أبو يونس العباسي
05-15-2009, 08:38 PM
حق العودة لأهل الشتات ... أحكام ومعان ودلالات
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذلالشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولابعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منارالإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
سبب المقال
تمر في هذه الآونة الذكر الواحد والستين لاحتلال فلسطين على أيدى العصابات اليهودية , مرت ستون سنة وزيادة , والمأساة لا زالت قائمة , وأهل الحق ينتظرون الحصول على حقهم , ولكن بدون فائدة , بل الدم الفلسطيني المسلم يهراق وبشكل يومي , والإنسان الفلسطيني تصادر حريته وبشكل يومي , وتمتهن كرامته وبشكل يومي , ويداس عرضه , وتدنس مقدساته , وحكومات العالم وجل الشعوب ساكتون صامتون , فالصمت عندهم هو أبلغ المواقف وأفضل ما يمكن لهم أن يعملوه , فإذا كان الأمر على الوضع الذي ذكرت فليس أقل من أنصر إخواني بالكلمة , إلى أن ييسر الله أن أنصرهم بالسيف والسنان عاجلا غير آجل إن شاء الله تعالى .
ما هو المقصود بحق العودة ؟
والمقصود بحق العودة هو ذلكم الحق الذي يمتلكه كل فلسطيني أخرج من وطنه عام 1948م وما بعدها بالرجوع إلى بلده , سواء أكان ذكرا أم أنثى , صغيرا أم كبيرا , صحيحا أم سقيما , مع العلم أن هذا الحق قابل للتوارث إلى أن تحصل الرجعة بإذن الله تعالى .
العودة من منظار شرعي
لعل العنوان يفيد بأن حديثنا عن العودة سيكون من منظار شرعي , ولعلكم تقولون لماذا ؟ فأقول وأجري على الله : لأن المسلم لا بد عليه أن يرجع مشاكله ونزاعاته وقضاياه وخصوماته إلى الشريعة الإسلامية لتكون هي الحاكمة والموجهة والمرشدة , قال الله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)"(النساء) , بل إن الذي يرفض أن يرد النزاعات للشريعة منافق علوم النفاق بالنص القرآني , قال الله تعالى :" وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) "(النور) , بل أستطيع أن أقول عنه بأنه ليس مؤمنا البتة , قال الله تعالى :"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)"(النساء) , وهنا أود التنبيه على أن ديننا كامل , وما دام كذلك فلماذا لا نرد نزاعاتنا ومشاكلنا إليه ليحكم فيها , قال الله تعالى قال الله تعالى :" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) "(المائدة) , وقال أيضا:" وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) "(النحل) , وثبت عند الطبراني أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :" ما تركت شيئا يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا قد بينته لكم وإن روح القدس نفث في روعي وأخبرني أنها لاتموت نفس حتى تستوفى أقصى رزقها وإن أبطأ عنها فيا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء رزقه أن يخرج إلى ما حرم الله عليه فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته " , قال رجل لسلمان الفارسي:" إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة قال أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أوبول أو نستنجي بأيماننا أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار" , قال أحد الصحابة :"ما ترك رسول الله – صلى الله عليه وسلم خبر طائر يطير بجناحيه إلا ذكر لنا خبرا عنه " , وكان مما تعلمناه من مشائخنا الكرام أنه لا بد علينا أن ننظر إلى الكون كله بنظارة سماها نظارة الإسلام , ونتوجه حسب ما تمليه علينا الرؤية الشريعية التي نراها بنظارة الإسلام , ولقد نظرنا إلى القضية الفلسطينية بنظارات غير شرعية علمانية وديمقراطية وقومية واشتراكية وغيرها , فما رأيناها أغنت عنا شيئا أو قدمت في مسيرة التحرير شبرا , بل يؤسفنا أن نقول أنها أخرت وقهقرت مسيرة التحرير والتحرر , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الفرق بين حق العودة وواجب العودة
ولعل الفرق بين حق العودة وواجب العودة بأن الإنسان قد يتنازل عن حقه ولا يلومه أحد في ذلك , لأنه حقه , لكن لا بد أن نعلم أن هذا يكون في الحقوق المحضة التي يمتلكها الإنسان أما الحقوق التي يشترك فيه حق الإنسان بحق الله , كما هي مسألة حق العودة فإن أي إنسان لا يستطيع أن يتنازل , ولا يملك أن يتنازل , وهذا الحق خاص بالمهجرين من أهل فلسطين , وأما واجب العودة لتحرير فلسطين , فهو وإن كان واجبا على أهل فلسطين عموما بالدرجة الأولى إلا أنه واجب على كل سلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , ولا يشترط حتى يتوجب عليه تحرير فلسطين أن يكون راغبا في سكناها , فهذا شيء وهذا شيء .
