تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الغزو الفكري وأثره على المتعلم والأمي



أبو يونس العباسي
05-17-2009, 07:30 PM
الغزو الفكري وأثره على المتعلم والأمي
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل , بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى , ويصبرون منهم على الأذى , يحيون بكتاب الله الموتى , ويبصرون بنور الله أهل العمى , فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه , وكم من ضال تائه قد هدوه , فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم , ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين , الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة , فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب , يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم , يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين , وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا وبعد ....
سبب المقال
لا يشك مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر , أن المسلمين في وقتنا المعاصر يعيشون غربة مشابهة لحد كبير للغربة التي عاشها الجيل الأول , وإن كان المشركون قد رموا محمدا – صلى الله عليه وسلم - ودعوته وأتباعه عن قوس واحدة , فقد رمانا أعداؤنا في هذه الأيام عن قوس واحدة كذلك , وشنوا علينا حملات الغزو لا في مجال واحد , بل في مجالات متعددة ... عسكرية كانت أو فكرية أو عقدية أو أخلاقية , مستخدمين في ذلكم الغزو كل ما يملكون من طاقات وقدرات , فكان لهجومهم أثره السيئ على الإسلام وأهله , فكان هذا هو السبب الذي دعانا إلى كتابة مثل هذا المقال نصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين , والحمد لله رب العالمين .
ما هو المقصود بالغزو الفكري ؟
ونعني بالغزو الفكري : محاولة أعداء الإسلام إبدال منهج الإسلام بمنهج الشرك والأوثان , وذلك في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة .
المنهج الواجب على المسلم اتباعه والعمل به
إن من البدهيات التي لا بد أن تترسخ في أذهان المسلمين أنه يجب عليهم أن يلتزموا بمنهج الإسلام , ويكفروا بما سواه من المناهج , فمن التزم بغير منهج الإسلام أو بالإسلام وغيره , لم يقبل منه هذا الالتزام ولم ينفعه هذا الالتزام , قال الله تعالى :" إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (19) "(آل عمران) , وقال :" وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) "(آل عمران) , والإسلام هو منهج محمد – صلى الله عليه وسلم – وصحبه – رضي الله عنهم - , وهؤلاء من يجب علينا الاقتداء بهم , قال ابن مسعود :" من كان مسـتناً فليسـتن بمن قد مات، فإن الحـي لا تؤمـن عـليه الفتن، أولئك أصحاب رسُول اللـه e أبَرُّ الناس قلوباً، وأغزرُهم علماً ، وأقلُّهم تكلف" , وطريقهم هو طريق الهداية ذلكم الطريق الذي ندعو الله في كل صلاة أن يهدينا إليه , قال الله تعالى :" اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) "(الفاتحة) , ومن الغريب أن ترى الكثيرين منتمين للإسلام ثم تراهم يتحركون ويتوجهون بما يتعارض مع منهج الإسلام , وينتهجون مناهج علمانية واشتراكية وقومية وغيرها من المناهج الأرضية الردية , وهم مع هذا يدعون محبة الرسول – صلى الله عليه وسلم - , وما علموا أن للمحبة لازما ألا وهو الاتباع , وأن المحبة إذا زادت فلا بد أن يزيد الاتباع , وإذا قلت فلا بد أن يقل الاتباع , قال الله تعالى:" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) "(آل عمران) .
الغزو الفكري وصحابة النبي – صلى الله عليه وسلم –

