تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حق العودة لأهل الشتات ... أحكام ومعان ودلالات



أبو يونس العباسي
05-15-2009, 08:38 PM
حق العودة لأهل الشتات ... أحكام ومعان ودلالات
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذلالشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولابعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منارالإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
سبب المقال
تمر في هذه الآونة الذكر الواحد والستين لاحتلال فلسطين على أيدى العصابات اليهودية , مرت ستون سنة وزيادة , والمأساة لا زالت قائمة , وأهل الحق ينتظرون الحصول على حقهم , ولكن بدون فائدة , بل الدم الفلسطيني المسلم يهراق وبشكل يومي , والإنسان الفلسطيني تصادر حريته وبشكل يومي , وتمتهن كرامته وبشكل يومي , ويداس عرضه , وتدنس مقدساته , وحكومات العالم وجل الشعوب ساكتون صامتون , فالصمت عندهم هو أبلغ المواقف وأفضل ما يمكن لهم أن يعملوه , فإذا كان الأمر على الوضع الذي ذكرت فليس أقل من أنصر إخواني بالكلمة , إلى أن ييسر الله أن أنصرهم بالسيف والسنان عاجلا غير آجل إن شاء الله تعالى .
ما هو المقصود بحق العودة ؟
والمقصود بحق العودة هو ذلكم الحق الذي يمتلكه كل فلسطيني أخرج من وطنه عام 1948م وما بعدها بالرجوع إلى بلده , سواء أكان ذكرا أم أنثى , صغيرا أم كبيرا , صحيحا أم سقيما , مع العلم أن هذا الحق قابل للتوارث إلى أن تحصل الرجعة بإذن الله تعالى .
العودة من منظار شرعي
لعل العنوان يفيد بأن حديثنا عن العودة سيكون من منظار شرعي , ولعلكم تقولون لماذا ؟ فأقول وأجري على الله : لأن المسلم لا بد عليه أن يرجع مشاكله ونزاعاته وقضاياه وخصوماته إلى الشريعة الإسلامية لتكون هي الحاكمة والموجهة والمرشدة , قال الله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)"(النساء) , بل إن الذي يرفض أن يرد النزاعات للشريعة منافق علوم النفاق بالنص القرآني , قال الله تعالى :" وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) "(النور) , بل أستطيع أن أقول عنه بأنه ليس مؤمنا البتة , قال الله تعالى :"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)"(النساء) , وهنا أود التنبيه على أن ديننا كامل , وما دام كذلك فلماذا لا نرد نزاعاتنا ومشاكلنا إليه ليحكم فيها , قال الله تعالى قال الله تعالى :" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) "(المائدة) , وقال أيضا:" وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) "(النحل) , وثبت عند الطبراني أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :" ما تركت شيئا يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا قد بينته لكم وإن روح القدس نفث في روعي وأخبرني أنها لاتموت نفس حتى تستوفى أقصى رزقها وإن أبطأ عنها فيا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء رزقه أن يخرج إلى ما حرم الله عليه فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته " , قال رجل لسلمان الفارسي:" إن صاحبكم ليعلمكم حتى ‏ ‏الخراءة ‏ ‏قال أجل ‏ ‏نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أوبول أو ‏ ‏نستنجي ‏ ‏بأيماننا أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار" , قال أحد الصحابة :"ما ترك رسول الله – صلى الله عليه وسلم خبر طائر يطير بجناحيه إلا ذكر لنا خبرا عنه " , وكان مما تعلمناه من مشائخنا الكرام أنه لا بد علينا أن ننظر إلى الكون كله بنظارة سماها نظارة الإسلام , ونتوجه حسب ما تمليه علينا الرؤية الشريعية التي نراها بنظارة الإسلام , ولقد نظرنا إلى القضية الفلسطينية بنظارات غير شرعية علمانية وديمقراطية وقومية واشتراكية وغيرها , فما رأيناها أغنت عنا شيئا أو قدمت في مسيرة التحرير شبرا , بل يؤسفنا أن نقول أنها أخرت وقهقرت مسيرة التحرير والتحرر , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الفرق بين حق العودة وواجب العودة
ولعل الفرق بين حق العودة وواجب العودة بأن الإنسان قد يتنازل عن حقه ولا يلومه أحد في ذلك , لأنه حقه , لكن لا بد أن نعلم أن هذا يكون في الحقوق المحضة التي يمتلكها الإنسان أما الحقوق التي يشترك فيه حق الإنسان بحق الله , كما هي مسألة حق العودة فإن أي إنسان لا يستطيع أن يتنازل , ولا يملك أن يتنازل , وهذا الحق خاص بالمهجرين من أهل فلسطين , وأما واجب العودة لتحرير فلسطين , فهو وإن كان واجبا على أهل فلسطين عموما بالدرجة الأولى إلا أنه واجب على كل سلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , ولا يشترط حتى يتوجب عليه تحرير فلسطين أن يكون راغبا في سكناها , فهذا شيء وهذا شيء .
النكبة ... المقصود بها وأسبابها
أطلق مصطلح النكبة كثيرا في التاريخ ومن أشهر إطلاقاته ذلكم الإطلاق الذي مني أهل فلسطين , عندما أخرجهم اليهود من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم ظلما وزورا وبهتانا , في سنة 1948م وما بعدها , ولعل من جرب كيف يكون مذاق فقد الأرض والبيت ليبصم بالعشرة على أن هذا الأمر نكبة , إننا في غزة نفقد بيوتنا عبر ما تحدثه آلة الدمار الصهيونية اليهودية فيشعر الواحد منا أنه فقد ولدا أو أكثر عندما يرى بيته مهدما , فكيف بمن أبعد عن بلده قسرا ومنع من الرجعة وصد عنها ؟!!! , وأذكر أن والدي كان يملك قطعة من الأرض ثم اضطر أن يبيعها في بداية انتفاضة عام 2000م لينفق على إخواني , والشاهد من القصة أنه لما باعها أصابه حزن وكمد وهمٌّ لا يعلم به إلا الله , قلت :هذا يا أبي وأنت قد بعتها بيعا , فكيف من أخرج منها بالحديد والنار ؟ حقا :إن ما حصل مع أبناء شعبنا سنة1948م نكبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى .
أسباب النكبة
إن أهم أسباب النكبة هو انحراف أبناء شعبنا الفلسطيني عن جادة الصواب , انحرافهم عن السنة والكتاب , فالنكبة ثمرة طبيعية للانحراف , قال الله تعالى :"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)"(الروم) , وقال أيضا:"أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)"(آل عمران) , وقال أيضا:"قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)"(طه) , وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث ابن عمر أن الرسول قال:"أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ" , وفي موطأ مالك من حدسث أبي هريرة قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - :"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه" , وهنا لا بد أن ننبه على حقيقة شرعية تاريخية ألا وهي: أن فلسطين تيرمومتر الإيمان للأمة , فإن كان إيمان الأمة مقبولا عند الله , كانت معهم فلسطين والأقصى , وإلا فلا , ولكن من الإنصاف أن نقول بأن الذنوب ليست هي السبب الأوحد فإن سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير في عباده هي سنة الابتلاء والتمحيص , قال الله تعالى :" الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) "(العنكبوت) , وقال أيضا:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) " (البقرة) , فعلى قدر الإيمان يكون الابتلاء , أخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبي سعيد قال " دخلت على النبي r وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حرَّهُ بين يدي فوق اللحاف. فقلت يا رسول اللهما أشدها عليك! قال إنَّا كذلك يُضَعَّفُ لناالبلاء ويُضعَّف لنا الأجر ". قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال:" الأنبياء "، قلت يا رسول الله ثم من ؟ قال:" ثم الصالحون إنْ كان أحدُهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويهاوإن كان أحدهم ليفرح بالبلاءكما يفرح أحدكمبالرخاء" , والابتلاء يمحوا السيئات ويكفر الخطايا ويرفع الدرجات , أخرج الترمذي في سننه من حديث فضالة بن عبيد , أن الرسول قال :" لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده وأهله وماله، حتى يلقىالله U وما عليه خطيئة " , وأخرج الترمذي في سننه عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَودُّ أهلُ العافية يومالقيامة حين يُعطى أهلُالبلاءالثوابَ لو أن جلودهمكانت قُرِضت في الدنيا بالمقاريض" , والابتلاء يمايز الصفوف , فتحدث المفاصلة بين الخبيث والطيب , قال الله تعالى :" مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) " (آل عمران), والابتلاء علامة من العلامات الدالة على صحة الطريق للسالك إلى الله تعالى , أخرج البخاري من حديث عائشة أن ورقة قال للرسول :"ما جاء رجل بمثل ما جئت به إلا عودي" , وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عبد اله بن مغفل قال :" أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : والله يا رسول الله إني أحبك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه ".
لا تحسبن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض
نجح بلفور في تحقيق وإنجاز مشروعه لأننا ضعاف , وضعفنا إنما كان لأننا ابتعدنا عن كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحول هذا المعنى يقول الله تعالى :"لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ" (التوبة :25) , يا أيها الأحبة : كنا أعز الأمم وأقواها لما التزمنا بشرع الله , فلما بدلنا وغيرنا بدل الله حالنا , ولا عجب : فالجزاء من جنس العمل , قال الله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ "(الرعد:11) , وما أجمل قول الشيخ ابن القيم :" لا تحسبن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض " , بل ما أجمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم – لما قال :" ولينزعن الله المهابة من صدور عدوكم منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن , قالوا وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت " , نعم: إن مصيبتنا هو التصاقنا وتعلقنا بالدنيا وزهدنا في الآخرة , وإلى الله المشتكى , وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ما هو مدى تعلق الأمة بالقضية الفلسطينية