النكبة ... المقصود بها وأسبابها
أطلق مصطلح النكبة كثيرا في التاريخ ومن أشهر إطلاقاته ذلكم الإطلاق الذي مني أهل فلسطين , عندما أخرجهم اليهود من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم ظلما وزورا وبهتانا , في سنة 1948م وما بعدها , ولعل من جرب كيف يكون مذاق فقد الأرض والبيت ليبصم بالعشرة على أن هذا الأمر نكبة , إننا في غزة نفقد بيوتنا عبر ما تحدثه آلة الدمار الصهيونية اليهودية فيشعر الواحد منا أنه فقد ولدا أو أكثر عندما يرى بيته مهدما , فكيف بمن أبعد عن بلده قسرا ومنع من الرجعة وصد عنها ؟!!! , وأذكر أن والدي كان يملك قطعة من الأرض ثم اضطر أن يبيعها في بداية انتفاضة عام 2000م لينفق على إخواني , والشاهد من القصة أنه لما باعها أصابه حزن وكمد وهمٌّ لا يعلم به إلا الله , قلت :هذا يا أبي وأنت قد بعتها بيعا , فكيف من أخرج منها بالحديد والنار ؟ حقا :إن ما حصل مع أبناء شعبنا سنة1948م نكبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى .
أسباب النكبة
إن أهم أسباب النكبة هو انحراف أبناء شعبنا الفلسطيني عن جادة الصواب , انحرافهم عن السنة والكتاب , فالنكبة ثمرة طبيعية للانحراف , قال الله تعالى :"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)"(الروم) , وقال أيضا:"أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)"(آل عمران) , وقال أيضا:"قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)"(طه) , وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث ابن عمر أن الرسول قال:"أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ" , وفي موطأ مالك من حدسث أبي هريرة قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - :"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه" , وهنا لا بد أن ننبه على حقيقة شرعية تاريخية ألا وهي: أن فلسطين تيرمومتر الإيمان للأمة , فإن كان إيمان الأمة مقبولا عند الله , كانت معهم فلسطين والأقصى , وإلا فلا , ولكن من الإنصاف أن نقول بأن الذنوب ليست هي السبب الأوحد فإن سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير في عباده هي سنة الابتلاء والتمحيص , قال الله تعالى :" الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) "(العنكبوت) , وقال أيضا:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) " (البقرة) , فعلى قدر الإيمان يكون الابتلاء , أخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبي سعيد قال " دخلت على النبي r وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حرَّهُ بين يدي فوق اللحاف. فقلت يا رسول اللهما أشدها عليك! قال إنَّا كذلك يُضَعَّفُ لناالبلاء ويُضعَّف لنا الأجر ". قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال:" الأنبياء "، قلت يا رسول الله ثم من ؟ قال:" ثم الصالحون إنْ كان أحدُهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويهاوإن كان أحدهم ليفرح بالبلاءكما يفرح أحدكمبالرخاء" , والابتلاء يمحوا السيئات ويكفر الخطايا ويرفع الدرجات , أخرج الترمذي في سننه من حديث فضالة بن عبيد , أن الرسول قال :" لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده وأهله وماله، حتى يلقىالله U وما عليه خطيئة " , وأخرج الترمذي في سننه عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَودُّ أهلُ العافية يومالقيامة حين يُعطى أهلُالبلاءالثوابَ لو أن جلودهمكانت قُرِضت في الدنيا بالمقاريض" , والابتلاء يمايز الصفوف , فتحدث المفاصلة بين الخبيث والطيب , قال الله تعالى :" مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) " (آل عمران), والابتلاء علامة من العلامات الدالة على صحة الطريق للسالك إلى الله تعالى , أخرج البخاري من حديث عائشة أن ورقة قال للرسول :"ما جاء رجل بمثل ما جئت به إلا عودي" , وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عبد اله بن مغفل قال :" أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : والله يا رسول الله إني أحبك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه ".