وإن من مظاهر الغزو الفكري والذي تتعرض لها مجتمعاتنا ذلكم الهجوم السافر على صحابة الرسول –صلى الله عليه وسلم – من قبل الروافض ومن تابعهم – عليهم من الله ما يستحقون - , وإن المقصد من وراء هذا الهجوم إفساد الدين , إذ إن الصحابة هم نقلته , والطعن في النقلة طعن في المنقول , ومن الجدير ذكره هنا أن الله لا يقبل إيمانا إلا إذا وافق إيمان محمد وصحبه –رضي الله عنهم – وأما ما كان على غير هذه الصفة فهو ليس بالمقبول عند الله تعالى , قال الله تعالى :" إِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُو السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) "(البقرة) , فيا أهل السنة دونكم الروافض يغزون المجتمعات السنية فكريا ومنهجيا , ويهدمون منار الإسلام الذي بناه محمد – صلى الله عليه وسلم – وصحبه – رضي الله عنهم - بطعنهم في الباني , ومن المعلوم أن الطعن في الباني طعن في البناء , ولهذا نراهم يشككون في عدالة أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – , وهم من شهد لهم القرآن والسنة بالمكانة العالية , والمنزلة السامقة , قال الله تعالى :" وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) "(التوبة) , وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال:" خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ ثُمَّ يَتَخَلَّفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ " , فكيف تطيب نفوس بعض المنتسبين لأهل السنة أن يتحالفوا مع من يقول في الصحابة رجالا ونساء ما يستحيي منه كل عفيف ؟!!! كيف تطيب نفوسهم أن يضحكوا في وجوه الروافض ويأخذوهم بالأحضان ويزوروا قبور أئمتهم ويمدحوا دولتهم ؟!!! إن مثل ن يفعل ذلك كمثل رجل قال لآخر يا ابن الزانية , فإذا بمن قيل له هذا يضحك ويبتسم ولا يغير ساكنا , وهذا هو شأن الكثيرين من المنتسبين لأهل السنة في تعاملاتهم مع من يتهم أمهات المؤمنين بما عصمهم الله من ارتكابه .



طبيعة الصراع بين المناهج في زمن الغربة

إننا إخوة التوحيد نعيش في غربة كتلكم الغربة التي عاشها الجيل الأول , ولعل مما زاد غربتنا غربة الهجوم الشرس والغزو الفكري الضاري على عقول وقلوب المسلمين , فإذا كان الصراع العسكري حقيقة واقعة , فصراع المناهج حقيقة واقعة كذلك , ويعنينا من هذا الصراع صراع المنهج الإسلامي مع غيره من المناهج الأرضية الردية , ولعلنا إذا ذهبنا نصف طبيعة هذا الصراع لا نجد توصيفا أفضل من توصيف النبي – صلى الله عليه وسلم , وذلك في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة :"بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ " وفي رواية أخرى:" إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غيبا كما بدأ فطوبى للغرباء . قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : الذين يصلحون إذا فسد الناس"وفي رواية :"قيلَ: ومَن الغرباء يارسول اللـه؟ قال: "ناسٌ صالحون قليل في ناسِ سوءٍ كثير، ومَن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم". وفي رواية: "طوبى للغرباء الذين يمسكون بكتاب اللـه حين يُترَك، ويعملون بالسنة حين تُطفأ". , قال الإمام الحسن البصري :" والسُّنَّةُ - والذي لا إله إلاَّ هو- بينَ الغالي والجـافِي، فاصبِروا عليهـا رَحِمَكُمُ اللـه، فـإنَّ أهـلَ السُّـنَّة كانـوا أقَلَّ النَّـاسِ فيـما مضى وهم أقل الناس فيما بَقـيَ ، الذين لم يذهبوا مع أَهْلِ الإترافِ في إترافِهم، ولا معَ أَهْلِ البدَعِ في بدَعِهِمْ، وصبَرُوا على سُنَّتِهِمْ حتى لَقُوا رَبَّهُم، فكونوا كذلك" " , ومع الفرق الهائل بين الإمكانيات المادية بيننا وبين المشركين , إلا أن الصراع ينحسم شيئا فشيئا لصالح الإسلام وأهله , ذلك أن الذي تكفل بحفظ هذا الدين هو الله تبارك وتعالى , قال الله تعالى :" إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) "(الحجر) , وليس حفظ الدين مقتصرا على حفظ نصوص الوحيين , بل وتسخير أشخاص يلتزمون ويدعون ويدافعون ويذبون عن دين الله تعالى , أخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبي عنبة الخولاني أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :"لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته " , ومن صور صراع المناهج ذلكم الصراع الواقع بين الإنسان الموحد وبين مجتمعه , وواجب الموحد هنا أن يجاهد هذه الضغوط , ويصبر على منهجه ومبادئه وثقافته , ويقتدي بالرسول في ذلك لما قال لقومه :" و اللهلووضعتمالشمس عن يميني و القمرعن شمالي على أن أترك هذا الدين ما تركته " , ومن ضغوط المجتمع تلكم الضغوط الواقعة من الأهل على ابنهم الموحد الرامية إلى خلعه عن دينه وتركيعه لما يريدون , قال الله تعالى :" وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) "(لقمان) , فإذا كنت في مجتمع كثيرة فتنه متعددة انحرافاته , فاستعن بالله ثم اثبت على دينك , وارفض ما يُعرض عليك من شهوات ونزوات ومناصب , بل وادع غيرك إلى الثبات والإقلاع عن المنكرات والانحرافات عن منهج رب الأرض والسموات , أخرج مسلم في صحيحه من حديث حذيفة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :" تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ " , واعلم يا أخا التوحيد أن الصراع بين المناهج دائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , فيفنى الكفر ويبقى التوحيد , ولا ننسى هنا أن تبعات هذا الصراع على المسلمين بلاء وعناء وتعب ومشاق , فطريق الدعوة ليس مفروشا بالورود ولكن بالمشاق والأشواك , ومن أراد دعوة بدون مشاق فكأنه أراد ولدا بدون زواج , أو حصادا بدون زرع , قال الله تعالى :" يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) "(لقمان) , وأخرج النسائي في سننه من حديث حذيفة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال "احصوا لي من كان يلفظ بالإسلام فقلنا أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا" .



