تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دروس فتح الاسلام بين أسد الجهاد2 والمقدسي



عمر البيروتي
05-15-2009, 01:00 PM
ردود أبي عبد الله المقدسي المسؤول الشرعي لجماعة فتح الإسلام على الأسئلة الورادة عبر منتدى شموخ الإسلام، أماطت اللثام عن عدد من المسائل المهمة والتي بقيت غامضة حتى بعد مرور عامين تقريباً على أخدود نهر البارد. ولولا الزلزلة التي أحدثها أسد الجهاد2 عبر إجاباته الصاعقة في منتدى الفلوجة، فلربما لم نكن لنحظى بهذا القدر من المعلومات، التي هي بمعظمها تندرج في إطار ما ينبغي علمه منذ فترة طويلة، وليست من الأسرار الواجب كتمها، بل هي مادة إعلامية حيوية كانت كافية إلى حد كبير لتظهير هوية فتح الإسلام وأهداف التنظيم، إلا أن التقصير في هذا المجال تحديداً وفي تهيئة الأرض وفي فهم وقائع البيئة السياسية، هو ما رسم مآل الأمور فيما بعد.
لقد كشف المقدسي بعض الأخطاء في تقدير الموقف، وتضمنت سياقاته الأخرى، أخطاء ذات طبيعة موضوعية وقع فيها التنظيم لم يكن المقدسي بقادر على لفت الأنظار إليها صراحة أو تلمسها بتعبير أدق، لكن الإشارات القليلة التي يمكن سبرها من النص، توضّح الفكرة لكن بعد تمعن وتأمل، وهي على حال تخفى بسهولة على من هو خارج لبنان، ولا يدرك الطبيعة المعقدة للعلاقة بين اللبنانيين وفلسطيني المخيمات، ولا ماهية التوازنات الطائفية، ولا المدى الذي وصل إليه حزب الله في بناء دولته الخاصة داخل الدولة الرسمية، وبالتضاد معها حيناً والتفاهم معها حيناً آخر، بحيث ترتسم حدود العلاقة بين تابع ومتبوع في الأغلب الأعم بين الحزب الإيراني المولد والمنشأ والتربية والتمويل والتسليح، وشبه الدولة التي لم تقوَ يوماً على طوائفها المكوّنة لها، والتي تدير شؤون الحياة، بالتراضي والتسويات المؤقتة. كما أنه من الجليّ الآن، أن قرار العبسي الانتقال إلى لبنان، وسط فوضى حرب تموز (يوليو) 2006، كان موفقاً من الناحية العسكرية واللوجيستية، لكن لم يترافق مع فهم دقيق لأواليات الصراع حينذاك، بين حلفاء سوريا وحلفاء أمريكا، أو أن قيادة التنظيم الناشئ على عجل، وبأفكار مسبقة لا تنتمي إلى البيئة الجديدة، قرأت الواقع كما ترغب فيه أن يكون، وبَنَتْ على هذه القراءة استراتيجيات وتكتيكات غير متناسبة أو ملائمة للتحديات المحتملة، وأبرزها على الإطلاق كيفية التأثير في الرأي العام لدى أهل السنة في تلك الفترة، والذي بات يرى في حزب الله عدواً أقرب، وينظر إلى إسرائيل عدواً أبعد، واستطراداً كانت الموازنة بين الخطرين لغير مصلحة الحسابات والأعمال والخطابات التي أطلقتها فتح الإسلام.