لا تحسبن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض
نجح بلفور في تحقيق وإنجاز مشروعه لأننا ضعاف , وضعفنا إنما كان لأننا ابتعدنا عن كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحول هذا المعنى يقول الله تعالى :"لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ" (التوبة :25) , يا أيها الأحبة : كنا أعز الأمم وأقواها لما التزمنا بشرع الله , فلما بدلنا وغيرنا بدل الله حالنا , ولا عجب : فالجزاء من جنس العمل , قال الله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ "(الرعد:11) , وما أجمل قول الشيخ ابن القيم :" لا تحسبن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض " , بل ما أجمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم – لما قال :" ولينزعن الله المهابة من صدور عدوكم منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن , قالوا وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت " , نعم: إن مصيبتنا هو التصاقنا وتعلقنا بالدنيا وزهدنا في الآخرة , وإلى الله المشتكى , وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ما هو مدى تعلق الأمة بالقضية الفلسطينية
للأسف الشديد إن الكثير الكثير من أبناء الأمة الإسلامية غافلون عن فلسطين وعن القضية الفلسطينية , منشغلون بالدنيا وملذاتها وشهواتها , قال الله تعالى:" وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) "(الروم) , فعجبا لمن يغفل عن الآخرة وعن أعمالها , وقد بدت من الساعة علاماتها , قال الله تعالى :" اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) "(الأنبياء) , وسحقا لمن أراد لنفسه أن يكون في زمرة البهائم بل هو أضل , قال الله تعالى:" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) "(الأعراف) , يا أبناء الأمة الميامين لا يجوز أن يكون اهتمامنا بالقضية الفلسطينية منحصرا بالمظاهرات والهتافات يوم يكثر سيلان الدماء وتناثر الأشلاء , بل لا بد أن تكون فلسطين هي ما يشغل فؤادنا صباحا ومساءا , بكرة وعشيا , عند الأكل والشرب والنوم وفي كل وقت وفي كل حين , ورحم الله صلاح الدين لما قيل له لماذا لا تبتسم ؟ , فقال : "كيف أبتسم والمسجد الأقصى المبارك بين براثن الصليبيين" , ولقد نقل إلينا الثقات ممن زاروا بلدان الإسلام , أن كثيرا من المسلمين يظنون الأقصى في غزة , وكثير منهم لا يعرف عن أمر فلسطين شيئا , فقد سأل كثير من أبناء مصر أهل غزة عن المكان الذي تقع فيه غزة , فتبا لهذه الحكومات التي نحت شعوبها عن دائرة الصراع الإسلامي الصهيوصليبي بثقافة التجهيل والتجويع وإلا بسياسة القمع وتكميم الأفواه , إذا وبعد ما أقيمت الحجة ووضحت المحجة فلماذا لا نمتلك ثقافة كافية عن فلسطين وما ومن فيها , ولماذا لا نعلم هذه الثقافة لأبنائنا , ولماذا لا ندعوا لهذه الثقافة في كل محفل , ولماذا لا نحدث أنفسنا بالجهاد المقدس من أجل تحرير بيت المقدس , بل لماذا لا نعد أنفسنا لهذا الجهاد , ثم نفكر بالسبل الناجعة للوصول إلى أرض الرباط لمزاولة الجهاد من هناك , وما أدراك ما هناك ؟!!!
