهما-: إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وعليه أثر صفرة (وهي لون أصفر من نبات الزعفران له رائحة طيبة)، فقال له: (ما هذا؟). فأخبره أنه قد تزوج. [مسلم].

ثياب العرس (فستان الفرح):
فستان الفرح حلم كل فتاة، ولا مانع من أن تستخدم المسلمة ثوبًا خاصًّا للعرس إذا ما توافرتْ القدرة المالية لشرائه مع عدم الإسراف في قيمته، فهي مناسبة عزيزة على العروسين، والعروس تلبسه في يوم زفافها، ثم يعلق بعدها في دولاب الملابس للذكرى، وربما بَلِيَ بمرور الزمن، وتراكم التراب عليه، وربما أحسنتْ بعض النساء صنعًا فاستغلت فستان زفافها، فخاطتْ منه فساتين لأولادها الصغار، ما لم تكن قد احتفظت به لترتديه لزوجها من حين لآخر، وخاصة في المناسبات الطيبة.
وفي بعض المجتمعات تؤجر العروس هذا الفستان، أو تستعيره من إحدى أخواتها، ولا عيب في ذلك، فقد استعارت عائشة قلادة أختها أسماء -رضي اللَّه عنها- في ليلة زفافها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. [البخاري]. ويفضل أن يكون (فستان الفرح) ساترًا وقورًا قدر الإمكان حفظًا لحياء العروس. إما إذا جلست العروس بين النساء وأمنت على نفسها رؤية الرجال الأجانب لها فيجوز لها أن تُظهر بعضًا من زينتها مثل شعرها، أو بعضًا من ذراعيها، كما يجوز لها استخدام أدوات التجميل وكذلك العطور.
تهنئة الزوجين والدعاء لهما:
من السنة أن تهنئ المسلمة أختها، كما يهنئ المسلم أخاه عند الزواج. فعن أبى هريرة -رضي الله عنه- : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفَّأ الإنسان (أي: إذا هنأه بالزواج) قال: (بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير)_ابن ماجه].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، فأتتني أمي، فأدخلتني الدَّار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر. [البخاري] .
تصفيف الشعر ليلة الزفاف:
تصرُّ بعض النساء على الذهاب إلى مصفِّف الشعر (الكوافير) ليلة زفافها، وغالبًا ما يكون هذا المصفف رجلا، وهو أجنبيٌّ عنها، فلا يحل له رؤية زينتها، فهل يُعقل أن يُسمح له بتزيينها، وملامسة شعرها وأجزاء من جسمها. وفي ذلك مجموعة من المخالفات الشرعية؛ كاطلاع على العورة، وترقيق للحاجبين، وطلاء للأظافر، واختلاط الرجال بالنساء، كما أن الذهاب إلى (الكوافير) ضرب من الإسراف، فضلا عن حرمته.
ولا يعني هذا التضييق على عباد الله، فيجوز للعروس أن تستعين بامرأة في هذا المجال بدلاً من الرجل شريطة ألا تزينها زينة محرمة مثل ترقيق الحاجبين، وألا يراها الأجانب وهي على هذه الصورة من الزينة. وعلى العروس أن تعلم أن مراعاة حدود الله فيها الخير كل الخير في الدنيا والآخرة، ولعل الله أن يبارك لها في زواجها وذريتها ببركة طاعتها لله.
صور الفرح:
يحرص الكثيرون على التقاط الصور الفوتوغرافية للعروسين في ليلة الزفاف؛ لتكون ذكرى طيبة لهما، وإذا كانت هناك آراء تقول بحرمة التصوير الفوتوغرافي، وأخرى تبيحه فعلى العروسين احترام هذه الآراء، وإذا أخذوا بجواز التصوير، فلا يجوز أن تكشف العروس زينتها لمصور فوتوغرافي، ولا يليق تعليق صورة الفرح في حجرة الاستقبال، كما هي العادة في بعض البلدان، فيراها القريب والغريب، ولا يجوز التقاط صور للعروسين وهما في وضع غير لائق؛ كتصويرهما وهما يتعانقان، أو نحو ذلك. وتسرى هذه المحاذير على تصوير حفلات الزواج بالفيديو.
تقديم النصح للزوجين:
جمع النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله في كلمة واحدة، فقال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة). قال الصحابة: لمن يا رسول الله ؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)_[مسلم]. ولتقديم النصح أهمية كبرى للزوجين؛ إذ يزودهما بما يحتاجان إليه في حياتهما الزوجية، بشرط أن يكون النصح أمرًا بمعروف، أو نهيًا عن منكر.