لقد كانت الساحة السنية آنذاك، تتطلع إلى قوة موازنة لحزب الله، ولم تكن ترى الخطر الإسرائيلي داهماً، فجاء العبسي ورفاقه بمشروع بديل من حزب الله، استناداً إلى قوة جهادية مؤلفة من الفلسطينيين المقيمين في سوريا ولبنان، بشكل أساسي، مع بعض المجاهدين من جنسيات مختلفة، وبأهداف بعيدة المدى غير ذات صلة مباشرة بتطلعات أهل السنة وتخوفاتهم الآنية، وكان الانطلاق من مخيم فلسطيني حيث التواصل السياسي منقطع بين المخيمات ومحيطها عموماً، فالدائرة السياسية في المخيمات تختلف إلى حد كبير عما يجري في محيطها، لذلك ورثت فتح الإسلام مناهج التفكير السياسي والعسكري للمنظمات الفلسطينية، رغم القطيعة التي أحدثتها في المجال العقدي كما أشار الشيخ المقدسي. فيما ألاحظ بالمقابل، أن أسد الجهاد2 في زلزلته المشار إليها، كان ممسكاً بالصورة الكاملة للنزاعات والصراعات في لبنان ودور النظام البعثي في سوريا في هذه، فلا يكفي القول إن الخلاف في لبنان كان بين فريقين، واحد مع إيران وآخر مع أمريكا، ليُسدَل الستار على الباقي، ثم يتحرك المجاهدون في خطهم الثالث وكأن شيئاً لم يكن، أو دون أن يتعرض لهم أحد الفريقين. بل دخلت فتح الإسلام إلى لبنان، وبدأت باستفزاز الطرف الأضعف في لبنان واستهدافه، وهو الجانب السني في الجيش والأمن الداخلي، ففقدت تأييد أهل السنة كلهم دفعة واحدة، خصوصاً بسبب المجزرة التي وقعت لعناصر الجيش وهم نائمون أو عزّل من السلاح على الطرقات في مناطق مختلفة، حول مخيم نهر البارد، وبعيداً منه، والتي تتعدى كونها ردّ فعل على محاصرة عناصر التنظيم في طرابلس بشارع المائتين، بل كانت ضربة مخططة عن سابق تصور لنشر الرعب وتقويض الجيش من الناحية النفسية، علماً أن معظم قتلى الجيش كانوا من أهل السنة.
إن العبسي لو سار في لبنان على طريقة الزرقاوي في العراق، لاختلفت المعادلة تماماً، أو على الأقل لكانت ظروف النجاح والتمدد أكبر بكثير. لقد سقط النظام البعثي في العراق لحظة دخول الأمريكيين بغداد. ولكن الانهيار بدأ منذ اللحظة الأولى، ومعلوم كيف انسحب الضباط السنة من المعركة قبل الجنود، وكيف أن العشائر السنية في غرب العراق تعاملت مع الأمر بلا مبالاة، بل كان بعض شيوخها عملاء للاستخبارات الأمريكية، وبعض هؤلاء عاد وأنشأ الصحوات، خوفاً من القوة الشيعية الصاعدة ومن النفوذ الإيراني. في هذا الوضع الحرج، قدّم المجاهدون لسنة العراق خياراً آخر للحفاظ على النفس، وهو مقارعة الأعداء كلهم دون هوادة. وكان التحلّق الكبير حول قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، وهو ما سمح بكسر هيبة الشيعة ورعاتهم الأمريكيين في الوقت ذاته، ما دفع واشنطن إلى تغيير طريقة العمل.
أما في لبنان، فكان التخوف السني قائماً من حزب الله ومن إيران، لكن وجود إسرائيل على جبهة الجنوب، كان يمنح الحزب فرصة للتضليل باعتباره حزباً مقاوماً، وكان يُحرج خصومه من أهل السنة في لبنان باعتبارهم غير مقاومين. فجاء العبسي بدعوى قتال اليهود، لكن دونه والجبهة حزب الله الذي هو عدو متمرس ويقاتل وسط قومه وفي معقله، وليس من السهل أبداً كسب الرأي وأنت تقاتل مباشرة من يقاتل إسرائيل. فكان طريقه إلى الجبهة في الجنوب، إما بقتال حزب الله واليونيفيل للوصول إلى الجبهة، وإما التفاهم مع حزب الله لقتال اليونيفيل ثم إسرائيل، والأمران غير ميسورين، لأن حزب الله ببساطة يحتكر الجبهة ولا يترك الفرصة لا لحلفائه ولا لخصومه (والمجاهدون السنة خصومه الألداء).