بالجهاد وحده سيتحول حق العودة من شعارات إلى حقيقة تطبيقات
حاولت الأمة أن تعيد الشعب الفلسطيني بكل وسيلة وبعيدا عن الجهاد فلم يستطيعوا , ولن يستطيعوا , لأن فلسطين لن تعود إلا بالجهاد في سبيل الله وإلا فلا , الجهاد هو السبيل لأن الله أنزل الكتاب وأنزل الحديد ليذود الحديد عن الكتاب , فحق بدون قوة هو حق ضائع , قال الله تعالى : "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"(الحديد :25) , الجهاد هو السبيل : لأن الله يذهب به الهم والغم والحصار والمضايقات , لا بعقود التهدئة الذليلة المذلة , أخرج أحمد في مسنده من حديث عبادة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم قال: " عليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم " , قال الله تعالى : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"(الأنفال :60) والله غالب على أمره , ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المفاوضات ومبادرات السلام كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءا ونداءا
إن هذه المفاوضات التي يجريها الخونة مع اليهود , ومبادرات السلام التي يطلقها الحكام المرتدون بعد كل مجزرة يهودية بحق الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره , أهدافها معروفة ومغزاها معروف , ألا وهو صد الناس عن المشروع الجهادي , وخداعهم بأن السلام هو ما يحقق متطلبات الشعوب والمفاوضات كذلك وأما غيرها فلا , ومن أهدافها أنها بمثابة إبر بنج تضرب في عقول المسلمين لتبليد مشاعرهم عن نصرة المستضعفين والمسارعة في تحرير المقدسات , وإني أتعجب من أمتي كيف تخدع بالسلام , والله جعل الركون السلام في مثل حالتنا علامة ضعف وخور وتعاجز , قال الله تعالى :" فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) "(محمد) , وجعل الله من شروط السلام أن يبدأ به العدو , قال الله تعالى:" وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)"(الأنفال) , وجعل من شروطه أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة للمسلمين , قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما اخرجه البخاري في صحيحه:" الإسلام يعلو ولا يعلى " , وذلك يكون بعدم مخالفة اتفاقيات السلام لمخالفات لمنهج الرب العلام , أخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال : " ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط " , ولكم أيضا أن تعجبوا من مفاوضات ليس فيها من المفاوضات إلا الاسم , يفاوض العلمانيون البلهاء دون أي مردود سوى المردود المادي الذي تقدمه أوروبا للسلطة , ولقد قالها بيريز يوما:"أنا مستعد أن أفاوض العرب ألف عام ثم لا أعطيهم شيئا" , ولقد نهى الله رسوله عن مثل هذه المفاوضات المذلة فقال له :" إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) "(ن) , وقال أيضا:" وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) "(الإسراء) , وقال أيضا:" فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) "(هود) , وبعد هذا أقول وبأعلى صوت وأحد نبرة أنه لا يفل الحديد إلا الحديد , وما انتزع بالقوة لا يسترد إلا بالقوة , ورحم الله القائل : وألف قذيفة من كلام *** لا تساوي قذيفة من حديد , ولقد صدق أبو تمام لما قال : السيف أصدق إنباء من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب , ورحم الله شيخ الإسلام إذ يقول : قوام هذا الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر , وفي غزة يقول الناس : بالإسلام والبندقية تحل القضية , والرسول – صلى الله عليه وسلم - يقول :" بعثت بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده , وجعل رزقي تحت ظل رمحي , وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري "
قال الشاعر : قالوا لي مفاوضات **** قلت بل مهاترات *** يخضون لبنا مغشوشا *** لن يجلب للشعب الخيرات *** مفاوضات تعقد تترا *** ويهود تنقض معاهدات.
