تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نصيحة فيما يمكن أن يضر بالنصيحة



عبد الودود
06-15-2009, 10:55 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وبعد
رأيت موضوع أعجبني جدا في مجلة التوحيد يعلمنا كيفية التعامل مع المخطئين ويعلمنا تجنب الأشياء التي تتسبب في إعراض وعزوف المخطئ عند سماع النصيحة مما يفقدها معناها ويفقدها التأثير ويخرج المخطئ من رحمة الله لتصبح النتيجة خسارة لنا بعدم زيادةعدد المسلمين فرد أو عدم زيادة المهتدين فرد
فلنبرهن للعالم كله ولأنفسنا قبل العالم مدى سماحة هذا الدين حتى في التعامل مع المخطئين ومدى الرحمة التي اتصف بها خالقنا العظيم جل وعلا
هناك أمورًا كثيرة تحصل من البعض وخاصة من يدعي الاستقامة، تجاه العصاة والمخطئين، تنفرهم من التوبة، وتقنطهم من الرحمة، وتسد أمامهم طريق الأوبة والعودة، فتكون هذه الأفعال سبباً في تمادي العصاة في الغفلة، ونفورهم من الطاعة والسنة، وكل هذا يحصل بسبب الجهل والهوى.
ومن هذه الأفعال:
1- احتقار المخطئين والمذنبين وازدراؤهم:
هذا المسلك الخطير مدخل من مداخل الشيطان الرجيم، لإحباط عمل الطائعين، وإفساد كثير من المستقيمين؛ فاحتقار العاصين ناتج عن عجب وغرور في صدور أولئك المحتقرين، وهذا مُشاهد للأسف من كثير ممن سلك طريق السنة، والتزم طريق الاستقامة، فظن بذلك أنه صار من خواص الخواص وأن بقية الناس من العوام؛ فأنتج ذلك احتقاراً وازدراءً لهم، فوقع بذلك في حبائل الشيطان وشَرَكه.
قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن... {الحجرات: 11}.
قال ابن زيد: لا يسخر مَن سَتَر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة.
قال الألوسي: تشير الآية إلى ترك الإعجاب بالنفس والنظر إلى أحد بعين الاحتقار فإن الظاهر لا يُعبأ به والباطن لا يُطلع عليه فرب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله تعالى لأبره.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ".... بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ".
قال ابن رجب: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم يعني يكفيه من الشر احتقاره أخاه المسلم فإنه إنما يحقر أخاه المسلم لتكبره عليه والكبر من أعظم خصال الشر وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
عن عمر بن الخطاب: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتى به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله ". {أخرجه البخاري}.
2- الفظاظة والغلظة:
إن الغيرة على الحق ما غلبت على نفوس الأمة إلا استقامت سيرتها؛ وعلت في الأمم سمعتها، وحسنت في كلا الحياتين عاقبتها، ولكن لهذه الغيرة ضوابط وآداب يجدر الأخذ بها واتباعها؛ حتى لا تنقلب إلى شدة وغلظة تؤدي إلى عواقب وخيمة.
قال الله تعالى لنبيه ومصطفاه: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. {آل عمران: 159}. اتفقوا على أنها نزلت في حق الذين انهزموا يوم أحد فإنه لم يغلظ على الذين خالفوا أمره حتى كانوا سببا لقتل من قتل من المسلمين.
فقوله تعالى: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك يدل على وجوب استعمال اللين والرفق وترك الفظاظة والغلظة في الدعاء إلى الله تعالى كما قال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن....فلمَ الغلظة، لقد أرسل الله من هو خير مني ومنك إلى من هو شر من حكم على وجه الأرض، أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون الطاغية، قال له: فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى هذا القول لمن قال: أنا ربكم الأعلى، ولمن قال: ما علمت لكم من إله غيري، مع كل هذا قولا له قولا لينا.