إذاً كان المتاح أمام فتح الإسلام أمرين، إما القضاء على خصوم المنهج من أهل السنة وتكوين إمارة في طرابلس والشمال، قبل الصدام مع حزب الله في الجنوب، وإما التحول إلى قوة سنية مقتدرة مؤيدة بجمهور واسع، وتجاوز تيار المستقبل الذي بات معروفاً بعجزه وعمالته للسعودية وأمريكا، وفي مرحلة لاحقة الزحف نحو الجنوب. لكن قيادة التنظيم اصطدمت بالجمهور السني قبل أن تتخذ الخيار الأسلم، ومن يعرف الذي حدث في مخيم نهر البارد، يعلم أن معظم من سقطوا من فتح الإسلام كان على أيدي الأهالي سواء في طرابلس أو في محيط المخيم، لا سيما أثناء الخروج الكبير، ولم تتحرك الجماعات الجهادية لنصرة التنظيم لهذا السبب أي فقدان تأييد الناس.
لكن قبل التطرق إلى الأخطاء التي ارتكبتها جماعة الإسلام، فأضاعت فرصة سانحة قد لا تتكرر بسهولة، سأستعيد نقاطاً أساسية ذكرها أسد الجهاد2 أخيراً، وهي تنفع في رسم الإطار قبل مناقشة المقدسي في السياق الذي رسمه لاستعادة التجربة ودروسها.
1- أشار أسد الجهاد2 إلى "أن قوّة سوريا الحالية تكمن في استخباراتها الخائنة"، وكشف تفاصيل المؤامرة التي أدت إلى اعتقال الشيخ العبسي، وطريقة استدراجه وسبب ذلك، والمكان الذي وقع فيه الاشتباك، كما الجهات العميلة في لبنان التي أوقعت به، وذكر تحديداً دور هاشم منقارة القيادي في حركة التوحيد في طرابلس والذي كان معتقلاً في السجون السورية لأكثر من 15 عاماً، قبل أن يخرج بوساطة من نجيب ميقاتي رئيس الحكومة السابق، والمتحالف الآن مع تيار المستقبل انتخابياً. ولميقاتي مصالح وصداقات معروفة مع النظام السوري.
2- قال أسد الجهاد2 إن سوريا أرادت استدراج قيادات من دولة العراق الإسلامية عن طريق العبسي المراقَب من الاستخبارات السورية، فلما لم تنجح في استدراج أحد، قامت بالاشتباك مع العبسي واعتقاله، وهي تريد من ذلك المقايضة عليه للتخلص من المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري. وهنا، تبدو القراءة دقيقة مع فهم عميق لكيفية تفكير القيادة البعثية في سوريا، فهي من أيام حافظ إلى بشار، تعمد إلى جمع الأوراق على طاولة التفاوض، ولم يتغير شيء في تفكير هذه القيادة.
3- ذكر أسد الجهاد2 أمراً بالغ الخطورة، فبعثيو سوريا لا يحاولون استدراج الجهاديين فقط، بل هم يعملون على اختراق الجماعات الجهادية في لبنان وسوريا، وقد حققوا بعض النجاح في ذلك، وهذا الأمر لا يستثني فتح الإسلام أيضاً بدليل حادثة تسليم العبسي ثم ابنته إلى سوريا. ولا يقول القيادي في القاعدة هذا دون توافر معلومات أكيدة، بدليل السكوت الطويل للقاعدة منذ أحداث نهر البارد، والتحدث فقط بتقدير عالٍ عن الشيخ العبسي والتنبيه لما تعرض له مخيم نهر البارد من جانب الدكتور الظواهري وأمير الدولة أبي عمر البغدادي ووزير دفاعه أبي حمزة المهاجر، ثم عدم الاتصال بالناجين من فتح الإسلام، كما يؤكد المقدسي نفسه.