للأسف الشديد إن الكثير الكثير من أبناء الأمة الإسلامية غافلون عن فلسطين وعن القضية الفلسطينية , منشغلون بالدنيا وملذاتها وشهواتها , قال الله تعالى:" وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) "(الروم) , فعجبا لمن يغفل عن الآخرة وعن أعمالها , وقد بدت من الساعة علاماتها , قال الله تعالى :" اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) "(الأنبياء) , وسحقا لمن أراد لنفسه أن يكون في زمرة البهائم بل هو أضل , قال الله تعالى:" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) "(الأعراف) , يا أبناء الأمة الميامين لا يجوز أن يكون اهتمامنا بالقضية الفلسطينية منحصرا بالمظاهرات والهتافات يوم يكثر سيلان الدماء وتناثر الأشلاء , بل لا بد أن تكون فلسطين هي ما يشغل فؤادنا صباحا ومساءا , بكرة وعشيا , عند الأكل والشرب والنوم وفي كل وقت وفي كل حين , ورحم الله صلاح الدين لما قيل له لماذا لا تبتسم ؟ , فقال : "كيف أبتسم والمسجد الأقصى المبارك بين براثن الصليبيين" , ولقد نقل إلينا الثقات ممن زاروا بلدان الإسلام , أن كثيرا من المسلمين يظنون الأقصى في غزة , وكثير منهم لا يعرف عن أمر فلسطين شيئا , فقد سأل كثير من أبناء مصر أهل غزة عن المكان الذي تقع فيه غزة , فتبا لهذه الحكومات التي نحت شعوبها عن دائرة الصراع الإسلامي الصهيوصليبي بثقافة التجهيل والتجويع وإلا بسياسة القمع وتكميم الأفواه , إذا وبعد ما أقيمت الحجة ووضحت المحجة فلماذا لا نمتلك ثقافة كافية عن فلسطين وما ومن فيها , ولماذا لا نعلم هذه الثقافة لأبنائنا , ولماذا لا ندعوا لهذه الثقافة في كل محفل , ولماذا لا نحدث أنفسنا بالجهاد المقدس من أجل تحرير بيت المقدس , بل لماذا لا نعد أنفسنا لهذا الجهاد , ثم نفكر بالسبل الناجعة للوصول إلى أرض الرباط لمزاولة الجهاد من هناك , وما أدراك ما هناك ؟!!!
بالجهاد وحده سيتحول حق العودة من شعارات إلى حقيقة تطبيقات
حاولت الأمة أن تعيد الشعب الفلسطيني بكل وسيلة وبعيدا عن الجهاد فلم يستطيعوا , ولن يستطيعوا , لأن فلسطين لن تعود إلا بالجهاد في سبيل الله وإلا فلا , الجهاد هو السبيل لأن الله أنزل الكتاب وأنزل الحديد ليذود الحديد عن الكتاب , فحق بدون قوة هو حق ضائع , قال الله تعالى : "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"(الحديد :25) , الجهاد هو السبيل : لأن الله يذهب به الهم والغم والحصار والمضايقات , لا بعقود التهدئة الذليلة المذلة , أخرج أحمد في مسنده من حديث عبادة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم قال: " عليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم " , قال الله تعالى : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"(الأنفال :60) والله غالب على أمره , ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المفاوضات ومبادرات السلام كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءا ونداءا
إن هذه المفاوضات التي يجريها الخونة مع اليهود , ومبادرات السلام التي يطلقها الحكام المرتدون بعد كل مجزرة يهودية بحق الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره , أهدافها معروفة ومغزاها معروف , ألا وهو صد الناس عن المشروع الجهادي , وخداعهم بأن السلام هو ما يحقق متطلبات الشعوب والمفاوضات كذلك وأما غيرها فلا , ومن أهدافها أنها بمثابة إبر بنج تضرب في عقول المسلمين لتبليد مشاعرهم عن نصرة المستضعفين والمسارعة في تحرير المقدسات , وإني أتعجب من أمتي كيف تخدع بالسلام , والله جعل الركون السلام في مثل حالتنا علامة ضعف وخور وتعاجز , قال الله تعالى :" فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) "(محمد) , وجعل الله من شروط السلام أن يبدأ به العدو , قال الله تعالى:" وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)"(الأنفال) , وجعل من شروطه أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة للمسلمين , قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما اخرجه البخاري في صحيحه:" الإسلام يعلو ولا يعلى " , وذلك يكون بعدم مخالفة اتفاقيات السلام لمخالفات لمنهج الرب العلام , أخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال : " ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط " , ولكم أيضا أن تعجبوا من مفاوضات ليس فيها من المفاوضات إلا الاسم , يفاوض العلمانيون البلهاء دون أي مردود سوى المردود المادي الذي تقدمه أوروبا للسلطة , ولقد قالها بيريز يوما:"أنا مستعد أن أفاوض العرب ألف عام ثم لا أعطيهم شيئا" , ولقد نهى الله رسوله عن مثل هذه المفاوضات المذلة فقال له :" إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) "(ن) , وقال أيضا:" وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) "(الإسراء) , وقال أيضا:" فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) "(هود) , وبعد هذا أقول وبأعلى صوت وأحد نبرة أنه لا يفل الحديد إلا الحديد , وما انتزع بالقوة لا يسترد إلا بالقوة , ورحم الله القائل : وألف قذيفة من كلام *** لا تساوي قذيفة من حديد , ولقد صدق أبو تمام لما قال : السيف أصدق إنباء من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب , ورحم الله شيخ الإسلام إذ يقول : قوام هذا الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر , وفي غزة يقول الناس : بالإسلام والبندقية تحل القضية , والرسول – صلى الله عليه وسلم - يقول :" بعثت بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده , وجعل رزقي تحت ظل رمحي , وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري "
قال الشاعر : قالوا لي مفاوضات **** قلت بل مهاترات *** يخضون لبنا مغشوشا *** لن يجلب للشعب الخيرات *** مفاوضات تعقد تترا *** ويهود تنقض معاهدات.