أبو يونس العباسي
الحمد لله معز الإسلام بنصره , ومذلالشرك بقهره , ومصرف الأمور بأمره , ومستدرج الكافرين بمكره ، الذي قدر الأيام دولابعدله , وجعل العاقبة للمتقين بفضله , والصلاة والسلام على من أعلى الله منارالإسلام بسيفه , وعلى من سار على دربه واقتفى أثره , واهتدى بهديه واستن بسنته , إلى يوم الدين .
سبب المقال
تمر في هذه الآونة الذكر الواحد والستين لاحتلال فلسطين على أيدى العصابات اليهودية , مرت ستون سنة وزيادة , والمأساة لا زالت قائمة , وأهل الحق ينتظرون الحصول على حقهم , ولكن بدون فائدة , بل الدم الفلسطيني المسلم يهراق وبشكل يومي , والإنسان الفلسطيني تصادر حريته وبشكل يومي , وتمتهن كرامته وبشكل يومي , ويداس عرضه , وتدنس مقدساته , وحكومات العالم وجل الشعوب ساكتون صامتون , فالصمت عندهم هو أبلغ المواقف وأفضل ما يمكن لهم أن يعملوه , فإذا كان الأمر على الوضع الذي ذكرت فليس أقل من أنصر إخواني بالكلمة , إلى أن ييسر الله أن أنصرهم بالسيف والسنان عاجلا غير آجل إن شاء الله تعالى .
ما هو المقصود بحق العودة ؟
والمقصود بحق العودة هو ذلكم الحق الذي يمتلكه كل فلسطيني أخرج من وطنه عام 1948م وما بعدها بالرجوع إلى بلده , سواء أكان ذكرا أم أنثى , صغيرا أم كبيرا , صحيحا أم سقيما , مع العلم أن هذا الحق قابل للتوارث إلى أن تحصل الرجعة بإذن الله تعالى .
العودة من منظار شرعي
لعل العنوان يفيد بأن حديثنا عن العودة سيكون من منظار شرعي , ولعلكم تقولون لماذا ؟ فأقول وأجري على الله : لأن المسلم لا بد عليه أن يرجع مشاكله ونزاعاته وقضاياه وخصوماته إلى الشريعة الإسلامية لتكون هي الحاكمة والموجهة والمرشدة , قال الله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)"(النساء) , بل إن الذي يرفض أن يرد النزاعات للشريعة منافق علوم النفاق بالنص القرآني , قال الله تعالى :" وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) "(النور) , بل أستطيع أن أقول عنه بأنه ليس مؤمنا البتة , قال الله تعالى :"فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)"(النساء) , وهنا أود التنبيه على أن ديننا كامل , وما دام كذلك فلماذا لا نرد نزاعاتنا ومشاكلنا إليه ليحكم فيها , قال الله تعالى قال الله تعالى :" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) "(المائدة) , وقال أيضا:" وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) "(النحل) , وثبت عند الطبراني أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال :" ما تركت شيئا يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا قد بينته لكم وإن روح القدس نفث في روعي وأخبرني أنها لاتموت نفس حتى تستوفى أقصى رزقها وإن أبطأ عنها فيا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء رزقه أن يخرج إلى ما حرم الله عليه فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته " , قال رجل لسلمان الفارسي:" إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة قال أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أوبول أو نستنجي بأيماننا أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار" , قال أحد الصحابة :"ما ترك رسول الله – صلى الله عليه وسلم خبر طائر يطير بجناحيه إلا ذكر لنا خبرا عنه " , وكان مما تعلمناه من مشائخنا الكرام أنه لا بد علينا أن ننظر إلى الكون كله بنظارة سماها نظارة الإسلام , ونتوجه حسب ما تمليه علينا الرؤية الشريعية التي نراها بنظارة الإسلام , ولقد نظرنا إلى القضية الفلسطينية بنظارات غير شرعية علمانية وديمقراطية وقومية واشتراكية وغيرها , فما رأيناها أغنت عنا شيئا أو قدمت في مسيرة التحرير شبرا , بل يؤسفنا أن نقول أنها أخرت وقهقرت مسيرة التحرير والتحرر , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الفرق بين حق العودة وواجب العودة
ولعل الفرق بين حق العودة وواجب العودة بأن الإنسان قد يتنازل عن حقه ولا يلومه أحد في ذلك , لأنه حقه , لكن لا بد أن نعلم أن هذا يكون في الحقوق المحضة التي يمتلكها الإنسان أما الحقوق التي يشترك فيه حق الإنسان بحق الله , كما هي مسألة حق العودة فإن أي إنسان لا يستطيع أن يتنازل , ولا يملك أن يتنازل , وهذا الحق خاص بالمهجرين من أهل فلسطين , وأما واجب العودة لتحرير فلسطين , فهو وإن كان واجبا على أهل فلسطين عموما بالدرجة الأولى إلا أنه واجب على كل سلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , ولا يشترط حتى يتوجب عليه تحرير فلسطين أن يكون راغبا في سكناها , فهذا شيء وهذا شيء .