4- يوجه أسد الجهاد2 اتهاماً مباشراً إلى هاشم منقارة ليس فقط بعملية تسليم العبسي، بل أيضاً باختراق جماعة جهادية معينة لم يكشفها، لتحقيق أهداف سورية منها ترويج علاقتها بآل الحريري من جهة، وجمع المعلومات عن الجماعات الجهادية من جهة أخرى، ثم لبيع المعلومات والمعتقلين إن أمكن إلى أمريكا وفرنسا.
أما المقدسي فيروي قصة التأسيس ويذكر العوامل التي دفعت إلى الانتقال من مخيمات بيروت إلى مخيم نهر البارد البعيد عن نفوذ حزب الله وعن الجبهة في الجنوب، ثم يبرر الدخول المستعجل في الصراع قبل الأوان، ويشكو بعد ذلك من تخاذل أهل السنة عموماً، وعدم نصرة الجماعات الجهادية في لبنان لهم، بل يعتب على القاعدة نفسها لأنها لم تعمد إلى الاتصال بفتح الإسلام لا بعد معركة نهر البارد، ولا بعد اعتقال قائد التنظيم شاكر العبسي. واللافت هنا، أن المقدسي يحاول التأكيد على دور فتح الإسلام في قيادة تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام الذي أعلن أسد الجهاد2 عن وجوده في حديثه الأخير، كما يعيد التذكير بخطة عمل اقترحها في مجال توحيد الجهود الجهادية في الشام، فيبدو في خلاصة الأمر، أن كلام أسد الجهاد2 دقيق لجهة عدم وجود صلة تنظيمية بين فتح الإسلام والقاعدة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون صلة فكرية. وأن محاولات الربط والارتباط لم تنجح حتى الآن كما يؤكد المقدسي والذي في مقابل ذلك ينفي بشدة وجود أي اختراقات استخبارية في تنظيمه، ولا سيما من طرف سوريا.
لكن ما يهم في هذه القراءة المختزلة إيراد العثرات التي وقعت فيها جماعة فتح الإسلام، والتي ذكرها المقدسي صراحة أو ضمناً، في محاولة لاستنتاج الدروس المفيدة:
1- التقصير الأمني في عملية التجنيد والتأسيس لتنظيم جهادي من داخل تنظيم فلسطيني علماني موالٍ لسوريا، منذ أكثر من 25 سنة، فبعدما خرج العبسي من السجون السورية والتي دخلها بسبب محاولاته مناجزة اليهود عبر الحدود، "بدأ بإجراء اتصالاته مع الإخوة وقرر تنفيذ الخطة، واستغل تنظيم الانتفاضة الموالي لسوريا الذي كان الشيخ شاكر تابعاً له وكان معه رتبة عقيد. واستطاع أن يقنع القيادة في هذا التنظيم بأنه يريد إعداد العدة لقتال اليهود من جبهة لبنان فوافق التنظيم. وبدأ المسير إلى الهدف فكان الشيخ شاكر يعمل بكل سرية ويتصل بمن يظن بهم الخير لنصرة الدين، وكان الشيخ يهدف إلى مسألة مهمة وهي تحويل الصراع مع اليهود من صراع فلسطيني يهودي إلى صراع الأمة مع اليهود لذلك كان يقبل في تنظيمه مجاهدين عرب وغير عرب من الموحدين. واستغل التنظيم التابع لسوريا بأن أدخل الشباب عن طريق سوريا بهويات مزورة باسم تنظيم الانتفاضة". فهل كان العبسي يتوقع أن يقوم بكل هذه العمليات المعقدة وأن يضم إليه مجاهدين عرباً دون أن ينتبه عملاء سوريا، بل دون أن تحاول الاستخبارات السورية زرع عملاءها داخل التنظيم. لذلك لا غرابة أن يعلن "بشار الأسد وكبار قادة النظام السوري المرتد بأنهم يعلمون أماكن سرية في لبنان لتنظيم القاعدة يتدرب بها ويؤسس هناك"، حيث قالوا إنهم مستعدون للإدلاء بالتفاصيل مقابل أن ترفع أمريكا عنهم الضغوط، وجاء ذلك قبل الإعلان عن التنظيم أواخر 2006.