أبو يونس العباسي
05-15-2009, 08:45 PM
حكم التنازل عن شيئ من أرض فلسطين

لا يجوز لأحد أن يتنازل عن أي جزء من أرض الإسلام ؛ فأرض الإسلام ليست حقًّا لرئيس، ولا لأمير، ولا لوزير، ولا لجماعة من الناس، حتى تتنازل عنها تحت أي ضغط أو ظرف. وإنما الواجب على الأفراد والجماعات أن يسعوا بكل الوسائل لجهاد الاحتلال وتحرير القدس الشريف، واستعادتها إلى دار الإسلام , وإذا عجز جيل من أجيال الأمة أو تقاعس ، فلا يجوز له أن يفرض عجزه أو تقاعسه على كل أجيال الأمة القادمة إلى يوم القيامة، فيتنازل عما لا يجوز له التنازل عنه.
ولهذا يحرم بيع الأرض للأعداء في القدس أو غيرها من أرض فلسطين أو قبول التعويض عنها بالنسبة للاجئين المشردين ؛ لأن أوطان الإسلام لا تقبل التنازل أو التعويض عنها بحال من الأحوال، ومن فعل ذلك فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين , وإذا كان هذا الحكم في شأن أي أرض إسلامية، فكيف إذا كانت هذه الأرض في القدس الشريف، أولى القبلتين، وبلد المسجد الأقصى، وثالث المدن المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة، والأرض التي انتهى إليها الإسراء ، وابتدأ منها المعراج ، وحسبنا في فضلها قول الله تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله؛ لنريه من آياتنا" (الإسراء: 1) , ولهذا كان للقدس مكان في قلب كل مسلم ، في المشرق أو المغرب، تمس شغافه، وتتغلغل في أعماقه ، حبًّا لها، وحرصًا عليها، وغيرة على حرماتها ، واهتمامًا بشأنها , ومن أجلها أصبحت قضية فلسطين هي قضية المسلمين الأولى ، لها يفزعون ، وعليها يحافظون ، وفي سبيلها يدافعون ويقاتلون ، ولا يضنون عليها بنفس ولا نفيس.
إن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم ، إنها للمسلمين جميعًا ، عربهم وعجمهم , ولا يجوز للفلسطينيين وحدهم أن يتصرفوا في مصير القدس ، ويفتئتوا على المسلمين في أنحاء الأرض. وهذا بالتالي يوجب على المسلمين – حيثما كانوا- أن يقوموا بواجبهم ويبذلوا ما وسعهم في الدفاع عن بيت المقدس، والمسجد الأقصى، وهذا فرض عليهم جميعًا، يتكافلون في الذود عنه بأنفسهم وأموالهم وكل ما ملكت أيديهم ، وإلا حقت عليهم عقوبة الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير"(التوبة: 38-39)
وحينما احتل الصليبيون القدس قديمًا، كان الذين عملوا على تحريرها مسلمين من غير العرب ، مثل عماد الدين زنكي التركي ، وابنه نور الدين محمود الشهيد ، وتلميذه صلاح الدين الأيوبي الكردي ، الذي حرر الله القدس على يديه , وما يزال المسلمون في كل مكان – أكثر من مليار وثلث- مستعدين للبذل والتضحية من أجل القدس العزيز ، وهذا شيء يلمسه كل أحد لدى الشعوب الإسلامية، ابتداء من الفلبين وإندونيسيا في الشرق إلى موريتانيا في المغرب العربي، وإن لم ينعكس هذا بصورة قوية وواضحة لدى بعض حكام المسلمين، للأسف ! , إن القدس جزء عزيز من دار الإسلام ، وأرض الإسلام ، ووطن الإسلام ، وقد صار للمسلمين فيها أربعة عشر قرنًا من الزمان ، ولم يأخذوها من اليهود , ولقد تسلم عمر بن الخطاب القدس من (بطرير كلها) النصراني صفرنيوس، وكان مما شارطه عليه عمر: ألا يساكنهم فيها يهود , إن السيادة على القدس يجب أن تكون إسلامية محضة قال الله تعالى:"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (يوسف: 21) , ولا ننسى هنا أن نذكر بأن مئات الفتاوى وعلى مستوى العالم الإسلامي صدرت تحرم التنازل عن شيء من فلسطين , وليس هذا في القديم فقط , بل في واقعنا المعاصر كذلك , ولقد أجمع المسلمون على أن بلاد الشام ودرتها فلسطين كما تعلمون أرض وقف إسلامي لا يجوز التصرف فيها إلا بما يتوافق وشريعة محمد – صلى الله عليه وسلم - , وهنا نذكر بموقف ذلك الشيخ المقدسي الذي وافق لليهود على بيع بيته في مدينة القدس بشرط أن يجلبوا له توقيع كل مسلم , حتى من كان في بطن أمه جنينا , أو بين يديها رضيعا , على أنه متنازل لهم عن حقه في القدس , والله الهادي وهو الموفق إلى سواء السبيل .