وقد أوصت امرأة ابنتها عند زفافها، فقالت: أي بنية ! إنك قد فارقتِ البيت الذي منه خرجتِ، وعُشّك الذي فيه دَرَجْتِ، إلى وَكْر لم تعرفيه، وقرين لم تأليفه، فكوني له أمةً يكن لك عبدًا، واحفظي له عشر خصال يكن لكِ ذُخْرًا:
أما الأولى والثانية: فالصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة .
وأما الثالثة والرابعة: فالتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحُسن، والماء أطيب الطيب.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقُّد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإنَّ مرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة .
وأما السابعة والثامنة: فالعناية ببيته وماله، والرعاية لنفسه وحشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سرًّا، ولا تعصي له أمرًا، فإنك إن أفشيت سره؛ لم تأمني غدره، وإن عصيتِ أمره أوغرتِ صدره.
ثم اتقي -مع ذلك- الفرح إن كان ترحًا (حزينًا)، والاكتئاب عنده إن كان فرحًا، فإن الخصلة الأولى من التَّقصير، والثانية من التكدير، وكوني أشدَّ ما تكونين له إعظامًا، يكن أشدَّ ما يكون لك إكرامًا، وأشدَّ ما تكونين له موافقة، يكن أطول ما يكون لك مرافقة. واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببتِ وكرهت. والله يخير لكِ ويحفظك.
وهذه سيدة أخرى توصى ابنتها عند زواجها، فقالت:
أي بنية، لا تغفلي عن نظافة بدنك، فإن نظافته تضيء وجهك، وتحبب فيك زوجك، وتبعد عنك الأمراض والعلل، وتقوي جسمك على العمل، فالمرأة التَّفِلة (القذرة غير النظيفة) تمجها الطباع، وتنبو عنها العيون والأسماع، وإذا قابلت زوجك فقابليه فرحة مستبشرة، فإنَّ المودة جسم روحه بشاشة الوجه.
وأوصى رجل زوجته، فقال:
خذي العفــو منى تستديمي مودتــــي
ولا تنطقــي في ثَوْرَتِي حين أغضبُ
ولا تنقريني نقـرك الدف مـــــــرة
فإنك لا تــدرين كــيف المغيبُ
ولا تكثري الشكـوى فتذهب بالهــوى
ويأباك قلبــي والقلــوب تقلَّبُ
فإني رأيتُ الحــب في القـلب والأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهــبُ
وقال أبو الدرداء لزوجته: إذا رأيتني غضبتُ فرضِّني، وإذا رأيتك غضبى رضَّيْتُك.
قبول الهدية:
الهدية تؤلف القلوب، وتزرع الحب في نفوس الناس، والزواج فرصة لتقوية الصلات، وإقامة العلاقات الوثيقة التي يقصد بها وجه الله تعالى، وقد أهدتْ أم سليم- رضي الله عنها- النبي صلى الله عليه وسلم هدية من تمر وسمن وأقط عندما تزوج بزينب -رضي الله عنها-.
ولأن الزواج يتطلَّب كثيرًا من النفقات، فإنه يستحسن أن يساعد المسلمون العروسين بالهدايا والمال، ليعينوهما ،وليخفِّفوا عنهما هذه النفقات، قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابُّوا) [أبو يعلي].
البناء (ليلة الزفاف):
يراد بها ابتداء الحياة الزوجية الكاملة بين الرجل والمرأة، بكل ما تحمله هذه الحياة من معان طيبة، وهي حياة كلها عطف ومحبة ومشاركة وجدانية وتعاون وسكينة ومودة ورحمة. وهي حياة يتمتَّع فيها كل من الزوجين بالآخر، وبها يبدأ الحلم بالذرية الصالحة التي تعمر الكون، وتخدم الإسلام.
وقد حرص الإسلام أن يكون اجتماع الزوجين لأول مرة في غرفة واحدة لقاء خير وبركة، ولذلك فقد رسم الإطار العام الذي يرشدهما في الحياة الزوجية، وصوَّر لكل منهما حقوقه وواجباته، وما له وما عليه، وعلى الرجل أن يدعو لزوجته بالخير والبركة. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوّج أحدكم امرأة فليأخذ بناصيتها (أي يضع يده على مقدمة رأسها) ويسمِّ الله عز وجل، ولْيدع بالبركة، وليقل: (اللهم إني أسألك من خيرها، وخير ما جبلتَها (أي: فطرتَها) عليه. وأعوذ بك من شرها، وشر ما جبلتها عليه) [أبو داود].