2- ضياع الأولويات، حيث قال المقدسي إن العبسي وإخوانه حين انتقلوا إلى مخيم نهر البارد وسيطروا على مراكز فتح الانتفاضة ومخازن السلاح بسهولة بالغة، بدأوا بتدريب الإخوة من الجزيرة وتونس والجزائر والمغرب واليمن وليبيا وسوريا وفلسطين وجنسيات ليست عربية وإرسالهم إلى بلاد الرافدين وخاصة الاستشهاديين منهم لأن مشروع فتح الإسلام في هذه المرحلة كان تجنب الصراع، علماً بأن هدف التنظيم المعلن كان قتال اليهود والقوات الصليبية، أي ثمة مهمتان ثقيلتان: في لبنان لقتال اليهود، وفي العراق لقتال القوات الصليبية، وهذا كله في ستة أشهر فقط، مع الحرص أيضاً على تجنب الصراع، فهل تدريب الاستشهاديين في مخيم نهر البارد، كان ليؤدي ذلك المطلب في تلك الفترة التأسيسية الدقيقة؟ ثم يضيف المقدسي في موضع آخر، أن مشروع فتح الإسلام كان يستهدف كل بلاد الشام، "وقد درس الإخوة في فتح الإسلام مع إخوانهم في طرابلس إمكانية إعلان إمارة إسلامية في طرابلس عاصمة أهل السنة، بعد السيطرة السهلة على المخيم، ومبايعة بعض المجموعات الإسلامية لهم، فكانت فكرة إقامة إمارة إسلامية في طرابلس كي تكون مفتاح الصراع مع اليهود وعوناً لإخوانهم في بلاد الرافدين كي يستقطبوا أهل السنة المستضعفين في لبنان الذين ركضوا وراء الحريري المرتد، ومن أجل استقطاب أهل السنة بسوريا لأن حزب البعث بجبروته جعلهم يخافون من أنفسهم. وعندما يتم هذا الأمر يكون حزب البعث السوري في مأزق عميق وخطير فالمجاهدون يحاصرونه من جانبيه لبنان والعراق". ويستدرك المقدسي معتبراً أن "هذه كانت خطة وليس المبدأ الذي أُسس عليه تنظيم فتح الإسلام، فإن التنظيم كان يُحضر لأن يتصدر هو مواجهة اليهود بعدما أصبح حزب الله حارساً لليهود وليس محارباً لهم". فما هي أولويات التنظيم إذاً؟ قتال اليهود أم مقارعة النظام السوري ومحاصرته أم رفد مجاهدي العراق بالرجال المدربين؟ ولكلٍ من هذه الأهداف ظروفها وشروطها وحساباتها، فإن كان الهدف الأول هو قتال اليهود فكيف يكون ذلك مع افتتاح جبهة العداء مع سوريا وتهديد أمنها؟ وإن كانت محاصرة سوريا من جانبين فهل معنى ذلك أن سوريا ستكون ميدان جهاد عوض أن تكون ممراً للمجاهدين؟ أما إن كان الهدف هو تدريب المجاهدين وإرسالهم إلى العراق فلا يتناسب هذا مع استفزاز سوريا أو استعداء حزب الله، والاثنان يملكان شبكة استخبارية واسعة جداً في لبنان.