طريق استرداد الحقوق طريق بذل وتضحيات

لن نستطيع أن نسترد حقوقنا إذا لم نبذل ونضح وندفع ثمن هذا الاسترداد , نضحي بالنفس أغلى ما نملك , ونضحي بالمال , راجيين من وراء هذه التضحية جنات الرحمن – سبحانه وتعالى - , قال الله تعالى :" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) " (التوبة) , ومن المعلوم أن الصحابة ما نالوا الدرجات العلا في الدنيا والآخرة إلا يوم ضحوا بالغالي والنفيس من أجل هذا الدين , ومن هؤلاء : صهيب الرومي , الذي انخلع من ثروته للمشركين في سبيل أن ينجوا بدينه , وفيه نزل قوله تعالى :" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) "(البقرة) , وكان من أجل ما تعلمناه من مشائخنا أن الإسلام شجرة لا تسقى بالماء وإنما تسقى بالدماء , ورحم الله الأستاذ سيد قطب عندما قال :" ستبقى كلماتنا أعراسا من الشمع لا حياة فيها جامدة , حتى إذا ما ضحينا لأجلها ومتنا في سبيلها , انتفضت فيه الروح , وقامت حية بين الأحياء , وأما إذا قدمت الأمة متع الدنيا ولذاتها على الله وما عنده وضنت أن تضحي أو أن تبذل , فليس لها عند الله سوى العذاب الأليم , قال الله تعالى :" قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) "(التوبة) , قال الشاعر:لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا , وقال آخر:وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام , وقال ثالث:وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا *** وما استعصى على قوم منال *** إذا الإقدام كان لكم ركابا.

لماذا يقاتلنا عدونا ؟

وهنا أستنهز الفرصة في الرد على المثبطين القاعدين قائلا لهم : إذا كانت توغلات اليهود ناتجة عن غطلاق الصواريخ ولولاها ما أصابونا بأذى , فهل أطلق أجدادنا قبل عام 1948م الصواريخ على اليهود حتى احتلوا بلادنا وطردونا منها وفعلوا بنا الأفاعيل , إن أفاعيل اليهود وبشكل أساس صادرة عن عداوة عقدية , وهذه العداوة العقدية هي التي تدفعهم لقتالنا , ولن يتوقفوا في قتالهم لنا , بل لن يرضوا عنا , حتى نكفر بالله العظيم وهيهات , قال الله تعالى :" وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "(البقرة:217) , وقال سبحانه :" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(البقرة :109) وقال تعالى :"وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ "(البفرة:120) , ولا بأس وقد فتح هذا الموضوع في أن أرد على علماء السلاطين , الذين يضعون اللوم على جهاد المجاهدين , في العذابات التي تصلنا من أعداء الأمة , فأقول : الجهاد لا يعود على الأمة بالبلاءات , بل يعود بالخير ورفع الهم والغم , أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث عبادة بن الصامت : أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال :" عليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم " , ولكن العذابات تصلنا بسبب العداوة العقدية من أعدائنا لنا , قال الله تعالى :"لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ "(التوبة:140) , وقال تعالى :" لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا "(المائدة:82) .