ويستحب أن يبدأ الزوجان حياتهما الزوجية بركعتين، فقد أوصى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- رجلا تزوج بكرًا، فقال له : إذا أتتْك فأمرها أن تصلى وراءك ركعتين، وقل: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم فيَّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعتَ بخير، وفرق بيننا إذا فرقت بخير) [الطبراني، وابن أبى شيبة].
أفضل أوقات الزواج:
يستحب التزويج في شهر شوال والدخول فيه، عن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: تزوَّجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوَّال، وبنى بي في شوَّال، فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده منى. وكانت عائشة -رضي اللَّه عنها- تستحب أن تدخل نساءها في شوَّال.
[مسلم، وأبو داود، والنسائي] .
ويستحب البناء في يوم الجمعة؛ طلبًا للتبرُّك بهذا اليوم، وذكرًا لما ورد في فضله. قال صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعتْ عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخِل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) [أحمد، ومسلم، والترمذي] .
ويجوز البناء في أي يوم من أيام الأسبوع. وفي أية ساعة من ساعات اليوم، ويستحب البناء بالنهار، فقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر نسائه في النهار، فعن عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم فأتتْنيِ أمِّي فأدخلتْني الدار، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى. [البخاري]. ويجوز البناء بالليل؛ فقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية بنت حُيى ليلاً.
ويجب أن تكون الأم أول من تستشار لتحديد يوم البناء؛ لتتفادى أيام الحيض، وحتى لا تسبب حرجًا لزوج ابنتها، فقد لا يملك نفسه فيجامعها وهي حائض، وهذا حرام، ويحسن أن لا يكون البناء في شهر رمضان أو قبله بمدة يسيرة؛ كي يستطيع كل من الزوجين أن يستمتع بالآخر فترة كافية قبل مجيء شهر رمضان؛ وحتى لا يقعا في محظور في نهاره.
السَّحْر في ليلة الزفاف:
السحر باب من أبواب الفتنة، يفتحه الساحر على نفسه، ينتهي به إلى جهنم وبئس المصير، وقد يسعى بعض الناس لإيذاء بعضهم بعضًا، فيستأجرون ساحرًا ليسحر هذا أو ذاك ليلة زفافه؛ لشحناء بينهم، أو لنفع مادي، أو غير ذلك. وأكثر ما يكون السحر بتراتيل وترانيم وعقد وغير ذلك، وفي بعض المجتمعات يكثر سحر الرجل أو المرأة في ليلة الزفاف، فيصاب الرجل بالعجز عن جماع زوجته أو تصاب المرأة بالتغوير؛ فتبدو المرأة بلا فرج، أو لا تستطيع أن تباعد بين رجليها، أو تصاب بالبرود الجنسي، وعدم الرغبة في الزوج، وقد تنفر منه وتفزع إذا اقترب منها، وتلك أضرار بالغة إذ تُصيب بالزوجين
بالعنت والمشقة.
وكل ذلك من عمل الشيطان الذي هو عدو لكل مسلم ومسلمة، وقد أمرنا اللَّه أن نتخذه عدوًّا، وأرشدنا إلى كيفية التغلب عليه، وإلحاق الهزيمة به وبأعوانه. فالمسلمة تكثر من ذكر اللَّه على كل حال، وتعتاد تلاوة القرآن، وقراءة أذكار الصباح والمساء، والمحافظة على سائر العبادات، فهذا يحصنها من الشيطان، فالشياطين لا تعيش في مكان يذكر فيه اسم اللَّه تعالى.
فإذا غفلتْ المسلمة عن ذلك، كانت عُرضْة لوسوسة الشيطان وإغوائه وإضلاله، فالشياطين تأوي إلى القلوب التي هربت من ذكر اللَّه تعالى، فإذا حدث أن أصيبتْ الزوجة أو زوجها بمثل هذا السحر، فلم يتمكنا من الجماع، فعليهما أن يتصرفا بوحي من إيمانهما بهدوء وسكينة، فيسلكا سبل العلاج الصحيحة التي توافق الشرع ولا تخالفه، وأيسرها أن يتبع الزوجان خطوات الطريقة التالية:
- يدهن كل من الزوجين فرجه بالمسك.
- ثم يقرآن هذه الأذكار: الفاتحة، وآية الكرسي ( ثلاث مرات)، وآخر ثلاث آيات من سورة البقرة (ثلاث مرات)، وسورة الزلزلة (ثلاث مرات)، وسورة الإخلاص (ثلاث مرات)، والمعوذتين (ثلاث مرات).
- ويقولان هذا الدعاء: (اللهم جَنِّبْنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا).
- ثم يصلِّيان صلاة (الحاجة).