3- الحسابات الخاطئة، إذ يدلف المقدسي إلى بيت القصيد في أخدود نهر البارد ذلك أن "قيادة فتح الإسلام لم تتصور أن يتخذ الجيش قراراً بدخول مخيم البارد فهي في حساباتها السياسية أن يدوم الاشتباك يومين أو أكثر ثم تكون التهدئة كما حدث مراراً في مخيم عين الحلوة"، وثمة عقبات أمام دخول المخيم "لأمور عدة منها: أن هذا بحاجة لقرار دولي لأن دخول المخيمات له شأن خاص، وهي مسألة تتعلق بالأمم المتحدة، ولأن الوضع اللبناني تركيبته معقدة وسياساته شتى وفيه خلافات كبيرة جداً. ولكن أمريكا عجلت بالقرار لأنها تعلم من هم فتح الإسلام وما هو مخططهم الإستراتيجي وما هي أهدافهم المستقبلية". والخلاصة أن "هذه المعركة لم تكن في حسابات الإخوة لأنهم لو أرادوا أن يقاتلوا الدولة الصليبية لجهزوا عشرات الاستشهاديين ولدمروا لبنان، لأن الإخوة كان عندهم حوالي مئة من الاستشهاديين وكانوا يرسلون بعضهم إلى بلاد الرافدين بعد تدريبهم على السلاح". بل كان التنظيم يخطط لخطف رهائن يهود لكن التخوف من عواقب الصراع أجّل هذه العملية. والسؤال البديهي هو: لمَ لم تتردد قيادة التنظيم في بدء المواجهة ضد الجيش اللبناني ولم تخش من العواقب، رغم النصائح الكثيرة من جهات إسلامية متعاطفة معها، في حين ترددت في تنفيذ عملية ضد اليهود خوفاً من العواقب؟ فأيهما كان أجدى؟ افتتاح معركة ولو غير متكافئة مع اليهود ستُحرج فعلاً كل العملاء وتُكسب التنظيم شعبية هائلة كما يفعل حزب الله منذ عام 1982 أم خوض معركة خاسرة ضد أعداء الداخل وفي غير أوانها مع خسران البيئة الحاضنة طبيعياً لفتح الإسلام؟
4- عدم الوضوح، ونصل هنا إلى أدق نقطة في مسيرة فتح الإسلام، حيث يرفض المقدسي تبني أي عملية تفجير أو اغتيال اتهمت بها الجماعة أو حامت حولها الشكوك بسببها، ويبرر المقدسي هذا الموقف بالقول إن "الكشف وتبني أي عمل أمني له دراساته الخاصة لأن الحرب مع الطواغيت يجب أن تكون حرباً صامتة، بمعنى أن لا يعرف العدو من الذي يضربه، فإذا عرف العدو من الذي يضربه فقد سهل عليه ضرب تلك الجهة، ومن الخطا أن ندلي بمعلومات أمنية وإخواننا يقبعون في سجون الطواغيت". لكن الكشف من عدمه يخضع لحسب السيء والأسوأ، فقد يكون من المصلحة الأمنية للتنظيم عدم الكشف عن مسؤوليته أو عدم مسؤوليته عن بعض الأعمال، لتضليل العدو والتمويه عليه وإيهامه وإضاعة جهوده وموارده، لكن الموقف يختلف إذا كانت جهات متصارعة في الساحة، تتبادل كرة اتهام فتح الإسلام بعمليات اغتيال وزراء ونواب وقادة عسكريين وأمنيين في لبنان، فحزب الله ومن معه يوحي بأن الجماعات الجهادية أو القاعدة تحديداً هي وراء كل الاغتيالات والتفجيرات في لبنان لتبرئة النظام السوري وحلفائه، أما تيار المستقبل فلا يمانع في اتهام الجهاديين بكل تلك الأعمال، ما دام يتهمهم أصلاً بالعمالة لسوريا ونظامها البعثي، فما مصلحة جماعة فتح الإسلام في السكوت وترك الآخرين يستغلون اسمها لتوجيه رسائل دموية إلى الآخرين دون تحمل التبعات؟ بل إن عدم الوضوح يشوش الرؤية على أهل السنة في لبنان ويُبعدهم عن أي مشروع مستقبلي باعتباره تابعاً للمصالح السورية أو مخترقاً من الاستخبارات السورية على الأقل، وفي الحالتين لا مصلحة شرعية منظورة في السكوت. وإذا كانت فتح الإسلام ترغب في أن تكون جزءاً عضوياً من قاعدة الجهاد في بلاد الشام، فلا مناص كذلك من توضيح كثير من الغوامض التي هي عوائق حقيقية أمام أي مشروع جهادي متين. وقد دلت الأحداث الماضية على وجود ثغرات وعثرات لا بد من تداركها قبل الانطلاق من جديد.


منقول