الصبر على المطالبة بالحق والعمل على استرجاعه

إن الحقوق تضيع يوم يقلع أصحابها بالمطالبة بها , وإلا فقد جاء في الحكم العربية :"بأنه ما ضاع حق وراءه مطالب" , وهنا أقول لنفسي ولأبناء أمتي :لا تنتظروا من أحد أن يرد لكم حقوقكم حتى تكونوا أنتم من يستردها , جاء في جميل أمثال العرب:"ما حك جلدك مثل ظفرك" , وإن من جميل الصفات التي تراها في أبناء شعبنا من المهجرين أنهم يربطون أبناءهم بمواطنهم الأصلية التي هجروا منها , لقد نشأ الآن الجيل الثالث من المهجرين , وأنا أراهم في غزة فأعجب منهم وهم قد ولدوا فيها , إنهم يعتبرونها مدينة مضيفة , وأما قلوبهم فمتعلقة حيث نشأ الأجداد وتركوا البيوت والأطيان والأشجار والأحجار والنسائم العليلة والطيور المغردة وغيرها من ذكريات الوطن السليب , عجل الله تحريره وفك قيوده , اللهم آمين .

التفاؤل صفة المؤمنين والتشاؤم صفة الكافرين

وقد يلمس الإنسان عند كثير من أبناء الشعب الفلسطيني ذلكم الشعور اليائس والنظرة السودواية نحو إمكانية تحرير فلسطين والعود إلى حيث أخرجنا اليهود المناكيد فأقول :إن التشاؤم واليأس والقنوط , ليست صفة لعبد مؤمن , إنما هي من صفات الكافرين الفاجرين , قال الله تعالى :" يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " , وقال ربنا سبحانه وتعالى :" ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " , أن كلمة مستحيل وغير ممكن , كلمة لا توجد في أجندة رجل العقيدة , قالت امرأة في يوم ما : "لو أسلم حمار الخطاب لأسلم عمر بن الخطاب " , فأسلم عمر – رضي الله عنه - وأصبح أميرا للمؤمنين , وأصبح أفضل هذه الأمة بعد نبيها وأبي بكر – رضي الله عنه - , وهكذا كان الكثيرون فهداهم الله تعالى , لأن الله على كل شيء قدير , وكل شيئ عليه يسير .

الصعاب لن تدوم بل غمامة صيف عما قريب تنقشع

إن الصعاب لن تدوم , سيغيرها الله , وسيفرجها الله تعالى , قال الله تعالى :" فإن مع العسر يسرا *** إن مع العسر يسرا *** فإذا فرغت فانصب *** وإلى ربك فارغب " , ويقول الرحمن الرحيم :" حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" , ويقول جل شأنه :" وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" . ولن يغلب عسر يسرين , ولو كان العسر في جحر ضب للحقه اليسر , وإن أشد الأوقات حلكة هي الساعة التي تسبق طلوع الفجر , قال الشاعر : ضاقت حتى إذا استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

في قاموس الموحدين ... لا للعجز ولا للتعاجز

وإذا فتحت قاموس الموحدين فلن تجد للعجز ولا للتعاجز وجودا , لأنهما من الضعف , والمؤمن لا يضعف لأنه وعلى الدوام قوي بإيمانه , قال الله تعالى :" وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) "(آل عمران) , والمؤمن لا يعجز لأن الله معه , ومن كان الله معه فمن ضده ومن كان الله ضده فمن معه , وهل من معه الله ضعيف؟ قال الله تعالى :" إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) "(الأنفال) , المؤمن لا يعجز ولا يعرف للتعاجز سبيلا لأنه يستمد عزته من الله تعالى , قال الله تعالى :" وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) " (المنافقون) , وقال أيضا:" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) "(فاطر) , فقبح الله هذه الأنظمة التي آثرت الذل بتعاجزها وتقاعسها عن نصرة الأمة وقضاياها , وركنت إلى سلام الوها , قال الله تعالى :"ولا تهنوا" والرسول كان يستعيذ ربه من العجز , فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أنس أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " , بل إن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى المؤمن عن العجز فقال كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة :" الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان ".