- وعليهما أن يكررا هذه الطريقة حتى يتم الشفاء، وعليهما أن يستعينا على ذلك بالصبر والصلاة.
ولا مانع من الذهاب إلى من عرفوا بعلاج مثل هذا السِّحر من أهل الصلاح والتقوى من المسلمين، وليحذر الزوجان من الذهاب إلى ساحر لأجل ذلك، فقد نهي الشرع عن هذا، علاوة على أنه قد يكون بابًا للاحتيال والنصب، قال صلى الله عليه وسلم : (من أتى عرَّافًا أو كاهنًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد)_[أحمد والحاكم].
وقد تذهب بعض النساء إلى ساحر؛ ليصنع لها حجابًا يحبب زوجها إليها، ويقربه منها فلا يؤذيها، وهذا أمر لا يرضاه الله ورسوله. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرقى والتمائم والتِّوَلَة شرك) [أحمد، وأبوداود، والحاكم].
والرقى المقصودة هنا: هي الرقى غير الشرعية.
والتمائم: ما يعلَّق في البدن من خرز وغيره؛ لدفع العين الحسد.
والتِّولة: ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره.

اللقاء الأول بـين الزوجين:
ليلة الزفاف هي الليلة الأولي في بيت الزوجية، وهي الحدُّ الفاصل بين مرحلتي: العزوبة والحياة الزوجية، إنها ليلة حافلة بالطاعات والخيرات والبركات، كما أنها ليلة مليئة بالمباحات الطيبات والمتع الحلال، ليلة إيمانية لها سننها وآدابها الشرعية التي يحرص الزوجان على اتباعها والعمل بها، كي تتوفر لهما السعادة والسرور.
وفي تلك الليلة قد يواجه العروسان بعض المشكلات التي تنشأ عن عدم خبرتهما بالمعاشرة الزوجية، أو للرهبة من الموقف الذي لم يجرباه من قبل، أو للخوف من الفشل في الاتصال ببعضهما البعض في أول ليلة؛ فقد يصاب الزوج بنوع من البرود الجنسي؛ لذا يجب أن لا يكون دور العروس سلبيًّا في مواجهة هذه المشكلة، فالزوج يريد من زوجته أن تكون إيجابيةً قادرة على تفهُّم مشاعره، فعليها أن تحيط زوجها بالحنان الذي يعيد إليه ثقته في نفسه، ويدفع عنه رهبة الموقف.
فللزوجة دور مهم في إنجاح أول ليلة من الزواج، ولذلك أثره على مستقبل العلاقة العاطفية والجنسيَّة فيما بعد، وعلى الزوجة أن تتجاوب مع زوجها في لقائهما الأول بعد البناء، فهذا مما يجلب المتعة والسعادة لها ولزوجها .
وقد يعجز الزوج عن فضِّ غشاء البكارة لدى الزوجة في الليلة الأولى، وهذا أمر طبيعي، فهناك حالات لا يتم فيها فض غشاء البكارة إلا بعد ليلة أو ليلتين أو أكثر، فقد يكون غشاء البكارة من النوع المطَّاطيّ، وذلك أمر لا يعوق العملية الجنسية، ولكن يجب على الزوجة أن تكتم هذا الأمر، وتتحلى بالصبر والتعاون مع زوجها لإتمام ذلك، وإذا طالت المدة، فيجب استشارة الطبيبة المسلمة الثقة؛ لفضِّه جراحيًّا، وهذا أمر بسيط لا يدعو إلى الخوف أو الوجل.
وقد يسبب تمزق غشاء البكارة لدى بعض الزوجات جرحًا بسيطًا، فعلى الزوج أن يساعد زوجته حتى تخلد إلى الراحة، وليؤجل إتيانها حتى يلتئم جرحها، وإلا سبَّب لها نوعًا من الضيق، وربما ترك لديها انطباعًا بوحشية العملية الجنسية مما قد يصيبها بالبرود والاشمئزاز من هذه العملية الفطرية.
وقد تشعر الزوجة بألم أو ضيق أثناء المرات الأولى للجماع، وقد ينتج هذا الألم عن التهاب في المجرى التناسلي لها، أو لضيق في موضع الجماع، أو لشدة حساسيتها، أو لقسوة الزوج وجهله بهذا الأمر؛ فعلى الزوجة أن تطلب من زوجها أن يكون رقيقًا رفيقًا بها، دون أن تخدش كبرياءه، أو تجرح مشاعره.