النكبة ... المقصود بها وأسبابها
أطلق مصطلح النكبة كثيرا في التاريخ ومن أشهر إطلاقاته ذلكم الإطلاق الذي مني أهل فلسطين , عندما أخرجهم اليهود من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم ظلما وزورا وبهتانا , في سنة 1948م وما بعدها , ولعل من جرب كيف يكون مذاق فقد الأرض والبيت ليبصم بالعشرة على أن هذا الأمر نكبة , إننا في غزة نفقد بيوتنا عبر ما تحدثه آلة الدمار الصهيونية اليهودية فيشعر الواحد منا أنه فقد ولدا أو أكثر عندما يرى بيته مهدما , فكيف بمن أبعد عن بلده قسرا ومنع من الرجعة وصد عنها ؟!!! , وأذكر أن والدي كان يملك قطعة من الأرض ثم اضطر أن يبيعها في بداية انتفاضة عام 2000م لينفق على إخواني , والشاهد من القصة أنه لما باعها أصابه حزن وكمد وهمٌّ لا يعلم به إلا الله , قلت :هذا يا أبي وأنت قد بعتها بيعا , فكيف من أخرج منها بالحديد والنار ؟ حقا :إن ما حصل مع أبناء شعبنا سنة1948م نكبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى .
أسباب النكبة
إن أهم أسباب النكبة هو انحراف أبناء شعبنا الفلسطيني عن جادة الصواب , انحرافهم عن السنة والكتاب , فالنكبة ثمرة طبيعية للانحراف , قال الله تعالى :"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)"(الروم) , وقال أيضا:"أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)"(آل عمران) , وقال أيضا:"قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)"(طه) , وأخرج ابن ماجه في سننه من حديث ابن عمر أن الرسول قال:"أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ" , وفي موطأ مالك من حدسث أبي هريرة قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - :"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه" , وهنا لا بد أن ننبه على حقيقة شرعية تاريخية ألا وهي: أن فلسطين تيرمومتر الإيمان للأمة , فإن كان إيمان الأمة مقبولا عند الله , كانت معهم فلسطين والأقصى , وإلا فلا , ولكن من الإنصاف أن نقول بأن الذنوب ليست هي السبب الأوحد فإن سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير في عباده هي سنة الابتلاء والتمحيص , قال الله تعالى :" الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) "(العنكبوت) , وقال أيضا:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) " (البقرة) , فعلى قدر الإيمان يكون الابتلاء , أخرج ابن ماجه في سننه من حديث أبي سعيد قال " دخلت على النبي r وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حرَّهُ بين يدي فوق اللحاف. فقلت يا رسول اللهما أشدها عليك! قال إنَّا كذلك يُضَعَّفُ لناالبلاء ويُضعَّف لنا الأجر ". قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال:" الأنبياء "، قلت يا رسول الله ثم من ؟ قال:" ثم الصالحون إنْ كان أحدُهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويهاوإن كان أحدهم ليفرح بالبلاءكما يفرح أحدكمبالرخاء" , والابتلاء يمحوا السيئات ويكفر الخطايا ويرفع الدرجات , أخرج الترمذي في سننه من حديث فضالة بن عبيد , أن الرسول قال :" لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في جسده وأهله وماله، حتى يلقىالله U وما عليه خطيئة " , وأخرج الترمذي في سننه عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَودُّ أهلُ العافية يومالقيامة حين يُعطى أهلُالبلاءالثوابَ لو أن جلودهمكانت قُرِضت في الدنيا بالمقاريض" , والابتلاء يمايز الصفوف , فتحدث المفاصلة بين الخبيث والطيب , قال الله تعالى :" مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) " (آل عمران), والابتلاء علامة من العلامات الدالة على صحة الطريق للسالك إلى الله تعالى , أخرج البخاري من حديث عائشة أن ورقة قال للرسول :"ما جاء رجل بمثل ما جئت به إلا عودي" , وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عبد اله بن مغفل قال :" أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : والله يا رسول الله إني أحبك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه ".