العلم وأثره في مواجهة الغزو الفكري

إن أمضى سلاح في مواجهة الغزة الفكري هو سلاح العلم والمعرفة , لأن مخن شغل بالحق لا يشغل بالباطل , والكأس الممتلئة لا تملئ , بل تملئ الكأس الفارغة , والآن دعونا نسرد بعض الآيات والأحاديث الواردة في فضل العلم والتعلم , قال الله تعالى :" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) "(طه) , وقال أيضا :" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) "(المجادلة) , وقال أيضا :" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) "(الزمر) , وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث أنس أن الرسول قال :" طلب العلم فريضة على كل مسلم " , وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن الرسول قال :" وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ" , وعند أحمد من حديث صفوان قال :" أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ في المسجد على برد له فقلت له : يا رسول الله إني جئت أطلب العلم فقال : مرحبا بطالب العلم طالب العلم لتحفة الملائكة وتظله بأجنحتها ثم يركب بعضه بعضا حتى يبلغوا السماء الدنيا من حبهم لما يطلب فما جئت تطلب ؟ قال قال لصفوان : يا رسول الله لا نزال نسافر بين مكة والمدينة فأفتنا عن المسح على الخفين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم " , وعند الترمذي من حديث أبي الدرداء أن الرسول قال :" مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ" .



المروجون والداعون للأفكار الهدامة وأرباب الغزو الفكري



ولقد حمل لواء الدعوة للأفكار الهدامة وغزو أفكار المسلمين والنيل من منهجهم , أعداء الدين من اليهود والنصارى والملحدين , واستطاعوا أن ينشئوا جيلا من أبناء جلدتنا يشاركونه في حمل لواء الغزو الفكري , ونشره والترويج له بين المسلمين , فترك هؤلاء الحق واتبعوا الباطل , وباعوا الآخرة بالدنيا والهدى بالضلالة , قال الله تعالى :" أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)(البقرة) " , فإياكم وإياهم أيها المسلمون لا يفتنونكم ولا يضلونكم , ولا يكونون سببا في ولوجكم النار وبئس القرار , أخرج البخاري في صحيحه من حديث حذيفة قال :" كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِك " , فعليك يا أخا التوحيد بطريق الهدى وإن قل فيه السائرون وإياك وطريق الردى ولا تغتر بكثرة الهالكين , فالحق أحق أن يتبع , والباطل أحق أن يجتنب , وما مثل المروجين للأفكار الهدامة , القائمين على مشروع الغزو الفكري , إلا كما قال الله تعالى :" وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) "(الأنعام) , وقوله أيضا:" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) " (الأنعام) , وقوله أيضا:" أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) "(فاطر) , ألا فالتزموا يا أهل التوحيد منهج ربكم , ولا تحيدوا عنه قيد أنملة فتهلكوا , أخرج أحمد في مسنده من حديث ابن مسعود أن الرسول قال :" خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال هذه سبل قال يزيد متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ "إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" , وبعد هذا نكون قد بينا سبيل الحق لمن أراد الالتزام فمن أعرض فما شأننا وشأنه إلا كما قال الله تعالى :" فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) "(القصص) .