وليس من الرفق والحلم والأناة إضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتكاسل في الدعوة إلى الله بالحسنى، ولا القعود عن نصرة المظلومين، ومحبة المؤمنين، والبراءة من الكافرين، وبغض المنافقين، ولكن الرفق والحلم والأناة تريث وتعقل في الحركات، وتأن وعدم عجلة في التصرفات، ونظر محمود في العواقب، وتقديروتغليب للمصالح والمفاسد، إنه كبح جماح النفس والهوى، واستماع لذوي العلم والفضل والنهى.ولا يفسد العنف أمراً من الأمور مثلما يفسد الدعوة إلى الله أو المناصحة، فالغلظة أو الشدة فيهما تؤدي إلى رفضهما،والوقوف منها موقفاً معانداً مكابراً، حتى وإن كان الحق فيهما واضحاً. وهذا كله لا يمكن أن يتم إلابالحكمة وحسن التأني للأمور، والمعرفة بطبيعة الإنسان وعناده، وجموده على القديم، وأنه أكثر شيء جدلا، فلا بد من الترفق في الدخول إلى عقله، والتسلل إلى قلبه، حتى نلين من شدته، ونكفكف من جموده، فالله الله في التعامل مع المخطئين والمذنبين والرفق الرفق بهم وترك الفظاظة والغلظة معهم فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه.
عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: " إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه ".
وما قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، وعلاج النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق واللين إلا خير شاهد وأقوى دليل على وجوب الحكمة والرفق في أشباه هذه الأمور.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تبارك وتعالى: ...فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم هو الرجل يشتمه أخوه فيقول: إن كنت كاذباً فغفر الله لك، وإن كنت صادقاً فغفر الله لي.
وما أجمل ما قال الشافعي رحمه الله:
يخاطبنى السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما
كعود زاده الإحراق طيبا
فبالحلم والرفق والأناة ينبغي أن يربى الآباء والأمهات البنين والبنات، وأن يكون جزءا مهما من وظيفة المربين، وأسلوبا عمليا للمعلمين، ونهجا متبعا للقادة والمسئولين، خاصة تجاه المذنبين والمخطئين.
3- الطيش والحدة في معالجة الخطأ
لابد أن نتذكَر أن اللوم لا يأتي بنتائج إيجابية في الغالب، واللوم مثل الطيور مهيضة الجناح، التي ما إن تطير حتى تعود إلى أوكارها سريعاً، أو مثل السهم القاتل الذي ما إن ينطلق حتى ترده الريح على صاحبه فيؤذيه، ذلك أن اللوم يحطم كبرياء النفس البشرية، ويكفيك أنه ليس أحد في الدنيا يعشق اللوم ويهواه.
وكم خسر العالم كثيراً من الأفذاذ وتحطمت نفسياتهم؛ بسبب اللوم المباشر الموجه إليهم من المربين، فالمخطئ أحياناً لا يشعر أنه مخطئ، ومن كان هذا حاله فمن الصعب أن يوجه له لومٌ مباشرٌ وعتابٌ قاسٍ، وهو يرى أنه مصيب. إذن لابد أن يشعر أنه مخطئ أولاً حتى يبحث هو عن الصواب؛ لابد أن نزيل الغشاوة عن عينه ليبصر الخطأ.
عن أبي أمامة أن فتى من قريش أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنا فأقبل القوم عليه وزجروه فقالوا: مه مه فقال: أدنه فدنا منه قريبا فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه. قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. {مسند أحمد} فكان الزنا أبغض شيء إلى ذلك الشاب فيما بعد.
وكذلك في قصة معاوية بن الحكم:
عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن". {أخرجه مسلم}.
قال النووي: قوله فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ورفقه بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل وحسن تعليمه واللطف به.
أما ما نراه من الطيش والحدة وخفة الأحلام في التعامل مع الأخطاء؛ فإنه يفسد ولا يصلح، يبعد ولا يقرب، ينفر ولا يجمع، يصد عن سبيل الله ولا يدعو إليه، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
4- التشهير بهم وذكر أسمائهم:
كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه لا يواجه أحدا بما يكره بل ينصح ولا يفضح، يلمح ولا يصرح، يعمم ولا يخصص، ويستر ولا يشهر، فيقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا وكان يكني عما اضطره الكلام فيما يكره استقباحا للتصريح، وعلى هذا الخلق الكريم تربى أصحابه الأطهار الميامين.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول كذا، ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا.
وشواهد ذلك أكثر من أن تحصر.
عن أنس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وفي موقف آخر يقول: أما بعد فما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل وإن كان مائة شرط. كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ما بال رجال منكم يقول أحدهم: أعتق فلانا والولاء لي إنما الولاء لمن أعتق.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا فترخص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه، فبلغه ذلك فقام خطيبا فقال: ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية.
