تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حرب مذهبية بين الإباضية والمالكية في الجزائر



من هناك
05-03-2009, 11:25 PM
أصابع الاتهام موجهة لـ"أيادٍ أجنبية"
تجدّد المواجهات بين المالكية والإباضية في "مدينة الأشباح" بالجزائر



http://images.alarabiya.net/large_8408_71155.jpg
الاضطرابات بمدينة برّيان بدأت منذ مطلع 2008


الجزائر - رمضان بلعمري
تحولت مدينة بريان الجزائرية التي شهدت مواجهات طائفية بين أتباع المذهب المالكي والإباضي، إلى مدينة أشباح إثر إقفال المحال التجارية أبوابها استجابة لإضراب التجار المتضررين من أعمال التخريب، وذلك على طول الطريق الوطني رقم واحد الذي يقسم المدينة إلى جزأين، شرقي إباضي وغربي مالكي. وانتشرت فرق مكافحة الشغب وعناصر الأمن في مختلف شوارع وأزقة المدينة منعاً لحدوث مناوشات جديدة بين الشباب الذين انتفضوا بعد صلاة الجمعة الماضية 17-4-2009 في مواجهات دامية راح ضحيتها العشرات من الجرحى، بحسب روايات شهود عيان تحدثوا لـ"العربية نت".

وتواجه الجزائر أطول فتنة طائفية في تاريخ البلاد منذ الاستقلال، ويتعلق الأمر بالاضطرابات التي تعيشها مدينة برّيان (45 كلم عن ولاية غرداية) منذ مطلع عام 2008بين السكان المحليين أتباع المذهبين المالكي والإباضي.

وفي ما تتجه أصابع الاتهام لـ"أيادٍ أجنبية" بحسب عدة شواهد لم يتم التأكد من صحتها بعد، تحولت برّيان التي تعيش على النشاط التجاري إلى "مدينة أشباح"، بحسب الشهود.

وليست هذه المرة الأولى التي تشهد منطقة وادي ميزاب أحداث شغب، فقد اندلعت مواجهات عام 1975 ببني يزقن، وفي عاصمة الولاية غرداية عام 1985، والقرارة عام 1989، ثم في عاصمة الولاية مرة أخرى في شهر رمضان من عام 2004، وكانت أغلب هذه المواجهات ذات طابع اجتماعي بحت، لكن الاحتجاجات التي اندلعت مطلع عام 2008 بمدينة برّيان وتستمر حتى الآن، اتخذت طابعاً طائفياً بين أتباع المذهبين المالكي والإباضي، ويبلغ عدد سكان المدينة 45 ألف نسمة.


وتعود الشرارة التي أدت إلى اندلاع المواجهات في برّيان قبل 13 شهراً، إلى اعتراض شاب طائش "إباضي المذهب" سبيل سيدة "مالكية المذهب" بحي "كاف حمودة" عندما أصابها بإحدى ألعاب المفرقعات، ويستخدم الشباب عادة هذه الأنواع من الألعاب في الاحتفال بالمولد النبوي ومناسبات أخرى.


لكن الأمور تطورت لاحقاً إلى اعتبارها "قضية شرف"، ودخلت المدينة في حرب شوارع بين الشباب خلفت عشيتها قتيلاً إباضي المذهب، ثم دخلت المدينة في مشهد دراماتيكي في أعمال تخريب متبادل وترحيل للسكان من الجانبين على أساس مذهبي وانتهت بتقسيم المدينة إلى جزأين، أحدهما إباضي خالص والآخر مالكي خالص.

فرضية التدخل الأجنبي
وأمام غموض صورة ما يجري، رجح بعض المراقبين فرضية تورّط "أيادٍ أجنبية" في تحريك الفتنة في برّيان، بالاعتماد على عدة شواهد لم يتم التأكد من صحتها بعد، فقد صرح مبعوث الرئيس بوتفليقة للمنطقة، الوزير دحو ولد قابلية، للصحف بوجود "أطراف خارجية تحرك أحداث العنف في برّيان، وبأنه سيأتي الوقت للكشف عنها".

ونشر موقع "كل شيء عن الجزائر" الإخباري مقالاً عن "قيام مجهولين برفع الراية الخضراء للدولة الرستمية التي أسسها زعيم الإباضية الرحمن بن رستم فوق مباني السكان الإباضيين".