هدف الغزو الفكري والغرض منه
إن الهدف الأبرز من الغزو الفكري هو قلب الحقائق وتبديل الثوابت ,. وهذا شيء نلمسه في واقعنا المعاصر , فأصبح الموحد في زمننا مشركا , والمجاهد إرهابيا , وراعي الكفر والشرك وليا للأمر , والتمسك بالقرآن والسنة تشددا وأصولية , والأمر تماما كما أخبرانا الصادق المصدوق كما عند ابن ماجه من حديث أبي هريرة أن الرسول قال :"إنها ستأتي على الناس سنون خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال السفيه يتكلم في أمر العامة ", وعند أبي داوود في سننه من حديث أبي مالك الأشعري أن الرسول قال :" ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها " , ولكم أن تنظروا إلى أهل الفساد والإفساد في العالم يخربون ويقتلون ويهلكون الحرث والنسل , ثم بعد هذا كله يظهرون أنفسهم على أنهم هم أهل الصلاح والإصلاح والتعمير , وأن الضحية التي افترسوها هي الظالمة الباغية , لا لشيء إلا لأنها حاولت الدفاع عن نفسها , قال الله تعالى :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) " (البقرة) , وأصبح أرباب الغزو الفكري وغسل الأدمغة بما هو نجس وخبيث يظهرون أمام الناس بأنهم هم أهل الحق , وهم البقية الباقية من الطائفة المنصورة , وأن ما يوجهون إليه الأمة هو الحق وغيره باطل وضلال , قال الله تعالى عن فرعون وما أكثر الفراعنة في هذا الزمان :" قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) " (غافر) , ولقد أخذ التحالف الصهيوصليبي وأذنابه على عاتقهم إحلال ثقافة الكفر في مجتمعاتنا محل الثقافة الإسلامية العريقة إن لم يكن بالطرق السلمية فبالحديد والنار , والغصب والإكراه , قال الله تعالى عن فرعون وما أكثر الفراعنة في هذا الزمان :" وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) "(غافر) , فانظر وتعجب ... فرعون يريد قتل موسى حرصا وخشية منه على دين الناس , ورعاية منه كذلك على مصالحهم واستقرار أحوالهم , وهذه الحجة الفرعونية هي حجة التحالف الصهيوالصليبي في الكيد للإسلام وأهله , وليس موقف التحالف هو الغريب بل الغريب موقف بني جلدتنا من المؤيدين والداعمين للحرب الصهيوصليبية على الإسلام وأهله , والله كأني بموقفهم هذا أتذكر موقف أهل الكتاب من دين كفار مكة مقارنة مع الدين الذي جاء به محمد من عند ربه , قال الله تعالى:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) "(النساء) .
بين الحفاظ على الهوية والغزو الفكري
إن المقصود بهوية الإنسان أن يتميز عن غيره بفكره وثقافته وأسلوب حياته , ثم بثباته على ذلك رغم الضغوطات والمعوقات الخارجية , والغزو يستهدف بالدرجة هوية الإنسان المسلم وعقيدته ومبادئه وعاداته وتقاليده الإسلامية , فإياك أن تترك ما أنت عليه من الحق كما ترك الكثيرون , وخاصة بعدما جاء التحذير النبوي من ذلك , فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث شداد أن الرسول قال :"لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم قلنا يا رسول الله آليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟ " , وبينت نصوص الكتاب والسنة أن من ترك هويته إلى غيرها من الهويات , وتشبه بالمشركين أنه منهم , فقد اخرج أبو داوود من حديث ابن عمر أن الرسول قال :"من تشبه بقوم فهو منهم" , وعند الطبراني في الكبير قال : قال الرسول الكريم :"ليس منا من عمل بسنة غيرنا" , وعند الطبراني :"حليف القوم منهم " وقوله - صلى الله عليه وسلم - كما عند أبي يعلى من حديث ابن مسعود :" من كثر سواد قوم فهو منهم " , فتميز يا أخا التوحيد مظهرا ومخبرا , وليظهر عليك الإسلام في الأقوال والأفعال , حتى إذا ما رآك الناس علموا انك مسلم لله حنيفا , فالتمايز عن الكافرين سنة سيد المرسلين , أخرج مسلم في صحيحه أن اليهود قالوا عن محمد – صلى الله عليه وسلم - :"مال هذا الرجل لا يريد أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه" , وها نحن ذا نوجه خطابا لأرباب الغزو الفكري قائلين ما قاله الرسول للمشركين في زمانه :" لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) "(يونس) .