أما أصحابه فحدث ولا حرج، فهذا فاروق الأمة المحدث الملهم أمير المؤمنين الذي ما سلك فجا إلا وسلك الشيطان فجا غير فجه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان فعرض به عمر فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان: يا أمير، المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر: والوضوء أيضا ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل.
وهذا كاتب وحي النبي صلى الله عليه وسلم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يبلغه أمر فيقوم خطيبا ويقول: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه.
بل هذه امرأة لكنها تزن كثيرا من الرجال صحابية تربت في عصر النبوة، تعلم الأمة كيف تتعامل مع المذنبين والمخطئين إنها أم الدرداء رضي الله عنها تقول: من وعظ أخاه سرا فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه.
5- الشماتة:
الشماتة هي فرح الشخص بما يسوء عدوه. وقيل الشماتة الفرح ببلية تنزل بمن تعاديه أو يعاديك.
قال القرطبي: والشماتة السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدين والدنيا وهي محرمة منهي عنها وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك". {أخرجه الترمذي وحسنه} وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء". أخرجه البخاري.
وقد ورد: أن من عير أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله.
وقال الشاعر:
إذا ما الدهر جر على أناس
كلاكله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
قال القرطبي: وفي هذه الآية قال يا ليت قومي يعلمون *بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين {يس:26-27} تنبيه عظيم ودلالة على وجوب كظم الغيظ والحلم عن أهل الجهل والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي والتشمر في تخليصه والتلطف في افتدائه والاشتغال بذلك عن الشماتة والدعاء عليه ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام.
فإذا كان هذا في حق الكفار والمشركين فكيف بالتعامل مع المخطئين والمذنبين من الموحدين

عبد الله بوراي
06-15-2009, 11:02 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وبعد
رأيت موضوع أعجبني جدا في مجلة التوحيد يعلمنا كيفية التعامل مع المخطئين ويعلمنا تجنب الأشياء التي تتسبب في إعراض وعزوف المخطئ عند سماع النصيحة مما يفقدها معناها ويفقدها التأثير ويخرج المخطئ من رحمة الله لتصبح النتيجة خسارة لنا بعدم زيادةعدد المسلمين فرد أو عدم زيادة المهتدين فرد
فلنبرهن للعالم كله ولأنفسنا قبل العالم مدى سماحة هذا الدين حتى في التعامل مع المخطئين ومدى الرحمة التي اتصف بها خالقنا العظيم جل وعلا
هناك أمورًا كثيرة تحصل من البعض وخاصة من يدعي الاستقامة، تجاه العصاة والمخطئين، تنفرهم من التوبة، وتقنطهم من الرحمة، وتسد أمامهم طريق الأوبة والعودة، فتكون هذه الأفعال سبباً في تمادي العصاة في الغفلة، ونفورهم من الطاعة والسنة، وكل هذا يحصل بسبب الجهل والهوى.
ومن هذه الأفعال:
1- احتقار المخطئين والمذنبين وازدراؤهم:
هذا المسلك الخطير مدخل من مداخل الشيطان الرجيم، لإحباط عمل الطائعين، وإفساد كثير من المستقيمين؛ فاحتقار العاصين ناتج عن عجب وغرور في صدور أولئك المحتقرين، وهذا مُشاهد للأسف من كثير ممن سلك طريق السنة، والتزم طريق الاستقامة، فظن بذلك أنه صار من خواص الخواص وأن بقية الناس من العوام؛ فأنتج ذلك احتقاراً وازدراءً لهم، فوقع بذلك في حبائل الشيطان وشَرَكه.
قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن... {الحجرات: 11}.
قال ابن زيد: لا يسخر مَن سَتَر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة.
قال الألوسي: تشير الآية إلى ترك الإعجاب بالنفس والنظر إلى أحد بعين الاحتقار فإن الظاهر لا يُعبأ به والباطن لا يُطلع عليه فرب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله تعالى لأبره.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ".... بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ".
قال ابن رجب: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم يعني يكفيه من الشر احتقاره أخاه المسلم فإنه إنما يحقر أخاه المسلم لتكبره عليه والكبر من أعظم خصال الشر وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
عن عمر بن الخطاب: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتى به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله ". {أخرجه البخاري}.