القضية الفلسطينية وخيانة الأنظمة العربية المرتدة

إن صورة حكام العرب لم تتغير لا في الماضي ولا في الحاضر , فإن دول الكفر التي كانت تسيطر على بلاد المسلمين , ما خرجت إلا بعد أن خلفت وراءها كلابا يؤمنون لها مصالحها , ويقضون على أسباب الخطر التي تحدق بهذه المصالح , إن حكام العرب لم يحركوا ساكنا في مواجهة اغتصاب اليهود لفلسطين , ولما بلغت قوة اليهود ذروتها عام 1948م بعثوا جيوشا ليس فيها من الجيوش إلا اسمها , فلا الأعداد كافية لمواجهة اليهود , ولا الأسلحة صالحة , فأسلحة الجيوش العربية حصل عليها حكام العرب من مزابل الحرب العالمية الثانية , ولقد حدثنا آباؤنا عن هذه الأسلحة : أن الرصاصة كانت تنطلق للخلف , بدل أن تتوجه إلى الأمام نحو اليهود , وحدثونا كذلك أن الجيوش العربية ما كانت تقاتل , فإذا سأل الناس قادة الجيوش عن ذلك قالوا لهم : لا يوجد أوامر , أو باللهجة العراقية :" ماكو أوامر" ولقيني رجل ممن كان يعمل في الأراضي المحتلة وقال لي : بأن جنديا يهوديا حدثه : بأن المعارك عام 48م أو عام 67م كانت أقرب إلى النزهة منها إلى المعركة , أليست هذه الخيانة بعينها يا حكام العرب , والله تعالى يقول :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (الأنفال :27) , وليس أدل على خيانتهم من تولية رئيس الجامعة العربية قلوب باشا إمارة الجيوش التي ستصد اليهود عن فلسطين , ويا ليتهم خانوا مرة واحدة وانتهى الأمر عند ذلك , بل توالت خياناتهم وتوالت , فطبع طواغيت العرب العلاقات مع اليهود , وذلك في زمن المجحوم السادات والهالك حسين – عليهم من الله ما يستحقون – وصار الحفاظ على أمن اليهود هدف استراتيجي عند مصر والأردن , ولطالما سمعنا في نشرات الأخبار , بأن المحاكم الأردنية والمصرية تفرض عقوبات شديدة على من يضبط وهو يهرب السلاح إن إلى الضفة الغربية أو إلى قطاع غزة , ويا ليتهم وقفوا موقف الحياد , بل إننا نراهم اليوم يساهمون في حصارنا والتضييق علينا مع اليهود , فأغلقت مصر معبر رفح , إلا في حالات نادرة , والحكم للغالب والنادر لا حكم له , فنزل أهل القطاع من تحت الأرض ليجلبوا ما يحتاجون , فضخ جنود الطاغوت المصري الغازات المميتة والمواد الكيميائية القاتلة عليهم , والتي قتلت العشرات من أبنائنا , أليس هذا يا عقلاء الأرض من الموالاة التي يكفر صاحبها , قال الشيخ أحمد شاكر : أما التعاون مع الإنجليز , فهو الردة الجامحة , والكفر الصراح , لا يقبل فيه اعتذار , ولا ينفع معه تأول ." وعلى هؤلاء ينطبق قول الله تعالى :" أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ "(البقرة :16) وعلى هذا تنطبق على طواغيت العرب المقولة سالفة الذكر :"الكفر ملة واحدة "

الفرق الكائن بين الأمين والخائن

وبعد أن ذكرنا مواقف طواغيت العرب الخائنين , نذكر موقفا تاريخيا مميزا لأحد أمراء هذه الأمة وأبنائها , ألا وهو السلطان عبد الحميد , والذي عندما ساومه الكفرة الفجرة على أرض فلسطين , وأغروه بالأموال والمكانة وإنعاش اقتصاد دولته المريضة قال :" والله إن عمل المبضع في جسدي أهون علي من أن أفرط في ذرة تراب من أرض فلسطين " , وبين أن أرض فلسطين أرض وقف إسلامي , ليس من حق أحد أن يتنازل عنها أو أن يفرط فيها , كما يفعل البعض : علمانيين كانوا أمم متأسلمين , والذين رضوا بأرض على حدود 1967م , ولكن حسبنا أن نقول : لا نامت أعين الجبناء والخونة الأذلاء , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

تقزيم القضية الفلسطينية باتفاقياتالتطبيع

لقد استطاعت بعض الأنظمة العربية وإلى حد ما وعبر اتفاقيات السلام وما هو بسلام بل تطبيع وخيانة تقزيم القضية الفلسطينية من قضية إسلامية إلى قضية عربية , إلى قضية فلسطينية , وإنني خائف من أن تصبح قضية فلسطين هي قضية الّلاجئين , فإذا ما حاز اللاجئون على جنسيات في البلاد التي هُجّروا إليها , صارت قضية فلسطين أثرًا بعد عين , وإلا فهل يجوز أن يكون المسلم طرفاً محايداً في الصراع الدائر بين اليهود وأهل فلسطين ؟!!! وهل يجوز أن تكون أرض الكنانة "مصر" أو بقية أقطار بلاد الشام طرفا محايدا ؟!!! بل هل يجوز أن يكون مسلم على وجه الأرض طرفا محايدا ؟!!! بل هل كان أحد يتخيل أن تعمل الدول المجاورة لفلسطين ككلاب حراسة لأمن اليهود ؟!!! وأن تجرم قوانين هذه الدول من يقوم بمساعدة أهله في فلسطين بتهريب السلاح والمال لهم ؟!!! هل كان يعقل أن تشن حرب على غزة وبرعاية مصرية عربية , وتصر مصر أثناء الحرب بإبقاء المعبر مغلقا ؟ بل أن تمنع المسلمين ممن يريدون النصرة في المجالات المدنية من الدخول إلى أرض غزة العزة ؟ بل أن تجري تحقيقات مع الجرحى وهم بين الموت والحياة ؟!!! فما هو موقف الإسلام من هذه الأنظمة الخائنة التي أفسدت الحرث والنسل ؟