وعلى الرجل أن يداعب زوجته قبل أن يجامعها، وعلى الرجل أن يحفظ فرْجه إلا عن زوجته، وكذلك على المرأة أن تحفظ فرجها إلا عن زوجها قال تعالى : {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 5-6].
وجاء أحد الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي اللَّه. عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكتْ يمينك). قال: يا رسول اللَّه. إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: (إن استطعت ألا يراها أحد فلا يراها)_[الترمذي] .
فإذا أراد الزوج أن يأتي زوجته، فلْيَدْعُ بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (لو أنَّ أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم اللَّه. اللهم جنبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان مارزقتنا، فإن قُدِّر بينهما في ذلك ولد، لن يضرَّ ذلك الولدَ الشيطانُ أبدًا) [متفق عليه] .
وللرجل أن يأتي زوجته على أية هيئة تحقق لهما الاستمتاع واللذة، مادام يجامعها في قُبُلها. قال تعالى : {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}
[البقرة: 223] .
وقد كانت اليهود على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تزعم أن الرجل إذا أتى زوجته من دبرها في قبلها؛ جاء الولد أحول، وكان الأنصار يتبعون اليهود في هذا، فأنزل اللَّه تعالى قوله : {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223]. أما إتيان الزوجة في دبرها، فذلك أمر حرَّمه الشرع، ولعن فاعله، قال صلى الله عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأته في دبرها)
[أحمد، وأصحاب السنن].
فإذا قضى الرجل حاجته من زوجته فلا ينـزع (أي: لا يخرج فرجه من فرجها)، وليتمهل حتى تقضي حاجتها من الاستمتاع؛ فربما تأخر إنزالها عن زوجها، فيهيج شهوتها ويؤذيها. وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعْزَل عن الحُرَّة إلا بإذنها [ابن ماجه].
ولا يجوز لأي من الزوجين أن يحدِّث أحدًا بما دار بينهما من أمر الجماع. قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أشرِّ الناس منزلة يوم القيامة: الرجل يُفضي إلى امرأته، وتُفضي إليه، ثم ينشر سرَّها)_[أحمد، ومسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي ينشر سرِّ امرأته: (هل تدرون ما مثل من فعل هذا؟ إن مثل من فعل ذلك: مثل شيطان وشيطانة، لقى أحدهما صاحبه بالسِّكَّة (الطريق)، فقضى حاجته منها، والناس ينظرون إليه) [أحمد، وأبوداود] .
وليس للزوجة أن تعتقد فشل زواجها لمجرد أن احتياجاتها الجنسية لا تتوافق مع احتياجات زوجها في الأيام أو الأشهر الأولى من الزواج؛ لأن التوافق يحتاج إلى وقت كافٍ، ولكي تحصل الزوجة على الحب؛ فعليها أن تمنح زوجها مزيدًا من الحُبّ، فالحب يولِّد الحُبَّ، والأنانية تدمر.
وعليها أن تتعرَّف على احتياجات زوجها، ومطالبه ومشاعره، وعليها أن تُظهر حبها له واعتزازها وإعجابها به، وأن تثني على أخلاقه الحميدة، وتمدحه بما هو أهله، وأن تتغاضى عن عيوبه، وتتغافل عن هفواته، وعليها أن تحدثه عن أحلامها وأمانيها، وتشاركه أفكاره ومشاعره .
شهر العسل:
اعتاد الناس أن يسموا الأيام الأولى من الزواج بشهر العسل، ومن الإسلام أن تجعل الزوجة أيام زواجها كلها عسلا وشهدًا، ومن الناس من تستمر أيام عسله لمدة يوم أو أسبوع أو شهر أو أكثر بقليل، بحسب مدى الانسجام العاطفي بين الزوجين، ولا يهم كثيرًا أن يقبع الزوجان في بيتهما، أو يكثران من التنزُّه. المهم أن ينعما بألفة ومودة ورحمة، وأن يستشعرا نعمة اللَّه عليهما، وأن تظللهما التقوى من أول أيام حياتهما.
ويجب أن تكون تلك الفترة مليئة بالسعادة والذكريات الجميلة، ويجب على المرأة ألا تثقل على زوجها في هذه الفترة، فقد أثقلته أعباء الزواج، وألا ينظر الزوج أو الزوجة إلى غيرهما من الأزواج، وألا يفعلا إلا ما يناسبهما، وما يتفق مع إمكانياتهما وظروفهما، ولا يخالف تعاليم دينهما، كما يجب ألا يترخصا في حياتهما في هذه الفترة، فلا يهملان العبادات، ولا يتنزهان في مكان محرَّم، ولا يتسليان بممنوع.
الحقوق محفوظة لكل مسلم