2- الفظاظة والغلظة:
إن الغيرة على الحق ما غلبت على نفوس الأمة إلا استقامت سيرتها؛ وعلت في الأمم سمعتها، وحسنت في كلا الحياتين عاقبتها، ولكن لهذه الغيرة ضوابط وآداب يجدر الأخذ بها واتباعها؛ حتى لا تنقلب إلى شدة وغلظة تؤدي إلى عواقب وخيمة.
قال الله تعالى لنبيه ومصطفاه: فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. {آل عمران: 159}. اتفقوا على أنها نزلت في حق الذين انهزموا يوم أحد فإنه لم يغلظ على الذين خالفوا أمره حتى كانوا سببا لقتل من قتل من المسلمين.
فقوله تعالى: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك يدل على وجوب استعمال اللين والرفق وترك الفظاظة والغلظة في الدعاء إلى الله تعالى كما قال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن....فلمَ الغلظة، لقد أرسل الله من هو خير مني ومنك إلى من هو شر من حكم على وجه الأرض، أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون الطاغية، قال له: فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى هذا القول لمن قال: أنا ربكم الأعلى، ولمن قال: ما علمت لكم من إله غيري، مع كل هذا قولا له قولا لينا.
وليس من الرفق والحلم والأناة إضاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتكاسل في الدعوة إلى الله بالحسنى، ولا القعود عن نصرة المظلومين، ومحبة المؤمنين، والبراءة من الكافرين، وبغض المنافقين، ولكن الرفق والحلم والأناة تريث وتعقل في الحركات، وتأن وعدم عجلة في التصرفات، ونظر محمود في العواقب، وتقديروتغليب للمصالح والمفاسد، إنه كبح جماح النفس والهوى، واستماع لذوي العلم والفضل والنهى.ولا يفسد العنف أمراً من الأمور مثلما يفسد الدعوة إلى الله أو المناصحة، فالغلظة أو الشدة فيهما تؤدي إلى رفضهما،والوقوف منها موقفاً معانداً مكابراً، حتى وإن كان الحق فيهما واضحاً. وهذا كله لا يمكن أن يتم إلابالحكمة وحسن التأني للأمور، والمعرفة بطبيعة الإنسان وعناده، وجموده على القديم، وأنه أكثر شيء جدلا، فلا بد من الترفق في الدخول إلى عقله، والتسلل إلى قلبه، حتى نلين من شدته، ونكفكف من جموده، فالله الله في التعامل مع المخطئين والمذنبين والرفق الرفق بهم وترك الفظاظة والغلظة معهم فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه.
عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: " إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه ".
وما قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، وعلاج النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق واللين إلا خير شاهد وأقوى دليل على وجوب الحكمة والرفق في أشباه هذه الأمور.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تبارك وتعالى: ...فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم هو الرجل يشتمه أخوه فيقول: إن كنت كاذباً فغفر الله لك، وإن كنت صادقاً فغفر الله لي.
وما أجمل ما قال الشافعي رحمه الله:
يخاطبنى السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما
كعود زاده الإحراق طيبا
فبالحلم والرفق والأناة ينبغي أن يربى الآباء والأمهات البنين والبنات، وأن يكون جزءا مهما من وظيفة المربين، وأسلوبا عمليا للمعلمين، ونهجا متبعا للقادة والمسئولين، خاصة تجاه المذنبين والمخطئين.
3- الطيش والحدة في معالجة الخطأ
لابد أن نتذكَر أن اللوم لا يأتي بنتائج إيجابية في الغالب، واللوم مثل الطيور مهيضة الجناح، التي ما إن تطير حتى تعود إلى أوكارها سريعاً، أو مثل السهم القاتل الذي ما إن ينطلق حتى ترده الريح على صاحبه فيؤذيه، ذلك أن اللوم يحطم كبرياء النفس البشرية، ويكفيك أنه ليس أحد في الدنيا يعشق اللوم ويهواه.
وكم خسر العالم كثيراً من الأفذاذ وتحطمت نفسياتهم؛ بسبب اللوم المباشر الموجه إليهم من المربين، فالمخطئ أحياناً لا يشعر أنه مخطئ، ومن كان هذا حاله فمن الصعب أن يوجه له لومٌ مباشرٌ وعتابٌ قاسٍ، وهو يرى أنه مصيب. إذن لابد أن يشعر أنه مخطئ أولاً حتى يبحث هو عن الصواب؛ لابد أن نزيل الغشاوة عن عينه ليبصر الخطأ.