هل نحن بحاجة إلى فكرة وثقافة مستمدة من غيرنا ؟
إن من أهم الأسس العقدية التي لا بد أن يعرفها كل مسلم أن ديننا كامل شامل لا نقص فيه , وفي أي مجال من مجالات الحياة , لا كما تقول العلمانية المنتنة وأهلها , قال الله تعالى :" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) "(المائدة) , وقال أيضا:" وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) "(النحل) , وثبت عند الطبراني أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :" ما تركت شيئا يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا قد بينته لكم وإن روح القدس نفث في روعي وأخبرني أنها لاتموت نفس حتى تستوفى أقصى رزقها وإن أبطأ عنها فيا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء رزقه أن يخرج إلى ما حرم الله عليه فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته " , قال رجل لسلمان الفارسي:" إن صاحبكم ليعلمكم حتى ‏ ‏الخراءة ‏ ‏قال أجل ‏ ‏نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أوبول أو ‏ ‏نستنجي ‏ ‏بأيماننا أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار" , قال أحد الصحابة :"ما ترك رسول الله – صلى الله عليه وسلم خبر طائر يطير بجناحيه إلا ذكر لنا خبرا عنه " , وإن أمتنا الإسلامية على وجه العموم وأمتنا العربية على وجه الخصوص لن تعز إلا إذا اتبعت تعاليم الإسلام في الصغير والكبير والنقير والقطمير , قال عمر ابن الخطاب – رضي الله عنه - :" نحن قوم أعزنا الله بالإسلام , فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله" , وعليه: فلسنا محتاجين لأي ثقافة أو فكر أو منهج , فالإسلام يكفينا ويغنينا , قال الله تعالى :" وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) "(البقرة).
عندما يكون الغزو الفكري محمودا
هل من الممكن أن يكون الغزو الفكري محمودا ؟ , لقد عرضنا الصورة المذمومة للغزو الفكري , ويكون محمودا إذا غزا أتباع محمد – صلى الله عليه وسلم - المجتمعات البشرية بهذا المنهج العظيم , لأن الإسلام هو دين الله للجميع , ومحمد – صلى الله عليه وسلم - هو رسول الله للبشرية جمعاء , قال الله تعالى :" قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) "(الأعراف) , وقال أيضا حكاية عن رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم - :" وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) "(الأنعام) , وإجابة الدعوة المحمدية واجب على كل إنسان , وإلا فليتحمل كل إنسان جريرة إعراضه , أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :" وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" , فهلا نصرنا الله بالدعوة إلى دينه ونشر منهجه في ربوع الأرض , قال الله تعالى :" أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) "(الصف) , وهنا نقول بأن وظيفة الدعوة هي وظيفة كل مسلم ... كل على قدر طاقته , أخرج مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمروا أن الرسول قال :"بلغوا عني ولو آية" , وعند أبي داوود من حديث زيد بن ثابت أن الرسول قال :" نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ " , وكلام الدعوة أحسن كلام وأروعه , قال الله تعالى :" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) " (فصلت) , وأجر الدعوة أجر يصل لصاحبه حتى بعد موته , أخرج ابن خزيمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن مما يلحق المؤمن من عمله و حسناته بعد موته علما علمه و نشره أو ولدا صالحا تركه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا كراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته و حياته تلحقه من بعد موته" .
هل ستنجح خطط الكائدين في المكر لهذا الدين ؟