لا تحسبن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض
نجح بلفور في تحقيق وإنجاز مشروعه لأننا ضعاف , وضعفنا إنما كان لأننا ابتعدنا عن كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وحول هذا المعنى يقول الله تعالى :"لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ" (التوبة :25) , يا أيها الأحبة : كنا أعز الأمم وأقواها لما التزمنا بشرع الله , فلما بدلنا وغيرنا بدل الله حالنا , ولا عجب : فالجزاء من جنس العمل , قال الله تعالى:" إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ "(الرعد:11) , وما أجمل قول الشيخ ابن القيم :" لا تحسبن أن العدو غلب ولكن الحافظ أعرض " , بل ما أجمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم – لما قال :" ولينزعن الله المهابة من صدور عدوكم منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن , قالوا وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت " , نعم: إن مصيبتنا هو التصاقنا وتعلقنا بالدنيا وزهدنا في الآخرة , وإلى الله المشتكى , وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ما هو مدى تعلق الأمة بالقضية الفلسطينية
للأسف الشديد إن الكثير الكثير من أبناء الأمة الإسلامية غافلون عن فلسطين وعن القضية الفلسطينية , منشغلون بالدنيا وملذاتها وشهواتها , قال الله تعالى:" وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) "(الروم) , فعجبا لمن يغفل عن الآخرة وعن أعمالها , وقد بدت من الساعة علاماتها , قال الله تعالى :" اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) "(الأنبياء) , وسحقا لمن أراد لنفسه أن يكون في زمرة البهائم بل هو أضل , قال الله تعالى:" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) "(الأعراف) , يا أبناء الأمة الميامين لا يجوز أن يكون اهتمامنا بالقضية الفلسطينية منحصرا بالمظاهرات والهتافات يوم يكثر سيلان الدماء وتناثر الأشلاء , بل لا بد أن تكون فلسطين هي ما يشغل فؤادنا صباحا ومساءا , بكرة وعشيا , عند الأكل والشرب والنوم وفي كل وقت وفي كل حين , ورحم الله صلاح الدين لما قيل له لماذا لا تبتسم ؟ , فقال : "كيف أبتسم والمسجد الأقصى المبارك بين براثن الصليبيين" , ولقد نقل إلينا الثقات ممن زاروا بلدان الإسلام , أن كثيرا من المسلمين يظنون الأقصى في غزة , وكثير منهم لا يعرف عن أمر فلسطين شيئا , فقد سأل كثير من أبناء مصر أهل غزة عن المكان الذي تقع فيه غزة , فتبا لهذه الحكومات التي نحت شعوبها عن دائرة الصراع الإسلامي الصهيوصليبي بثقافة التجهيل والتجويع وإلا بسياسة القمع وتكميم الأفواه , إذا وبعد ما أقيمت الحجة ووضحت المحجة فلماذا لا نمتلك ثقافة كافية عن فلسطين وما ومن فيها , ولماذا لا نعلم هذه الثقافة لأبنائنا , ولماذا لا ندعوا لهذه الثقافة في كل محفل , ولماذا لا نحدث أنفسنا بالجهاد المقدس من أجل تحرير بيت المقدس , بل لماذا لا نعد أنفسنا لهذا الجهاد , ثم نفكر بالسبل الناجعة للوصول إلى أرض الرباط لمزاولة الجهاد من هناك , وما أدراك ما هناك ؟!!!