عن أبي أمامة أن فتى من قريش أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنا فأقبل القوم عليه وزجروه فقالوا: مه مه فقال: أدنه فدنا منه قريبا فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه. قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. {مسند أحمد} فكان الزنا أبغض شيء إلى ذلك الشاب فيما بعد.
وكذلك في قصة معاوية بن الحكم:
عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن". {أخرجه مسلم}.
قال النووي: قوله فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ورفقه بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل وحسن تعليمه واللطف به.
أما ما نراه من الطيش والحدة وخفة الأحلام في التعامل مع الأخطاء؛ فإنه يفسد ولا يصلح، يبعد ولا يقرب، ينفر ولا يجمع، يصد عن سبيل الله ولا يدعو إليه، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
4- التشهير بهم وذكر أسمائهم:
كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه لا يواجه أحدا بما يكره بل ينصح ولا يفضح، يلمح ولا يصرح، يعمم ولا يخصص، ويستر ولا يشهر، فيقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا وكان يكني عما اضطره الكلام فيما يكره استقباحا للتصريح، وعلى هذا الخلق الكريم تربى أصحابه الأطهار الميامين.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول كذا، ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا.
وشواهد ذلك أكثر من أن تحصر.
عن أنس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وفي موقف آخر يقول: أما بعد فما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل وإن كان مائة شرط. كتاب الله أحق وشرط الله أوثق ما بال رجال منكم يقول أحدهم: أعتق فلانا والولاء لي إنما الولاء لمن أعتق.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا فترخص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه، فبلغه ذلك فقام خطيبا فقال: ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية.
أما أصحابه فحدث ولا حرج، فهذا فاروق الأمة المحدث الملهم أمير المؤمنين الذي ما سلك فجا إلا وسلك الشيطان فجا غير فجه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان فعرض به عمر فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان: يا أمير، المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر: والوضوء أيضا ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل.
وهذا كاتب وحي النبي صلى الله عليه وسلم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يبلغه أمر فيقوم خطيبا ويقول: ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه.
بل هذه امرأة لكنها تزن كثيرا من الرجال صحابية تربت في عصر النبوة، تعلم الأمة كيف تتعامل مع المذنبين والمخطئين إنها أم الدرداء رضي الله عنها تقول: من وعظ أخاه سرا فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه.
5- الشماتة:
الشماتة هي فرح الشخص بما يسوء عدوه. وقيل الشماتة الفرح ببلية تنزل بمن تعاديه أو يعاديك.
قال القرطبي: والشماتة السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدين والدنيا وهي محرمة منهي عنها وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك". {أخرجه الترمذي وحسنه} وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء". أخرجه البخاري.
وقد ورد: أن من عير أخاه بذنب قد تاب منه لم يمت حتى يعمله.
وقال الشاعر:
إذا ما الدهر جر على أناس
كلاكله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
قال القرطبي: وفي هذه الآية قال يا ليت قومي يعلمون *بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين {يس:26-27} تنبيه عظيم ودلالة على وجوب كظم الغيظ والحلم عن أهل الجهل والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي والتشمر في تخليصه والتلطف في افتدائه والاشتغال بذلك عن الشماتة والدعاء عليه ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته والباغين له الغوائل وهم كفرة عبدة أصنام.
فإذا كان هذا في حق الكفار والمشركين فكيف بالتعامل مع المخطئين والمذنبين من الموحدين


أصبت كبدها
بارك الله فيك

شيركوه
06-15-2009, 01:30 PM
انا قرات العناوين فقط
لم ادخل في التفاصيل بعد
ولكن العناوين تجعلني اقول لك احسنت

عبد الودود
06-15-2009, 06:38 PM
انا قرات العناوين فقط
لم ادخل في التفاصيل بعد
ولكن العناوين تجعلني اقول لك احسنت
شكرا لك أحب التشجيع , ومنك خاصة.

عبد الودود
06-15-2009, 06:40 PM
أصبت كبدها
بارك الله فيك

أنت الذي أصبت صفوة القول أخ عبد الله ,وفيك بارك الله, مروركم شرف لنا.