واجب المسلمين تجاه قضية فلسطين

لا بد أن نعلم أولا أن قضية فلسطين هي قضية إسلامية , فهي مهبط الديانات , وأرض الرسالات , وعليها دب الرسل الكرام – عليهم أفضل وأزكى سلام – وفيها المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى , وهي من وعد الله المسلمين أن يفتحوها ثم يحرروها , وهي الأرض المباركة , قال الله تعالى :" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (الإسراء :1), ثم بعد هذا كله يتقاعس الإخوة عن واجب النصرة , قال الله تعالى :"وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ"(الأنفال :74) , وقال سبحانه وتعالى :" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة :71) ويقول الرب العظيم :" إنما المؤمنون إخوة " (الحجرات : 10) وفي الحديث المتفق عليه من حديث أنس : قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - " انصر أخاك ظالما أو مظلوما . فقال رجل يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه " , وعند أحمد من حديث النعمان أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال :" مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر " , وحيا الله الشيخ الفاضل أسامة بن لادن عندما قال : بأن أبناء الغرب لن يذوقوا طعم الأمن والأمان حتى يلمسه أهل فلسطين واقعا في بلادهم " , ورحم الله القائد الفذ أبا مصعب الزرقاوي إذ يقول :" نجاهد في العراق وأعيننا على بيت المقدس" , وسلم الله الشيخ الظواهري إذ يقول : بأن دولة عراق الإسلام وجهادها هي النواة التي سيخرج منها من سيحرر الأقصى بإذن الله تعالى " وبمثله قال أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي حفظه الله ورعاه .

إخواننا في المهجر لم ننساكم

وكما أننا لم ننس الأقصى , ولم ننس حيفا ولا يافا ولا اللد ولا الرملة ولا أية ذرة تراب من أرض فلسطين , لم ننس كذلك إخواننا المهجرين , ولم ولن ننسى معاناتكم وجراحاتكم وتضييق الأنظمة العربية الساقطة عليكم ونقول لهم : والله إن قلوبنا معكم وجرحنا هو جرحكم كما هو جرح كل مسلم , وسترجعون إلى دياركم سالمين , والخائن المتنازل عن حقوق الله وحقوقكم , لهو في أسفل سافلين , وأمره صائر إلى فشل مبين , ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق ن الله حديثا .

إخوة التوحيد : سننتصر بإذن الله , ستكون العاقبة لنا , سنرفع راية العقاب على الأقصى , وفوق الجامع الأزهر , وفوق الجامع الأموي , وسنرفعها بحق وحقيقة في جزيرة العرب , سنعليها في سماء إيران , وفوق قباب الأندلس و سنرفعها فوق البيت الأبيض بإذن الله , ويومها سنحوله لمسجد يركع ويسجد فيه لرب العالمين , إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا وإننا لصادقون .

‌ -إخواني الموحدين : هذه كلمات آمنت بها , واعتقدت أن الحق في قولها ونشرها, ولا أدعي العصمة , فهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وللمنهج الذي جاء به من عند ربه حال حياته ومن بعده , ما كان في هذا المقال من صواب فمن الله وحده , ما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان , وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء,إلا ما رحم ربي , وأستغفر الله إنه كان غفارا, وأما الخطأ فأرجع عنه ولا أتعصب له , إذا دل الدليل الساطع عليه , وأسأله تعالى أن يلهمني رشدي والمسلمين , وأن يثبتني على الحق إلى ان ألقاه , إنه ولي ذلك والقادر عليه , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أخوكم : أبو يونس العباسي

مدينة العزة غزة

أبو عقاب الشامي
05-15-2009, 09:15 PM
تقزيم القضية الفلسطينية باتفاقياتالتطبيع
لقد استطاعت بعض الأنظمة العربية وإلى حد ما وعبر اتفاقيات السلام وما هو بسلام بل تطبيع وخيانة تقزيم القضية الفلسطينية من قضية إسلامية إلى قضية عربية , إلى قضية فلسطينية , وإنني خائف من أن تصبح قضية فلسطين هي قضية الّلاجئين , فإذا ما حاز اللاجئون على جنسيات في البلاد التي هُجّروا إليها , صارت قضية فلسطين أثرًا بعد عين , وإلا فهل يجوز أن يكون المسلم طرفاً محايداً في الصراع الدائر بين اليهود وأهل فلسطين ؟!!!

السلام عليكم,

أخي الكريم,

لماذا استعمال مصطلح "القضية الفلسطينية" ثم "قضية فلسطين"؟ اليس هناك تعارض؟