بالجهاد وحده سيتحول حق العودة من شعارات إلى حقيقة تطبيقات
حاولت الأمة أن تعيد الشعب الفلسطيني بكل وسيلة وبعيدا عن الجهاد فلم يستطيعوا , ولن يستطيعوا , لأن فلسطين لن تعود إلا بالجهاد في سبيل الله وإلا فلا , الجهاد هو السبيل لأن الله أنزل الكتاب وأنزل الحديد ليذود الحديد عن الكتاب , فحق بدون قوة هو حق ضائع , قال الله تعالى : "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ"(الحديد :25) , الجهاد هو السبيل : لأن الله يذهب به الهم والغم والحصار والمضايقات , لا بعقود التهدئة الذليلة المذلة , أخرج أحمد في مسنده من حديث عبادة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم قال: " عليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم " , قال الله تعالى : " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"(الأنفال :60) والله غالب على أمره , ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المفاوضات ومبادرات السلام كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءا ونداءا
إن هذه المفاوضات التي يجريها الخونة مع اليهود , ومبادرات السلام التي يطلقها الحكام المرتدون بعد كل مجزرة يهودية بحق الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره , أهدافها معروفة ومغزاها معروف , ألا وهو صد الناس عن المشروع الجهادي , وخداعهم بأن السلام هو ما يحقق متطلبات الشعوب والمفاوضات كذلك وأما غيرها فلا , ومن أهدافها أنها بمثابة إبر بنج تضرب في عقول المسلمين لتبليد مشاعرهم عن نصرة المستضعفين والمسارعة في تحرير المقدسات , وإني أتعجب من أمتي كيف تخدع بالسلام , والله جعل الركون السلام في مثل حالتنا علامة ضعف وخور وتعاجز , قال الله تعالى :" فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) "(محمد) , وجعل الله من شروط السلام أن يبدأ به العدو , قال الله تعالى:" وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)"(الأنفال) , وجعل من شروطه أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة للمسلمين , قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما اخرجه البخاري في صحيحه:" الإسلام يعلو ولا يعلى " , وذلك يكون بعدم مخالفة اتفاقيات السلام لمخالفات لمنهج الرب العلام , أخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم - قال : " ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط " , ولكم أيضا أن تعجبوا من مفاوضات ليس فيها من المفاوضات إلا الاسم , يفاوض العلمانيون البلهاء دون أي مردود سوى المردود المادي الذي تقدمه أوروبا للسلطة , ولقد قالها بيريز يوما:"أنا مستعد أن أفاوض العرب ألف عام ثم لا أعطيهم شيئا" , ولقد نهى الله رسوله عن مثل هذه المفاوضات المذلة فقال له :" إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) "(ن) , وقال أيضا:" وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) "(الإسراء) , وقال أيضا:" فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) "(هود) , وبعد هذا أقول وبأعلى صوت وأحد نبرة أنه لا يفل الحديد إلا الحديد , وما انتزع بالقوة لا يسترد إلا بالقوة , ورحم الله القائل : وألف قذيفة من كلام *** لا تساوي قذيفة من حديد , ولقد صدق أبو تمام لما قال : السيف أصدق إنباء من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب , ورحم الله شيخ الإسلام إذ يقول : قوام هذا الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر , وفي غزة يقول الناس : بالإسلام والبندقية تحل القضية , والرسول – صلى الله عليه وسلم - يقول :" بعثت بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده , وجعل رزقي تحت ظل رمحي , وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري "
قال الشاعر : قالوا لي مفاوضات **** قلت بل مهاترات *** يخضون لبنا مغشوشا *** لن يجلب للشعب الخيرات *** مفاوضات تعقد تترا *** ويهود تنقض معاهدات.