هذا سؤال يطرح نفسه في هذه الآونة , ونقول بأن هذه الجهود لن تنجح ولن تفلح , لأن الذي تكفل بحفظ هذا الدين هو الله , وهل عند أحد طاقة أن يقف في وجه الإله جل في علاه , قال الله تعالى :" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) "(لحجر) , وقال أيضا:" يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) "(الصف) , ووالله مهما أنفقوا للنيل من دعوة محمد لن يجدي ذلك سيئا , بل سينقلب السحر على الساحر , ويحق الله الحق بكلماته ولو كره الكافرون , قال الله تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) "(الأنفال) , وقال أيضا:"فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) "(النمل) , وإن هذا الكيد لن يتوقف ما دام أن هناك إسلام وكفر , قال الله تعالى :" وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) "(البقرة) , وقال أيضا:"وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89)"(النساء) , وقال أيضا:" وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) "(البقرة) .



الجهاد وأهميته في القضاء على الغزو الفكري
إن أرباب الغزو الفكري عربا وعجما , يريدون لمنهجهم الساقط أن ينتشر , إن لم يكن بالتراضي فبتهشيم الأنوف , وإن أبرز عوامل نجاح مشروع الغزو الفكري وجود تلكم الحكومات العربية التي ما وجدت إلا لخدمة التحالف الصهيوصليبي , وهنا وحتى نحافظ على ديننا وهويتنا الإسلامية , لابد من امتلاك القوة , التي نحمي بها منهجنا وديننا وعقيدتنا , فحق بدون قوة حق ضائع , مهان أهله , ذليلون أتباعه , والأمر كما قيل :"لايفل الحديد إلا الحديد ", "وألف قذيفة من كلام لا تساوي قذيفة من حديد" , قال الله تعالى :" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ " وقال أيضا :" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ" وقال كذلك :" الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّه كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ "قال أبو تمام : السيف أصدق أنباء من الكتب***في حده الحد بين الجد واللعب , وقال أحدهم :لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** إلا إذا أريقت على جوانبه الدم , فالجهاد الجهاد والسيف السيف ذودا عن ديننا , وحماية له , والأجر على قدر المشقة .
مقاومة الغزو الفكري بالتوعية الأخلاقية والتثقيف التربوي
حقا إننا ومن خلال الدعوة إلى الأخلاق نهدف إلى إنشاء جيل رباني فريد , رجال يسيرون على منهاج النبوة , رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين , رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة , يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار , رجال إذا عاهدوا الله صدقوا ما عاهدوا الله عليه , وما بدلوا تبديلا , رجال قوامون على النساء , بالنفقة والرعاية والتوجيه والتأديب والإرشاد , وكف أذاهن ومفاتنهن عن المسلمين, أمثال هؤلاء الرجال نحن نسعى لإيجادهم والعناية بهم وتهيئتهم لخوض المعركة مع التحالف الصهيوصليبي , والغزو الفكري وأذنابه من طواغيت العرب والعجم , يعملون عل القضاء على أمثال هؤلاء الرجال , ولكن حسبنا أن ربنا قال :" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"(الصف) .
لماذا نثبت على منهج الله تعالى ؟
لماذا نثبت على منهج الله تعالى ؟ سؤال يطرح نفسه بقوة في هذه الآونة , والجواب : نثبت على منهج الله تعالى , لأنه وصية الله لنا, قال الله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"(آل عمران :102) .
لماذا نثبت على منهج الله تعالى ؟
والجواب : لأن الثبات هو علامة صدقك في انتسابك وانتمائك لهذا الدين , قال الله تعالى :" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب : 23) .
لماذا نثبت على منهج الله تعالى ؟
والجواب : لأنها الطريق إلى محبة الله وعصمته لنا من الخطأ والزلل , والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته"
لماذا نثبت على منهج الله تعالى ؟
والجواب : لأنها الطريق إلى حفظ الله لنا في أموالنا وأبداننا وأولادنا وديننا , والدليل على ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس أنه قال :" يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك جفت الأقلام ورفعت الصحف " , والمعنى : احفظ الله بالمداومة على طاعته يحفظك في مالك واهلك وبدنك ونفسك .
- إخواني الموحدين : هذه كلمات آمنت بها , واعتقدت أن الحق في قولها ونشرها, ولا أدعي العصمة , فهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمنهج الذي جاء به من عند ربه حال حياته ومن بعده , ما كان في هذا المقال من صواب فمن الله وحده , ما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان , وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء,إلا ما رحم ربي , وأستغفر الله إنه كان غفارا, وأما الخطأ فأرجع عنه ولا أتعصب له , إذا دل الدليل الساطع عليه , وأسأله تعالى أن يلهمني رشدي والمسلمين , وأن يثبتني على الحق إلى ان ألقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم : أبو يونس العباسي
مدينة العزة غزة