وتحدث تقرير أمني تم إنجازه عقب أحداث برّيان شهر مارس الماضي، بحسب الموقع الإلكتروني، عن "نشاط جهات أجنبية في منطقة برّيان، وقاد التحقيق إلى توقيف عدد من الأشخاص المشبوهين الغرباء عن المدينة، وتبين لاحقاً أن لديهم حسابات بنكية بالعملة الأجنبية".

وأعرب الإعلامي حكيم عزي، الذي نجا من الموت في أحداث الجمعة الماضية ببرّيان، في حديث مع "العربية.نت" عن استغرابه من أن "تشتعل المواجهات في برّيان في الوقت الذي يعيش الإباضيون جنباً إلى جنب مع المالكية بأمان في عدة مدن بالبلاد، كما هو الشأن بالأغواط وورقلة والجزائر العاصمة، وحتى غرداية التي تعد أكبر معاقل الإباضية".

بنود ميثاق الصلح
وطيلة 13 شهراً لم يتوقف أتباع المذهبين في برّيان عن تبادل الاتهامات لتحديد المسؤول الأول عن إشعال الفتنة الطائفية، وبالنسبة للسيد نصر الدين حجاج لرئيس بلدية برّيان المقال من منصبه، والمنتمي سياسياً لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني)، متحدثاً لـ"العربية.نت" عبر الهاتف، فإن "إقالته لم توقف المواجهات، محملاً مسؤولية التدهور للسلطات المحلية التي بقيت تتفرج ولم تأمر الشرطة بالتدخل في أول ليلة من المواجهات قبل 13 شهراً".

لكن رئيس الحكومة السابق عبدالعزيز بلخادم كان قد تنقل شخصياً صيف 2008 إلى برّيان لتهدئة الخواطر، وأثمرت مساعي السلطة طيلة سنة عن توقيع ميثاق للصلح نهاية مارس 2009 بين أعيان المذهبين المالكي والإباضي.

وتم الاتفاق على جملة من البنود، أهمها إنشاء وحدات دائمة للشرطة والدرك في برّيان، وإعفاء التجار من الضرائب لمدة عامين، ورفض تحويل الطريق الوطني رقم واحد الذي يعبر المدينة، وعقد لقاءات صلح عرفية بين العائلات التي فقدت ضحايا من الجانبين.

واتصلت "العربية.نت" بالناطق الرسمي باسم الجماعة الإباضية الدكتور داود بورقيبة، لمعرفة حقيقة المعلومات المتداولة بشأن قيام أشخاص يمثلون المذهب الإباضي بمراسلة جهات دولية، ومنها أشخاص بدولة البحرين، لطلب الحماية الدولية كـ"أقلية طائفية"، فرد على ذلك بورقيبة قائلاً "بصفتي الناطق باسم أعلى هيئة تمثل الجماعة الميزابية الإباضية أؤكد أننا لم نتصل بأي شخص أجنبي ولا نقبل بتدويل قضية برّيان، ونحن واعون تمام الوعي بأن المشاكل التي نواجهها هي مشاكل محلية تحل بيننا ولا ترقى لأن تكون ذات طابع وطني أو دولي".

وقال بورقيبة "نحن مخلصون لبلدنا ونقدر صدق وإخلاص المسؤولين الذين نتواصل معهم لحل الأزمة الحاصلة، ونحن في انتظار مباشرة لجنة التحقيق العليا مهامها لكشف المتورطين في إشعال نار الفتنة".

وخلافاً لحالة الطوارئ التي تعيشها مدينة برّيان، ظلت منطقة غرداية في جنوب الجزائر مضرب المثل في التعايش بين المذهبين المالكي والإباضي، كما تشتهر المنطقة بازدهار تجارتها ويحتكم سكان وادي ميزاب، (وهو اسم شهرتها) إلى نظام قائم على التكافل الاجتماعي قلما يوجد له نظير في باقي الولايات الجزائرية الأخرى. وأكثر من ذلك، فقد أنجبت مدينة "وادي ميزاب" شاعر الثورة مفدي زكريا الذي كتب النشيد الوطني الجزائري المعروف باسم "قسما".